المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وبشر الصابرين


أم محمد
10-12-2010, 11:37 PM
البسملة1



هذه باقة عطرة من الأحاديث النبوية الصحيحة انتقيتُها من "عِدَة الصابرين" للإمام ابن القيِّم -رحمه الله-؛ مواساةً وتبشيرًا للمرضى والمُبتَلَين من المسلمين، وأسأل الله أن يجعلنا -جميعًا- من الصَّابرين في البأساء والضرَّاء [وما كان بين معقوفين؛ فمن حاشية الشيخ سليم الهلالي على الكتاب]:


- في " صحيح البخاري " مِن حديث أنس أنَّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قال:
" إِذا ابْتَلَيْتُ عَبدِي في حبِيبَتَيْه ثُمَّ صبَر؛ عوَّضتُه مِنهُما الجنَّةَ ".
[أخرجه البخاري (5653)]

- وعند " الترمذيِّ " في الحديث:
" إِذَا أخذْتُ كَرِيمتَيْ عَبدِي في الدُّنْيا؛ لَم يَكُنْ له جَزاءٌ عِندِي إِلَّا الجَنَّةَ ".
[صحيح - أخرج الترمذي (2400)، وقال: حسن غريب]

- وفي " التِّرمذيِّ" -أيضًا- عن أبي هريرةَ -رَضِي اللهُ عَنهُ- قال: رسول الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-:
" يَقولُ اللهُ -عزَّ وجَلَّ-: مَن أذهَبْتُ حَبيبتَيْه فَصَبَر واحتَسَبَ؛ لَم أرضَ لهُ ثَوابًا دُون الجنَّةِ ".
[صحيح - أخرجه الترمذي (2401)، وقال: حسن صحيح]

- وفي "صحيح البخاري" من حديث أبي هريرة: قال رسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
" يقولُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-: ما لِعَبدِي المؤمِنِ جَزاءٌ إذا قبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهلِ الدُّنيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلا الجَنَّة ".
[أخرجه البخاري (6224)]

- وفي "صحيحِه" -أيضًا- عن عطاء بن أبي رَباح قال: قال لي ابنُ عبَّاس: ألا أُريكَ امرأةً مِن أهلِ الجنَّة؟ قلتُ: بلى. قال: هذه المرأةُ السَّوداءُ أتتِ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- فقالت: يا رسولَ الله! إني أُصرَعُ، وإني أتكشَّف؛ فادْعُ اللهَ لي. قال:
" إنْ شِئتِ صَبرتِ ولكِ الجنَّة، وإنْ شِئتِ دَعوتُ اللهَ تَعالَى أنْ يُعافِيَك ". فقالت: أصْبِر. وقالتْ: إنِّي أتكشَّفُ فادْعُ اللهَ أن لا أتكشَّفَ؛ فدَعا لها.
[أخرجه البخاري (5652)، ومسلم (2576)]

- وفي "الموطأ" من حديث عطاء بن يَسار: أنَّ رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قال:
" إِذا مَرِضَ العبدُ بَعَثَ إليه مَلَكَيْن، فقال: انظُرَا مَاذا يَقولُ لِعُوَّادِهِ، فَإِنْ هُو إِذْ جاؤُوهُ حَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيهِ، رَفَعا ذَلِكَ إلى اللهِ وَهُو أَعلَمُ، فَيَقُول: إِنَّ لِعَبدِي عَليَّ إِن تَوَفَّيْتُهُ أَن أُدخِلَهُ الجنَّةَ، وإِنْ أنَا شَفَيتُهُ أن أُبدلَهُ لَحْمًا خَيرًا مِن لَحمِهِ، ودَمًا خَيرًا مِن دَمِه، وأَنْ أُكَفِّرَ عَنهُ سَيِّئاتِه ".
[صحيح لغيره - أخرجه مالك في "الموطأ" (2/840/5)]

- وفي "الصَّحيحَيْن" أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قسَم مالًا؛ فقال بعضُ الناس: هذه قِسمة ما أريد بها وجهُ الله، فأُخبر بذلك رسول الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- فقال:
" رَحِم اللهُ موسى قد أوذِي بأكثَرَ من هذا فصَبر ".
[أخرجه البخاري (3405)، ومسلم (1602)]

- وفي "الصَّحيحَيْن" من حديث الزُّهري عن عُروة عن عائشة -رَضِي اللهُ عنهَا- قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-:
" ما مِن مُصيبَةٍ تُصيبُ المسلِمَ إِلا كَفَّرَ اللهُ بِها عَنهُ حتَّى الشَّوْكَة يُشاكُها ".
[أخرجه البخاري (5640)، ومسلم (2572) (49)]

- وفيهما -أيضًا- من حديث أبي سعيدٍ وأبي هريرة عن النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قال:
" ما يُصيبُ المُسلِمَ مِن نَصبٍ وَلا وَصَبٍ ولا هَمٍّ ولا حَزَنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ حتَّى الشَّوكةُ يُشاكُها إلا كفَّر اللهُ بِها خَطاياهُ ".
[أخرجه البخاري (5641 ، 5642)، ومسلم (2573)]

- وفي "صحيح مسلم" من حديث عائشة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- أنه قال:
" لا يُصيبُ المؤمِنَ مِن شَوكَةٍ فما فَوقَها إلا رَفَعَهُ اللهُ بِها دَرجةً، وحَطَّ عنه بِها خَطيئةً ".
[أخرجه مسلم (2572) (47) بلفظ: "ما يصيب المؤمن ... " الحديث]

- وفي "المسند" من حديث أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قال:
" لا يَزال البلاءُ بِالمؤمن أو المؤمِنَةِ في جَسَدِه وفي مالِهِ وفي وَلَدِه حتَّى يَلقَى اللهَ ومَا عَليهِ خَطيئةٌ ".
[حسن - أخرجه الترمذي (2399)، وأحمد (2/287 و450) ... ]

- وفي "الصَّحيحَيْن" عن عبدالله بن مسعود -رَضِي اللهُ عَنهُ- قال: دخلت على النبي -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- وهو يُوعَك وَعكًا شديدًا. قال: فقلت: يا رسول الله ! إنَّك لَتوعَك وعكًا شديدًا. قال:
" نعم، والَّذي نفسي بِيدِه؛ ما على الأرض مُسلمٌ يُصيبُه أذًى من مرضٍ فما سِواهُ إلا حطَّ اللهُ عنه بهِ خَطاياهُ كما تَحطُّ الشَّجرةُ اليابسةُ وَرقَها ".
[أخرج البخاري (5648)، ومسلم (2571)]

- وفي "الصَّحيحَيْن" أيضا - من حديث عائشة -رَضِي اللهُ عنهَا- قالت:
" ما رَأيتُ الوَجَعَ أشَدَّ منه على رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- ".
[أخرجه البخاري (5646)، ومسلم (2570)]

- وفي بعض "المسانيد" مرفوعًا:
" إنَّ الرَّجلَ لَتكونُ لهُ الدَّرجةُ عندَ اللهِ لا يَبلُغُها بِعَملٍ حتَّى يُبتَلَى بِبَلاءٍ في جِسمِهِ فَيبلُغَها بِذلِكَ ".
[حسن - أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (6095) ...]

- و ... عن عائشة -رَضِي اللهُ عنهَا- عنه قال:
" إِذا اشْتَكى المؤمِنُ أَخْلَصَهُ ذلك مِنَ الذُّنوبِ كما يُخلِّص الكِيرُ الخَبَثَ من الحدِيد ".
[صحيح - أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (497)]



يتبع إن شاء الله

أم محمد
14-12-2010, 02:56 AM
- وفي "صحيح البخاري" من حديث خبَّاب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- وهو مُتوسِّدٌ بِبُردةٍ له في ظلِّ الكعبةِ، فقُلنا: لا تَستنصِرُ لنا؟ ألا تَدعو لنا؟ فقال:
" قَدْ كَانَ مَن (قَبْلَكُمْ) يُؤخَذُ الرَّجُلُ فَيُحفَرُ لَهُ في الأرضِ فيُجعَلُ فِيها، ثُمَّ يُؤتَى بِالمِنشارِ فيُوضَعُ عَلى رأسِهِ فَيُجعَلُ نِصْفَينِ، ويُمشَطُ بِأمشاطِ الحديدِ ما دُونَ لَحمِهِ وعَظْمِه ما يَصُدُّه ذلك عن دِينِه، واللهِ؛ ليُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتَّى يَسيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنعاءَ إلى حَضرَمَوتَ لَا يَخافُ إلا اللهَ وَالذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلونَ ".
[أخرجه البخاري (3612)]

- وفي "الصَّحيحِ" مِن حديثِ أسامةَ بن زيدٍ قال: أرسلتْ ابنةُ النبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- إليه: أن ابنًا لي احتضرَ؛ فائتِنا، فأرسَلَ يُقريها السَّلام، ويقولُ:
" إنَّ للهِ مَا أَخَذَ، ولَهُ ما أَعْطَى، وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ ولْتَحْتَسِبْ ".
فأرسلتْ إليه تُقسِمُ عليه لَيأتِيَنَّها، فقام ومعهُ سَعدُ بنُ عُبادةَ ومُعاذُ بنُ جبلٍ وأُبَيُّ بنُ كعبٍ وزَيدُ بنُ ثابتٍ ورِجالُ، فرُفع الصَّبِيُّ إلى رسولِ الله، فأقْعَدَهُ في حِجرِه ونفسُه تُقَعْقِعُ كأنَّها في شِنٍّ، ففاضَتْ عَيناهُ، فقال سَعدٌ: يا رسولَ الله! ما هَذا؟ قال:
" هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَها اللهُ في قُلوبِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ، وَإنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِن عِبادِهِ الرُّحَماءُ ".
[أخرجه البخاري (5655)، ومسلم (923)]

- وفي "سنن النَّسائي" عن ابن عبَّاس قال: احتضرتْ ابنةٌ لرسولِ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- صغيرة، فأخذَها رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وضمَّها إلى صدْرِه، ثم وضعَ يدَه عليها وهي بين يدي رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فبكتْ أمُّ أيمنَ، فقلتُ لها: أتَبكِين ورسولُ اللهِ عندكِ؟ فقالتْ: ما لي لا أبكِي ورسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يبكي؟ فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
" إنِّي لستُ أبكي ولكنَّها رحمةٌ ".
ثم قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
" المُؤمِنُ بِخَيرٍ عَلَى كُلِّ حالٍ تُنزَعُ نَفسُهُ مِن بَيْنِ جَنبَيْهِ وَهُوَ يَحْمَدُ اللهَ عزَّ وَجَلَّ ".
[صحيح - أخرجه النَّسائي (4/12)]

- وفي "الصَّحيحَين" مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بن مَسعودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: كَأنِّي أَنظُرُ إِلى رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يَحكِي أنَّ نَبِيًّا مِنَ الأنبياءِ ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأدْمَوهُ، وَهُو يَمْسَحُ الدَّمَ عَن وَجْهِهِ وَيَقولُ:
" اللهُمَّ! اغْفِرْ لِقَومِي؛ فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ "؛ فتضمَّنت هذه الدَّعوةُ العفوَ عنهم، والدُّعاءَ لهم، والاعتذارَ عَنهم، والاستعطافَ بِقولِه لقومِه.
[هو عند البخاري (3477) وحده، وليس عند مسلم]

- وفي "الموطَّأ" من حديث عبدِ الرَّحمن بن القاسِم قال: قال رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
" لِيُعزِّ المسلمين في مصائِبِهم المُصيبةُ بي ".
[حسن - أخرجه مالك (1/236/41)]

- وفي "التِّرمذيِّ" مِن حديث يحيَى بنِ وثَاب عن شيخٍ مِن أصحابِ رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-:
" المُؤمِنُ الَّذِي يُخالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذاهُمْ أَعْظَمُ أجْرًا مِنَ المُؤْمِنِ الَّذِي (لا) يُخالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلى أَذاهُمْ ".
[صحيح - أخرجه البخاري في "الأدب المفرَد" (388)]

- وفي "جامع الترمذي" عنه -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-:
" إذا أحَبَّ اللهُ قومًا ابْتلاهم، فمَن رَضِي فَلَهُ الرِّضا، ومَن سخِطَ فَلَهُ السَّخطُ ".
[حسن - أخرجه الترمذي (2396) ...]

- وفي "صحيح مسلم" من حديث جابر بن عبدالله -رَضِي اللهُ عَنهُ-: أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- دَخلَ على امرأةٍ فقال:
" مَالَكِ تُزفزِفين؟ ".
قالت: الحُمَّى، لا باركَ اللهُ فيها.
قال:
" لا تَسُبِّي الحمَّى؛ فإنَّها تُذهِبُ خَطايا بَنِي آدمَ كمَا يُذهِبُ الكِيرُ خَبثَ الحديد ".
[مسلم (2575)]





يتبع إن شاء الله

أم محمد
20-12-2010, 12:51 AM
- وفي "المسند" وغيره عن أبي سعيد الخدري -رَضِي اللهُ عَنهُ- قال: دخلت على النبي -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- وهُو مَحمومٌ، فوضعتُ يدي مِن فوق القَطِيفة، فَوجدتُ حَرارةَ الحُمَّى، فقلتُ: ما أشدَّ حُمَّاك يا رسول الله! قال:
" إنَّا كَذلكَ مَعاشِرَ الأنبياءِ؛ يُضاعَفُ عَلينا الوَجعُ؛ لِيُضاعَفَ لنا الأَجرُ ".
قال: قلتُ: يا رسول الله! فأيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال:
" الأَنبِياءُ ".
قلتُ: ثُمَّ مَن؟ قال:
" الصَّالِحون، إنَّ الرَّجلَ لَيُبتَلَى بِالفَقْرِ حتَّى ما يَجِدُ إلا العَباءَةَ فيَجوبُها فيَلبَسُها، وإنَّ الرَّجُلَ لَيُبْتَلَى بِالقُمَّلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ القُمَّلُ، وكانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ العَطاءِ إِلَيْكُمْ ".
[صحيح - أخرجهُ أحمد (3/94)، وابنُ ماجه (4024)]

- وقال عُقبةُ بنُ عامرٍ الجُهنيُّ: قال رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-:
" لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ إِلا وَهُوَ يُخْتَمُ عَلَيهِ، فَإذَا مَرِضَ الْمُؤمِنُ قَالتِ الملائِكَةُ: يَا رَبَّنا فُلانٌ قدْ حَبَسْتَهُ عنِ العَمَلِ؛ فَيَقُولُ الرَّبُّ: تَعالَوا اخْتمُوا لَهُ عَلى مِثْلِ عَمَلِهِ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ يَمُوتَ ".
[صحيح - أخرجَهُ أحمد (4/146)]

- وفي "المسند" و"النَّسائي" مِن حديث أبِي سَعيدٍ: قالَ رجُلٌ: يَا رَسولَ اللهِ! أرَأيتَ هَذِهِ الأَمراضَ الَّتي تُصِيبُنا مَا لَنا بِها؟ قال:
" كَفَّاراتٌ ".
فَقالَ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ: يا رسولَ الله! وَإِنْ قَلَّتْ؟ قال:
" شَوكَة فمَا فَوقَها ".
قالَ: فَدَعا أُبَيُّ بنُ كَعبٍ عَلى نَفسِه عِندَ ذَلكَ أن لا يُفارِقَهُ الوَعكُ حتَّى يَمُوتَ، ولا يُشغِلَهُ عن حَجٍّ، ولا عُمرَةٍ، ولا جِهادٍ في سَبيلِ اللهِ، وصلاةٍ مكتوبَةٍ في جَماعَةٍ. قال: فمَا مَسَّ رَجُلٌ جِلْدَه بعدَها إِلا وَجَدَ حَرَّهَا حتَّى مَاتَ.
[حسن - أخرجَهُ النَّسائي في "الكبرى" (3/502-503-تحفة الأشراف)، وأحمد (3/23)]

- وَخرجَ بَعضُ الصَّحابةِ زائِرًا لِرَجلٍ مِن إِخوانِهِ، فبَلَغَهُ أنَّه شَاكٍ قبلَ أن يَدخُلَ عَليهِ، فقالَ: أتيتكَ زائِرًا، وأتيتُك عائِدًا ومُبَشِّرًا. قال: كيفَ جَمَعتَ هَذَا؟ قال: خَرجْتُ وَأنا أُريدُ زِيارَتَكَ فَبَلغَنِي شَكاتُكَ؛ فصَارَتْ عِيادَةً، وَأُبشِّرُكَ بِشَيءٍ سَمِعتُهُ مِن رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قال:
" إِذَا سَبَقَتْ لِلعَبْدِ مِنَ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا -أَو قالَ: لَمْ يَنَلْها-(بِعَمَلِهِ)؛ ابتلاهُ اللهُ في جَسَدِهِ أو في وَلَدِه أو في مالِهِ، ثم صَبَّرهُ حتى يَبلغَ المنزِلَةَ الَّتي سَبقتْ لَهُ مِنَ اللهِ عزَّ وجَلَّ ".
[حسن بِشواهدِه: أخرجه البخاري في التَّاريخ الكبير (1/73)، وأبو داود (3090)، وأحمد (5/272)]

أم محمد
14-02-2012, 02:00 PM
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157]
قال الإمام السعدي في تفسيره:
( أخبر -تعالى- أنه لا بد أن يَبتلي عباده بالمحن، ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، وهذه سنَّته -تَعالى- في عباده؛ لأن السرَّاء لو استمرت لأهل الإيمان ولم يحصل معها محنة؛ لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر.
هذه فائدة المحن؛ لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين.
فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} من الأعداء {وَالْجُوعِ} أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله، أو الجوع، لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك.
{وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ} وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية، وغرق، وضياع، وأخذ الظلمة للأموال من الملوك الظلمة، وقطاع الطريق وغير ذلك.
{وَالأنْفُسِ} أي: ذهاب الأحباب من الأولاد، والأقارب، والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد، أو بدن من يحبه، {وَالثَّمَرَاتِ} أي: الحبوب، وثمار النخيل، والأشجار كلها، والخضر ببرد، أو برد، أو حرق، أو آفة سماوية، من جراد ونحوه.
فهذه الأمور، لا بد أن تقع؛ لأن العليم الخبير أخبر بها فوقعت كما أخبر.
فإذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين.
فالجازع: حصلت له المصيبتان؛ فوات المحبوب، وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر؛ ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل [له] السخط الدال على شدة النقصان.
وأما مَن وفَّقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب؛ فحبس نفسه عن التَّسخُّط -قولًا وفعلًا-، واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يُدركه من الأجر بِصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له؛ بل المصيبة تكون نعمة في حقه لأنها صارت طريقًا لحصول ما هو خير له وأنفع منها؛ فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب؛ فلهذا قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
فـ{الصَّابرين} هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة.
ثم وصفهم بقوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره.
{قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ} أي: مملوكون لله، مدبَّرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها؛ فقد تصرَّف أرحم الراحمين بمماليكه وأموالهم؛ فلا اعتراض عليه؛ بل مِن كمال عبودية العبد علمه بأن وقوع البليَّة من المالك الحكيم الذي أرحم بعبدِه مِن نفسه؛ فيوجب له ذلك: الرضا عن الله، والشُّكر له على تدبيره لما هو خير لعبده -وإن لم يشعر بذلك-، ومع أننا مملوكون لله، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمُجازٍ كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا؛ وجدنا أجرَنا موفورًا عنده، وإن جزعنا وسخطنا؛ لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله، وراجع إليه، من أقوى أسباب الصبر.
{أُولَئِكَ} الموصوفون بالصبر المذكور {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} أي: ثناء وتنويه بحالهم {وَرَحْمَةٌ} عظيمة، ومن رحمته إياهم، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع، علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله.
ودلت هذه الآية، على أن مَن لم يصبر؛ فله ضد ما لهم، فحصل له الذَّم من الله، والعقوبة، والضلال والخسار.
فما أعظم الفرق بين الفريقين!
وما أقل تعب الصابرين، وأعظم عناء الجازعين!!
فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها؛ لتخف وتسهل إذا وقعت، وبيان ما تقابل به إذا وقعت؛ وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابر من الأجر، ويعلم حال غير الصابر بضد حال الصابر.
وأن هذا الابتلاء والامتحان سُنة الله التي قد خلت، ولن تجد لسنة الله تبديلا وبيان أنواع المصائب ).

أم محمد
14-02-2012, 02:01 PM
قال الله -سُبحانه وتَعالى-: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155-157].

وقال -سُبحانه وتَعالى-: {يا أيُّها الذين آمَنُوا اصبِرُوا وصَابِرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفلِحُونَ} [آل عمران: 200].

وعن أمِّ سلمةَ -رضيَ اللهُ عنها- قالت: قال رسول اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: " ما مِن عبدٍ تُصيبُه مُصيبةٌ فيقولُ: إنَّا لله وإنَّا إليهِ راجِعونَ، اللهمَّ اؤجُرني في مُصيبَتي وأَخلِف لي خيرًا مِنها؛ إلا آجرهُ اللهُ في مُصيبتِه، وأخلفَ له خيرًا منها ". [رواه مسلم (918)]

وعن أبي سعيدٍ -رضيَ اللهُ عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " ومَن يصبِر يُصبِّرهُ الله، وما أُعطِي أحدٌ عَطاءً خيرٌ وأوسعُ من الصَّبر ". [رواه البخاري (1469)، ومسلم (1053)، وأبو داود (1644)]

وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " واعْلَم أن النَّصر مع الصَّبرِ، وإنَّ مع العُسرِ يُسرًا ". [صحيح، أخرجه أحمد (2669)، (2803)]

فالعبدُ وما يملكهُ لله -سُبحانه- حقيقةً؛ لأنَّه أوجدهُ مِن عدمٍ ويُعدِمه -أيضًا- ويحفظُه في حال وُجوده، ولا يتصرَّف فيه العبدُ إلا بما يُتاحُ له، وأن مرجعَه إلى الله -ولا بُدَّ-، وأنَّ ما أصابهُ لم يكنْ لِيُخطِئه، وما أخطأه لم يكنْ ليُصيبَه، وإن اللهَ لو شاءَ جعل مصيبتَه أعظم مما هي، وإنه إن صبرَ أخلف اللهُ عليه أعظمَ مِن فوات مُصيبتِه، وإنَّ المصيبةَ لا تختصُّ به فيتأسَّى بأهل المصائب، ومُصيبةُ بعضِها أعظم، وإن سرور الدنيا مع قِلَّته وانقطاعه منغَّص ...

["الآداب الشرعية" بواسطة "تهذيبها" (194-195)].

أم محمد
14-02-2012, 02:04 PM
( الصَّبرُ على البلاء ينشأ من أسبابٍ عديدة:
الأوَّل: شهودُ جزائِها وثوابِها.
الثَّاني: شُهودُ تكفيرِها للسيِّئات ومحوِها لها.
الثَّالث: شُهود القدر السَّابق الجاري بها، وأنَّها مقدَّرة في أمِّ الكتاب قبل أن يُخلق، فلا بُدَّ منها؛ فجزعُه لا يزيدُه إلا بلاء.
الرَّابع: شُهودُه حقَّ اللهِ عليه في تلك البلوى، وواجبُه فيها الصبرُ -بلا خلاف بين الأمة-، أو الصَّبر والرضا -على أحد القولين-؛ فهو مأمورٌ بأداءِ حقِّ الله وعبوديَّته عليه في تلك البلوى، فلا بُد له منه؛ وإلا تضاعفت عليه.
الخامس: شُهودُ ترتُّبها عليه بذنبه؛ كما قال -تعالى-: {وما أصابَكُم مِّن مُّصيبةٍ فبِما كسبتْ أيديكُم} [الشورى: 30]؛ فهذا عام في كلِّ مصيبةٍ -دقيقةٍ وجليلة-، فشغله شهود هذا السَّبب بالاستغفار الذي هو أعظم الأسباب في دفع تلك المصيبة.
قال علي بن أبي طالب: "ما نزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولا رُفعَ بلاءٌ إلا بتوبةٍ".
السَّادس: أن يعلمَ أن الله قد ارتضاها له، واختارها وقسمها، وأنَّ العبوديَّة تقتضي رضاه بما رضيَ له به سيِّدُه ومولاه.
فإن لم يوفِ قَدرَ المقام حقَّه؛ فهو لضعفِه؛ فلينزل إلى مقام الصبر عليها، فإن نزل عنه؛ نزل إلى مقام الظُّلم وتعدِّي الحق.
السَّابع: أن يعلمَ أن هذه المصيبةَ هي دواءٌ نافعٌ ساقه إليه الطبيبُ، العليم بمصلحته، الرحيمُ به؛ فليصبِر على تجرُّعه، ولا يتقيَّأهُ بتسخُّطه وشكواهُ؛ فيذهب نفعُه باطلًا.
الثَّامن: أن يعلمَ أن في عُقبى هذا الدَّواء مِن الشِّفاء والعافية والصحة وزوال الألم ما لم تحصل بدونه.
فإذا طالعتْ نفسُه كراهةَ هذا الدَّواء ومرارتَه؛ فلينظرْ إلى عاقبته وحُسن تأثيره.
قال -تعالى-: {وعَسى أن تَكرَهُوا شَيئًا وهو خيرٌ لكُم وعَسَى أن تُحبُّوا شَيئًا وَهُو شرٌّ لكُم واللهُ يعلمُ وأنتُم لا تَعلَمونَ} [البقرة: 216]، وقال -تعالى-: {فعَسَى أن تَكرَهُوا شيئًا ويجْعَلَ اللهُ فيهِ خَيرًا كثِيرًا} [النساء: 19].
وفي مثل هذا قولُ القائل:
لعل عتبكَ محمودٌ عواقبُه /// وربَّما صحَّت الأجسامُ بالعِللِ
التَّاسعُ: أن يعلمَ أن المصيبةَ ما جاءت لتُهلكَه وتقتله؛ وإنَّما جاءتْ لتمتحنَ صبرَه وتبتليَه؛ فيتبيَّن -حينئذٍ- هل يصلحُ لاستخدامِه وجعلِه مِن أوليائِه وحزبه؟ أم لا؟
فإن ثبت؛ اصطفاهُ واجتباه، وخلع عليه خِلعَ الإحرام، وألبسهُ الفضلَ، وجعل أولياءَه وحزبَه خدمًا له وعونًا له.
وإن انقلبَ على وجهه، ونكص على عقبَيه؛ طُرد، وصُفع قفاهُ، وأُقصِي، وتضاعفت عليه المصيبةُ، وهو لا يشعر في الحال بتضاعُفِها وزيادتها، ولكن سيعلمُ بعد ذلك بأنَّ المصيبةَ في حقِّه صارت مصائب، كما يعلم الصَّابرُ أن المصيبةَ في حقِّه صارت نعمًا عديدة.
وما بين هاتين المنزلتَين المتباينتَين إلا صبرُ ساعة، وتشجيعُ القلب في تلك الساعة.
والمصيبةُ لا بُد أن تُقلع عن هذا وهذا؛ ولكن تقلع عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات، وعن الآخر بالحرمان والخذلان؛ لأن ذلك تقدير العزيز العليم، وفضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضلِ العظيم.
العاشر: أن يَعلمَ أن الله يُربِّي عبدَه على السَّرَّاء والضَّراء، والنِّعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديَّته في جميع الأحوال.
فإن العبدَ -على الحقيقةِ- مَن قام بعبوديَّة الله على اختلاف الأحوال.
وأمَّا عبدُ السَّراء والعافية، الذي يعبُد الله على حَرفٍ، {فإن أصابَهُ خيرٌ اطمأنَّ بهِ وَإن أصابتهُ فتنةٌ انقلبَ على وجْهِهِ}؛ فليس من عبيدِه الذين اختارهم لعبوديَّته.
فلا ريب أن الإيمان الذي يثبتُ على محلِّ الابتلاء والعافية هو الإيمان النافعُ وقت الحاجة.
وأما إيمان العافية؛ فلا يكادُ يصحبُ العبدَ، ويُبلغه منازلَ المؤمنين؛ وإنما يصبحه إيمانٌ يثبتُ على البلاء والعافية.
فالابتلاءُ كِيرُ العبد، ومحكُّ إيمانه: فإمَّا أن يخرجَ تِبرًا أحمر، وإمَّا أن يخرج زغلًا محضًا، وإمَّا أن يخرجَ فيه مادتان: ذهبيَّة ونحاسيَّة، فلا يزالُ به البلاء حتى يخرج المادَّة النُّحاسيَّة من ذَهَبه، ويبقى ذهبًا خالصًا.
فلو علم العبدُ أن نعمةَ الله عليه في البلاءِ ليست بدون نعمةِ الله عليه في العافية؛ لشغلَ قلبَه بشُكره، ولسانُه [يُردِّد]: "اللهم أعِنِّي على ذِكرك، وشُكرك، وحُسن عبادتِك".
وكيف لا يَشكر مَن قيَّض له ما يَستخرج خبثَه، ونحاسَه، وصيَّره تِبرًا خالصًا يصلح لمجاورتِه والنَّظر إليه في داره؟!
فهذه الأسبابُ -ونحوها- تُثمرُ الصَّبر على البلاءِ، فإن قويتْ؛ أثمرتْ الرضا والشُّكر.
فنسأل الله أن يسترنا بعافيتِه، ولا يفضحنا بابتلائِه؛ بمنِّه وكرمِه ).
"طريق الهجرتين" (328-329)، ورحم الله الإمام ابن القيِّم رحمةً واسعةً.

أم محمد
26-03-2012, 12:00 PM
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
( فعُلم مِن هذا:
أنه لا سبيلَ إلى الفلاح بدون الصَّبر والمصابرة والمرابطة -المذكورات-.
فلم يُفلحْ مَن أفلحَ إلا بِها.
ولم يَفت أحدًا الفلاحُ إلا بالإخلالِ بِها أو ببعضها ) تفسير السعدي.

أم محمد
26-03-2012, 12:00 PM
الصبر واقترانه بالإيمان واليقين:
( والصَّبر نوعان: نوعٌ على المقدور؛ كالمصائب، ونوع على المشروع، وهذا النَّوع -أيضًا- نوعان: صبر على الأوامر، وصبر عن النواهي.
فهذا صبرٌ على الإرادة والفِعل، وهذا صبرٌ عن الإرادة والفعل.
فأمَّا النوعُ الأوَّل من الصبر: فمشترَكٌ بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر، لا يُثابُ عليه لمجرَّده إن لم يقترن به إيمان واختيار، قال النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-في حق ابنتِه-: "مُرها فلْتصبِر ولْتحتسِب"، وقال -تَعالى-: {إلا الذينَ صبَروا وعمِلوا الصَّالحات أولئكَ لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبير} [هود: 11]، وقال -تَعالى-: {بلى إن تَصبِروا وتتَّقوا} [آل عمران: 125].
فالصبرُ بدون الإيمان والتَّقوى بمنزلة قوَّة البدن الخالي عن الإيمان والتَّقوى، وعلى حسب اليقين بالمشروع يكون الصَّبر على المقدور.
وقال -تَعالى-: {فاصبِر إنَّ وعدَ اللهِ حقٌّ ولا يسْتَخِفَّنَّكَ الذين لا يوقِنون} [الروم: 60]: فأمرَه أن يصبرَ، ولا يتشبَّه بالذين لا يَقينَ عندهم في عدم الصَّبر؛ فإنَّهم لعدمِ يقينِهم عدم صبرُهم، وخفوا واستخفُّوا قومَهم.
ولو حصل لهم اليقين والحقُّ؛ لصبروا، وما خفوا ولا استخفوا.
فمَن قلَّ يقينُه؛ قلَّ صبرُه، ومَن قلَّ صبرُه خفَّ واستخفَّ!
فالموقنُ الصَّابر رزينٌ؛ لأنَّه ذو لُبٍّ وعقل، ومَن لا يقينَ له، ولا صبرَ عنده؛ خفيفٌ طائشٌ تلعبُ به الأهواءُ والشَّهوات كما تلعب الرِّياحُ بالشيء الخفيف. والله المستعان ) اهـ. "بدائع تفسير ابن القيم"، (5/330-331).

أم محمد
07-12-2012, 01:25 PM
( الصبر واجب لا بُد منه، وما بعده إلا السخط، ومَن سخط أقدار الله؛ فله السخط مع ما يتعجل له من الألم وشماتة الأعداء به أعظم من جزعه.
كما قال بعضُهم:
لا تجزعنْ مِن كل خطبٍ عرا /// ولا تري الأعداء ما يشمتوا
يـا قوم بالصبـر تنال المُنـى /// إذا لقيتـم فئـة فاثبُتـوا
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يتصبَّر يصبِّره الله، وما أعطي أحدٌ عطاء خيرًا ولا أوسع من الصبر".
وقال عمر: وجدنا خير عَيشنا الصبر.
وقال علي: إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.
وقال الحسن: الصبرُ كنزٌ من كنوز الجنة، لا يعطيه الله إلا لمن كرم عليه.
وقال ميمون بن مهران: ما نال أحد شيئًا من جسيم الخير -نبي فمن دونه- إلا بالصبر.
وقال إبراهيم التيمي: ما من عبد وهب اللهُ له صبرًا على الأذى، وصبرًا على البلاء، وصبرًا على المصائب؛ إلا وقد أوتيَ أفضل ما أوتيه أحد بعد الإيمان بالله -عز وجل-.
وهذا منتزع من قوله -تعالى-: {ولكنَّ البرَّ مَن آمن بالله واليوم الآخر..} إلى قوله: {والصابرينَ في البأساءِ والضراءِ وحين البأسِ أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} [البقرة: 177].
والمراد بـ(البأساء): الفقر ونحوه، وبـ(الضراء): المرض ونحوه، و(حين البأس): حال الجهاد.
وقال عمر بن عبد العزيز: ما أنعم الله على عبدٍ نعمة فانتزعها منه فعاضه مكان ما انتزع منه الصبرَ؛ إلا كان ما عوَّضه خيرًا مما انتزع منه، ثم تلا: {إنَّما يوفَّى الصابرون أجرَهم بغيرِ حساب} [الزمر: 10].
وكان بعض الصالحين في جيبه ورقة يفتحها كل ساعة فينظر فيها، وفيها مكتوب: {واصبِر لِحُكمِ ربِّك فإنَّك بأعيُننا} [الطور: 48].
والصبرُ الجميل هو أن يكتمَ العبدُ المصيبةَ ولا يخبر بها.
قال طائفة من السلف في قوله -تعالى-: {فصبرٌ جميلٌ}..؛ قالوا: لا شكوى معه.
كان الأحنف بن قيس قد ذهبت عينه من أربعين سَنة ولم يذكرها لأحد.
وذهبت عين عبد العزيز بن أبي روَّاد من عشرين سَنة، فتأملهُ ابنُه يومًا فقال له: يا أبت! قد ذبت عينك؟! فقال: نعم يا بني الرضا عن الله أذهب عين أبيك من عشرين سَنة.
وكان الإمام أحمد لا يشتكي ما به من المرض إلى أحد، وذُكر له أن مجاهدًا كان يكره الأنين في المرض، فتركه، فلم يئن حتى مات، وكان يقول لنفسه: يا نفس اصبري وإلا تندمي.
ودخل بعض العارفين على مريض يقول: آه! فقال له ذلك العارف: ممن؟
وفي هذا المعنى يقول بعضُهم:
تفيضُ النفوس بأوصابهـا /// وتكتمُ عُوَّادَها ما بهـا
وما أنصفتْ مهجةٌ تشتكي /// هواها إلى غيرِ أحبابِها
قال يحيى بن معاذ: لو أحببتَ ربَّك ثم جوَّعك وأعراك؛ لكان يجب أن تحتمله وتكتمه عن الخلق؛ فقد يحتمل الحبيب لحبيبه الأذى؛ فكيف وأنت تشكوه فيما لم يصنعه بك؟
ويقبح من سواك الفعلُ عندي /// وتفعلهُ فيحسُن منكَ ذاكا
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يشدون على بطونهم الحجارة من الجوع.
كان أويس يلتقط الكسر من المزابل والكلابُ تزاحمه، فنبح عليه كلب يومًا فقال: يا كلب! لا تؤذِ من لا يؤذيك، كُلْ مما يليك وآكل مما يليني، فإن دخلتُ الجنةَ فأنا خير منك، وإن دخلتُ النار فأنت خير مني.
وكان إبراهيم بن أدهم يلتقط السنبل مع المساكين، فرأى منهم كراهة مزاحمته؛ فقال: أنا تركتُ مُلك بلخ أفأزاحم المساكين على لقاط السنبل؟ فكان بعد ذلك لا يلتقط إلا مع الدواب التي ترعى فيه.
وكان الإمام أحمد يلتقط السنبل مع المساكين.
وآجر سفيان الثوري نفسه مع جمالين في طريق مكة، فطبخ لهم طعامًا فأفسده فضربوه...
كانت مصائب الدنيا عندهم نعمًا حتى قال بعضُهم: ليس بفقيهٍ من لم يعدَّ البلاءَ نعمة والرخاء مصيبة.
ومن الإسرائيليات: إذا رأيتَ الغِنى مقبلًا؛ فقل: ذنب عجلت عقوبته، وإذا رأيتَ الفقر مُقبلًا؛ فقل: مرحبًا بشعار الصالحين.
وقال بعضُ السلف: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد الله إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمد الله إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني.... ).
"نور الاقتباس" للحافظ ابن رجب -رحمه الله-، (120-124) -مع شيء من الحذف-.

أم محمد
16-05-2013, 02:41 PM
[ لا تستوحش ! ]
من جميل ما قرأتُ من دُرر الإمام ابن القيم -رحمه الله- في هذا الباب قوله:
( ولا يستوحش من ظاهر الحال؛ فإنَّ اللهَ -سبحانه- يُعاملُ عبدَه معاملةَ مَن ليس كمثله شيءٌ في أفعاله كما ليس كمثله شيء في صفاته.
فإنه ما حرمه إلا ليعطيَه.
ولا أمرضه إلا ليشفيَه.
ولا أفقره إلا ليُغنيَه.
ولا أماته إلا ليُحييَه.
وما أخرج أبوَيه من الجنة إلا ليُعيدهما إليها على أكمل حال.
كما قيل:
يا آدم! لا تجزع من قولي لك: (اخرج منها)؛ فلَكَ خلقتُها، وسأعيدك إليها.
فالربُّ -تعالى-: يُنعم على عبدِه بابتلائه، ويُعطيه بحِرمانه، و[يصحه] بسقمه.
فلا يستوحش عبدُه من حالة تسوؤه -أصلًا-؛ إلا إذا كانت تُغضبُه عليه وتُبعده منه ). ["عدة الصابرين"، (99)].

أم محمد
16-05-2013, 02:42 PM
"الصبرُ إذا أعطاه الله العبدَ؛ فهو أفضل العطاء وأوسعه وأعظمه إعانة على الأمور؛ قال -تعالى-: {واستعينُوا بالصبرِ والصلاة} [البقرة: 45]؛ أي: على أموركم -كلها-.
والصبر كسائر الأخلاق؛ يحتاجُ إلى مجاهدة للنفس وتمرينها؛ فلهذا قال: "ومن يتصبَّر" أي: يجاهد نفسه على الصبر؛ "يُصبِّره اللهُ" ويعينه.
وإنما كان الصبرُ أعظم العطايا؛ لأنه يتعلق بجميع أمور العبد وكمالاته، وكل حال من أحواله تحتاج إلى صبر: فإنه يحتاج إلى الصبر على طاعة الله حتى يقوم بها ويؤديها، وإلى صبر عن معصية الله حتى يتركها لله، وإلى صبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها؛ بل: إلى صبر على نِعم الله ومحبوبات النفس فلا يدع النفسَ تمرح وتفرح الفرح المذموم بل يشتغل بشُكر الله.
فهو -في كل أحواله- يحتاج إلى الصبر.
وبالصبر ينال الفلاح؛ ولهذا ذكر الله أهلَ الجنة فقال: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23-24]، وكذلك قوله: {أولئكَ يُجزَونَ الغُرفةَ بما صَبَروا} [الفرقان: 75].
فهم نالوا الجنةَ بنعيمها، وأدركوا المنازل العالية بالصبر.
ولكن العبد يسأل اللهَ العافية من الابتلاء الذي لا يدري ما عاقبته، ثم إذا ورد عليه؛ فوظيفته: الصبر، فالعافية هي المطلوبة بالإضافة في أمور الابتلاء والامتحان، والصبر يؤمر به عند وجود أسبابه ومتعلقاته، والله هو المُعين.
وقد وعد الله الصابرين في كتابه وعلى لسان رسوله أمورًا عاليةً جليلة، ووعدهم بالإعانة في كل أمورهم، وأنه معهم بالعناية والتوفيق والتسديد، وأنه يحبهم ويثبت قلوبهم وأقدامهم، ويُلقي عليهم السكينة والطمأنينة، ويسهل لهم الطاعات، ويحفظهم من المخالَفات، ويتفضل عليهم بالصلوات والرحمة والهداية عند المُصيبات، والله يرفعهم إلى أعلى المقامات في الدنيا والآخرة.
وعدهم النصرَ، وأن ييسرهم لليُسرى ويجنبهم العسرى، ووعدهم بالسعادة والفلاح والنجاح، وأن يوفيهم أجرهم بغير حساب، وأن يُخلف عليهم في الدنيا أكثر مما أخذ منهم من محبوباتهم وأحسن، [و] يعوضهم عن وقوع المكروهات عوضًا عاجلًا يُقابل أضعاف أضعاف ما وقع عليهم من كريهة ومصيبة.
وهو في ابتدائه صعب شديد، وفي انتهائه سهل حميد العواقب؛ كما قيل:
والصبرُ مثل اسمِه مُرٌّ مذاقتُه /// لكنْ عواقبُه أحلى من العسلِ".
["بهجة قلوب الأبرار" للعلامة ابن سعدي -رحمه الله-، حديث (33)].