المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لامية شيخ الإسلام ابن تيمية


أم محمد
24-11-2010, 10:40 PM
البسملة1

قال شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ-
فِي بَيانِ عَقِيدَتِهِ السَّلفيَّة:

يَا سَائِلِي عَنْ مَذْهَبِي وَعَقِيدَتِي
...................رُزِقَ الْهُدَى مَنْ ِللْهِدَايَةِ يَسْأَلُ

اِسْمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ فِي قَوْلِهِ
...................لا َيَنْثَنِي عَنْهُ َولاَ يَتَبَدَّلُ:

حُبُّ الصَّحَابَةِ كُلِّهُمْ لِي مَذْهَبٌ
...................وَمَوَدَّةُ الْقُرْبَى بِهَا أَتَوَسَّلُ

َوِلكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ سَاطِعٌ
...................لَكِنَّمَا الصِّدِيق ُمِنْهُمْ أَفْضَلُ

وَأُقِرُّ بِالْقُرْآنِ مَا جَاءَتْ بِهِ
...................آيَاتُهُ فَهْوَ الْقَدِيمُ الْمُنْزَلُ

وَجَمِيعُ آيَاتِ الصِّفَاتِ أُمِرُّهَا
...................حَقًّا كَمَا نَقَلَ الطِّرَازُ الأَوَّلُ

وَأَرُدُّ عُهْدَتَهَا إِلَى نُقَّالِهَا
...................وَأَصُونُهَا عَنْ كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ

قُبْحًا لِمَنْ نَبَذَ الْكِتَابَ وَرَاءَهُ
...................وَإِذَا اسْتَدَلَّ يَقُولُ: (قَالَ الأَخْطَلُ)!

وَالْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ حَقًّا رَبَّهُمْ
...................وَإِلَى السَّمَاءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ

وَأُقِرُّ بِالْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ الَّذِي
...................أَرْجُو بِأَنِّي مِنْهُ رَيًّا أَنْهَلُ

وَكَذَا الصِّرَاطُ يَمُرُّ فَوْقَ جَهَنَّمٍ
...................فَمُوَحِّدٌ نَاجٍ وَآخَرُ مُهْمَلُ

وَالنَّارُ يَصْلاَهَا الشَّقِيُّ بِحِكْمَةٍ
...................وَكَذَا التَّقِيُّ إِلَى الْجِنَانِ سَيَدْخُلُ

وَلِكُلِّ حَيٍّ عَاقِلٍ فِي قَبْرِهِ
...................عَمَلٌ يَقَارِنُهُ هُنَاكَ وَيُسْأَلُ

هَذَا اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ وَمالِكٍ
...................وَأَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَحْمَدَ يُنْقَلُ

فَإِنِ اتَّبَعْتَ سَبِيلَهُمْ فَمُوَحِّدٌ
...................وَإِنِ ابْتَدَعْتَ فَمَا عَلَيْكَ مُعَوَّلُ


[فرَّغتُها -قبلَ سَنواتٍ- مِن دُروسِ : (شرح لامية ابن تيمية) للشَّيخِ سُلطان العِيد -حفظهُ اللهُ-].

أم محمد
29-12-2010, 02:29 AM
وهذا شرح مختصر على بعض أبيات اللاميَّة للشيخ زيد بن هادي المدخلي -حفظه الله-:

يا سَائِلِي عَنْ مَذْهَبِي وَعَقِيدَتِي /// رُزِقَ الْهُدَى مَنْ ِللْهِدَايَةِ يَسْـأَلُ
اسْمَـعْ كلاََمَ مُحَقِّــقٍ فِي قَوْلِهِ /// لا َيَنْثَنِي عَنْــهُ َولاَ يَتَبَــدَّلُ
حُـبُّ الصَّحَابَةِ كُلِّهُمْ لِيَ مَذْهَبٌ /// وَمَــوَدَّةُ الْقُرْبَى بِهَا أَتَوَسَّـلُ
وَلِكُلِّهِــمْ قَـدْرٌ عَـلاَ وَفَضَائلٌ /// لَكِنَّمَا الصِّدِيـقُ مِنْهُـمْ أَفْضَـلُ
وَأُقِـولُ في الْقُرْآنِ مَا جَـاءَتْ بِهِ /// آيَاتُهُ فَهْـوَ الْقَدِيـمُ المُنْـزَلُ
وَأَقُـولُ قَــالَ اللهُ جَلَّ جَلالُهُ /// وَالْمُصْطَفَى الْهَـادِي وَلَا أَتَـأَوَّلُ
وَجَمِيعُ آيَـاتِ الصِّفَــاتِ أُمِرُّهَا /// حَقًّـا كَمَا نَقَلَ الطِّــرَازُ الأَوَّلُ
وَأَرُدُّ عُهْـدََتَهَــا إِلَى نُقَّـالِهَـا /// وَأَصُونُهَــا عَنْ كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ
قُبْحًـا لِمَنْ نَبَـذَ الْكِتَـابَ وَرَاءَهُ /// وَإِذَا اسْتَدَلَّ يَقُولُ قَالَ الأَخْـطَلُ

الشـرح


[انقطاع في أول الشريط الأول]

ثم شرع في البيان عن معتقده:


اسْمَـعْ كَــلاََمَ مُحَقِّــقٍ فِي قَوْلِـهِ /// لا َيَنْثَنِــي عَنْــهُ َولاَ يَتَبَــدَّلُ

وعدٌ منه بأنه سَيبيِّن معتقده بالأدلة من الكتاب والسُّنة، وهذا هو المحقَّق؛ فهو (محَقِّــقٍ فِي قَوْلِـهِ)؛ لأنه ينطلق من نصوص الكتاب والسنة.

و(لا َيَنْثَنِي): لا يرجع عنه.

وقوله: (لاَ يَتَبَــدَّلُ)؛ لأنه يقول الحق بنصوص شرعية صحيحة صريحة يبيِّنها بمعانيها الصحيحة، ولا يتأول شيئًا منها تأويلًا مذمومًا.


ثم بدأ بِعقيدته في أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:

حُبُّ الصَّحَابَــةِ كُلِّهُـمْ لِيَ مَذْهَبٌ /// وَمَــوَدَّةُ الْقُرْبَــى بِهَا أَتَوَسَّـلُ

فبيَّن معتقده، وأنه معتقد أهل السنة والجماعة، الذين مذهبهم حب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وكنا نتحدث -قريبًا- في هذا الموضوع بالذات؛ حب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين رضيَ اللهُ عنهُم وأرضاهم، وعرفنا منازلهم، وعرفنا أن أفضلهم الخلفاء الأربعة، وأن كل واحد منهم على فضلٍ عظيم، وعلى جانبٍ من الخير كبير, وإن كان بعضُهم أفضل من بعض كما أخبر الله -عز وجل- عن أفضلية المهاجِرين، ويتبعهم الأنصار، ويأتي مِن بعدهم أتباعهم، وبيَّن أفضلية مَن قاتلوا وأنفقوا مِن قبل الفتح على مَن قاتلوا وأنفقوا مِن بعد الفتح، وبيَّن فضل أصحاب الشجرة -بيعة الرضوان-، وبيَّن -أيضًا- فضل أصحاب بدر، إلى غير ذلك من الثناء على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فبيَّن هذا الإمام الجليل أنه يعتقد حُب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فلم يسلك مَسلك الروافض الذين غَلوا في بعضٍ -كعلي بن أبي طالب وأهل بيتِه-، وجَفوا آخرين -كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وأبي هريرة، وحفصة، وعائشة.. وغيرهم وغيرهم-، واتهموهم بالنفاق. ولم يسلك مَسلك الخوارج الذين كفَّروا عليًّا ومن معه، واستحلوا دماءهم وأموالهم.

وهذا هو معتقد الطائفة الناجية المنصورة.

وابن تيميـة -رحمه الله- يقول هذا هو مذهبه؛ حب أصحاب رسول الله -على التفصيل الذي مضى-.


... /// وَمَــوَدَّةُ الْقُرْبَى بِهَا أَتَوَسَّـلُ

أي: يود قرابة النبي -صلى الله عليه وسلم-كما سبق معنا في "العقيدة الواسطية"-قريبًا-، حب قرابة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين آمنوا به، وحب زوجاته الطاهرات المطهَّرات، حبُّهم مفترض وواجب، ولا يجوز بُغضهم وهضم حقهم -أبدًا-؛ لذا قال الله -تعالى-: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الروم: 23] أي: تودوني لقرابتي، تود قرابتي من أجلي.

وَلِكُلِّهِــمْ قَــدْرٌ عَـلاَ وَفَضَائلٌ /// لَكِنَّمَا الصِّدِيـقُ مِنْهُمْ أَفْضَـلُ


لكل واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منزلة رفيعة عند الله، وقدر عظيم عند الله والصالحين من عباد الله؛ لكن الصديق أعظمهم فضلًا، وخيرُهم بعد النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، وبعد الرسل والأنبياء السابقين.
هذه عقيدةُ الإمام ابن تيمية فيما يتعلق بأصحاب النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-. ثم بعد الصدِّيق: عمر الفاروق، وعثمان ذو النورين، وعلي بن أبي طالب أبو السبطين.


قال:


وَأُقِـولُ في الْقُــرْآنِ مَا جَـاءَتْ بِهِ /// آيَاتُهُ فَهْـوَ الْقَـدِيمُ المُنْـزَلُ

هذا بيان لمعتقده في القرآن الكريم؛ فهو يؤمِن بأن القرآن الكريم كتاب الله المنزَّل، مُنزَّل غير مخلوق، من الله بدأ وإليه يعود، وأنه حُروف وكلمات وآيات وسُوَر كلها كلام الله -تبارك وتعالى- ليس منها شيء من كلام البشر -أبدًا-؛ فجبريل مبلِّغ، ومحمد مبلِّغ -عليهما الصلاة والسلام-، والناس يتلون هذا القرآن الذي هو كلام الله -عز وجل- بأصواتِهم، ويكتبونه بأقلامهم، وذلك لا يخرجه عن كونه كلام الله -تبارك وتعالى-أبدًا-، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة مشى عليه هذا الإمام ابن تيمية -رحمه الله-.

قال:


وَأُقِـولُ في الْقُــرْآنِ مَا جَـاءَتْ بِهِ /// آيَاتُـهُ...

جاءت الآيات والأحاديث بأن القرآن منزَّل من عند الله، وأنه كلام الله؛ كما قال الله -عز وجل-: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]، وكما قال -عز وجل-: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]، وقال -تبارك وتعالى-: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3].

إذًا؛ فهو منزَّل من عند الله -تبارك وتعالى-، تكلم به قولًا، وأنزله وحيًا، وبلَّغه جبريل، وبلَّغه محمد بدون زيادة ولا نقصان؛ فنِسبته إلى جبريل وإلى محمد نسبة تبليغ، ونسبته إلى الله -عز وجل- هو كلامه، قوله حقيقةً، لا كما يقول أهل البدع والضلال مِن أن القرآن مخلوق! ومنهم مَن نفى هذه الصفة -كغيرها من الصفات- نفيًا باتًّا، ومنهم من خبَّط فيها بدون علم ؛ فقالوا: إن القرآن كلام الله بلا حرف ولا صوت! ونحو ذلك، ومنهم مَن توقف! وكل هذا ضلال.
والمعتقد الصحيح هو ما مشى عليه أهل السنة و الجماعة، ومنهم هذا الإمام الجليل: أن عقيدته في القرآن ما جاءت به آياتُ القرآن؛ فهو القديم المنزَّل، والمراد به: أي أنه صفة الله، أنه قديم النوع، حادِث الآحاد، وهذا ما يعبِّر به السلف في القرآن؛ يقولون: (قديم النوع، حادث الآحاد) أي: إنه صفة لله -تبارك وتعالى- من صفاته، و(حادِث الآحاد): أي النزول؛ فإن الله -تبارك وتعالى- أنزله في ثلاث وعشرين سنة -على قول جمهور أهل العلم-، أنزله في ثلاث وعشرين سَنة؛ تنزل السورة، وتنزل الآيات، وتنزل -يعني- آية واحدة.. وهكذا؛ حتى اكتمل نزول القرآن والسنَّة المطهرة في ثلاث وعشرين سنة، ولما اكتمل الوحيان انتقل النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- إلى الرفيق الأعلى؛ توفاه الله كغيره من الرسل والأنبياء الذين سبقوه؛ كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34]، ثم أخبر الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، اكتملت نزولاً دل على ذلك نصوص الكتاب والسُّنة.


وَأَقُـولُ قَـالَ اللهُ جَـلَّ جَلالُـهُ /// وَالْمُصْطَفَـى الْهَـادِي وَلا أَتَـأَوَّلُ

يعني: يقول في القرآن الكريم -بل وفي غيره من الصفات- يقول بما قال الله، وبما قال الرسول الهادي -عليه الصلاة السلام-، والذي قاله الله، وقاله رسولُه: أن القرآن مُنزَّل من عند الله غير مخلوق، كما سبق في الآيات التي ذكرتُها -آنفًا-: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3]، {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]، {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن: 1]، وقوله -عز وجل-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4].. آيات القرآن شاهدة بأن القرآن مُنزَّل من عند الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يَعود، وأنه قديم النوع وحادِث الآحاد، فلم ينزل جملةً واحدة؛ وإنما نزل مفرَّقًا في ثلاث وعشرين سنة بحسب الحوادث والوقائع والأسئلة التي ترِد على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فيأتي جوابها من عند الله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [النازعات: 42] أسئلة.. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيه الجواب من عند الله فيجيبهم، وما قاله الله -عز وجل- بلَّغه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


وَجَمِيعُ آيَـاتِ الصِّفَــاتِ أُمِرُّهَا /// حَقًّـا كَمَا نَقَلَ الطِّــرَازُ الأَوَّلُ
وَأَرُدُّ عُهْـدََتَهَــا إِلَى نُقَّـالِهَـا /// وَأَصُونُهَــا عَنْ كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ
قُبْحًـا لِمَنْ نَبَـذَ الْكِتَـابَ وَرَاءَهُ /// وَإِذَا اسْتَدَلَّ يَقُولُ قَالَ الأَخْـطَلُ

يقول -رحمه الله- الإمامُ ابن تيمية في "لاميته":


وَجَمِيعُ آيَـاتِ الصِّفَــاتِ أُمِرُّهَا /// حَقًّـا كَمَا نَقَلَ الطِّــرَازُ الأَوَّلُ

آيات الصفات في كتاب الله -عز وجل- يجب إمرارُها كما جاءت، وهذا مذهب السلف -في كل زمان ومكان- إمرارها كما جاءت لما جاءت له، وليس المراد بالإمرار: التفويض؛ وإنما إمرارها كما جاءت للمعاني التي جاءت لها بالفهم الصحيح.

فكلما وجدنا نصًّا من القرآن فيه إثبات اسمٍ لله، أو صفة لله -عز وجل-؛ نُمرها كما جاءت؛ أي: للمعنى الذي جاءت له، مبينين ذلكم المعنى؛ فمثلاً قول الله -عز وجل-: {وَهُو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (قدير): اسم لله عز شأنه، من أسماء الله الحسنى؛ دل على إثبات صفة القدرة، صفة ذاتية تليق بعظمة الله وجلاله، لا تشبيه، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولا تأول؛ هذا معنى الإمرار -إمرارها-، مع بيان ما دلت عليه من المعنى.

ومثل ذلك: النصوص النبوية التي جاءت في باب الأسماء والصفات؛ كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مئةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة"؛ فيؤمن المؤمن بهذه الأسماء، وليس المقصود منها الحصر -أيضًا-، وإنما لله أسماء حسنى استأثر بعلمها؛ كما في الدعاء المأثور: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك" الحديث.

ودلالتها على الصفات ظاهرة؛ لذا قال -رحمه الله-:

وَجَمِيعُ آيَـاتِ الصِّفَــاتِ أُمِرُّهَا /// حَقًّـا كَمَا نَقَلَ الطِّــرَازُ الأَوَّلُ

أي: من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتبعهم على ذلك أئمة العلم من التابعين وأبناء التابعين -من القرون المفضلة-، ومشى على هذا الدرب أتباع الطائفة الناجية المنصورة.
والمراد بـ(الطراز الأول): أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأهل القرون المفضلة.

وَأَرُدُّ عُهْـدََتَهَـا إِلَى نُقَّـالِهَـا /// وَأَصُونُهَــا عَنْ كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ

(وَأَرُدُّ عُهْـدََتَهَـا): أي جميع نصوص الصفات. (إِلَى نُقَّـالِهَـا) يعني: إلى من نقلوا نصوص الصفات؛ لأن الدِّين أُخذ من الثقاتِ عن الثقات -كتاب الله، وسُنة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فالثقات رواياتهم مقبولة، وعلومهم منقولة، وهم أهل الصواب.

ويجب صيانتها من التحريف والتأويل الباطل، والتعطيل، كما يجب -أيضًا- صيانتها عما يتخيله أهل الباطل من أهل البدع والضلال ممن ضلوا في هذا الباب.

ثم قال:

قُبْحًـا لِمَنْ نَبَـذَ الْكِتَابَ وَرَاءَهُ /// وَإِذَا اسْتَدَلَّ يَقُولُ قَالَ الأَخْـطَلُ

هذا دعاء على مَن يترك في الاستدلال -سواء في هذا الباب: باب الأسماء والصفات، أو غيره- يترك الاستدلال بـما قال الله، وقال رسوله، ويعمد إلى أقوال الرجال.

وفي قوله: (قَالَ الأَخْـطَلُ): يشير إلى الذين حرَّفوا صفة الاستواء، فسَّروا الاستواء -وهم الأشاعرة فمَن فوقهم من المعتزلة والجهمية- فسَّروا الاستواء بالاستيلاء. أما الجهمية؛ فنفت الصفة نفيًا باتًّا، والمعتزلة -كذلك- نفوا الصفات، والأشاعرة هم الذين أوَّلوا تأويلًا باطلًا، فقالوا في صفة الاستواء: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] أي: استولى. واستدلوا على هذا التفسير الخاطئ بقول الأخطل النصراني:
بِشرٌ قد استوى على العراق .. من غير سيف أو دم مِهراق

لذا أشار إلى هذا البيت الإمام ابن تيمية -رحمه الله-، وخطَّأ من تمسكوا به، واستدلوا على أن الاستواء يفسَّر بالاستيلاء وعلى ذلك كلام العرب! والأخطل النصراني ليس من العرب، وليس ممن يُعتد بعربيَّتهم، قالوا: يفسَّر الاستواء بالاستيلاء بدليل قول الشاعر: (بِشرٌ قد استوى على العراق) أي: استولى!

وتركوا تفسير السلف الصالح وأتباعهم الذين هم أولى بفهم نصوص الكتاب والسُّنة، وأولى بفهم أبواب العلم لا سيما هذا الباب العظيم الذي هو أصل الدين وقاعدته.



[فرغتُه من مادة صوتية موجودة في موقع الدعوة السلفية بصامطة - قسم صوتيات الشيخ زيد المدخلي -حفظه الله-].

حمزة أحمظ إسماعيل
20-10-2017, 05:05 PM
البسملة2
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي **** رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَولِه **** لا يَنْثَني عَنهُ ولا يَتَبَدَّل
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلِّهُمْ لي مَذْهَبٌ **** وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّل
وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ ساطِعٌ **** لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَل
وأُقِرُّ بِالقُرآنِ ما جاءَتْ بِهِ **** آياتُهُ فَهُوَ الكريم المُنْزَلُ
وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّها **** حَقاً كما نَقَلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
وأَرُدُّ عُقْبَتَها إلى نُقَّالِها **** وأصونُها عن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ
قُبْحاً لِمَنْ نَبَذَ الكِتَابَ وراءَهُ **** وإذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ
والمؤمنون يَرَوْنَ حقاً ربَّهُمْ **** وإلى السَّماءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
وأُقِرُّ بالميزانِ والحَوضِ الذي **** أَرجو بأنِّي مِنْهُ رَيّاً أَنْهَلُ
وكذا الصِّراطُ يُمَدُّ فوقَ جَهَنَّمٍ **** فَمُوَحِّدٌ نَاجٍ وآخَرَ مُهْمِلُ
والنَّارُ يَصْلاها الشَّقيُّ بِحِكْمَةٍ **** وكذا التَّقِيُّ إلى الجِنَانِ سَيَدْخُلُ
ولِكُلِّ حَيٍّ عاقلٍ في قَبرِهِ **** عَمَلٌ يُقارِنُهُ هناك وَيُسْأَلُ
هذا اعتقادُ الشافِعيِّ ومالكٍ **** وأبي حنيفةَ ثم أحمدَ يُنْقَلُ
فإِنِ اتَّبَعْتَ سبيلَهُمْ فَمُوفق **** وإنِ ابْتَدَعْتَ فَما عَلَيْكَ مُعَوَّلُ