المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القلب المكاني وكلمة ( أشياء )


أبو عبد الله
09-07-2008, 07:53 PM
القلب المكاني هو : تقديم بعض حروف الكلمة على بعض ، وهو من سنن العرب في كلامها ، وقد ذكره ابن فارس في كتابه (الصاحبي) ، ومثّل له بقولهم : (جذب وجبذ) ، وبقولهم : (بكل ولبك ) ، بمعنى : خلط ، وذكر له السيوطي في كتابه (المزهر) نحو مائة كلمة .
والقلب المكاني معروف في العربية ، كما أنه معروف في العامية ، ومن ذلك قولنا : (أرانب وأنارب) و(مسرح ومرسح) .
وقد اختلف العلماء في وزن كلمة (أشياء) على مذاهب متعددة ، منها مذهب جمهور البصريين ، وهو أن (أشياء) على وزن (لفعاء) وأن فيها قلبا مكانيا ، والأصل فيها: شيئاء ، على وزن فعلاء ، ثم قدمت الهمزة التي تقابل لام الكلمة ، فصارت (أشياء) على وزن (لفعاء) . وعلى هذا الرأي تكون الكلمة قد حدث فيها قلب مكاني .
والذي دفع العلماء إلى ذلك ان الكلمة قد جاءت في القرآن ممنوعة من الصرف ، وذلك في قوله تعالى : (( لا تسألوا عن أشياءَ إن تبد لكم تسؤكم)) ، فلوكانت على وزن أفعال لم تمنع من الصرف ، فاختاروا أن تكون على زنة (لفعاء) بألف التأنيث الممدودة .
وواقع المر أن الكلمة لم يقع فيها قلب مكاني ، ويدل على ذلك قول ابن فارس ـ رحمه الله ـ : وليس من هذا (القلب) فيما أظن من كتاب الله ـ جل ثناؤه ـ شيء .
وإنما منعت كلمة (أشياء) من الصرف لسبب آخر ، وهو مجيء (إن) بعدها ، فلو قيل : عن أشياءٍ إن تبد لكم ... كان في العبارة ثِقل .
على أن هذا القول ليس هو القول الفصل ، فربما يكون صوابا ، وربما يكون غير ذلك ؛ لأن الكلمة لم ترد ـ في القرآن ـ إلا في هذا الموضع ـ وحده ـ ، وأحسب أن المسألة بحاجة إلى باحث همام ، ينقطه إلى دواوين الشعر العربي ؛ ليخرج لنا كلمة(أشياء) ، وهل وردت مصروفة أو ممنوعة من الصرف ؛ لنصل في النهاية إلى القول الفصل . والله الهادي إلى سواء السبيل .

فيصل المنصور
09-07-2008, 10:33 PM
نفعَ الله بكَ أخي أبا عبِد الله ،

لي تعليقٌ على قولِكَ :
وإنما منعت كلمة (أشياء) من الصرف لسبب آخر ، وهو مجيء (إن) بعدها ، فلو قيل : عن أشياءٍ إن تبد لكم ... كان في العبارة ثِقل .

فهذا القولُ المحدَثُ غيرُ صوابٍ في رأيي من وُّجوهٍ :
1- أنَّ الاعتلالَ لمنعِ المصروفِ بالثِّقلِ اعتلالٌ ضعيفٌ من حيثُ :
أ- إنَّها معدومةُ النظيرِ ؛ فليسَ في القرآنِ من أمثالِها ما يُركَنُ إليهِ .
ب- إنَّ ما استحقَّ الصرفَ في العربيةِ لا يُمنعُ ، لأنَّ في ذلكَ نقصًا من حقِّهِ وبخسًا ؛ حتى بلغَ من ذلكَ أن منعَ البصريونَ إلا الأخفشَ منعَ ما ينصرفُ في ضرورةِ الشِّعرِ ؛ فكيفَ الحالُ في كلامِ الله تعالَى ؟!
ج- إنَّ علةَ الاستثقالِ منتقضةٌ بقولِهِ تعالَى : (( قالوا ما أنزلَ الرحمنُ من شيءٍ إنْ أنتمْ إلا تكذبون )) [ ياسين : 15 ] ؛ فقولُه : (( إِنْ أَنْ )) ( /ه/ه ) كما لو قالَ : ( أشياءٍ إِنْ ) فهو ( /ه/ه ) . فإن قيلَ : إن ( أشياءَ ) يمكنُ التخلصُ من ثِقَلِها بمنعِ الصرفِ . أما ( إن أنتم ) ، فلا يُمكِنُ . قلتُ : هذا معَ ما فيهِ منَ الضعفِ الذي أبنتُ آنفًا ، قد يفضي بصاحبِهِ إلى الكفرِ ؛ كأنَّه جعلَ الله تعالَى عاجِزًا عن التخلُّصِ من الثقلِ ، ومن جهةٍ أخرَى ، حينَ ادَّعَى أنَّ في كلامِ الله تعالَى ثِقَلاً كانَ الأفصحَ اجتنابُهُ . فإمَّا أن يُقِرَّ بلازمِ قولِهِ هذا ، وإمَّا أن يرجعَ عنهُ .
د- أنَّه ليسَ في ( أشياءٍ إنْ ) لو كانت كذلكَ استثقالٌ ، كما في قولِه : (( إنْ أنتم )) ؛ بل إنَّكَ إذا نطقتَ بها وجدتَّ فيها جَرسًا جميلاً ، وحسنَ إيقاعٍ ، وسَلاسةً في المخرَجِ .

2- أنَّه لو صَحَّ كلامُكم هذا في وجهِ العلةِ ، لكانَ لا ينبغي أن ترِدَ ( أشياء ) ممنوعةً منَ الصرفِ في غيرِ كلامِ الله تعالَى . وهذا فاسدٌ من وُّجوهٍ :
أ- ورودُها في الشعرِ القديمِ ممنوعةً . ومن ذلكَ قولُ أُحيحة بن الجلاح ( جاهليّ قديمٌ ) :
وأعرضُ عن أشياءَ لو شئتُ نِلتُها *** حياءً إذا ما كانَ فيها مقاذعُ
وقالَ زهير بنُ أبي سلمى ( جاهلي ) :
قلتُ لها : يا اربعي أقل لكِ في *** أشياءَ عندي من علمِها خبَرُ
وقالَ المقنّع الكندي ( إسلامي ) :
يعاتبني في الدين قومي وإنما *** ديونيَ في أشياءَ تكسبُهم حمدا
ب- أنَّها لو كانتْ كما يقولونَ ، لعلةِ الثِّقلِ ، لبلغَنا عن العربِ صرفُها ، ولم يبلغنا هذا ؛ بل العلماءُ الذين اجتهدوا في تخريجِها ، كسيبويهِ ، والكسائيّ ، والفراءِ ، لم يزعم أحدٌ منهم أنَّ العربَ تصرِفُها . ولو كانَ هذا ، لعوَّلوا عليه ، وأشاروا إليهِ ، وأدّاهم إلى وجهِ العلّةِ .



أبو قصي

أبو عبد الله
10-07-2008, 02:18 PM
السلام عليكم ورحمة الله أستاذنا الجليل أبا قصي ـ حفظه الله ـ
وبعد ،،، فشكر الله لكم ، وجزاكم عنا خير الجزاء ، ونفعنا بعلمكم في الدارين . وأحمد الله على هذه الفائدة التي أفدتني إياها ، وهي وجود الكلمة ممنوعة من الصرف في الشعر العربي القديم ، وهو ما كنت أرجو العثور عليه .
أما القول بأن (أشياء) ممنوعة من الصرف للثقل ، فهو قول لا وزن له ولا قيمة ، بعد الذي ذكرتموه . وإني لسائلك يا سيدي : هل لكم مؤلفات في هذا العلم الجليل ؟ وهل يمكن أن تدلوني عليها ؛ لأفيد منها .
الأستاذ الجليل : أدعو الله ـ عز وجل ـ أن ينفعنا بعلمك ، وأن يبارك في جهدك . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

محمد حمدى عبد الفضيل
25-12-2011, 08:52 PM
أشكر أخى (أبو قصى)وأشكر أخى(أبوعبد الله) جزاكم الله خيرا