ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة الأدب والأخبار (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=4)
-   -   قصة قصيدة يتيمة ( عينية ابن زريق ) (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=92)

زاهر 31-05-2008 09:14 PM

قصة قصيدة يتيمة ( عينية ابن زريق )
 
القصيــدة الفــراقيــة
للشاعر محمد بن زريق البغدادي
تحكي هذه القصيدة قصة الشاعر محمد بن زريق البغدادي الذي كان مولعا بحب ابنة عمه ، لكنّ ما به من ضيق العيش وقلة ذات اليد حمله على الرحيل طلبا للرزق ، الأمر الذي لم ترضَ عنه ابنة عمه ، ومع ذلك فقد أخذ برأيه وقصد أبا الخبير عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس ، ومدحه بقصيدة بليغة ، فأعطاه عطاء قليلا ، فقال ابن زريق وقلبه يعتصر ألما : "إنا لله وإنا إليه راجعون! سلكتُ القفار والبحار إلى هذا الرجل ، فأعطاني هذا العطاء!" ثم انزوى يتذكر فراق ابنة عمه وما بينهما من بعد المسافة ، وما تحملَّه في سبيل هذا السفر من مشقة وبذل مال وبعد عن الأهل والأحبة ، فاعتلّ غمّا ومات .
وأراد عبد الرحمن - كما قيل - اختبار ابن زريق بهذا العطاء القليل ، فلما كان بعد أيام ، سأل عنه فافتقدوه في الخان الذي كان نازلا فيه ، فكانت المفاجأة أن تحول هذا الرجل إلى جثة هامدة ، وعند رأسه رقعة مكتوب فيها هذه القصيدة الفراقية الحزينة التي تفيض رقة وحنانا .
والآن أترككم مع أبيات من القصيدة تتحدث إليكم فحديثها أبلغ ولسانها أفصح:
لا تَعــــذَلِيه فَإِنَّ العَــــذلَ يُولِعُـــهُ ** قَد قَلــتِ حَقاً وَلَكِـــن لَيـــسَ يَسمَـعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومـهُ حَـداً أَضَرَّبِــهِ ** مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللـَــــومَ يَنفَـــعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفـق فِي تَأِنِيبِهِ بَــدَلاً ** مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ ** فَضُيَّقَت بِخُطُـــوبِ المَهــرِ أَضلُـعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَـوعَةِ التفنيـــدِ أَنَّ لَــهُ ** مِـنَ النَـــوى كُـــلَّ يَـــومٍ ما يُروعُـــهُ
ما آبَ مِن سَفَـــرٍ إِلّا وَأَزعَـــجَهُ ** رَأيُ إِلــى سَفَـــرٍ بِالعَــــزمِ يَزمَــعُهُ
كَأَنَّما هُــوَ فِي حِـــلِّ وَمُرتحَـــلٍ ** مُوَكَّــــلٍ بِفَضـــــاءِ الأَرضِ يَذرَعُـهُ
إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً ** وَلَو إِلى السَندِ أَضحى وَهُوَ يُقطــعُهُ
تأبى المطـــامعُ إلا أن تُجَشّــــمه ** للـــرزق ســعياً ولكـن ليس يجمَــعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنســـانِ تَوصِـــلُهُ ** رزقَاً وَلادَعَــــــةُ الإِنســـانِ تَقطَـعُهُ
قَد قسَّــمَ اللَهُ بَينَ الخَـلقِ رزقَهُمُ ** لَم يَخلُــــق اللَهُ مخلـــــوقاً يُضَيِّــعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَسـتَ تَرى ** مُستَـرزِقاً وَسِـوى الغايــاتِ تُقنُــــعُهُ
وَالحِرصُ في الرّزق وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت**بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالمَهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه ** إِرثاً وَيَمنَــعُهُ مِن حَيــثِ يُطمِــعُهُ
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً ** بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَــعُهُ
وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَو يُوَدِّعُــــنِي ** صَفــــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً ** وَأَدمُعِـــــي مُستَهِــــــلّاتٍ وَأَدمُـــعُهُ
لا أَكُذبث اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ ** عَنّــــــي بِفُـــرقَتِــــهِ لَكِــن أَرَقِّــــعُهُ
إِنّي أَوَسِّـــــعُ عُـذري فِي جَنــــايَتِهِ ** بِالبيــــنِ عِنـــهُ وَجُرمي لا يُوَسِّــعُهُ
رُزِقتُ مُلـكاً فَلَم أَحسِــن سِياسَـــتَهُ ** وَكُلُّ مَن لا يُسُـوسُ المُلـكَ يَخلَـعُهُ
وَمَن غَدا لابِسـاً ثَوبَ النَعِيـــم بِلا ** شَكــــرٍ عَلَيـــــهِ فَــــإِنَّ اللَهَ يَنــزَعُهُ
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ**كَأســـاً أَجَــــرَّعُ مِنـــــها ما أَجَرَّعُـــهُ
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ ** الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ ** لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
إِنّــي لَأَقطَعُ أيّـامِي وَأنفِنُـها ** بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلـبِي تُقَطِّـعُهُ
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَـهُ ** بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا** لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ المَهرَ يَفجَعُنِي ** بِهِ وَلا أَنّض بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ ** عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ ** وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ ** كَما لَهُ عَهدُ صِداقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا ** جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
لَأَصبِـرَنَّ لِمَهــرٍ لا يُمَتِّـــعُنِي ** بِهِ وَلا بــِيَ فِــي حــالٍ يُمَتِّــعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً ** فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا ** جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ ** فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ

فيصل المنصور 31-05-2008 10:28 PM

هذه القصيدةُ من عيونِ الشعرِ . وحقٌّ على كلِّ متأدِّبٍ أن يحفظَها ، ويتغنّى بها .

أبو سهل 31-05-2008 10:37 PM

ومن أحبَّ الاستزادةَ في شأنها فليُراجِعْ مقالاتِ محمود الطَّناحيِّ الأخيرة .



لعلِّي أفدتُ

محبكم / أبو سهل ،،،،،،،

أبو العباس 01-06-2008 12:35 AM

كان يقال : من تختم بالعقيق ولبس الأبيض وحفظ عينية ابن زريق فقد استكمل الظرف .

على أني رأيتُ نفسي تضطرب وتصطلي إذا أرغمتها على قراءة هذه المقطوعة !

سبحان من أعطى ابن زريق رقة ولطافة !

أبو العباس

زاهر 01-06-2008 12:49 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل أبو قصي (المشاركة 333)
هذه القصيدةُ من عيونِ الشعرِ . وحقٌّ على كلِّ متأدِّبٍ أن يحفظَها ، ويتغنّى بها .

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل أبو سهل (المشاركة 335)
ومن أحبَّ الاستزادةَ في شأنها فليُراجِعْ مقالاتِ محمود الطَّناحيِّ الأخيرة .



لعلِّي أفدتُ

محبكم / أبو سهل ،،،،،،،

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل أبو العباس (المشاركة 348)
كان يقال : من تختم بالعقيق ولبس الأبيض وحفظ عينية ابن زريق فقد استكمل الظرف .

على أني رأيتُ نفسي تضطرب وتصطلي إذا أرغمتها على قراءة هذه المقطوعة !

سبحان من أعطى ابن زريق رقة ولطافة !

أبو العباس

بارك الله فيكم إخوتي على مروركم وردودكم وتعليقاتكم على القصيدة .

أبو طعيمة 04-06-2008 11:28 PM

السلام عليكم..
كانت هذه القصيدة مقررة في منهاج المدرسة...فكان أول سماعي بها في ذلك الحين...ويا لله كم تبعث في النفس من حزن و أسى..حتى والله إني لبكيت أول ما قرأتها..
لله دره..كم كتم من حسرة..فلما تكلم أسمع الخلق من لدنه إلى اليوم..
"وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى=وأدمعي مستهلات و أدمعه"..
الله أكبر!..

الدكتور مروان 09-06-2008 09:59 PM

الشاعر العباسي أبو الحسن علي بن زريق البغدادي, شاعر مقل
كان له ابنة عم أحبها حبًا عميقًا صادقًا, ولكن أصابته الفاقة وضيق العيش,
فأراد أن يغادر بغداد إلي الأندلس طلبًا لسعة الرزق, وذلك بمدح أمرائها
ولكن صاحبته تشبثت به, ودعته إلي البقاء حبا له, وخوفًا عليه من الأخطار, فلم ينصت لها, ونفذ ما عزم عليه.
وقصد الأمير أبا الخيبر عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس, ومدحه بقصيدة بليغة, فأعطاه عطاء قليلاً. "
وبعد أن عاد إلى الخان الذي نزل به تذكر ما اقترفه في حق ابنة عمه من فراقها, وما تحمّله من مشاق ومتاعب,
مع فقره, وضيق ذات اليد, فاعتل وأصابه الغم والهم ثم لفظ أنفاسه ومات رحمه الله.
وقال بعض من كتب عنه :
إن عبد الرحمن الأندلسي أراد أن يختبره بهذا العطاء القليل
ليعرف هل هو من المتعففين أم الطامعين الجشعين, فلما تبينت له الأولي سأل عنه ليجزل له العطاء,
فتفقدوه في الخان الذي نزل به, فوجدوه ميتًا ,وعند رأسه رقعة مكتوب فيها هذه العينية .
وقد أطلق على هذه القصيدة أسماء ثلاثة:
عينية ابن زريق, وفراقية ابن زريق - ويتيمة ابن زريق.
ولكل تسمية سبب:

- فهي العينية لأن قافيتها هي العين المضمومة, وكان من عادة العرب إطلاق اسم القافية علي القصيدة:
فيقولون «سينية البحتري», و«بائية أبي تمام», و«ميمية» البوصيري.
- وهي القصيدة الفراقية: لأن موضوعها «الفراق»
- وهي القصيدة اليتيمة :
( لأن مؤرخي الأدب لم يذكروا له غير هذه القصيدة ) !!
على الأغلب والأشهر

الدكتور مروان 09-06-2008 10:06 PM

وجاء في كتــــاب :
نفح الأزهار في منتخبات الأشعار
لشاكر شقير

( لأبي الحسن علي بن زريق البغدادي ، وكانت له ابنة عم قد كلف بها أشد الكلف ثم ارتحل عنها من بغداد لفاقة علته فقصد أبا الخيبر عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس ومدحه بقصيدة بليغة فأعطاه عطاء قليلاً. فقال ابن زريق أنا لله وأنا إليه راجعون سلكت القفار والبحار إلى هذا الرجل فأعطاني هذا العطاء. ثم تذكر فراق ابنة عمه وما بينهما من بعد المسافة وتحمل المشقة مع ضيق ذات يده فاعتل غماً ومات. قالوا وأراد عبد الرحمن بذلك أن يختبره فلما كان بعد أيام سأل عنه فتفقدوه في الخان الذي كان فيه فوجدوه ميتاً وعند رأسه رقعة مكتوب فيها هذه القصيدة
لا تعذليه فإن العـذل يولـعـه
قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه

أبو ولاء 24-07-2008 02:03 PM

رد: قصة قصيدة يتيمة
 
البسملة1
اقتباس:

فقصد أبا الخيبر عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس ومدحه بقصيدة بليغة فأعطاه عطاء قليلاً.
إذن هي ليست قصيدة يتيمة ؟!. كيف الحصول عليها ؟. أعتقد أنها لا تقل روعة، عن هذة القصيدة الموسومة باليتيمة !.
مسكين، ابن زريق البغدادي؛ ماتَ ولسانُ حالهِ يقول :
وبي فضلَةٌ أن أغتدي غيرَ شاكِر *** لأنعُمِهِ أويغتدي غيرَ مُنِعمِ

بحر الدموع 11-08-2008 01:10 PM

رد: قصة قصيدة يتيمة
 
الله المستعان
قصيدة تشجي و تكلم القلب و تخنق منها العبرة و تضيق عن وصفها العبارة
لو استقبل المرء من أمره ما استدبر

زاهر 25-10-2008 05:02 PM

أشكركم جميعا على ردودكم القيمة وتعليقاتكم المثمرة

عبدالله مدربش 20-10-2011 01:13 AM

ابن رزيق البغدادي 000وقصيدته لاتعذليه
 
ابن زريق البغدادي: ( أبي الحسن علي بن زريق الكاتب البغدادي )
شاعر قتله طموحه ، يعرفه دارسو الأدب ومحبوه ، لكنهم لايعرفون له غير هذا الاثر الشعري الفريد يتناقله الرواة، وتُعنى به الدواوين الشعر العربي .
فإذا ما تساءلنا عن الشاعر ، و عن سائر شعره ، فلن نظفر من بين ثنايا الصفحات بغير بضعة سطور ، تحكي لنا مأساة الشاعر العباسي (ابن زريق البغدادي)
الذي ارتحل عن موطنه الأصلي في بغداد قاصدا بلاد الأندلس
عله يجد فيها لين العيش وسعة الرزق ما يعوضه عن فقره..ويترك الشاعر في بغداد زوجة يحبها وتحبه كل الحب ، ويخلص لها وتخلص له كل الاخلاص، من أجلها يسافر ويهاجر ويغترب، وفي الأندلس يجاهد الشاعر ويكافح من أجل تحقيق الحلم لكن التوفيق لا يصاحبه ، والحظ لا يبتسم له ، ويمرض ، ويشتد به المرض ثم تكون نهايته في الغربة ..
((ذ كر ابن السمع
اني لهذه القصيدة قصة عجيبة فروى:
أن رجلا من أهل بغداد قصد أبا عبد الرحمن الأندلسي وتقرب إليه بنسبه فأراد أبو عبد الرحمن أن يبلوه ويختبره فأعطاه شيئا نزراً فقال البغدادي إنا لله وإنا إليه راجعون سلكت البراري والقفار والمهامه والبحار إلى هذا الرجل فأعط
اني هذا العطاء النزر فانكسرت إليه نفسه فاعتل ومات وشغل عنه الأندلسي إياما ثم سأل عنه فخرجوا يطلبونه فانتهوا إلى الخان الذي هو فيه وسألوا الخانية عنه فقالت إنه كان في هذا البيت ومذ أمس لم أبصره فصعدوا فدفعوا الباب فإذا هو ميت وعند رأسه رقعة فيها مكتوب:
لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه
وذكر أبياتا من القصيدة غير تامة
قال فلما وقف أبو عبد الرحمن على هذه الأبيات بكى حتى خضب لحيته وقال وددت أن هذا الرجل حي وأشاطره نصف ملكي وكان في رقعة الرجل منزلي ببغداد في الموضع الفل
اني المعروف بكذا والقوم يعرفون بكذا فحمل إليهم خمسة آلاف دينار وعرفهم موت الرجل ))
ويضيف الرواة بعدا جديدا للمأساة ، فيقولون إن هذه القصيدة التي لا يعرف له شعر سواها وجدت معه عند موته سنة 420 من الهجرة ، يخاطب فيها زوجته ، ويؤكد لها حبه حتى الرمق الأخير من حياته.
ويترك لنا-نحن قراءه من بعده- خلاصة أمينة، لتجربته مع الغربة والرحيل، من أجل الرزق ، وفي سبيل زوجته التي نصحته بعدم الرحيل فلم يستمع لها.
وهو في ختام القصيدة نادم..حيث لم يعد ينفع الندم أو يجدي ..متصدع القلب من لوعة وأسى حيث لا أنيس ولا رفيق معين.

والمتأمل في قصيدة ابن رزيق البغدادي لابد له أن يكتشف على الفور رقة التعبير فيها ، وصدق العاطفة وعمق التجربة .
فهي تنم عن أصالة شاعر مطبوع له لغته الشعرية المتفردة ، وخياله الشعري الوثاب، وصياغته البليغة المرهفة
******
.

يقول ابن زريق البغدادي في مستهل قصيدته مخاطبا زوجته:
لا تعذليه فإن العذل يولعه = قد قلتِ حقا ولكن ليس يسمعه
جاوزت في لومه حدا أضر به = من حيث قدّرتِ أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً =من عذله فهو مضنى القلب موجعه
قد كان مضطلعا بالخطب يحمله = فضيقت بخطوب الدهر أضلعه
يكفيه من لوعة التشتيت أن له =من النوى كل يوم ما يروعه
ما آب من سفر إلا وأزعجه = رأي إلى سفر بالعزم يزمعه
كأنما هو في حل ومرتحل = موكلٌ بفضاء الله يذرعهُ
إن الزمان أراه في الرحيلِ غنى = ولو إلى السند أضحى وهو يزمعه
وما مجاهدة الإنسان توصله =رزقا، ولا دعة الإنسان تقطعه
قد وزّع الله بين الخلق رزقهمُ = لم يخلق الله من خلق يضيعه
لكنهم كلفوا حرصا ، فلست ترى = مسترزقا وسوى الغايات تُقنعه
والحرص في الرزق-والأرزاق قد قسمت = بغي ألا إن بغي المرء يصرعه
والدهر يُعطي الفتى من حيث يمنعه = إرثا ويمنعه من حيث يطمعه
ثم يلتفت ابن رزيق التفاتة محب عاشق إلى بغداد ، حيث زوجته التي تركها دون أن يستمع إلى نصيحتها ، إنها مملكته التي أضاعها ولم يحسن تدبيرها:
أستودع الله في بغداد لي قمراً = بالكرخ من فلكِ الأزرار مطلعه
ودّعته
وبودي لو يودعني =صفو الحياة ولا أني أودعه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى = وأدمعي مستهلات وأدمعه
ومن غدا لابسا ثوب النعيم بلا = شكر عليه فإن الله ينزعه
وفي ختام القصيدة يتحدث ابن زريق عن واقع الحال مع الغربة ، بين الأسى واللوعة ، والندم والألم، وهنا ينفسح المجال للتأمل ، وينطلق اللسان بالحكمة التي تفجرها التجربة ، ويشرق القلب بالدموع:
اعتضت من وجه خلي بعد فرقته = كأسا أجرع منها ما أجرعه
كم قائل لي ذقت بين ، قلت له: = الذنب ذنبي فلست اليوم أدفعه
ألا أقمت فكان الرشد أجمعه؟ = لو أنني يوم بان الرشد أتبعه
إني لأقطع أيامي ، وأنفذها = بحسرة منه في قلبي تقطعه
بمن إذا هجع النوام بت له = بلوعة منه ليلي لست أهجعه
لا يطمئن لجنبي مضجع ، وكذا =لا يطمئن له مذ بنت مضجعه
ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني = به، ولا أن بي الأيام تفجعه
حتى جرى البين فيما بيننا بيد = عسراء تمنعني حظي وتمنعه
قد كنت من ريب دهري جازعا فرقا = فلم أوق الذي قد كنت أجزعه
بالله يا منزل العيش الذي درست = آثاره وعفت مذ بنت أربعه
هل الزمان معيد فيك لذتنا = أم الليالي التي أمضته ترجعه
في ذمة الله من أصبحتَ منزله = وجاد غيث على مغناك يُمرعه
من عنده لي عهد لا يضيعه = كما له عهد صدق لا أضيعه
ومن يُصدع قلبي ذكره، وإذا = جرى على قلبه ذكري يصدعه
لأصبرن لدهر لا يمتعني = به ولا بي في حال يمتعه
علما بأن اصطباري معقب فرجا = فأضيق بالأمر إن فكرت أوسعه
عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا =حيناً ستجمعني يوما وتجمعه
وإن تغُل أحدا مناً منّيته =فما الذي بقضاء الله يصنعه؟


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 12:07 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ