المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لغة العيون في الشعر العربي


بحر الدموع
02-09-2008, 02:15 AM
د. ماجد أحمدالمومني


الأردن / صويلح


تمهيد:
العيون تتكلّم ولكن بلا صوت، فتوحي ما توحي من هُدى وضلال. تُلهبُ الحواس، وتغزو القلوب،وتغزو الفضاء، من خلال نظرة، أو دمعة تذهل الناظرين، وتلجم السنتهم وتتركهم حيارىلا يدرون ما وراءها من خوالج ومآرب، وما تخفيه من شعور وعواطف.
هيمعين الجمال، وينابيع الإلهام، يستقي منها الشعراء شعرهم، والأدباء والمفكرون أدبهموفكرهم، هي وحيهم الذي يستهلمون، وطريقتهم التي يختارون. هي خلاصة انسانيتهمومستودع أسرارهم.
العيون مُعجزة اللّه على أرضه.. حركاتها حافلةبالأحداث تدل على المحبة إذا اتسعت، وعلى الكره والحقد إذا انكمشت.. فيها الجاذبيةوالقوة، وفيها المكر والدّهاء، والجدب والرّخاء، والبريق واللهيب واليقظة والفتور. هي كتاب لا يقرؤه إلا المجربون من ذوي البصائر والضمائر الحية، والألباب الذكية.. فيها ما يُضعف العزائم، وفيها ما يشحذ المواهب.
وحسبنا في ذلك أنفقيه الأندلس وشيخها وفيلسوفها «أبو حزم» قد ألَّف كتاباً أسماه «طوق الحمامة» فيلغة العيون وحركاتها ومدلولاتها وإشاراتها سنقطف من ألحاظها بعضاً من سهامهاوأشعارها شيئاً يخدم الموضوع، وعند حدود عنوان هذا المقال.
ومع هذهالقوة والمكانة للعيون.. نجد أن العقل الإنساني قد أوجد لها عيوناً مساعدة، مكّنتالإنسان كشف الخفايا بعمليات التنظير.. واكتشاف المسارات والأفلاك وسجّلت هذهالعيون رؤيا الكواكب والمريخ وجابت الفضاء لتتجسّس على أخفى خصوصيّات الإنسان عبرالأقمار الصّناعية ومن ثم نقل هذه الأسرار والخصوصيات عبر الفضائيات وشبكاتالإنترنت العنكبوتية..
إنها عيون هاتكه وفاضحة وساحرة وكاشفةونافذة وفاحصة وعاذله وشاكيه وفاترة وناعسة وأحياناً قاتلة كما وصفها الشاعر العربيجرير:

إنّ العيون التي في طرفها حَوَرٌ
قتلنناثمّ لم يُحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك به
وهن أضعفُ خلق اللّه إنساناً



بل هي أكثر منذلك عند أبي الطيّب المتنبي.. حينما يصف قتيل الهوى مضرجاً بدموعه، بينما قتيلالمعارك مُضرّج بدمائه.. فهو يقول:

لا تعذُلِ المشتاق في أشواقه
حتى يكونحشاك في أحشائه
إنّ القتيل مُضرّج بدموعه
مثلالقتيل مُضرّج بدمائه..



بل إنّ عودة روح هذا القتيل لصاحبهاهي في رأي أبي الطيب المتنبي في عودته للكواعب.. ونظره إلى لحظ الحبائب فهويقول:

أعيدوا صاحبي فهو عندالكواعب
وردّوارُقادي فهو لحظُ الحبائب
فإن نهاري ليلة مدلهمة
على مُقلة من بعدكم في غياهب
بعيدة ما بين الجفونكأنما
عقدتم أعالي كلّ هُدب بحاجب





لغة العُيون في طَوْقِ الحَمامةِ:-
قد يعجبالقارىء من شيخ تقدمت به السّن امثالي، شارف على الستين، وحج واعتمر، ولا يتركفرضاً ولا نافلة إلا ويقوم بها طواعية وقُرباناً له في آخرته.. ويزول العجب عندمايعلم القارىء أنّ فقيهاً وشيخاً وفيلسوفاً قد كتب رسالة في هذا الموضوع ضّمنها فيكتاب طويل أسماه «طوق الحمامة». وصاحب هذا الطوّق «ابن حزم» فقيه الأندلس وشيخهاوفيلسوفها.
بوّب هذا الطوّق ثلاثين باباً.. منها عشرة في أصولالحُبّ وإثنا عشر في أغراض الحبّ وصفاته المحمودة والمذمومة، وستة في الآفاتالدّاخلة عليه، ثم بابان ختم بهما طوق الحمامة: باب في قُبح المعصية وباب في فضلالتعففّ.
والتراث العربي حافل بأمثال طوق الحمامه، منها: «روضةالمحبّين» لابن قيّم الجوزية، «ومصارع العُشاق» لابن السرّاج، وديوان الصبابة، لابنأبي حجلة، وكتاب الزهرة، للمفكر العراقي ابن داود الظاهري.
وعلىأية حال فهذا الموضوع معنى ومضموناً، وشكلاً وسلوكاً، وطريقة وتعبيراً، يختلف عنذاك الذي هو في زماننا، بعد أن أصبح فنوناً وألواناً، وأشكالاً وأحجاماً،وأطيافاً.. يُعرض على الشاشات، ويُمارس في بعض المحافل والبارات، حتى أفرغ منمضمونه.. وشوهت ملامحه، وديست معانيه وأهدافه السّامية. وهذا ما يتّضح لنا من طوقالحمامة، وسلوك بني عُذره، وفلسفة ابن سينا، وأخبار جميل وبثينه، وقيسولبنى.
نفكّ طوق الحمامة لندخل إلى أبواب:
- الاشارة بالعين ومدلولاتها
- مفاهيم الحبّومدلولاته
- أنواع المحبة وعلاماتها
- الوحدانيةفي الحبّ..

الإشارة بالعينومدلولاتها:
إشارات العين لها رموزهاومدلولاتها:
- فإن كانت بمؤخرّ العين الواحدة.. فإنّها نهي عنالأمر
- وتصغيرها.. إعلام بالقبول
- وإدامة نظرهادليل التوجع والأسى
- وكسر نظرها آية الفرح
- وإطباقها دليل على التهديد
- وقلب الحدقة إلى جهة ثمّ صرفها بسرعةتنبيه عن مُشار إليه
- والإشارة الخفيّة بمؤخر العينين معاً.. سؤال
- وقلب الحدقة من وسط العين إلى موقعها بسرعة، شاهدالمنع
- وترعيد الحدقتين من وسط العينين.. نهيعام
وكل ذلك لا يدرك إلاّ بالمشاهدة..
ولا يُعرفإلاّ بالتجربة.. وتجربة العاشقين في حل هذه الرّموز أعظم تجربة. ومن هذه الاشاراتوالمدلولات التي ترجمها شعراء العرب شعراً خالداً على مدى الأزمان.. وشذى يعبقبالعطر في كل مكان قولهم:

جُننّا بليلى وهي جُنّت بغيرنا
وغيرهابنا مجنونة لا نريدها



ومنها قولالشاعر:

أليس وعدتني يا قلب أني
إذا ما تبتُ عنليلى تتوب
فها أنا عن حبّ ليلى تائبٌ
فما لككلّما ذكرت تذوب!!




وللّه درّ أبي الطيبالمتنبي في قوله:

يا عاذل العاشقين دع فئة
أضلّها اللّهكيف ترشدها
بئيس الليالي سهدتُ من طرب
شوقاًإلى من يبيت يرقدُها




وهو نفسه الذيأبلاه الهوى وألهبه النّوى ونحُل جسمه، حتى كاد لا يُرى مصوّراً ذلك بالأبياتالتالية:

أبلى الهوى أسفاً يوم النّوى بدني
وفرّقالهجر بين الجفن والوسن
روحٌ تردّد في مثل الخلال إذا
أطارت الريحُ عنه الثوب لم تبن
كفى بجسمينُحوُلاً أنني رجلٌ
لولا مخاطبتي إياك لمترني



ولم أرَ بياناً أبلغ وأروع من بيانالمتنبي.. ولم أتذوّق شعراً كشعر أمير البيان المتنبي.. أكاد أجزم أنه الدّهرالمنشد على طول الزّمان وفي كل مكان. تذوق معي الأبيات التالية:

قبلتها ودموعي مزجُ أدمُعها
وقبلتني علىخوفٍ فماً لفم
قد ذقتُ ماءَ حياة من مُقبلها
لوصاب ترباً لأحيا سالف الأصم
ترنو إليّ بعين الظّبي مُجهشةً
وتمسحُ الطلّ فوق الوردبالعنَم




اعذروني أيها القراء الأعزاء.. إنتلمست لواحظ العيون وأهدابها.. في سكونها وحركاتها من خلال أبيات المتنبيالتالية:

رأيت وجه من أهوى بليل عواذلي
فقلتُ نرىشمساً وما طلع الفجرُ
رأيت التي للسحر في لحظاتها
سيوفٌ ظباها من دمي أبداً حُمْرُ
تناهى سكونالحُسن في حركاتها
فليس لرائي وجهها لم يَمُتعذْرُ





مفاهيم الحبّ ومدلولاته:
الحبّ في رأي الفقيه «ابن حزم» شيء لا نستطيع أن نصفه، ولا بُدّ من معاناته حتى نعرفه. والدّين لاينكره، والشريعة الاسلامية لا تمنعه، إذا ارتبطت به قلوب المحبين على الطهّارةوالعفة.
والمحبة في رأيه مراتب وأنواع، أفضلها محبة المتحابين فياللّه عز وجل، ومحبة القرابة، ومحبّة الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبّة التصاحبوالمعرفة ومحبّة الطمع في جاه المحبوب أو ماله أو جماله، ومحبّة اللّذة وقضاء الوطرومحبّة العشق التي لا علّة لها إلا اتصال النفوس.
ولكن تاجالمُحبين يرى أن قمة الحبّ هي في المودّة التي تحفظ النّسل والذرّية.. وبدون هذهالذريّة يخبو الحبّ ويذوى وينطفىء وهذا النوع من الحبّ لا يكون إلاّ بين رجل وامرأةجمعتهم وسادة الرحمن لتكون أسرة وذرّية. مصداقاً لقوله تعالى:
.. } وَمِنْ أيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لكُمْ مِنْ أَنْفِسكُمْأَزْواجاً لتَسكُنوا إليْها، وَجَعَلَ بَيْنكُم مَوَدّةً وَرَحْمةً إنَّ في ذلِكَلآياتٍ لِقَوْمٍيتفكرونَ{الرّوم/12
ومنعلامات الحبّ - عند ابن حزم - ادمان النظر، والاقبال بالحديث على المحبوب، واستغرابكل ما يأتي به مع الاستحسان وكأنه معين الجمال وعين المُحال والسير نحو المكان الذييكون فيه، والدّنوّ منه، والتباطؤ عند القيام عنه واضطراب المحب عند رؤية المحبوب،وتعمد ملامسة يده عند المحادثة، وأن يشرب ما أبقى المحبوب فيإنائه.
ومن الأشعار التي ترجمت هذه المعاني والعلامات شعراً عربياًأصيلاً.. مايلي:
قول المتنبي:

لك يا منازلُ في القلوب منازلُ
أقفرت أنتوهُنّ منك أواصل
ما دمت من أرب الحسان فانمّا
رَوْقُ الشباب عليك طلُّزائلُ




ولعلّ شعراء الحبّ العذري، هم خيرمثال في بيان مفاهيم الحبّ ومدلولاته، وتوضيح هاماتهوإشاراته..
ومنها قول جميل بثينه:

يموت الهوى منيّ إذا ما لقيتها
ويحيا إذافارقتها فيعودُ
وما قاله قيس بن ذريح في صاحبتهلُبنى:
وإنيّ لأهوى النوم في غير حينه
لعلّ لقاءًفي المنام يكونُ
تحدّثني الأحلامُ أني أراكمُ
فياليت أحلام المنام يقينُ
ومن غزل أبو الطّيبقوله:
كأنّها في نهارها قمر
حقّ به من جِنَانِهاظُلمُ
ناعمة الجسم لا عظامَ لها
لها بنانٌ ومالها رخِمُ
ومن أشعار قيس بن ذريح قوله:
أقضي نهاريبالحديث وبالمنى
ويجمعني والهمّ بالليلجامع
نهاري نهارُ الناس حتى إذا بدا
لي الليلُهزّتني إليك المضاجعُ
لقد رسخت في القلب منك مودّة
كما رسخت في الرّاحتين الأصابعُ



ومن هذهالأشعار قول كثير عزة:

فما للنوّى لا بارك اللّه في النوى
وعهدُالنوى عند المحبّ ذميم
فإما تريني اليوم أبدي جلادةً
فإنيّ لعمري تحتَ ذاكَكليمُ





الوحدانيّة في الحبّ:
من العجيب أنّ الفقيه «ابن حزم» يُؤمن بالوحدانية في الحبّ، في عصر عايشه يُبيح للرّجل أن يقتني ما شاءمن الجواري وما طاب من الحسان.
ويقول ابن حزم «.. لا يمكن لرجل أنيحب اثنتين، لأنه لا يملك قلبين، ومن شذّ عن ذلك، فحبّه شهوه، وهي من الصّفاتالمذمومة، والتي قد تقود صاحبها إلى المعصية..» وأفرد باباً تحدّث به عن العفّةوالطهارة.

وخلص ابن حزم في طوق الحمامة إلى ثوابت ثلاثةهي:

مكانة العيون ودلالاتها من حيث أنّها أبواب المحبة ونوافذ المودّة، وقنوات الشّوق، ومعين الجمال والحُسن.
الأمر الثاني أن المحبّة لا يدركها إلاّ من وقع في تجربتها.. وعاناها فعلاً.. فلا يفهم لغة العاشقين إلاّ عاشقون مثلهم.
الأمر الثالث.. الوحدانيّة في الحبّ...
نقّل فؤادك ما استطعت من الهوى

ما الحبّإلاّ للحبيب الأوّل



ومن هذه الأشعار قول قيس بن الملوّح - مجنون ليلى -

أعدّ اللّيالي ليلة بعد ليلة
وقد عشتُدهراً لا أعدّ اللّياليا
أراني إذا صلّيتُ يمّمْت نحوها
بوجهي وإن كان المُصًلى ورائيا
وما بي إشراكولكنّ حبّها
كعود الشجا أعيا الطبيبالمُداويا
أحبّ من الأسماء ما وافق اسمها
وأشبههأو كان منه مُدانيا..



ومن الأمثلة على وحدانية الحبّ حبّجميل وبثينة، وحب قيس بن الملوّح إلى ليلى -مجنون ليلى - وحب قيس ولبنى.. وكثيروعزّه.. وسائر حبّ بني عُذره.. مبنيُّ على الوحدانية في الحبّ والطهارةوالعفة.


تشبيه العيون بالنّرجس:
من طلائع أزاهيرالربيع النّرجس، وهو من أشدّ الأزهار تعبيراً وأكثرها تشبيهاً بعيون الحسان لهمُقلة وأهداب تماماً كما لعيون الحسان..
يقول أبو نواس:

لدى نرجس غضُّ القطاف كأنّه
إذا مامنحناه العيون عيون
مخالطة في شكلهنّ بصُفرة
مكانسوادٍ والبياضُ جفونُ



ومن هذه الأشعار قول «ابنالمعتز»

عيون إذا عاينتها فكأنها
دموع النّدى منفوقها اجفانها درُّ
محاجرها بيضٌ وأحداقها صفر
وأجسادها خضر وأنفاسها عطرُ
ويقول ابن الرّومي» في هذا المقام:
ونرجس كالثغور مبتسم
به دموعالمحدق الشاكي
أبكاه قطر النّدى وأضحكه
فهو منالقطر ضاحك باكِ



ومن ألوان الشعر الأندلسي في النّرجسوتشبيهه بعيون الحسان:

انظر إلى نرجس في روضة أنف
غناءً جمعتشتّى من الزهر
كأن ياقوتة صفراءقد طبعت
في غصنهحولها ست من الدّرر



فهذا الشاعر لا يكتفي بالنظر إلى زهرةالنرجس على أنها مؤلفة من التويج الصغير وجهاز التكاثر - وهما أصفران - بل هو يعدّوريقات التويج البيض الست ويعتبرها كأنها مصنوعة من الدّرر.. وهذه الدّرر كناية عنأهداف عيون الحسان الجميلات.
وقال شاعر أندلسي آخر - هو أبو بكر بنحازم:

ونرجس ككؤوس التّبر لائحة
من الزبرجد قدقامت بها ساق
كأنهنّ عيون هدبها ورق
لهنّ من خالصالعقيان أحداق



ويقول «الصنوبري» منوّهاً بشذاه العبق زيادةعلى شكله البديع وتشبيهه بعيون الحسان:

ونرجس مضعف تضاعف منه
الحسن في أبيض وفيأصفر
الدرّ والتبر فيه خلطا
للعين والمسك فيهوالعنبر



ومن الشعراء الذين فتنوا بالنرجس «ابن الرومي» فهويشير في الأبيات التالية إلى تبادل النّرجس والنّدامى الألحاظ كأنه واحد من هذهالحسان.. يقول:

يا حبّذا النرجس ريحانه
لأنف مغبوقومصبوح
كأنّه من طيب أرواحه
ركبّ من رَوْحِ ومنرُوحِ
أبدى وجوهاً غير مقبوحة
في زمن ليسبمقبوح
يا حسنه في العينُ يا حسنه
من لامح للشربملموح
كأنّما الطلّ على نوره
ماء عيون غيرمسفوح



وفي قصيدة يفضّل بها ابن الرّومي النّرجس على الوردنقتطف الأبيات الشعرية التالية:

خجلت خدود الورد من تفضيله
خجلاً تورّدهاعليه شاهد
لم يخجل الورد المورّد لونه
إلاّوناحله الفضيلة عائد
للنّرجس الفضل المبين وإن أبى
آت وحاد عن الطريقة حائد
فصلْ القضيّة أن هذاقائد
زهر الرّبيع وأن هذا طارد
شتّان بين اثنينهذا موعد
يسلب الدّنيا وهذا واعد
وإذا احتفظت بهفأمتعُ صاحب
بحياته لو أن حيّاً خالدُ
أين العيونمن الخدود نفاسة
ورياسة لولا القياسالفاسد



لقد ذكر ابن الرّومي أنّ النرجس رسول الربيع والبشيربه، وأن الورد إنما يتفتح في نهايته، ومن المعلوم أن بعض الورود تنمو في الخريفوبهذا الاعتبار يكون ثمة تفاوت بين النرجس وبين الورد مثل ذاك التفاوت بين الخدودوالعيون نفاسة وجمالاً.


تشبيه العيون بعيون المها:
عيون المها - البقر الوحشي - تمتاز باتساعها وجمالها وبريقها وشدّة سواد مُقليتها.. مع بياض ناصعفي احداقها.. فاستعار الشعراء هذه الصّفات المها والصقوها معيناً للجمال في عيونالحسان..
وأكثر ألوان هذا الشعر عند شعراءالجاهلية وخصوصاً شعراءالمعّلقات.. ومنها قول «امرؤ القيس»:

مهفهفة بيضاء غير مغاضة
ترائبها مصقولةٌكالسّجنجلِ
تصدّ وتبدي عن أسيل وتتقي
بناظرة وحشيوَجْرَةَ مطفلِ



ومن أشعار عمر بن أبي ربيعة المخزومي فيالغزل قوله:

أبرزوها مثل المهاة تهادى
بين خمسٍكواعبٍ أتراب
ثمّ قالوا: تحبّها؟ قلت بَهْراً
عددالنّجم والحصى والتّراب



وقول جرير:

عيون المها بين الرّصافة والجسر
جلبنالهوى من حيث ندري ولا ندري؟



وختام المسك في تشبيه عيونالحسان بعيون المها قول أبو الطيب المتنبي.. يتغزّل في شامية.. فتاة منالشأم.

كلّ جريح ترجى سلامته
إلا فؤاداً رمتهعيناها
تَبْتَلُّ خدي كلما ابتسمت
من مطر برقهثناياها
ما نفضت في يدي غدائرها
جعلته في المدامأفواها
كلّ مُهاة كأن مقلتها
تقول إياكموإياها..