ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة الأدب والأخبار (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=4)
-   -   تنبيهات على مواضع في كتاب الوحشيات (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=3982)

صالح العَمْري 26-12-2010 12:49 AM

تنبيهات على مواضع في كتاب الوحشيات
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ذكرت من قبل في إحدى مشاركاتي أن الشيخ أبا فهر محمود محمد شاكر شيخ العربية رحمه الله تعالى، ربما غلَّط بعض العلماء بغلظة وشدة ثم لم يُقم بينة على صحة ما ذهب إليه، وقلت إنني لن أذكر شيئا من أمثلة ذلك الآن، ثم خشيت أن يحمل بعض الناس كلامي هذا على الكذب والمين، فرأيت أن أذكر لذلك مثالا واحدا يكون مخبرا عن غيره ومنبئا عنه، وهو في مقطوعة في الوحشيات، ثم رأيت أيضا أن أبيِّن أشياء أخرى في هذه المقطوعة، إذ كان الشيء يذكر بأخيه.
والكلام الذي سأذكره فيه فوائد كثيرة لطالب العلم الذي يحب أن يفهم الشعر ويفقهه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

صالح العَمْري 26-12-2010 01:55 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المقطوعة كما وردت في كتاب الوحشيات
محمد بن حمران أبي حمران
1 - أبلغ بني حُمران أني عن عداوتكم غنيّْ
2 - يكفيك بغي الأبلخ الجبار إذ تُرك النضيّْ
3 - في نحره متقبضا كتقبض السبع الرميّْ
4 - إن المنيح طحا به نِيَةُ الأياصر والنصيّْ
5 - والحالبُ العجلانُ كالمخراق والزِّق الرويّْ
6 - ما إن يغيب به الدهاس ولا يزل به الصُّفيّْ
7 - يعدو كعدو الثعلب الممطور روَّحه العشيّْ
8 - بقوائم عوج شماطيط وهاد رعشنيّْ
9 - تُدرى ذوائبه كما تُدرى إلى العُرس الهديّْ
والمواضع التي لونتها هي التي سأتحدث عنها إن شاء الله، وليست كلها مواضع أخطاء.

صالح العَمْري 26-12-2010 02:43 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
الموضع الأول:
4 - إن المَنِيح طحا به نِيَةُ الأياصرِ والنصيّْ
وليس الموضعَ الذي أنكرتُه على أبي فهر رحمه الله وأنشأتُ الحديث من أجله، إنما هو شيء أردت أن أصحّحه خدمة للأدب وطلابه.

ولأبي فهر رحمه الله حاشية جيدة على هذا البيت، سأورد الآن جزءا منها والباقي أورده في حينه إن شاء الله:
" (4) المَنِيح: اسم فرس، انظر كتب الخيل."
قلت: قول الشيخ هذا حق لا إشكال فيه، لكني لم أرهم نصّوا على أن هذا الفرس للشويعر محمد بن حمران صاحب هذه المقطوعة، ولا أظن الشيخ رحمه الله وقف على ذلك في كلامهم، وأحسبه لو وقف على مثل هذا لأثبته.

إنما الذي وجدته في كتاب "أسماء خيل العرب وفرسانها" لابن الأعرابي: "من بني شيبان: ......قيس بن مسعود، فرسه: المَنِيح"اهـ
وفي القاموس (م ن ح): "والمَنيح، كأمير: .....وفرس القويم أخي بني تيم، وفرس قيس بن مسعود الشيباني"اهـ
وكتب الخيل كثيرة لم أبحث فيها كلها، لأني وقفت على الصواب إن شاء الله، فصواب هذا الموضع في هذا البيت، ما أنشده ابن الأعرابي في كتابه المذكور، قال: " خيل اليمن.
الأسعر بن مالك الجعفي، فرسه: (المعلّى).....وله أيضا: (الضَّبِيح)، قال فيه:
إن الضَّبيحَ...."اهـ
قلت: هذا هو الصواب إن شاء الله، والكلمة فيها تحريف، فالضاد دائرتها تشبه دائرة الميم، ونقلت نقطتها إلى ما بعدها فصار نوناً، فتحولت (الضَّبِيح) إلى (المَنِيح)، ومما يؤيد ذلك ما يلي:
1 - أن ابن الأعرابي جعل هذه الفرس للأسعر الجعفي، وهو عمُّ محمد بن حمران الشويعر صاحب هذه المقطوعة، كما ذكر الميمني رحمه الله في تعليقه على المقطوعة نفسها في الوحشيات.
قلت: فيجوز أن يكون ابن الأعرابي أخطأ في نسبة الفرس للأسعر وهي لابن أخيه، فأخطأ لقرب ما بين الرجلين، ويجوز أيضا أن تكون الفرس للأسعر كما قال ابن الأعرابي وذكرها ابن أخيه في شعره، ولا ضير في ذلك فهي فرس عمه.
بل أزيد على هذا أن الأبيات نسبت أيضا للأسعر نفسه، فيكون الأسعر ذكر الفرس وهي فرسه، على أن الميمني رحمه الله ردَّ نسبة الأبيات للأسعر وقال: إنها لابن أخيه الشويعر.
2 - قال الصغاني في التكملة (ض ب ح): "والضَّبيح، على (فَعِيل): فرس: الريب بن شريق.
والضَّبِيح، أيضا: فرس الشويعر، وهو محمد بن حُمران الجعفي"
3 - قال في القاموس (ض ب ح): "والضَّبِيح: أفراس للريب بن شريق، وللشويعر محمد بن حمران، وللحازوق الحنفي الخارجي، وللأسعر الجعفي، ولداود بن متمم"اهـ
فصاحب القاموس جمع القولين كليهما كما ترى.
فهذا ما يتعلق بهذا الموضع من هذا البيت وللحديث تتمة إن شاء الله.

صالح العَمْري 26-12-2010 03:22 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
4 - إن المَنِيحَ طحا به نِيَةُ الأياصرِ والنصيّْ
بقي الموضع الثاني في هذا البيت، وقد وقف عنده الشيخ رحمه الله تعالى وارتاب فيه لكنه لم يهتد لوجهه، وهو معذور في ذلك، وأنا لو لم أقف على البيت في موضع آخر ما اهتديت لوجهه، قال رحمه الله تعالى في الحاشية المذكورة أولا:
"طحا به: ذهب به كل مذهب. ونِيَة: هكذا في الأصل، وأخشى أن تكون محرفة، فإلا تكن، فهي من قولهم: نوى الشيء نيَّة أي قصده بتشديد الياء، ونِيَة بفتحها مخففة, رواها اللحياني وحده، وهي نادرة ليست قياسا. والأياصر: جمع أيصر، وهو الحشيش المجتمع. والنصيّ: نبت معروف عندهم، وهو سبط أبيض ناعم من أفض المرعى للخيل، (شاكر)" انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
قلت: لما وقفت على البيت في كتاب "أسماء خيل العرب وفرسانها" لابن الأعرابي، عرفت صواب الموضع الذي أشكل على الشيخ رحمه الله، وكيف وقع فيه التحريف، والبيت كما أنشده ابن الأعرابي:
إن الضَّبِيحَ طحا بـِـمَـــتْـــ ـنَيـــْــهِ الأياصرُ والنصيّْ
فهذه كلمة واحدة: "بِمَتْنَيْهِ"، فحُرِّفت: "بِمَتْـ" إلى "بِهِ"، أما "ـنَيْهِ" فهي "نية"، ما خلا النقطتين على التاء المربوطة.

وتكون "الأياصرُ" على صحة البيت مرفوعة، لأنها فاعل "طحا"، بعد أن كانت مجرورة على أنها مضاف إليه والمضاف "نِيَةُ".
ولو نظرت في الوجه الذي ذكره الشيخ رحمه الله تعالى لرأيته بعيدا مستكرها، فقد ذكر أن "نِيَة" بتخفيف الياء رواها اللحياني وحده، على أنها لو كانت معروفة عند غيره من أهل اللغة لم يكن معناها هنا حسنا، فما معنى أن يكون طحا بالفرس إرادةُ الأياصر وقصدُها، أيريد أنه يطلبها ويشتاقها فلا يهدأ لذلك، فهذا ليس مما تُمدح به الخيل، وسأبيّن معنى البيت في مشاركة أخرى إن شاء الله.
وبالله تعالى التوفيق.


صالح العَمْري 29-12-2010 11:10 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الضبيح طحا بمتـ ** ـنيه الأياصرُ والنصيّْ
طحا: أي ذهب به كل مذهب، كما قال الشيخ أبو فهر رحمه الله. قال علقمة بن عبَدة:
طحا بك قلبٌ في الحسان طروبُ ** بُعيد الشباب عصرَ حان مشيبُ
ومعنى بيت الشويعر مع البيت الذي بعده أن هذا الفرس عظُم متناه واكتنزا على أكل الأياصر والنصي وعلى شرب ألبان اللقاح.
والمَتنان: مُكتَنفا الصُّلب عن يمين وشمال.
وامتلاء المتنين واكتنازهما مستحب في الخيل، قال امرؤ القيس يصف فرسا:
لها متنتان خظاتا كما ** أكب على ساعديه النمر
قيل: أراد: خظتا، فرد الألف التي هي بدل من لام الفعل. وقيل: أراد: خظاتان، فحذف النون من المثنى في غير الإضافة.
يقال: خظا لحمه خظوًّا أي اكتنز. والمتنتان: لغة في المتنين. فوصف متنيها بالاكتناز والامتلاء.
وقال أبو دؤاد الإيادي:
ومتنان خظاتان ** كزحلوف من الهضب

صالح العَمْري 29-12-2010 11:36 AM

البيت الثاني:
والحالب العجلان كالمخراق والزِّق الرويّْ
قال الشيخ رحمه الله: "أخشى أن يكون أبو تمام قد وضع هذا البيت في غير موضعه، كعادته في تغيير ترتيب الشعر"
وهذا هو الكلام الذي أنكرته على أبي فهر رحمه الله في هذه المقطوعة. فالشيخ رحمه الله شكك في أبي تمام وجوز أن يكون أبو تمام قد غير ترتيب الأبيات، وإن كان الشيخ لم يجزم بذلك.
وقد قرأت مثل هذا الكلام لأبي فهر رحمه الله في غير ما موضع، يتهم أبا تمام بتغيير رواية الشعر ويقول: إنه كثير العبث بالشعر.
ومسألة تغيير أبي تمام للشعر وعبثه به لا أنفيها ولا أثبتها فإنها تحتاج إلى نظر وتأمل، وقد ذكر ذلك غير أبي فهر كالمرزوقي في مقدمة شرحه لديوان الحماسة، قال: "حتى إنك تراه [يعني أبا تمام] ينتهي إلى البيت الجيد فيه لفظة تشينه، فيجبر نقيصته من عنده، ويبدل الكلمة بأختها في نقده. وهذا يَبِين لمن رجع إلى دواوينهم، فقابل ما في اختياره بها"اهـ
إنما الذي أنكره أن يكون هذا هجيرانا وديداننا، كلما أشكل علينا فهم موضع في ديوان الحماسة أو الوحشيات قلنا عبث فيه أبو تمام، وهذا قد وقع للشيخ رحمه الله هنا.
فإنه شكك القاريء وطالب العلم في هذا الموضع ثم لم يقم على كلامه هذا بينة، والبيت هذا في حاق موضعه ولا بد منه بعد البيت الذي قبله ليتم المعنى ويكمل، وسأبين ذلك إن شاء الله.

صالح العَمْري 29-12-2010 12:08 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
قد عرفت أن الشويعر مدح فرسه وذكر اكتناز متنيه على أكل الأياصر والنصي، فلما ذكر طعامه في البيت الأول أراد هنا أن يذكر شرابه، فإن الفرس يحتاج إلى الشراب كما يحتاج إلى الطعام أو أشد، ويؤثّر شرابه في قوة بدنه وتمام أعضائه كما يؤثر طعامه، فقال:
إن الضبيح طحا بمتـ ** ـنيه الأياصرُ والنصيّْ
والحالبُ العجلانُ كالمخراق والزِّق الرويّْ
فالحالب معطوف على الأياصر وكذلك الزِّق، فكأنه قال: طحا بمتنيه الأياصرُ والنصيُّ ولبنُ اللقاح، إذ كان معلوما أن اللبن لا بد له من حالب يحلبه، ولا بد له من وعاء يكون فيه.
وإيثار العرب خيلهم بألبان اللِّقاح أكثر من أن يحصى في شعرهم، واللِّقاح جمع لِقحة، وهي الناقة التي نُتجت فيكون لها لبن، تكون لقحة شهرين أو ثلاثة ثم هي لبون.
[ والناس اليوم في جزيرة العرب يسمون الخَلِفة وهي واحدة الحوامل من الإبل يسمونها لْقَحَة، ويسمون اللِّقحةَ التي يكون فيها اللبن خَلْفَةً، فعكسوا الاسمين وغيروا في لفظهما.]
فنعود إلى ذكر إيثار العرب خيلهم بألبان اللقاح، فنذكر من ذلك شيئا يسيرا، لأننا لو أردنا الاستقصاء فيه لطال ذلك بنا جدا.
قال الأعرج المعني:
أرى أم سهل ما زال تفجع ** تلوم وما أدري علام توجَّعُ
تلوم على أن أمنح الوَردَ لِقحةً ** وما تستوي والورد ساعة نفزعُ
إذا هي قامت حاسراً مشمعلةً ** نخيب الفؤاد رأسها ما يقنَّعُ
وقمت إليه باللجام ميسراً ** هنالك يجزيني بما كنت أصنع
وقال خزز بن لوذان:
لا تذكري مهري وما أطعمته ** فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
إن الغبوق له وأنت مسوءة ** فتأوهي ما شئت ثم تحوبي
كذب العتيق وماء شن بارد ** إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي
وقال يزيد بن الخذاق:
قصرنا عليها بالمقيظ لقاحنا ** رباعية وبازلا وسديسا
فآضت كتيس الربل تنزو إذا نزت ** على ربذات يغتلين خنوسا

صالح العَمْري 29-12-2010 12:39 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
أما قوله: "والحالب العجلان كالمخراق"
فقد ذكر فيه عجلة هذا الحالب، كأنهم يستحثونه ويستعجلونه ليعجل باللبن إكراما لهذا الفرس وحرصا عليه. وقد ذكرني هذا ببيت النجاشي وإن كان ليس مثله في المعنى، لكنه ذكر فيه استعجالهم للحالب، إذ يقول:
قبيلة لا يغدرون بذمة ** ولا يظلمون الناس حبة خردلِ
إلى أن يقول:
وما سُمِّيَ العجلانَ إلا لقولهم ** خذ القعبَ واحلب أيها العبد واعجلِ
يهجو بذلك تميم بن أبي بن مقبل وهو من بني العجلان.
والشويعر شبه هذا الحالب العجلان لخفته وسرعته ونشاطه بالمخراق، والمخراق: المنديل يلف ليضرب به، وهو خفيف فتكون حركته وتقلبه في اليد سريعة جدا، فلذلك إذا أرادوا أن يصفوا حذقهم في القتال بالسيف، وسرعة ما يضربون به، شبهوه بمخاريق الولدان الذين يلعبون، قال قيس بن الخطيم:
أجالدهم يوم الحديقة حاسرا ** كأن يدي بالسيف مخراق لاعبِ
وقال عمرو بن كلثوم:
كأن سيوفنا منا ومنهم ** مخاريق بأيدي لاعبينا
وأما الزِّق فإن كثيرا من الناس يظنه الذي تنقل فيه الخمر دون غيرها، كما قال:
ويوم شديد الحر قصَّرَ طولَه ** دم الزق عنا واطفاق المزاهر
وليس الأمر كذلك في بيت الشويعر، بل الزِّقُّ هنا الوطب الذي يكون فيه اللبن.
قال في اللسان: "قال الأصمعي: "الزِّق الذي يسوَّى سقاء أو وطبا أوحميتا"اهـ
وقال في القاموس: "وبالكسر [يعني: الزِّق]: السقاء"
وقال (س ق ي): "السقاء، ككساء: جلد السخلة إذا أجذع، يكون للماء واللبن"اهـ
هذا ما أردت أن أبينه في هذا البيت، وقد كتبته على عجل، والله تعالى أعلم.

فيصل المنصور 30-12-2010 02:50 PM

واصل يا كهلانيُّ، فإنك لم تزل في إحسانٍ، موفَّقًا إلى الصوابِ، مهديًّا إلى الحقِّ. وحرًى بكلِّ من كانَ لديه شيءٌ من العِلْم، ووقفَ على ما يُنكِرُه من عمَلِ المحقِّقين أن يُنبِّه عليه، ويكشِفَ عنه، فإنِّ في هذا نفعًا عظيمًا للعِلْم، وأهلِه.

أبو سهل 31-12-2010 08:08 AM

السلام عليكم ورحمة الله
التصحيف - حفظك الله - وإسقاطات الناسخين ، وخطرَفة المحققين ، أشبه شيءٍ بشبكة الصيّاد التي يُلقيها فخًّا ، فإنك تجد فيها الخسيسَ من الصّيد إلى جَنْبِ الغزير ، وتجد الخشاش مقرونًا بالكِبار ، وكذلك التصحيف والتحريف ، يقع فيه صِغار الناس ، كما يقع فيه الجِلّةُ الكبار من المحققين والعلماء ، وكلّما كان المُصحِّحُ أشهر وأعرف كان الضرَر عنه أشدّ وأكبر ، وقد رأيتك سلكْتَ شِعابَ هذا الفنِّ فجئتنا بصنوف من الفوائد ،وضروبٍ من النوادر ، حتى عرّفتنا بلاءَك ، وثمرة دراستك .
وقد ذكّرني صنيع شاكر بهذا البيت :
إن الضبيح طحا بمتـ ** ـنيه الأياصرُ والنصيّْ
وكشفِك له ، حين جعله هكذا :
إن المنيح طحا به نِيَةُ الأياصر والنصيّْ
بقول الشاعر :

قَرَنوا الغداءَ إلى العشاء وأحضروا ** زادًا - لعمر أبيك - ليس بزادِ !!

صالح العَمْري 01-01-2011 09:22 AM

أشكر أخوَيَّ الأستاذ أبا قصي فيصل المنصور والأستاذ أبا سهل وفقهما الله، على كلامهما الطيب وتشجيعهما وأرجو أن أكون عند حسن ظنهما.

صالح العَمْري 01-01-2011 09:52 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
قال محمد بن حمران الشويعر:
يعدو كعدو الثعلب الممطور روَّحَه العشيّْ
هذا البيت صحيح إن شاء الله، والموضع الذي لونته وقع فيه خطأ في غير هذا الكتاب، فأردت أن أصحِّحه ليعرفه طالب العلم.
والشويعر في هذا البيت يصف عدوَ فرسه صورتَه وسرعتَه.
أما صورة العدو فبيَّنها بقوله: "كعدو الثعلب"، فإن الفرس خلق عجيب له ضروب وأساهيج من العدو، فمنها الثعلبيَّة، إذا عدا عدوَ الثعلب فذلك الثعلبيَّة، ومعلوم أنهم يريدون أن عدوه هذا يشبه عدو الثعلب في صورته لا في سرعته.
فلما ذكر الشويعر صورة عدو فرسه أراد أن يبين سرعة عدوه فجاء بأمرين آخرين، وهما في قوله: "الممطور روَّحه العشي".
فالممطور: الذي أصابه المطر، وروَّحه العشي: أي أدركه العشيُّ وهو بعيد عن وِجاره.
فَجَعْلُهُ الثعلبَ ممطورًا دلَّ على سرعة عدوه لأن الثعلب في هذه الحال يُسرع غاية الإسراع لينجو من المطر ويأوي إلى مكان يُجِنُّه.
وهذا المعنى جاء في الشعر كثيرا وإن كان الذي يحضرني منه ليس في وصف الثعلب، لكن المعنى في ذلك واحد.
قال سلمة بن الخرشب الأنماري يصف فرسا:
فلو أنها تجري على الأرض أدركت ** ولكنها تهفو بتمثال طائر
خدارية فتخاء ألثق ريشَها ** سحابةُ يوم ذي أهاضيب ماطرِ
ألثق ريشها: أي بلَّله، فشبه الفرس بعُقاب بلّل المطر ريشها فهي تبادر إلى وكرها.
وقال الأجدع الهمْداني يصف خيلا:
إذا قيل يوما: يا صباحا، رأيتها ** كعقبان يوم الدجن ألثقها القطرُ
وقول الشويعر: "روَّحه العشيّ" يدل على سرعته لأنه يبادر إلى وجاره ويشتد في عدوه قبل إطباق الظلام عليه، وقد جاء هذا في الشعر أيضا.
قال الأخطل يصف رجلا يزعم الأخطل أنه هرب على فرس له:
فظل يفديها وظلت كأنها ** عُقابٌ دعاها جِنح ليل إلى وكرِ
فالشويعر لم يقنع بجعل هذا الثعلب ممطورا كما صنع سلمة بن الخرشب والأجدع الهمداني بالعقاب، ولا بجعله مؤصِلا يخاف أن يدركه الليل بعيدا عن وجاره كما صنع الأخطل، فلم يقنع بذلك حتى جمع بين الأمرين، والله تعالى أعلم.
وإنما بيَّنت ما في هذا البيت ليسهل رؤية الخطأ في الموضع الذي سأذكره في المشاركة القادمة، وهو في كتاب "البرصان والعرجان" للجاحظ.
وبالله تعالى التوفيق.

صالح العَمْري 01-01-2011 10:15 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أن كتاب "البرصان والعرجان" للجاحظ، وُجد منه مخطوطة واحدة ببلاد المغرب، لم يوجد غيرُها فيما أعلم.
فحقق الكتاب على هذه المخطوطة الفريدة اثنان من المحققين:
- عبد السلام هارون رحمه الله
- الدكتور محمد مرسي الخولي
وإنما ذكرنا كتاب "البرصان" في كلامنا على مقطوعة محمد بن حمران، لأن بعض أبيات المقطوعة وردت في كتاب الجاحظ.
أما البيت الذي فيه ذكر الثعلب، فأثبته الدكتور الخولي في نشرته هكذا:
يعدو كعدو الثعلب الــ ** ـممطور بلَّله العَشيّْ
وأما هارون رحمه الله فأثبت البيت هكذا:
يعدو كعدو الثعلب الــ ** ـممطور بالله العشيّ
وقد عرض لي عارض الآن، فسأعود لإكمال الحديث بعد زواله إن شاء الله.

صالح العَمْري 01-01-2011 10:59 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
أعود لإكمال حديثي فأقول:
ما أثبته الدكتور محمد مرسي الخولي أشبه بالصواب، وما أراه إلا رواية ثانية لما في كتاب الوحشيات، ومعناهما واحد، فقوله: "بلَّله العشيّ" أسند فيه الفعل إلى العشيّ لأنه وقع فيه، وإن كان الذي بلَّل الثعلبَ المطرُ أو السحاب, ولهذا نظائر كثيرة في كلام العرب.
فقوله: "الممطور بلّله العشي" كقوله: "الممطور روّحه العشيّ"، والمعنى فيهما أنه ممطور وأنه في وقت العشيّ، وقد عرفت فائدة ذكر الشاعر لهذا.
أما ما أثبته الأستاذ هارون رحمه الله، وهو: "الممطور بالله العشي"، فلا أراه صحيحا أبدا. وقد يقول قائل: إن هذا على تقدير مضاف محذوف، والتقدير: الممطور بفضل الله، فحذف المضاف ولهذا نظائر كثيرة، ويكون العشي نعتا للثعلب.
وهذا مستبعد وغير مقبول، لأن فيه تكلفا ظاهرا، ثم ما فائدة القول بأن هذا الثعلب مُطِر بفضل الله وهذا شيء معروف مستقر عند الناس! فهذا التأويل يذهب جمال البيت وبهاءه.
وزد على ذلك أن هذا اجتهاد من الأستاذ هارون في قراءتها، وقد يكون جانب الصواب في ذلك، وقد خالفه الدكتور الخولي فقرأها كما رأيت، وقراءة الدكتور الخولي أولى فيما أرى بالصواب، والله تعالى أعلم.

صالح العَمْري 01-01-2011 11:42 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
قال محمد بن حمران بعدما ذكر عدو الثعلب:
بقوائم عوج شماطيط وهاد رعشنيّ
هذا البيت أثبته الأستاذ هارون كذا:
بقوائم عوج شما ** طيط وهاد زاعبيّ
وأثبته الدكتور الخولي كذا:
بقوائم عوج شما ** طيط وهادورٍ عَييّ
أما الأستاذ هارون رحمه الله فقال في حاشيته: "الزاعبي: الرمح، منسوب إلى رجل من الخزرج يقال له: (زاعب). وفي الأصل: (هاد رعيى)، تحريف"اهـ
وقد أحسن الأستاذ هارون رحمه الله في ذكره لفظ المخطوطة، وهو تحريف كما قال، لكن ليس صوابه: "زاعبي" كما أثبت، وهذا اجتهاد منه في توجيهها.
أما الدكتور الخولي عفا الله عنه فلم يذكر رسم المخطوطة، واجتهد في قراءتها بما رأيت، وكان ينبغي أن يشير إلى ما جاء في المخطوطة أداءا للأمانة.
وكلا الاجتهادين من الأستاذين لم يؤدهما إلى الصواب.
فنقول أولا فيما أثبته الأستاذ هارون رحمه الله: ما وجه نسبة الهادي - وهو العنق - إلى زاعب رجلٍ من الخزرج، فهذا إنما تنسب إليه الرماح لا أعناق الخيل!
فإن قال قائل: هذا محمول على تشبيه عنق الفرس بالرمح، قلت: أين وجدتهم يشبهون عنق الفرس بالرمح؟ أما أنا فلا يحضرني شيء من هذا، فمن وجد شيئا من ذلك في شعر الأقدمين الذين يحتج بشعرهم فليتكرم بإرشادنا إليه.
وأقول: قد تشبه هواديها بالرماح في شيء من هيئاتها، كما قال الشماخ رضي الله عنه في حمير الوحش وأعناقها شبيهة بأعناق الخيل:
فظلت تفالى باليفاع كأنها ** رماح نحاها وجهة الريح راكزُ
فقد قيل فيه: إنه شبه أعناقها وهي مائلة برماح مركوزة مائلة في جهة الريح.
فهذا تشبيه بها في هيئتها وميلانها. إذا نظر إليها الناظر من بعيد، شبه أعناقها في ميلانها لجهة واحدة بهذه الرماح المائلة.
أما تشبيه عنق الفرس بالرمح في ذاته فما أعرف منه الآن شيئا، والله أعلم.
ثم نقول: إن هذا اجتهاد من الأستاذ هارون في قراءتها وليس شيئا وجده في المخطوطة، أما الذي في كتاب الوحشيات فلم يذكر الميمني وشاكر أن في المخطوطة غير الذي أثبتاه.
وأما الدكتور الخولي فقال: "الهادور: الصوت بغير شقشقة"
وقراءة الدكتور الخولي أيضا غير صحيحة، والذي في المخطوطة كما قال الأستاذ هارون: "وهاد رعيى" فأخذ الدكتور الخولي الراء من "رعيى" وجعلها في الكلمة التي قبلها فصارت "وهادر عيى" ثم زاد واوا من عنده فصارت: "وهادور عيي"، ثم فسر الهادور بما رأيت.
وهذا التفسير مردود أيضا، وهو مبني على قراءة غير صحيحة، لأن الشاعر إنما يصف عدو الفرس، فذكر قوائمه ثم ذكر عنقه، لأن هذين هما اللذان يظهر أثرهما في صورة عدو الفرس، وإذا نظرت إلى فرس يعدو من بعيد لم يجذب نظرك إلا حركة قوائمه وهاديه، أما الصوت فلا معنى لذكره هنا، ولا يظهر في صورة عدو الفرس.
على أن ما أثبته الأستاذان لو كان له وجه، ليس بأولى مما في كتاب الوحشيات لأمرين:
1 - أنه اجتهاد منهما في قراءته كما ذكرنا.
2 - أن ما في كتاب الوحشيات له وجه صحيح ظاهر سنبينه إن شاء الله.
فالصواب إن شاء الله ما في كتاب الوحشيات، وهو:
"وهادٍ رعشني"، وسأبين معناه إن شاء الله، والله تعالى أعلم.


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 04:41 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ