ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة فقه اللغة ومعانيها (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=5)
-   -   ما معنى ( مُقيتا ) في الآية ؟ (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=264)

عبد العزيز 24-06-2008 03:14 PM

ما معنى ( مُقيتا ) في الآية ؟
 
البسملة1

قال الله تعالى ((وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا))

ما معني "مقيتا" ؟

عبد الفتاح خضر 24-06-2008 04:47 PM

الأخ الأستاذ عبد العزيز هذه مشاركة تبين خلاصة ما أورده العلماء في تفسير كلمة "مقيتا"
قال الطبري: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"وكان الله على كل شيء مقيتًا".
فقال بعضهم تأويله: وكان الله على كل شيء حفيظًا وشهيدًا.
عن مجاهد:"مقيتًا" قال: شهيدًا، حسيبًا، حفيظًا.
وقال الضحاك: المقيت: الرزاق.
وعند ابن أبي حاتم: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: " " وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً " قَالَ: يُقِيتُ كُلَّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِ عَمَلِهِ".
قال الزمخشري والقرطبي والآلوسي: : { مُّقِيتاً } شهيداً حفيظاً . وقيل : مقتدراً . وأقات على الشيء ، اقتدر عليه ، قال الشاعر:
وَذِي ضِغْنٍ نَفَيْتُ السُّوءَ عَنْهُ ... وَكُنْتُ عَلَى إِسَاءَتِهِ مُقِيتاً
وقال السموأل :
أَلِي الْفَضْلُ أَمْ عَلَيّ إِذَا حُو ... سِبْتُ إِنِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ
واشتقاقه من القوت لأنه يمسك النفس ويحفظها .
وقال العلامة ابن عاشور: جملة { وكان الله على كلَ شيء مقيتاً } تذييل لجملة { من يشفع شفاعة حسنة } الآية ، لإفادة أنّ الله يجازي على كلّ عمل بما يناسبه من حُسْن أو سوء .
و { المقيت } الحافظ ، والرقيب ، والشاهد ، والمقتدر . وأصله عند أبي عبيدة الحافظ . وهو اسم فاعل من أقات إذا أعطى القُوت ، فوزنه مُفعِل وعينه واو . واستعمل مجازاً في معاني الحفظ والشهادة بعلاقة اللزوم ، لأنّ من يقيت أحداً فقد حفظه من الخصاصة أو من الهلاك ، وهو هنا مستعمل في معنى الإطلاع ، أو مضمّن معناه ، كما ينبيء عنه تعديته بحرف ( على ) . ومن أسماء الله تعالى المُقيت ، وفسّره الغزالي بمُوصل الأقوات . فيؤول إلى معنى الرازق ، إلاّ أنّه أخصّ ، وبمعنى المستولي على الشيء القادر عليه ، وعليه يدلّ قوله تعالى : { وكان الله على كلّ شيء مقيتاً } فيكون راجعاً إلى القدرة والعلم.
والعلم عند الله

محمد عمر الضرير 24-06-2008 06:01 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل عبد الفتاح خضر (المشاركة 1328)
وعليه يدلّ قوله تعالى : { وكان الله على كلّ شيء مقيتاً } فيكون راجعاً إلى القدرة والعلم.
والعلم عند الله

جزاك الله خيرا د. خضر، فقد لخصت ووصلت إلى زبدة الراجح من الأقوال، ومايتلاءم مع الأصل اللغوي للفظة، قال ابن فارس في المجمل: المقيت المقتدر، والمقيت: الحافظ والشاهد.( والحفظ والشهادة من مقتضيات العلم ولاشك).
وقد رُدَّ قول من ذهب إلى أنه من القوت، بمعنى موقوت، ومن ذلك رد ( أبوحيان في بحره المحيط) لقول شيخ المفسرين الطبري، بقوله: " وقال الطبري في قوله: إني على الحساب مقيت، إنه من غير هذه المعاني المتقدّمة، وإنه بمعنى موقوت. وهذا يضعفه أن يكون بناء اسم الفاعل بمعنى بناء اسم المفعول".
فما رأي علماء اللغة؟

عبد العزيز 26-06-2008 04:38 PM

نفع الله بكم أستاذ عبد الفتاح خضر وبالأستاذ محمد عمر الضرير،

جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس :

(قوت) القاف والواو والتاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على إمساكٍ وحفظٍ وقُدرةٍ على الشَّيء. من ذلك قولُه تعالى: (( َوكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ مُقِيتاً )) ، أي حافظاً له شاهداً عليه، وقادراً على ما أراد.
وقال:
وذي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عنه * وكنتُ على إساءته مُقِيتَا

ومن الباب: القُوت ما يُمْسِكُ الرَّمَق؛ وإنَّما سُمِّي قُوتاً لأنَّه مِساكُ البَدَن وقُوَّتُه. والقَوْت: العَوْل. يقال: قُتُّه قَوْتاً، والاسم القُوت. ويقال: اقتَتْ لنارك قِيتةً، أي أطعِمْها الحَطَب.
قال ذو الرُّمَّة :
فقلتُ له ارْفَعْهَا إليكَ وأَحْيِها * برُوحِكَ واقْتَتْهُ لها قِيتةً قَدْرا

محمد عمر الضرير 27-06-2008 09:40 PM

الأخ العزيز الأستاذ: عبد العزيز.
أثمن مرورك الكريم، شاكرا اهتمامك. ثم ما ذكرته لا نخالفك فيه، وهو ثابت في اللغة، إنما توقفنا عند هذه الجزئية:" وإنه بمعنى موقوت. وهذا يضعفه أن يكون بناء اسم الفاعل بمعنى بناء اسم المفعول".
فما صحة حكم الإمام القرطبي، خاصة وهو يرد قول شيخ المفسرين الطبري؟
أكرر شكري، وتقبل فائق تقديري واحترامي.

عبد العزيز 30-06-2008 01:30 PM

رد: مُقيتا
 
أكرمكم الكريم أخي الأستاذ محمد،
أخي محمد الذي قاله ابن جرير رحمه الله "موقوف" وليس "موقوت"، وهل الذي ذكرته هو من حكم القرطبي أو من قول أبي حيان ؟

محمد عمر الضرير 01-07-2008 01:27 AM

رد: مُقيتا
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل عبد العزيز (المشاركة 1500)
أكرمكم الكريم أخي الأستاذ محمد،
أخي محمد الذي قاله ابن جرير رحمه الله "موقوف" وليس "موقوت"، وهل الذي ذكرته هو من حكم القرطبي أو من قول أبي حيان
؟

وأكرمك أخي الحبيب.
وبداية أعتذر عن سبق القلم، والصواب أنه: " أبو حيان".
وأشكرك أخي الفاضل على هذه الملاحظة( "موقوف" وليس "موقوت)، التي وسَّعت الإشكال السابق، واستوجبت التوقف والمراجعة، ثم اسمح لي أخي الكريم بشيء من التفصيل، معتذرا مقدما عن أي إطالة مزعجة، وما قصدتها لولا استلزام الموضوع لها، ومن ثم فإني مضطر لتناول الموضع المطروق عموما، منتهيا بما طرقه من إشكال، مذكرا بما طرحته من استفسار.
أخي العزيز: جاء ردكم الكريم، عقب تزكيتي لما أورده أستاذي الفاضل د. خضر، الذي أختار فيه ما ذهب إليه الشيخ ابن عاشور في تحريره، وما قصدت في ردي المردود عليه من فضيلتكم نفي ما أكدتم عليه إطلاقا، وأنَّى ذلك وهو ثابت مسلَّم في اللغة بل واختاره الكثير من المفسرين وعلماء اللغة، ولهذا كان استفساري (فما رأي علماء اللغة؟) وإن ركَّزت فيه على الجزئية اللغوية، وسبب تزكيتي، لكون العلم والقدرة داخل فيها كل ما ذُكر من أقوال العلماء، كالحسيب والشهيد، والحفيظ، والرقيب،والمجازي، والرازق، ومعطي القوت -دون شك- لأنه سبحانه عالم بالعوز، وقادر على الإطعام، وتأمل – رعاك الله- قول الشيخ الشعراوي –رحمه الله- :( وأخذت كلمة " مُقيتاً " من العلماء أبحاثاً مستفيضة. فعالم قال في معناها: إن الحق شهيد، وقال آخر: " إن الحق حسيب " ، وقال ثالث: إن " مقيتاً " معناها " مانح القوت " ورابع قال: " إنه حفيظ " وخامس قال: " إنه رقيب ".ونقول لهم جميعاً: لا داعي للخلاف في هذه المسألة، فهناك فرق بين تفسير اللفظ بلازم من لوازمه وقد تتعدد اللوازم، فكل معنى من هذه المعاني قد يكون صحيحاً، ولكن المعنى الجامع هو الذي يكون من مادة الكلمة ذاتها. و " مُقيت " من " قاته " أي أعطاه القوت، ولماذا يعطيهم القوت؟ ليحافظ على حياتهم، فهو مقيت بمعنى أنه يعطيهم ما يحفظ حياتهم، ومعناها أيضاً: المحافظ عليهم فهو الحفيظ. وبما أنه سبحانه يعطي القوت ليظل الإنسان حياً، فهو مشاهد له فلا يغيب المخلوق عن خالقه لحظة، وبما أنه يعطي القوت للإنسان على قدر حاجته فهو حسيب. وبما أنه يرقب سلوك الإنسان فهو يجازيه.إذن كل هذه المعاني متداخلة ومتلازمة؛ لذلك لا نقول اختلف العلماء في هذا المعنى، ولكن لنقل إن كل عالم لاحظ ملحظاً في الكلمة، فالذي لاحظ القوت الأصلي على صواب، فلا يعطي القوت الأصلي إلا المراقب لعباده دائماً، فهو شهيد، ولا يعطي أحداً قوتاً إلا إذا كان قائماً على شأنه فهو حسيب. وسبحانه لا يُقيت الإنسان فقط ولكن يقيت كل خلقه، فهو يقيت الحيوان ويلهمه أن يأكل صنفاً معيناً من الطعام ولا يأكل الصنف الآخر.إننا إذا رأينا العلماء ينظرون إلى " مقيت " من زوايا مختلفة فهم جميعا على صواب، سواء من جعلها من القوت أو من الحفظ أو من القدرة أو من المشاهدة أو من الحساب، وكل واحد إنما نظر إلى لازم كلمة " مقيت " وسبحانه يقيت كل شيء، فهو يقيت الإنسان والحيوان والجماد والنبات).أ.هـ

ومع أن الشيخ الشعراوي قدَّم معنى القوت على سائر المعاني الصحيحة، وأدخلها في إطارها، إلا أنها- كما لا يخفى- داخلة في إطار العلم والقدرة – كما أسلفنا- .

وإذا خرجنا بما أعتبره إجابة كافية لسؤالك المفتتح به هذا الموضوع، استسمحك عذرا، في التطرق لما طرحه النقاش من إشكال نبهتني إليه ملاحظتكم الدقيقة، في قولكم:( أخي محمد الذي قاله ابن جرير رحمه الله "موقوف" وليس "موقوت") ولله درك، فقد فتحت لي بابا مثيرا للبحث السر يع، ومتعة علمية في محاولة الخروج من دائرة الاستفهام.

فرجعت ابتداء إلى تفسير شيخ المفسرين الطبري310هـ، لأتأكد مما قاله هو، وهاك ماقاله بالنص: "وقد قيل: إن منه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " كَفَى بالمَرْءِ إثْماً أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يُقِيتُ " في رواية من رواها: «يُقيت»: يعني من هو تحت يديه في سلطانه من أهله وعياله، فيقدر له قوته. يقال منه: أقات فلان الشيء يقتيه إقاتة، وقاته يقوته قياتة وقُوتاً، والقوت الاسم. وأما المُقِيتُ في بيت اليهودي الذي يقول فيه:
لَيْــتَ شِــعْرِي, وَأَشْـعُرَنَّ إِذَا مَـا *** قَرَّبُوهَـــا مَنْشُـــورَةً وَدُعِيــتُ
أَلِـيَ الْفَضْـلُ أَمْ عَـلَيَّ إذا حُوسِـبْتُ? *** إِنِّــي عَــلَى الْحِسَــابِ مُقِيــتُ
فإن معناه: فإني على الحساب موقوف، وهو من غير هذا المعنى".

وهو ماذهبتَ إليه- حفظك الله- في تنبيهك للفظة موقوف، وذكره الثعلبي 427هـ في كشفه بقوله :" أي موقوف عليه وقال الفرّاء: المقيت المقتدر أن يعطي كل رجل قوته". وكذا ابن عادل880هـ في لبابه بقوله:" فقال الطَّبَرِي: إنه من غَيْر هَذا [المعنى المتقدِّم، فإنه بمَعْنَى الموقوف،] فأصْل مُقِيت: مُقْوِت كمُقِيم.
وتلاحظ –رعاك الله- أنه – أي الطبري- لم ينفي معنى القوت، بل نفى ما ورد في الشاهد الشعري، واعتبره خارجا عما يدور التفسير عليه.

لكني وجدت بعض كبار المفسرين كابن عطية546هـ في محرره الوجيز، وقد سبق ذكر أبي حيان754هـ في قوله:" وقال الطبري في قوله: إني على الحساب مقيت، إنه من غير هذه المعاني المتقدّمة، وإنه بمعنى موقوت. وهذا يضعفه أن يكون بناء اسم الفاعل بمعنى بناء اسم المفعول".
وقال ابن عطية546هـ:" فقال فيه الطبري: إنه من غير هذا المعنى المتقدم، وإنه بمعنى موقوت،قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا يضعفه أن يكون بناء فاعل بمعنى بناء مفعول. ".
فعجبت، كيف ينقل كبار المفسرين عن شيخ المفسرين ما لم يقله، ثم استرجعت، وقلت: ألا يحتمل أنهم لم يخطئوا، وأن في النص تصحيفا، خاصة مع تقدمهم، وتمكنهم من اللغة، إلا أن قامة الشيخ محمود شاكر، وهو من هو في التحقيق والتدقيق والموسوعية، وقفت أمامي، وحالت دون ما لاح لي من أنه خروج من هذا الإشكال، وازدادت حيرتي.

فعدت أدراجي صوب نص ابن جرير، متلبسا ضعفي، مكسوا بكبير جهلي بعلم التفسير ومسائل اللغة، إلا أن الإصرار على الخروج من هذه الدائرة، شجعني، ملتمسا حسن التقدير حال الخطأ الوارد- لما عرفت من ضعف- وحسن ظن بإخوتي،ويظهر -والله أعلم- ألا خطأ في نص الطبري -وجزى الله شاكرا خير الجزاء- بدليل ماصرح به الطبري بقوله:" وهو من غير هذا المعنى". ولعل قول أبي حيان:" وإنه بمعنى موقوت" جملة استئنافية، بدليل قوله قبلها:" إنه من غير هذه المعاني المتقدّمة " فنفى المعنى الجديد، وأثبت معنى القوت، وعليه تكون جملة:" وإنه بمعنى موقوت" من قوله هو لا من قول الطبري.

وهكذا في ما قاله ابن عطية، فهو يذكر مقولة شيخ المفسرين بنفي المعنى الجديد، وإثبات القوت، إلا أنه يورد قول القاضي1 " وهذا يضعفه أن يكون بناء فاعل بمعنى بناء مفعول"، ولعل من هذا القول استقى أبو حيان قوله الآنف، وهو ما يعيدني إلى تساؤلي السابق: ما رأي علماء اللغة في ذلك؟

أكرر اعتذاري عن الإطالة، راجيا حسن التصويب، ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

...........
1- لعله يقصد الإمام ابن رشد 595 هـ - رحمه الله- قد كان يُلقب: قاضي القضاة في زمانه.

عائشة 02-07-2008 10:58 AM

رد: مُقيتا
 
بارك الله فيكم.


في " مجاز القرآن " لأبي عبيدة (ت 209/210):
( {عَلَى كُلٍّ شَيْءٍ مُّقِيتًا}: أي: حافظًا محيطًا.
قال اليهوديُّ في غير هذا المعنى:
لَيْتَ شِعْري وأشْعُرَنَّ إذا ما * قرَّبُوها مَطْوِيَّةً ودُعِيتُ
ألِيَ الفَضْلُ أم عَلَيَّ إذَا حُو * سِبْتُ إنِّي علَى الحِسابِ مُقيتُ
أي: هو موقوف عليه ) انتهى

وجاء في " لسان العرب " لابنِ منظور (ت 711):
( . . . ويُقال: المُقِيتُ الحافِظُ للشيء والشاهِدُ له؛ وأَنشد ثعلب للسَّمَوْأَل بن عادِياء:
رُبَّ شَتْمٍ سَمِعْتُه وتَصامَمْـ * ـتُ، وعِيٍّ تَرَكْتُه فكُفِيتُ
لَيتَ شِعْري، وأَشْعُرَنَّ إذا ما * قَرَّبُوها مَنْشُورةً ودُعِيتُ
أَلِيَ الفَضْلُ أَمْ عَليَّ، إذا حُو * سِبْتُ? إِنِّي عَلى الحِسابِ مُقِيتُ
أَي: أَعْرِفُ ما عَمِلْتُ من السُّوء، لأَنَّ الإنسان على نفسه بصيرة.
حكى ابن برّي عن أَبي سعيد السِّيرافي، قال: الصَّحيح رواية من رَوَى: " رَبِّي على الحِسابِ مُقِيتُ "، قال: لأَنَّ الخاضعَ لربِّه لا يَصِفُ نفسَه بهذه الصِّفة. قال ابن برّي: الذي حَمَلَ السِّيرافيَّ على تصحيح هذه الرِّواية: أَنه بَنَى علَى أَن " مُقِيتًا " بمعنى مُقْتَدِر، ولو ذَهَبَ مَذْهَبَ من يقول: إِنَّه الحافظ للشَّيء والشَّاهد له -كما ذكر الجوهري-؛ لم يُنْكِر الرِّوايةَ الأَوَّلَة. . . وقيل في تفسير بيت السَّمَوأَل: " إِني على الحِسابِ مُقِيتُ "؛ أَي: مَوقوفٌ على الحساب ) انتهى.
فلعلَّ النَّصَّ الَّذي وَصَلَ إلى ابنِ عطيَّة وأبي حيَّان الأندلسيَّيْن عنِ الطَّبَرِيِّ كان مُصحَّفًا، وأستبعدُ أن تكونَ الجملة " وإنَّه بمعنَى موقوت " استئنافيَّة، ويؤيِّدُ ذلك -فيما أرَى- ما قالَه القُرطبيُّ (ت 671) في تفسيره: ( وأمَّا قول الشاعر:
*. . . إني علَى الحساب مُقيتُ *
فقال فيه الطَّبريُّ: إنَّه مِن غير هذا المعنى المتقدِّم، وإنَّه بمعنى الموقوف ) انتهى
فعبَّر بنفسِ عبارَتَيْهِما، ولكنَّه أدَّى كلامَ الطَّبريِّ كما جاءَ.
وليسَ ببعيدٍ أنْ يحدُثَ التَّصحيف بين " موقوف "، و" موقوت "؛ لتشابههما في الخطِّ.
أمَّا عن قولِ ابنِ عطيَّة: ( وهذا يُضعفُهُ أن يكونَ بناءُ فاعلٍ بمعنى بناء مفعول )؛ فإن كان يقصِدُ أنَّ اسمَ الفاعِل لا يأتي بمعنى اسم المفعول؛ فهو غيرُ مُسلَّمٍ به؛ لأنَّه قد يأتي اسمُ الفاعل ويُرادُ به اسم المفعول؛ نحو قوله تعالَى: {فَهُوَ في عِيشةٍ رَّاضِية}؛ أي: مرضِيَّة، وهو مِنَ المجازِ العقليّ؛ كما يذكر البلاغيُّون، وله شواهدُ أخرَى. وإن كانَ يقصِدُ غيرَ ذلك؛ فلا عِلْمَ لي به.
أمَّا ما جاءَ في نصِّ ابن عطيَّة: ( قال القاضي أبو محمَّد رحمه الله )؛ فالمعنيُّ به: ابنُ عطيَّة نفسُه، ويكثرُ مثلُ ذلك في مُصنَّفاتِ المتقدِّمين، ولعلَّه من فِعْلِ النُّسَّاخ.
والله تعالَى أعلم.

محمد التويجري 02-07-2008 03:43 PM

رد: مُقيتا
 
مما يؤيد القول على أن مقيتا بمعنى شهيدًا، حسيبًا، حفيظًا.

سياق الآية الكريمة
قال تعالى في (النساء)(o 85 o)(مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا)

كما ورد في لسان العرب (ق و ت) (وفي أَسماء الله تعالى المُقِيتُ هو الحَفِيظ وقيل المُقْتَدِرٌ وقيل هو الذي يُعْطِي أَقْواتَ الخلائق وهو مِن أَقاتَه يُقِيتُه إِذا أَعطاه قُوتَه وأَقاته أَيضاً إِذا حَفِظَه وفي التنزيل العزيز وكان اللهُ على كلِّ شيء مُقِيتاً الفراء المُقِيتُ المُقْتَدِرُ والمُقَدِّرُ كالذي يُعْطِي كلَّ شيءٍ قوتَه وقال الزجاجُ المُقِيتُ القَديرُ وقيل الحفيظ قال وهو بالحفيظ أَشبه لأَنه مُشْتَقُّ من القُوتِ يقال قُتُّ الرجلَ أَقُوتُه قَوْتاً إِذا حَفِظْتَ نَفْسَه بما يَقُوته والقُوتُ اسمُ الشيء الذي يَحْفَظُ نَفْسَه ولا فَضْلَ فيه على قَدْرِ الحِفْظِ فمعنى المُقِيتِ الحفيظُ الذي يُعْطِي الشيءَ قَدْرَ الحاجة من الحِفْظِ وقال الفراس المُقِيتُ المُقْتَدِرُ كالذي يُعْطِي كلَّ رَجُلٍ قُوتَه ويقال المُقِيتُ الحافِظُ للشيء)

كما ورد في تهذيب اللغة باب (ت أ ق) (وقال أبو عبيدة: المقيت عند العرب: الموقوف على شيء. وأنشد هذا البيت: وقال آخر:
ثم بعدَ الممات ينشرني من ... هو على النشر يا بُنيَّ مُقيتُ
أي مقتدر.)

وورد في المحكم والمحيط الأعظم باب ( ق ت و )
(وأقات الشيء، وأقات عليه: أطاقه، انشد ابن الأعرابي:
وبما استفيد ثم اقيت ال ... مال إني امرؤ مقيت مفيد)

وفي المحيط باب ( ق و ت )
(والمُقِيْتُ: المَوْقُوْفُ على الشَّيْءِ المقْتَدِرُ. وقيل: هو الحافِظُ.)

وفي كتاب العين وهو أقربها لعصور العربية الأولى في تقليبات ( ق ت م )
(والمُقيتُ: الحافظ للشيء.) وهو أقربها عندي للصواب


والله أعلم

عائشة 02-07-2008 03:57 PM

رد: مُقيتا
 
الحمد للَّه.

قلتُ في ردِّي السَّابق: ( أمَّا عن قولِ ابنِ عطيَّة: ( وهذا يُضعفُهُ أن يكونَ بناءُ فاعلٍ بمعنى بناء مفعول )؛ فإن كان يقصِدُ أنَّ اسمَ الفاعِل لا يأتي بمعنى اسم المفعول؛ فهو غيرُ مُسلَّمٍ به؛ لأنَّه قد يأتي اسمُ الفاعل ويُرادُ به اسم المفعول؛ نحو قوله تعالَى: {فَهُوَ في عِيشةٍ رَّاضِية}؛ أي: مرضِيَّة، وهو مِنَ المجازِ العقليّ؛ كما يذكر البلاغيُّون، وله شواهدُ أخرَى ) انتهى

وقادني التَّفكيرُ فيما زَعَمْتُ إلى هذين التَّساؤلَين:
لماذا قالَ ابنُ عطيَّة -رحمه الله-: ( وَهذا يُضعفه أن يكونَ بناءُ فاعل بمعنى بناء مفعول )؟ وما توجيهُه لقوله تعالَى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ}؟

فَرَجَعْتُ إلى تفسير ابن عطيَّة للآية الكريمة؛ فوجدتُّه يقول عند تفسيرها من سورة الحاقَّة:
( {راضِية} معناه: ذات رضًى؛ فهو بمعنى مَرْضِيَّة، وليست بناء اسم فاعل ) انتهى
فابنُ عطيَّة -رحمه الله- يرَى أنَّ " راضية " ليسَتْ بناء اسم فاعل؛ ولذا جازَ أن تكونَ بمعنى بناء اسم المفعول " مرضيَّة "، في حين أنَّه رأى أنَّ " مُقيت " بناء اسم فاعل؛ ولذا لم يرتضِ أنْ يكون بمعنى بناء اسم المفعول " مَوْقوت "، والله أعلم.
قال العلاَّمة ابنُ عثيمين -رحمه الله- في تفسير سورة القارعة:
( {راضِية} قيل: إنَّها اسم فاعل بمعنى اسم المفعول؛ أي: مرضيَّة. وقيل: إنَّها اسم فاعل من باب النِّسبة؛ أي: ذات رضى، وكلا المعنيين واحد ) انتهى.
والله تعالَى أعلم.

عائشة 03-07-2008 02:34 PM

رد: مُقيتا
 
يَبْقَى التَّنبيه علَى أنَّ " مُقِيت " اسم فاعل من " أقاتَ "، و" موقوت " اسم مفعول من " وَقَتَ "، وفي التَّنزيل: ((إنَّ الصَّلاةَ كانَتْ علَى المُؤمِنينَ كِتابًا مَّوْقُوتًا)).
وما زِلْنا بحاجةٍ إلى مَن يحلُّ الإشكالَ القائم في كلامِ ابن عطيَّة وأبي حيَّان -رحمهما الله-:
هل كانَ ما وصَلَهُما عن الطبريِّ مُصحَّفًا حتَّى قالا: " موقوت " بدلاً من " موقوف "؟ أمْ أنَّ النَّصَّ الَّذي وَصَلَ إلينا عنهما هو الَّذي أصابه التَّصحيف؟

عبد العزيز 04-07-2008 06:22 PM

رد: مُقيتا
 
جزى الله خيرًا كل من أفاد ...

محمد عمر الضرير 14-07-2008 01:11 AM

رد: مُقيتا
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل عبد العزيز (المشاركة 1657)
جزى الله خيرًا كل من أفاد ...

وجزاك على طرح السؤال.

محمد عمر الضرير 14-07-2008 01:13 AM

رد: مُقيتا
 
الفاضلة الكريمة الأستاذة عائشة:
جزاك الله خيرا، ولي عودة إن شاء الله، للمدارسة فيما ذكرته أعلاه، والسلام عليكم ورحمة الله.

محمد عمر الضرير 14-07-2008 09:41 PM

رد: مُقيتا
 
الأخت الكريمة: اطلعت على ردك في ملتقى أهل التفسير، وجزاك الله خيرا، فقد أزلت الإشكال في جزئين، ويبقى إشكال التصحيف، شاكرا ممتنا من يجليه لنا، ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله.


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 11:30 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ