المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقاش : ابن تيمية ومجاز القرآن


صريع الغواني
12-09-2008, 01:32 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه


سؤال مثار جدل قديماً وحديثاً، فأحببت طرحه هنا للنقاش حتى نستفيد جميعاً بإذن الله تعالى

فمن يبين لنا الفصل في ذلك جزاكم المولى خيراً



هل جاء في آي القرآن مجاز ؟

وهل أنكر ذلك شيخ الإسلام أم أثبته ؟

إبراهيم براهيمي
14-09-2008, 01:03 AM
أخي الكريم أتابع ما تثيره من قضايا للنقاش وأسعد بأن أشاركك الاهتمام فيها ؛ ويسرني أن أنقل لك هذه المادة حول موضوع " ابن تيمية والمجاز " وهي بعنوان " لماذا رفض ابن تيمية المجاز " لـ " أبو عبد المعز " اتمنى ان تجد فيها ضالتك .

- 1 -


لماذا أنكر شيخ الاسلام المجاز فى اللغة؟
معظم الذين نقدوا رأي ابن تيمية ذهبوا الى ان شيخ الاسلام يصدر فى رأيه هذا من منطلقات عقدية....فيرون انكاره المجاز من باب سد الذريعة....فقط:فلما كان ابن تيمية لا يقبل تأويل الاسماء والصفات الالهية..فقد ضحى فى سبيل ذلك بالمجاز نفسه...بمعنى ان انكار المجاز ليس بالقصد الاول بل بالقصد الثاني.....
هذا الرأي فى نظري بعيد من الصواب....بل ان شيخ الاسلام كان يصدر من منطلقات لغوية....وفى نقاشه للمجاز..كان فى قلب البحث اللغوي...بغض النظر عن نتائجه العقدية...وهذا ما سنعرض له فى هذا البحث.....

اولا: رفض ابن تيمية لنظرية المجاز.....بسبب هشاشتها..وعدم وضوح مسلماتها...
نظرية المجاز رهينة بنظرية الوضع....فإن سلمت الاخيرة سلمت معها الاولى....لكن هيهات...فمسلمة "الوضع"تضرب فى اعماق الغيب....ولا يمكن الاستدلال عليها...وهذا القدر وحده يكفي للتشكيك فى مصداقية المجاز....عند علماء المناهج....وفقهاء العلم..وهذا بيان ذلك:
عرف صاحب الايضاح:الحقيقة الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح به التخاطب
......والمجاز وهو ما استعمل فيما لم يكن موضوعا له لا في اصطلاح به التخاطب ولا في غيره...
قال ابن جني في الخصائص : الحقيقة ما أُقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة والمجازُ : ما كان بضدّ ذلك......
يلاحظ ان مفهوم"الوضع"ضروري لقيام المجاز...واصل له...فلا يصبح المجاز ممكنا ..الا إذا ثبت وضع سابق.....لكن الوضع السابق هو مجرد دعوى....فكيف تصمد نظرية المجاز؟
فلنستمع الى الامام ابن القيم....وهو يقول:"...وهذا كله انما يصح إذا علم ان الالفاظ العربية وضعت اولا لمعان ثم استعملت فيها.....ثم وضعت لمعان اخر بعد الوضع الاول والاستعمال بعده...ولا تتم لكم دعوى المجاز الا بهذه المقامات الاربع......"
فالقول بأن"الاسد"يرادبه الانسان...مجاز........يفترض ما يلي:
وضع اول لكلمة "اسد"يراد بها الحيوان المعروف.....
استعمالها للدلالة عليه...دلالة حقيقية
وضع ثان لكلمة اسد يراد بها الانسان..
استعمالها للدلالة عليه...دلالة مجازية..
هذا الترتيب..لا يرتضيه ابن القيم...ويرى -عن حق-انه قول بلا علم..وهو حرام فى حق المخلوق فكيف فى كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم...فمن يمكنه من بني آدم ان يثبت ذلك؟
وقد ينكر الوضع الثاني...فيقال بل هنا وضع واحد واستعمالان...لكن هذا لا يغير من القضية شيئا...فالمشكلة فى الوضع الاول....
لكن لماذا كان "الوضع" مشكلا؟
لاننا مهما نظرنا الى الوضع...ومهما غيرنا ادوات الاستفهام...لا نجد جوابا قطعيا شافيا:
متى كان الوضع؟
من الواضع؟
كيف كان الوضع؟
اين تم الوضع؟
لا سبيل الا طرح دعاوى....والتيه فى نظريات ميتافزيقية...متكافئة...
فالواضع....هو الله تعالى فى نظرية.....وهو الانسان فى نظرية اخرى....وهو الالهام فى نظرية ثالثة...
كيف تم الوضع....قيل اتفقت مجموعة انسانية...على وضع الفاظ بعينها لمسميات بخصوصها...وهذا التعليل متهافت...لان كلمة "اتفقت"تفترض لغة سابقة...وهذا تناقض...
وقيل وضعت الالفاظ محاكاة لاصوات الحيوانات...وهذا غير مقبول...فالانسان ارقى من الحيوان...فلا يقلد الاعلى الادنى...فضلا على ان الاسلام لا يقبل ابدا مفهوم" الانسان البدائي..."فهذا المفهوم نشأ فى بيئة ملحدة...تقوم على خرافة التطور....وقيل وضعت الالفاظ محاكاة لاصوات الطبيعة...كما نجد فى بعض الفاظ العربية ما يحاكي اصوات الشيء المعبر عنه...من قبيل "عواء" و"مواء"و "قضم" و"حفيف".....لكن الكثرة الكاثرة من الالفاظ لا تقلد صوتا ولا صدى...بل ان لغويي اليوم يرون العلاقة اعتباطية بين الدال والمدلول....
ثم يأتي الاشكال الاكبر ....اين النقل الصحيح ؟؟؟لان مسألة المواضعة مسألة نقلية لا دخل للعقل فيها...
بعد هذا....الم يكن شيخ الاسلام اولى بالحصافة المنهجية من غيره...عندما رفض فكرة الوضع...وأبى ان يستخدمها فى نظريته اللغوية.....
ولكن ما الحل البديل لنظرية"الوضع"؟
هذا هو موضوع الحلقة الثانية من هذا العرض...ان شاء الله تعالى...

- 2 -
لما كان مفهوم "الوضع" ظنيا لم يجز اعتماده لبناء نظرية لغوية سليمة....فأقصى من قبل ابن تيمية..واعتمد على مفهوم واضح اجرائي :"الاستعمال"
فإن كان من المجازفة ان نقول ان العرب وضعت اسم" الاسد" للحيوان اولا ثم استعمل بعد ذلك فى الانسان..فإنه من المؤكد انهم استعملوا اسم "الاسد" فى المعنيين...معا...وهذا يمكن التحقق منه بالرجوع الى كلامهم...
قال ابن تيمية فى الايمان الكبير:"والمقصود هنا أنه لا يمكن أحدا أن ينقل عن العرب بل ولا عن أمة من الأمم أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة فى اللغة ثم استعملوها بعد الوضع وانما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعانى فان ادعى مدع أنه يعلم وضعا يتقدم ذلك فهو مبطل فان هذا لم ينقله أحد من الناس..."
وكأني بشيخ الاسلام هنا يطبق القاعدة الشرعية....اليقين لا يزول بشك....فلا يجوز لفرضية الوضع المشكوك فيها ان تشوش على" الاستعمال "المقطوع به ...
وينتج عن هذا الاعتبار....تساوي الاستعمالات...فليس استعمال "الاسد" فى الحيوان اولى من استعمال "الاسد" فى الانسان من حيث القيمة....وبطل بالتالي التصنيف الى اصل وفرع...
والى هذا المذهب...مال ابو اسحق الاسفراييني....كما عرضه د.لطفي عبد البديع..فى كتابه "فلسفة المجاز":
".....ومن اجل ما قدمنا.......كان ما ذهب اليه ابو اسحق الاسفراييني من انه لا مجاز فى لغة العرب وعمدته ان حد المجاز عند مثبتيه انه كل كلام تجوز به عن موضوعه الاصلي الى غير موضوعه الاصلي للنوع مقارنة بينهما فى الذات او فى المعنى...اما المقارنة فى المعنى فكوصف الشجاعة والبلادة.....واما فى الذات فكتسمية المطر سماء........وهذا يستدعي منقولا عنه متقدما ومنقولا اليه متاخرا...وليس فى لغة العرب تقديم وتاخير بل كل زمان قدر ان العرب قد نطقت فيه بالحقيقة فقد نطقت فيه بالمجاز..........والعرب نطقت بالحقيقة و المجاز على وجه واحد..فجعل هذا حقيقة وهذا مجازا ضرب من التحكم فان اسم السبع وضع للاسد كما وضع للرجل الشجاع..
وما قيل فى الجواب عن هذا من ان الجهل بتاريخ تقدم الحقيقة على المجاز لا يدل على عدم التقديم والتاخير منقوض بعدم وجود تاريخ لذلك ...الا ان هذا التاريخ مبني على افتراض التقديم والتاخير...وهو فى الترتيب الزمني بمنزلة الاصل والفرع فى الترتيب العقلي..وكلاهما لا وجه له فى الظاهرة اللغوية...وحسبنا ان نقول ان اللفظة الواحدة قد تتوارد على معان شتى دون
ان يعرف اي هذه المعاني مقدم على الآخر لانه لا سبليل الى ذلك....=انتهى كلام عبد البديع.
ومن النتائج الجليلة...عن اعتبار الاستعمال لا الوضع..تغير تصورنا للغة...فلن تكون بعد هذا "مجموعة من "المفردات "المخزونة-المحنطة- فى المعاجم.....بل هي مجموعة من "الجمل"المتداولة فى الحياة....ولهذا التصور غور عظيم...سيكون هو موضوع حديثنا القادم ان شاء الله.....

- 3 -



ان المتتبع لتراث شيخ الاسلام...سيجد عنده احتفاء قويا..بمبدأ الواقعية...وهو المعبر عنه ب"نفس الأمر"...وهو المقابل للتقدير الذهني...لذلك كان مناوئا لنهج المتكلمين..بسبب انبناء كثير من نظرياتهم على....مجرد تقديرات ذهنية....والعبرة عند ابن تيمية لا بما تقدر بذهنك....ولكن .. بما يوجد فى "نفس الامر"..اي فى الخارج...
هذا النزوع المنهجي الواقعي ..ظل ابن تيمية وفيا له...وطبقه بكل لوازمه فى نظريته اللغوية..
وهكذا....طوح بمفهوم "المواضعة"وسلكه فى سلك التقديرات الذهنية.....واعتبر ان جوهر اللغة..هي استعمال "فى نفس الأمر"....فأين ما وجهت وجهك ...لن تجد الا من يستعمل اللغة...وقد يقال على سبيل الاعتراض...فما بال هذه المصطلحات الجديدة...فى كل العلوم..أليست نتاج المواضعة...ثم اليس من الممكن..ان نخترع فى كل لحظة اعرافا لغوية...غير مسبوقة...هذا الاعتراض يبدو قويا(وهو عمدة من اعترض على ابن تيمية)...لان شيخ الاسلام لا يمكن ان يتغاضى..على انه فى كل علم....تولدت مصطلحات...بعضها مرتجل وبعضها منقول...
لكن قوة هذا الاعتراض لبادي الرأي فقط....لأن شيخ الاسلام سيزيحه بضربة واحدة..
ألم تستعمل اللغة فى هذه المواضعة....؟بلى...
إذن هذا الاعتراض يقوي نظرية ابن تيمية..ولا يقوضها....فالرجوع الى الخارج اي الى "نفس الامر"...لا نجد الا الاستعمال الذى نوظف به الكلمات" القديمة "ونضع به الكلمات" الجديدة"...اما الوضع السابق للاستعمال...فلا يشهد له الا التقدير الذهني.....وقد قلنا آنفا انه لا سبيل الى البرهنة عليه...
قال -رضي الله عنه-فى الايمان الكبير:"نعم قد يضع الناس الاسم لما يحدث مما لم يكن من قبلهم يعرفه فيسميه كما يولد لأحدهم ولد فيسميه اسما إما منقولا واما مرتجلا وقد يكون المسمى واحدا لم يصطلح مع غيره وقد يستوون فيما يسمونه وكذلك قد يحدث للرجل آلة من صناعة أو يصنف كتابا أو يبنى مدينة ونحو ذلك فيسمى ذلك باسم لأنه ليس من الأجناس المعروفة حتى يكون له اسم فى اللغة العامة...."
فلا مجال للتشغيب عليه...فالرجل واع بامكان الاصطلاح بين الناس...ويقر به..ويقبله...وهذه الوظيفة اللغوية..هي التي سماها علماء اللغة المعاصرون.."الوظيفة الميتا لغوية "وادرجوها ضمن وظائف اخرى كالوظيفة الانفعالية والتعبيرية..واللغوية(بالسكون) والاحالية..(ينظر مثلا ما كتبه رومان ياكبسون..احد الشكلانيين البنيويين....)
انظر الى قوله:فيسميه اسما ...اي يستعمل اللغة ليفهم الناس ان ابنه منذ اليوم يسمى زيد..او بكر...
لكن اين هذا من ذاك ..فالوضع الاولي ثبتت به اللغة(على التقدير الذهني).. الوضع الميتالغوي ثبت باللغة ... (فى نفس الامر)فليتأمل..

أبو العباس
18-10-2008, 12:37 AM
هناك أمر يغفل عنه بعض من يتكلّم في المجاز وهو أنّ إثبات المجاز لا يستلزم نفي الصفات . وهذه الغفلة رأيتها من بعض الأحباب الذين وصل بهم الحال إلى تبديع وتضليل من يقول بالمجاز في القرآن وإن كان يثبت الصفات على منهج أهل السنة والجماعة .
أهل المجاز يقولون : يشترط فيه وجود العلاقة التي تخرج الكلام عن حقيقته . وهذا منتفٍ في الأسماء والصفات إذ الكلام باق على حقيقته ولا يخرجه وهم ( التنزيه ) ونحوه ؛ إذ الله ( ليس كمثله شيء ) .
والكلام في هذا يطول إنما هو تنبيه حتى لا يتعجّل بعض الإخوة ، أو يظن البعض أن نفي المجاز من أصول الإيمان !

أبو الأزهر
14-11-2010, 11:28 PM
هناك أمر يغفل عنه بعض من يتكلّم في المجاز وهو أنّ إثبات المجاز لا يستلزم نفي الصفات . وهذه الغفلة رأيتها من بعض الأحباب الذين وصل بهم الحال إلى تبديع وتضليل من يقول بالمجاز في القرآن وإن كان يثبت الصفات على منهج أهل السنة والجماعة .
أهل المجاز يقولون : يشترط فيه وجود العلاقة التي تخرج الكلام عن حقيقته . وهذا منتفٍ في الأسماء والصفات إذ الكلام باق على حقيقته ولا يخرجه وهم ( التنزيه ) ونحوه ؛ إذ الله ( ليس كمثله شيء ) .
والكلام في هذا يطول إنما هو تنبيه حتى لا يتعجّل بعض الإخوة ، أو يظن البعض أن نفي المجاز من أصول الإيمان !

هذا الذي أبحث عنه منذ مدةٍ ..

جزاك الله خيرا أخي أبا العباس ..

عَرف العَبيرِ
01-03-2011, 03:55 PM
من هذا الباب أدْلف إلى مسألة بلاغية :_
قال تعالى ( وإنا أو إيّاكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين ) . سورة سبأ: 24
ماالمجاز فى هذه الآية.
وليعذرنى إخوانى فلست من أرباب البلاغة.

محسن خلف
05-01-2016, 01:59 PM
هناك أمر يغفل عنه بعض من يتكلّم في المجاز وهو أنّ إثبات المجاز لا يستلزم نفي الصفات . وهذه الغفلة رأيتها من بعض الأحباب الذين وصل بهم الحال إلى تبديع وتضليل من يقول بالمجاز في القرآن وإن كان يثبت الصفات على منهج أهل السنة والجماعة .
أهل المجاز يقولون : يشترط فيه وجود العلاقة التي تخرج الكلام عن حقيقته . وهذا منتفٍ في الأسماء والصفات إذ الكلام باق على حقيقته ولا يخرجه وهم ( التنزيه ) ونحوه ؛ إذ الله ( ليس كمثله شيء ) .
والكلام في هذا يطول إنما هو تنبيه حتى لا يتعجّل بعض الإخوة ، أو يظن البعض أن نفي المجاز من أصول الإيمان !

كلام أخي أبي العباس كلام رائع، إلا أن العلة في الانتفاء ليست عدم وجود العلاقة فإنها موجودة، ولكن عدم وجود القرينة التي تدل على إرادة المجاز لا الحقيقة، وهو ما يشترطه القائلون بالمجاز. والله أعلم