ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة البلاغة والنقد (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=13)
-   -   ما معنى هذه المناهج ؟ (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=6453)

تألق 03-02-2012 01:52 AM

ما معنى هذه المناهج ؟
 
أرجو من الجميع إفادتي والأخذ بيدي في هذا الموضوع
الذي أشعر كأنه من خارج من كهف مظلم!
أدرس في الجامعة ما يسمى بالمناهج - في مادة النقد التطبيقي-
وإحلنا إلى هذا البحث فلما قرأته كان الكلام الأعجمي أقرب إلى الفهم منه!

س/ ما المقصود بهذه المناهج؟

ثم لماذا يغلب عليها الطابع الفلسفي؟

ولماذا نستورد مناهج ولدت في بيئات منحرفة لنطبقها على لغتنا؟
هذا أهم سؤال.
وأعتذر لطول الموضوع لكن الله المستعان.


بسم الله الرحمن الرحيم


المناهج الممكن اعتمادها في التدريس و البحث


1- المناهج البنيوية : ( دراسة النصّ الشعري )
الأسلوبية : يمكن أن نعرّف الأسلوبيّة بأنّها علم لغويّ لسانيّ لم ينشأ في الأصل داخل علوم الأدب بل انتقل إليها بما هو تطبيق لعلوم اللسان على الخطاب الأدبي ، لذلك عدّت الأسلوبيّة شأنها في ذلك شأن اللسانيات التطبيقيّة من المناهج الوصفية التحليلية التي تدرس الظاهرة الأدبيّة ومميّزاتها اللغويّة ومقوّماتها الجماليّة القابلة للوصف والتحليل من زاوية نظر لسانيّة. و يمكن أن نعود إلى المصادر البلاغيّة القديمة التي اهتمّت ببلاغة النصّ و الخطاب و خاصّة نظرية النظم عند الجرجاني و سائر مصنّفات البلاغة السياقية ( مفتاح العلوم ) وإلى مفهوم العدول الكمّي و النوعي بما هو عصب الدراسة الأسلوبية في مصنّفات علوم القرآن عند الزركشي و السيوطي و كتب التفسير لنستخلص منها جذور التفكير الأسلوبي في الدرس البلاغي العربي القديم ) .

أـ أهداف الدراسة الأسلوبيّة :
جاءت الأبحاث الأسلوبية في أصولها البنيوية ( دراسة الشعر عند ريمون جاكوبسون ) للإجابة عن السؤال المنهجي الكبير الذي طرحه جاكوبسون نفسه و أطلق من خلاله مصطلح الأدبية ( littérarité) وهو : ما الذي يجعل من النصّ الأدبي أدبا ؟ ومن هذا المنطلق المنهجي فإنّ الدراسة الأسلوبيّة البنيويّة ترمي إلى دراسة النصّ دراسة نحويّة تركيبيّة في مجال الشعر على وجه الخصوص وذلك لإظهار القيمة الأسلوبيّة التي تتميّز بها نحوية الشعر من سائر ضروب الكلام ، ولإبراز أو لمعرفة السمات الأسلوبيّة والبلاغيّة المميّزة للنصّ ،و هي من نفس المنطلق تعمل على خدمة النقد لأنّها تسبقه فتيسّر له خطوات الحكم على النصّ.
ب ـ وسائل إجراء الدراسة الأسلوبيّة :

تستخدم الدراسة الأسلوبيّة عند طائفة من الأسلوبيين طرائق التحليل اللساني للظواهر اللغويّة فتقف على الظواهر المتكرّرة في النصّ أو في الجنس إذا كانت تعتني بأسلوب الجنس الأدبي ( السمات المميّزة – العدول الكمّي و النوعي )وتنظر مثلا في نظام الأفعال و استعمال المشتقّات و حروف الجرّ والمركّبات النعتيّة والحاليّة وغيرها ممّا يمكن أن نجده في دراسات كثيرة انتهجت الطريقة الأسلوبيّة ،واهتمّت بهياكل الكلام في المسموعات أو المرئيات . والأمثلة على تطبيق هذا المنهج كثيرة لعلّ من أهمّها خصائص الأسلوب في الشوقيات لمحمّد الهادي الطرابلسي ، وهي إذ تهتمّ بهذه المستويات اللغويّة لا تسعى إلى ربطها بظروف منشئها أو لا تحكم على النصّ أو له التزاما بالمبدأ اللساني القائل بأنّ الدراسة اللسانية دراسة وصفيّة غير معيارية ، و هي بذلك تتميّز من النقد و البلاغة لأنّهما علمان قائمان على التثمن والتقويم والتعيير والحكم ،وإن كان عدد من الأسلوبيين البنيويين مثل مايكل ريفاتار لا يتّفقون و رواد الأسلوبيّة و خاصّة جاكوبسون في اهتمامه الكبير بالقيمة النحويّة للظاهرة الأسلوبيّة و يدرجون ضمن وسائل الدراسة الأسلوبيّة عناصر أخرى تتّصل بردود فعل القارئ ومنها مثلا مفهوم المفاجأة المكبوتة أو المفاجأة الأسلوبيّة .


و تستخدم الدراسة الأسلوبيّة عند طائفة أخرى مسالك أخرى غير نحويّة منها دراسة الصور و الرموز . و لعلّ هذا المنهج البنيوي المنزع يلائم النصوص الأدبية ذات الصبغة الغنائية لنجاعة أدواته في تحليل الجوانب الموسيقية الإيقاعية، و لعلّه يلائم كذلك الدراسات التي تهتمّ بالبديع في كتابة النصّ القديم ، و يمكن أن نعتمد في إجراء هذا المنهج الدراسات التالية :


- المراجع القديمة


-عبد القاهر الجرجاني :


أسرار البلاغة ( في علاقة نظرية النظم بالدراسات الأسلوبية )
-السيوطي جلال الدين :
* الإتقان في علوم القرآن
* معترك الأقران في إعجاز القرآن
المراجع الحديثة
- سعد مصلوح:

*الأسلوب : دراسة لغويّة إحصائيّة دار البحوث العلمية الكويت 1980 ، منشورات النادي الأدبي الثقافي جدّة 1991 .
* في النصّ الأدبي ، دراسة أسلوبيّة إحصائيّة ، النادي الأدبي الثقافي بجدّة 1991 .
*في البلاغة العربيّة والأسلوبيات اللسانيّة آفاق جديدة مجلس النشر العلمي ،جامعة الكويت 2003 .
- عبد الله صولة:
* الأسلوبية الذاتيّة أو النشوئيّة ، مجلّة فصول عدد خاصّ ؤ بالأسلوبية مجلّد 5 العدد 1 ، 1984 .
*فكرة العدول في الدراسات الأسلوبيّة المعاصرة ،مجلّة دراسات لسانيّة سيميائيّة أدبية عدد 1 فاس 1987 .
- محمد عزّام : الأسلوبية منهجا نقديّا وزارة الثقافة دمشق 1989 .


1-مكرّر- المناهج البنيوية : (الدراسات السردية )


هي منظومة المناهج التي تساعد الباحث على دراسة الخطاب الأدبي دراسة نسقيّة داخليّة بصرف النظر عن صلته بمنتجه و عن سياقه الخارجي و عن متلقّيه . و هي مناهج تستخدم أساسا لدراسة الخطاب السردي خاّصة و تقسّمه مستويين كبيرين : الخبر أو الحكاية أو المضمون و الخطاب أو المظهر اللغوي و الشكلي . ويمكن تطبيق هذه المناهج على أنظمة السرد القديمة و الحديثة ( القصص المثلي – أيّام العرب – المقامات – أدب السير – الأساطير – الرواية – القصّة القصيرة – السيرة الذاتية ). و تقدّم هذه المناهج للباحث الأدوات الإجرائية الضرورية لدراسة المكان و الزمان و أنماط الرؤية أو وجهات نظر الراوي و المروي له و أنظمة الأعمال و الفواعل العلاقات بينها و الحركة السردية و غيرها ممّا يمكن العودة إليه في المراجع التالية

- عبد الله ،إبراهيم: السرديّة العربيّة ، المركز الثقافي العربي بيروت 1992 .
- جمال الدين بن الشيخ :الشعرية العربية في طبعات مختلفة ( تستعمل الشعرية فى دلالتها الأرسطية "البوييطيقا " و هي القواعد المتحكّمة في صناعة الأقاويل الشعرية ).
- تزيفتان طودوروف : *الشعريّة تعريب شكري المبخوت.دار توبقال للنشر الدار البيضاء 1987 .
* نظرية الشكلانيين الروس تعريب إبراهيم الخطيب مؤسّسة الأبحاث العربيّة بيروت 1983 .
- جيرار جينيت : *أشكال 1-2-3 .في طبعات مختلفة .
*عودة إلى خطاب الحكاية
- محمّد عزّام : تحليل الخطاب الأدبي على ضوء المناهج النقديّة الحديثة ، منشورات اتّحاد الكتّاب دمشق 2000 .
- محمّد القاضي : *تحليل النصّ السردي دار الجنوب للنشر تونس 1997 .
* الخبر في الأدب العربي ،دراسة في السرديّة العربيّة ، كليّة الآداب تونس
و دار الغرب الإسلامي بيروت 1998

2- المنهج التحليلي النفساني :
تتراكم المعارف النظرية المتّصلة بهذا المنهج من سيقمان فرويد الذي طبّق المفاهيم النفسية الأساس على نصوص أدبية من قبيل مسرحية الملك أوديب و هاملت إلى جاك لاكان والرسالة المسروقة لإدقارآلان بو و قد سعى من خلال دراستها إلى تطبيق اللسانيات التوليدية على نصّ أدبي محلّلا ما يتضمّنه النصّ من أنظمة رمزية دالّة على حركة اللاوعي الجماعي و على العلاقات الذاتية المتبادلة ، و ربط لاكان بين فكر فرويد النظري و الإنتاج الأدبي الذي يسمح بفهم أحلام اليقظة في الكتابة المتخيّلة ، إلى نويل بلمون الذي وضع الأسس العلمية لدراسة لاوعي النصّ . و تستند هذه المناهج إلى جملة من المفاهيم في دراسة العوالم الشعريّة : منها العناصر الأربعة الماء و الهواء و التراب و النار و تستغلّ أنظمتها الرمزية في دراسة المكان في الشعر أو الأجناس السردية – و الزمن الشعري – والمفارقة في النصّ الشعري –و في فهم تمثّل الشعراء للعوالم المتخيّلة ( المرأة في الشعر- الغربة و الحنين - "الأنا " في الشعر أو الذات في الشعر... التعويض – التصعيد الفنّي – أنظمة اللغة المبنية على اللاوعي الفردي و الجمعي ) و يمكن أن يساعد هذا المنهج على دراسة الموضوعات الشعرية ذات الصلة بقضايا التصعيد الفنيّ كشعر الشكوى و الهجاء و الرثاء ، أو الدراسات المتّصلة بالتعويض و النرجسيّة كالسيرة الذاتية و كتابة الماضي وأدب الذكرى . وفي بعض الدراسات العربيّة التي سعت إلى الاستفادة من المنهج النفساني في صيغته الأولى مع سيقمون فرويد أو في صيغه المتأخّرة و خاصّة صيغة كارل قوستاف يونغ ما يمكن أن نعدّه نماذج ناجحة في نقل الأصول النظرية و في تطبيقها على النصوص الأدبيّة العربيّة ،و يمكن أن نذكر في هذا السياق على سبيل التمثيل لا الحصر تحليل مصطفى ناصف للصورة الأدبيّة في الشعر العربي ، فقد ميّز ناصف ببراعة نادرة الخيال البياني أو التركيبي أو الصناعي من الخيال الشعري أو الإبداعي ،بين الأدبين القديم و الحديث في الاتجاه الإحيائي و الرومانسي ، وسعى إلى النظر في نماذج من الشعر القديم و الحديث من خلال استغلال الطراز النفساني على وجه لا يخلو من نفس تأصيلي لافت للانتباه ، وفي الفصل السادس من كتابه الصورة الأدبيّة تحليل تأليفي رصين لإحدى قصائد إلياس أبو شيكة وازن فيه الباحث بين نظام الصور في القصيد و نظام الرموز التي تحيل عليها و منها على وجه التخصيص إحالة هروب الفتاة التي يتحدّث عنها الشاعر إلى البحر على رغبة الشاعر في العودة إلى الرحم باعتباره حلما من أحلام الفرد بإزاء قيم الجماعة (مصطفى ناصف الصورة الأدبيّة منشورات دار الأندلس د-ت ص ص 177- 180 ).
و قد كان مصطفى ناصف على وعي تامّ بحدود هذا المنهج فختم تحليله بقوله :" و أنا حريص على ألاّ يحيل التطبيق النصّ الأدبي إلى وثيقة تخضع طائعة أو كارهة لنظريات معيّنة فإنّ النص ّدائما ذو كيان فردي و إضافة جديدة و كثيرا ما لا ينتهي إلى نقطة حاسمة في أمر التطبيق ولن يؤدّي إلى زعزعة طائفة من المثل الأولى للتجربة " (م.ن ص 180 )
و من أهمّ المراجع الممكن اعتمادها :
- قاستون باشلار : * جماليات المكان تعريب غالب هالسا المؤسّسة الجامعيّة للدراسات و التوزيع و النشر بيروت 1987 .
* شاعريّة أحلام اليقظة تعريب جورج سعد ، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات و التوزيع و النشر بيروت 1991 .
-عبد القادر فيدوخ : الاتجاه النفسي في نقد الشعر ، دار الصفاء للنشر و التوزيع عمّان 2009 .
- مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : تعريب رضوان ظاظا ، سلسلة عالم المعرفة الكويت عدد221 لسنة 1997 ( مقال النقد التحليلي - النفسي ص ص 49- 94 و مقال النقد الموضوعاتي ص ص 95- 142 ) .
- مصطفى سويف : الأسس النفسية للإبداع الفنّي دار المعارف القاهرة 1962 .
فضلا عن المؤلّفات الرائدة مثل التفسير النفسي للأدب لعزّ الدين إسماعيل ،وإن كان هذا الكتاب لا يخلو من خلط بين التحليل النفسي
و النقد التعبيري ، و يمكن أن نعود في هذا السياق إلى م. هـ. أمبراز المدارس النقدية الحديثة تعريب عبد الله معتصم الدبّاغ ( الفصل الخاصّ بالنقد التعبيري ) للتمييز بين الاتّجاهين.

3- المنهج الحواري : هو منهج ينهض على دراسة تعدّد الأصوات في الكلمة الأدبية ، وهو مشتقّ من أعمال ميخائيل باختين و تلاميذه ، إذ هذا يرى العالم أنّ الجنس الروائي جنس حواري بالضرورة ، و لا يعني بالحوارية تعدّد الأصوات النصيّة فحسب بل يعني كذلك تعدّد سجلاّت التعبير عن الأصوات التي تؤلّف الثقافة الاجتماعية ، فالكلمة الأدبية في الجنس السردي عموما كلمة غيرية تسكنها أصوات قديمة و يعاد سبكها و نسجها وفق عمليات إبداعبة مختلفة مثل المحاكاة الساخرة وتقليد الأسلوب و القلب و التضخيم و غيرها من الآليات التي تعرف بالتناصّ فحين نعود إلى مراجع من قبيل المبدأ الحواري لتزفيتان طودوروف و التناصّ عند مايكل ريفاتار و جوليا كريستيفا ،و مفهوم النصّ
و الكتابة عند رولان بارت ، نتبيّن أن الأجناس الأدبية لا تنمو ولا تتطوّر إلاّ إذا انفتحت على بعضها بعض ،بل إنّ الجنس الأدبي لا يمكن أن ينغلق على بنيته اللغوية، فهو ضرب من الكتابة الحوارية، أي الكتابة التي تحيلُ على أنظمة من النصوص اللغوية وغير اللغوية:النصوص اللغوية من جهة انفتاح النصّ على السجلات التعبير ذات البعد الاجتماعي و المهني و الإيديولوجي و غيرها ، والنصوص غير اللغوية من جهة انفتاح النصّ على كافة الأصوات الثقافية وسجلات التعبير الفنّي من رسم و موسيقى و معمار وغيرها . و استوحى الدارسون العرب رأي ميخائيل باختين الذي مؤدّاه أنّ الكلمة الأدبيّة مسكونة بالكلمة الغيرية و أنّ الشعر جنس مونولوجيٌّ، بخلاف الرواية، فهي بمقتضى ما توفّره من إحالة على مرجعٍ اجتماعي أو نفسي، ينهض على حوارية الكلمة و تعدّد الأصوات بالضرورة.
وفعلا فإنّ باختين لم ينظر إلى اللغة الطبيعية نظرة ساكنة أو مثالية مغلقة ،ولم ينظر إليها نظرة بنيوية، بل عدّها جزءا من تاريخ الثقافة فهي عنده قيمة حوارية تسكنها تجربة الإنسان و تقاليده الفكرية و الثقافية .
وقد ميّز ميخائيل باختين كتابة النوع الديالوجي من النوع المونولوجي . أمّا النوع المونولوجي فهو الذي يسيطر فيه الكاتب على الشخصية القصصية فلا يفسح لها المجال كي تعبّر عن فكرتها، أي التي لا يترك لها الراوي ومن ورائه الكاتب أن تعبّر عن صوتها، فإذا أسند الكلمة إلى شخصية معلّم أو موظف أو سائق قطار..،أو أيّة شخصية اجتماعية أخرى لا يترك لها فرصة أن تتكلّم بلغة الثقافة التي تنتمي إليها بخصائص تفكير تلك الشخصية أو أن تستعمل معجم المهنة التي تمتهنها تلك الشخصية بل ينطقها بلغته . أمّا الأسلوب الديالوجي فهو بخلاف الأسلوب المونولوجي يحمل بنى لغوية خلافية و تضمّن فيه الملفوظات الكلمة الغيرية بالضرورة و يعبّر عن الدور التداولي الذي تضطلع به الشخصية في مجتمعها و ضمن سائر الأصوات الاجتماعية ، فالشخصية الديالوجية هي الصوت المعبّر عن الحوار الاجتماعي الحقيقي ، ويكون كلام تلك الشخصية وأسلوبها في التفاعل الحواري منفتحا على نصوص أخرى ( نصوص عالمة و نصوص اجتماعية غير عالمة ) ويكون العالم الروائي في النوع الديالوجي نسيجا من صدى الأصوات المحيطة بالرواية.
4- منهج الموضوعات : يختلف المنهج الموضوعات( التيماتيك )عن المنهج النفساني رغم ما بينهما من الصلات ،يقول دانايل برجيز في تفسير صلة القرابة و التنافر بين المنهج الموضوعاتي و النقد النفساني :"و في الحقيقة فإنّ نقاط الالتقاء بينهما مهمّة فهناك الاهتمام المميّز ذاته بالصور و الرغبة ذاتها بتجاوز المعنى الظاهر للنصوص و اعتماد القراءة العرضانية للأعمال الأدبيّة ( أي قراءة العمل قراءة أفقيّة ) و هي قراءة تسمح بعقد المقارنات و إظهار التشكيلات التصويريّة و الترسيمات الغالبة ....لكنّ هاتين المقاربتين تتعارضان جذريّا في مسألة العلاقة بين الذات المبدعة و عملها الأدبي إذ يميل التحليل النفسي إلى اعتبار العمل الأدبي جملة معقّدة تحيل على وضع نفسي سابق و تلعب دورا تصعيديّا ، فالفنّ عن طريق الإيهام يدفع بالرغبة المكبوتة إلى التعبير عن ذاتها ،و على العكس من ذلك يرى باشلار ( وهو رأس منهج الموضوعات) أنّه لا يجب ردّ الصورة إلى تكوّنها و ربطها بما يسبقها بل التقاطها عند ولادتها و معايشتها في صيرورتها "(نقد الموضوعات ضمن مدخل إلى مناهج النقد الأدبي لمجموعة من الكتّاب تعريب رضوان ظاظا سلسلة عالم المعرفة 221 ص 105 )
و نلحظ من جهة أخرى أنّ كثيرا من الباحثين يخلطون بين دراسة الموضوعات والنقد الغرضي ( الغرض قوة قولية ناظمة للموضوع ) ،يخلطون بين الدراسات التي تتناول الأدب في موضوعاته مثل الزمن عند الشعراء العرب في قبل الإسلام لعبد الإله صائغ (ط بغداد 1986 ) أو الإحساس بالزمان في الشعر العربي من الأصول حتّى نهاية القرن الثالث لعلي الغيضاوي ( ط / كلية الآداب منوبة تونس 2001 ) و الدراسات الغرضيّة وهي التي تحمل في عناوينها أسماء الأغراض كالمدح أو الهجاء أو الغزل أوالاعتذار أو نحوها من الأغراض الرئيسة أو الفرعيّة . يقول الباحث أحمد الجوّة :" إنّ النقد الأغراضي قد شهد مع قاستون باشلار تطوّرا ملحوظا لمّا أبان هذا الفيلسوف القنوات الأغراضيّة و أوضح أشكالها و تحوّلاتها و عقد صلتها بمتخيّل المؤلّف " ثمّ أضاف " و مع أنّ الغرض في أجناس الأدب يبدو أمرا واضحا فإنّ السمة متعدّدة الأشكال للأغراض تمثّل سبب التباس مصطلحي إذا اعتبرنا علم الأغراض علما مازال حديث العهد و اعتبرنا تطوّره مساعدا على إثارة العلاقة بين اللون و الغرض و الموضوع المشترك (من الإنشائية إلى الدراسة الأجناسية منشورات كلية الآداب صفاقس تونس 2007 ) و لئن استشهد الباحث بدراسة محمّد هشام الريفي عن الغرض وهي من الدراسات المهمّة في التمييز بين الغرض و الموضوع فإنّه سار على خطاه في الخلط بين الغرض و الجنس الأدبي . و إنّنا نذهب إلى أنّ فهم أصول الدراسة الغرضيّة على تواضع الحاصل المعرفي في مجالها لا يمكن أن تستوي دون الربط المحكم بين هذا المنهج و سائر الدراسات النفسانيّة( انظر فصل غرض في معجم الأجناس و المفاهيم الأدبية لفيرونيك كلوبار Veronique Klauber بالفرنسيّة ) و ذلك لأنّ زاوية النظر التي تعنينا في هذا المقام هي إبراز حاجة الدراسة الأدبيّة إلى قراءة جانب مهمّ من الخطاب الأدبي في ضوء نظرية الموضوع باعتباره مقولة نفسيّة بالدرجة الأولى . يمكن أن نعود بالإضافة إلى المراجع التي ذكرنا إلى :
– عمر أوكان : اللغة و الخطاب منشورات إفريقيا الشرق بيروت لبنان 2001
5- المنهج الغرضي :
يمكن أ، نعدّ مقدّمة الشعر الشعراء لابن قتيبة أولى لبنات المنهج الغرضي في تاريخ الفكر الأدبي و هو منهج جامع في أصوله النظرية بين الاهتمام بالبعد النفسي في دراسة الأدب والاستناد إلى البعد اللغوي البنائي، و هو من المناهج المهمّة الممكن الاستناد إليها في دراسة القصيد القديم بما هو جنس شعري غرضي : فالطاقة الموجّهة لشعريّة القصيد هي أوّلا الغرض الشعري و هي طاقة نفسيّة و نيّة قول أو مقصد قول يتمّ تصريفها لغويا وفق الأعمال القوليّة المكوّنة لكلّ غرض.و يكون كلّ غرض عنصرا من عناصر هذه الطاقة العامّة و يكون فاعلا فيها بالقدر الذي يخدم الوجهة العامّة للقصيد .
و إذا تناولنا على سبيل المثال الفخر بما هو غرض نفسي عامّ و سلوك لغوي و ثقافي شائع في البيئة القديمة ومحرّك للقصيد في أغلب بناه الأغراضية فإنّنا نلحظ أنّ عامّة الشعر العربي البدوي في أنواعه المختلفة المتقاربة : شعر القبائل و أصحاب المعلّقات و شعر الجوّالين المتردّدين على ملوك بصرى الشام و الحيرة و شعر المراثي و شعر القرى و شعر الصعاليك هي جميعها تستند إلى قوّة قوليّة واحدة هي قوة الغرض الفخري . ولهذا الغرض بعد اجتماعي متلوّن لا محالة بتلوّن الغرض الفرعي لكنّه في جميع الأحوال لا يعتني بالجميل من القول بقدر ما يعتني بالنافع و المحققّ للقوّة النفسيّة داخل المجتمع أو خارجه ( شعر الصعاليك )،هو القوّة القولية المثبّتة للقيم وقد ألحّ ابن طباطبا في عيار الشعر مثلا على الصلة الوثيقة بين المباني و المعاني و على تأثير الغرض في الوجهة الفنيّة للقصيد ،وقد بنيت أصنافيّة الشعر عندهم على الغرض العامّ ( الرغبة و الرهبة و الطرب و الغضب )الباعث على الأغراض الفرعيّة الناظمة للمعاني وفق المباني المؤلّفة للعبارة الشعريّة.إنّ العودة إلى أصول هذا التيّار الأدبي تساعدنا على تأصيل هذا المنهج و إثرائه بمقولات النقد الغرضي في العصر الحديث . و فعلا فإنّ هذه المقولات تعارض النظرة النصّانية للأدب وقد استند أصحابها مثل جورج بولي (Gorges Poulet)و جان روسي ( Jean Rousset)جان ستاروبنسكي( Starobinski)إلى أعمال قاستون باشلار وتذهب هذه الرؤية الغرضية إلى أنّ الكتابة الأدبيّة ليست بصناعة لفظيّة أو أسلوبيّة على نحو ما يرى الشكلانيون و أصحاب النقد الجديد و عامّة البنيويين من إنشائيين و نصّانيين و إنّما الكتابة الأدبيّة أو القول الأدبي عموما هي أوّلا تجربة نفسيّة أو روحية . و يمكن أن نعود إلى:
- ابن قتيبة : مقدّمة الشعر ة الشعراء
-ابن طباطبا عيار الشعر في طبعات مختلفة ( مثلا تحقيق عبد العزيز المانع ط الرياض 1985 .
- حازم القرطاجنّي : منهاج البلغاء و سراج الأدباء ( تعريف الغرض بما هو قوّة قولية ، و تعريف منازع الشعر ) .
- أبي هلال العسكري : الصناعتين (فصل الاستعطاف مثلا )
.- مبروك المناعي : الشعر و المال ،منشورات دار الغرب الإسلامي 1998 .
- محمّد عبد السلام ، تعليق على بانت سعاد و معنى الوعد ضمن مشكل الجنس الأدبي في الأدب العربي القديم منشورات كلية الآداب منوبة تونس 1994
- محمد هشام الريفي : في الغرض الأدبي م. ن




6- المنهج الاجتماعي :
ينهض هذا المنهج على دراسة الظواهر الأدبيّة في صلتها بالظواهر الاجتماعيّة و قد عرف هذا الاتجاه بالنقد الاجتماعي ،وارتبط ظهوره وشيوعه بتطوّر العلوم الاجتماعية في المجالات الثقافية العامّة ولكن تاريخ هذا الظهور في مجال الأدب العربي كان متأخّرا نسبيا بالقياس إلى الفترة التي نشأت فيها الرؤية في سائر الدراسات العالمية، فللمنهج الاجتماعي منذ أوائل القرن الثامن عشر أصول فكرية نشأت حين شرع كتّاب الرومانسية، ثم الواقعية يثيرون مسألة اختلاف النظرة الكلاسيكية للأدب عن نظرتهم التاريخية المتّسمة بالإصغاء للتاريخ ومراعاة حركته ، وهم يعيبون على الفكر الأدبي الكلاسيكي إهماله الصلة الحميمة بين الأشكال التعبيرية والسياق التاريخي الذي تنشأ فيه . ويساعد هذا المنهج على تحليل الخطاب الأدبي ذي الدلالات الاجتماعيّة التداوليّة مثل الخطابة و القصيد المعبّر عن الوجدان الجماعي عند الإحيائيين ( معروف الرصافي ) و يساعد هذا المنهج كذلك على دراسة الدلالات الاجتماعية في السرديات القديمة مثل المقامة و البطل الإشكالي المكدّي و أنظمة الحياة الاقتصادية في البيئة العربية القديمة من خلال قصص الأيّام و الأمثال وقصص العشّاق النثرية ، و يعين كذلك على دراسة القضايا الاجتماعية التي يسهم الأدب في صياغتها و توجيهها كالشعوبيّة: في الشعر و السخرية في الأدب - والقيم في ا قصيد القديم - والشرق و الغرب في الرواية – وصورة المغترب في القصّة - و الموضوعات الوطنيّة في الشعر الإحيائي ...) . القضايا الاجتماعية في السرديات الحديثة و على دراسة الوعي الاجتماعي و الرؤية الحضارية في الأجناس الأدبية ذات الصبغة الواقعية كالرواية و المسرح الاجتماعي.
- مدخل إلى مناهج النقد الأدبي تعريب رضوان ضاضا عالم المعرفة 221
( مقال النقد الاجتماعي 133- 166 ) .
- حميد لحمداني : الرواية المغربية و رؤية الواقع الاجتماعي ، دار الثقافة الدار البيضاء 1985 .
7- المنهج التداولي : ليتأمّل القارىء قول ابن جنّي في الخصائص : " اعلم أنّ أكثر اللغة مع تأمّله مجاز لا حقيقة ، و كذلك عامّة الأفعال نحو قام زيد و قعد عمر و انطلق بشر و جاء الصيف فقولك قام زيد معناه كان منه القيام و كيف يكون ذلك و هو جنس والجنس يطبق جميع الماضي و جميع الحاضر و جميع الآتي ، الكائن من كلّ من وجد منه القيام ، و معلوم أنّه لا يجتمع لإنسان واحد في وقت و لا في مئة ألف سنة مضاعفة القيام كلّه الداخل تحت الوهم ، هذا مجال عند كلّ ذي لبّ ، فإذا كان ذلك علمت أنّ قام زيد مجاز لا حقيقة و إنّما هو وضع الكلّ موضع البعض للاتّساع و المبالغة و تشبيه القليل بالكثير " (الخصائص )
يجدر بالدارس قبل أن ينظر في مجال انفتاح الدرس الأدبي على المراجع التداولية أن يحدّد دلالة هذا المفهوم الرائج استعماله بين المتخصّصين في هذه الأيّام .إنّ الخطاب العلمي العربي يستعمل عبارة التداوليّة منذ عقدين تقريبا ،و لكنّ نظائرها في اللغات العالميّة تستخدم في الدرس الأدبي و في تحليل الخطاب و في الدرس النحوي
و في علوم الدلالة منذ أكثر من ثمانية عقود (الفرنسية ِapproche pragmatique والأنقليزية pragmatic approach .

و العبارة مصدر صناعي من تداول الكلام تبادله ،و من هذا المعنى اللغوي الأوّل جاءت دلالة الاشتقاق الاصطلاحي ،فاللغة في التصوّر البنيوي عند سوسير و تلاميذه جهاز أو مؤسّسة مثاليّة لم تدرس في مقامات التلفظ بها ،ولم يهتم ّ اللسانيون البنيويون بالأبعاد الإنجازيّة للغة أي باللّغة بما هي فعل اجتماعي و إنشاء و تواصل

و تخاطب , و قد جاءت الأفكار التداوليّة في مدرسة أكسفورد
و عند إيميل بنفنيست [1]و سورل و عند سائر علماء اللغة الاجتماعيين و سائر المناهضين للبنيوية ،لتؤسّس مجتمعة أهمّ مقوّمات المنهج التداولي الذي ينتقل فيه الاهتمام من المتكلّم و المخاطب إلى المتخاطب [2] ،و من الجملة المجرّدة إلى القول و الخطاب بما هو حامل لخصائص المقام و التلفّظ و من الإخبار إلى الإنشاء و إلى الضمني
و المسكوت عنه ،و قد استند التداوليون أوّلا إلى التراث الأرسطي فأرجعوا إليه ما كان يتّسم به من انفتاح على البلاغة التداوليّة أي البلاغة التي لا تهتمّ بالعبارة و الأسلوب فقط بل تهتمّ كذلك بخطط القول و بالمواضع و الحجج و القياس الخطابي و غير ذلك من مستويات الخطاب في بعده التداولي الحيّ ،و طبّق المنهج التداولي على أنواع كثيرة من النصوص الأدبيّة و الفكريّة ،و لكنّ نتائجه الإجرائية كانت أكثر ثراء حين طبّق على الأجناس الخطابيّة و المراسلات و عامّة الأنواع الحواريّة و الشعر الاجتماعي ذي الصبغة الإقناعية والحكمية .

أمّا استفادة دارسي الأدب العربي من المنهج التداولي فهي محدودة لا محالة نظرا إلى انصراف الدارسين عن الاهتمام بتداوليّة الأجناس الأدبيّة ،و لكن المسالك البحثيّة التي تفتحها هذه المراجع تبدو في تقديرنا ذات قيمة علميّة عالية، و قد أعاد الباحثون في لغة الرواية من الناحية التداولية النظر في صلة المجاز و التخييل بالأجناس الأدبيّة و مدى نصيبها منه في هذا الجنس الأدبي ، وشكّكوا في قيمة المقولة القديمة التي تزعم أنّ الأساليب المجازيّة هي المقوّم المميّز للشعر من النثر، و من الدراسات الممكن قبولها نماذج تمثّل استفادة الدرس الأدبي من منهج التداولية نذكر دراسة الباحث عبد الله صولة بعنوان : كتاب الأياّم لطه حسين خطابا حجاجيا فقد أقامه صاحبه على قراءة القصّة بما هي أطروحة حجاجيّة أراد بها طه حسين إقناع أبناء جيله بقدرته على تحدّي الصعاب ،و إلى حملهم على الانخراط معه في الاعتقاد في أنّ قيمة التعليم هي القيمة العليا التي مكّنته من الارتقاء اجتماعيا [3] .
و اللافت للنظر في هذه الدراسة و فيما يشبهها من البحوث التي تناولت الأدب من وجهة نظر المنهج الحجاجي أنّ الخطاب الأدبي المدروس بأنماطه الثلاثة : السرد و الوصف و الحوار يتحوّل إلى متتاليات حجاجيّة منتظمة في أقيسة حجاجيّة أي في مقدّمات و نتائج بعضها مذكور و بعضها مضمر . و يعامل النصّ الأدبي في هذا المنهج بما هو جملة من العلاقات القائمة بين الأقوال أو بالأحرى بين الأعمال القوليّة أو المقدّمات و النتائج الحجاجيّة التي تقتضي دراستها النظر في مظاهر انسجام النصّ و تماسكه من جهة ستعمال الروابط المنطقيّة
و العوامل الحجاجية . و يعمل التحليل الحجاجي إلى إبراز الأطروحة التي ينهض عليها الخطاب وعلى دراسة الروابط و العوامل الحجاجية و طرائق بناء الأقوال و استخدام التوجيه الحجاجي و ما بتطلّبه من أدوات حصر و توكيد و قصر و شرط و تبرير و غيرها ممّا لا يمكن اسستقصاؤه بغير هذا المنهج .
إنّ المنهج التداولي يعيد النظر أوّلا في وظائف اللغة ، و ينظر إليها نظرة تجاوز التقسيم البنيوي الذي وضع أسسه ريمون جاكبسون وهو ينهض على ستّ وظائف :
- الوظيفة الإخباريّة ( الإخبار )
-الوظيفة المرجعيّة ( اللغة تنقل المرجع و تتحدّث عن الأشياء في غيابها فتعوّضها ).
- الوظيفة الماورلغويّة أو الانعكاسيّة ( اللغة تتحدّث عن ذاتها فهي أداة وموضوع" علوم اللغة")
- الوظيفة التعبيرية ( اللغة تعبّر عن الأحاسيس و الانفعالات و العواطف ).
-الوظيفة التنبيهيّة ( اللغة تنبّه إلى اتّصال التواصل و التفاعل بين المتخاطبين " النداء – عبارات التنبيه مثل تسمعني ..أفهمتني ..؟").
-الوظيفة الأدبيّة أو الشعريّة .
فقد أعاد الفكر التداولي النظر في هذه الوظائف، و كان لجهود إيميل بنفينيست دور حاسم في تجديد البحث في وظائف اللغة فكان البعد الإنشائي و الإنجازي للّغة موضوع التعديل و التنسيب في تعريف الوظيفة الأولى : إنّ اللغة في هذا المستوى لا تخبر فحسب بل إنّها تنجز أعمالا لغويّة للتعبير عن بعض الأعمال باستعمال المسكوت عنه و الضمني و غيرهما من أشكال التواصل ، فاللغة في تعريف أوزولد ديكرو (Oswald Ducrot)لا تستعمل الأقوال بشكل يدلّ على المعنى مباشرة و إنّما تنزع اللغة إلى إخفاء الدلالات و تمريرها باستعمال المقتضيات و المتضمّنات [4]. و إنّ هذا التعريف الجديد للوظائف التواصليّة للغة هو المدخل الرئيس إلى قراءة الخطاب الأدبي قراءة تداوليّة . و إذا كان تعريف اللغة بكونها إنجازا مدخلا مهمّا إلى قراءة الأدب تداوليّا فإنّ الانتقال من الاهتمام بالجملة إلى الاهتمام بالقول لا يقلّ تأثيرا في مناهج الدراسة الأدبية ، و في هذا السياق كان كذلك لبنفينيت دور هامّ إذ نراه ينتقل باللغة من نظام علامات و جمل مجرّدة من سياقها التلفّظي إلى أقوال منجزة حاملة آثار التخاطب و التلفّظ أو آثار المتكلّم و مقامات القول ، فاللغة في تعريف علماء لسانيات التلفّظ أداة تواصل تتجسّم في الخطاب من خلال نظام من الأعمال القولية التي تتطوّر بدورها و تتفرّع إلى أجناس قوليّة عامّة و أجناس أدبيّة بوجه خاصّ .و لا يخفى أنّ "التمييز بين الجملة باعتبارها شكلا نظريا مجرّدا والجملة باعتبارها صيغة منجزة أنجزها متكلّم في سياق معيّن"[5] هو المسلك الذي سيمهّد لظهور الدراسات الأدبيّة التداوليّة .

إنّ المزاوجة بين قراءة الخطاب التراثي في مختلف علوم العربيّة

و الحاصل المعرفي الحديث في مجال الحجاج يمكن أن يفضي بالدرس الأدبي العربي إلى الإسهام في تأصيل المنهج التداولي و استغلاله في قراءة الخطابات الأدبيّة ذات القيمة التداوليّة .

المراجع الممكن اعتمادها :


- ابن الأثير المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر( خاصّة الجزء الثاني ) - أرسطو:الخطابة - بدر الدين الزركشي : البرهان في علوم القرآن


- ابن سنان الخفاجي : سرّ الفصاحة


- السيد الشريف الجرجاني : التعريفات


- عبد القاهر الجرجاني : دلائل الإعجاز


- محمد الخطابي : لسانيات النصّ


- محمد الشاوش : أصول تحليل الخطاب



[1] راجع خاصةكتابه مشاكل اللسانيات العامة معرّب عن الفرنسيّة في طبعات مختلفة .

[2] مصطلح المتخاطب هو المصطلح الواجب استخدامه في دراسة النصّ الأدبي دراسة تداولية لأنّه ينهض على التصوّر التداولي للتواصل بين المتكلّم و المخاطب ،فكلّ متكلّم يراعي في إنشاء خطالبه مخاطبا خصوصا و هو يتحوّل في أغلب مقامات التخاطب إلى مخاطب وفق قاعدة تبادل المواقع المستمرّ بين المتخاطبين ، و كلّ مخاطب هو أيضا متكلّم لأنّه يتبادل كذلك موقعه و المتكلّم الأوّل ، و كلّ متكلّم يوجّه المخاطب إلى استعمال بنية كلاميّة مخصوصة فعندما يطرح سؤالا عن حال من الأحوال يكون الجواب حاملا لدلالة الكيفية التي يتضمّنها الحال .


[3]انظر المفال ضمن أعمال ندوة صناعة المعنى و تأويل النصّ ، منشورات كلية الآداب منّوبة تونس 1992.

[4] انظر تحليله للبعد التداولي في اللغة ضمن ما يسمّى باللسانيات التداولية الإدماجيّة :Dire et ne pas dire collection Savoir Paris 1980.

[5] انظر محمّد الشاوش أصول تحليل الخطاب في النظريّة النحويّة العربيّة ،منشورات كليّة الآداب جامعة منّوبة تونس 2001 . ص 58.

يارب فهمني

تألق 03-02-2012 03:00 AM

طبعا لا أريد شرحا تفصيليا لما سبق حسبي فقط الإججابة على الأسئلة الثلاث في المقدمة.

عائشة 03-02-2012 02:11 PM

ما المسؤول عنها بأعلم من السَّائل
محمود الطناحي

مجلة «الهلال»، أبريل 1996


ابنتي طالبة بقسم اللغة العربية بإحدى كليات الآداب، وأنا أعلّم العربية في كلية مناظرة، فكان حقًّا علي أن أكون في عون ابنتي فيما يشكل عليها مما تدرس من علوم العربية، ويشق على المدرس كثيرًا أن يمارس عمله مع أبنائه، ولكني أغالب هذا الشعور استجابة لعاطفة الأبوة، لكني أيضًا أقف عاجزًا أمام كثير مما تدرسه ابنتي، وبخاصه ما يتصل بعلوم النقد الأدبي والبلاغة والأدب المقارن وتحليل النصوص، فكثير مما يقدم من هذه العلوم للطلبة الآن كلام عجيب حقًّا، وليس له من العربية إلا الحروف والأفعال والأسماء، مصبوبًا ذلك كله في نظام نحوي صحيح في جملته، لكنك إذا أردت أن تخرج منه بمعانٍ أو دلالات ذات معنى أعجزك ذلك، فهو كلام «تعقل مفرداته ولا تفهم مركباته» كما وصف ابن دقيق العيد كلام ابن سبعين الصوفي، وأحيانا لا تعقل مفرداته، ولذلك يعجزني -على كثرة ما قرأت وحفظت- أن أجيب ابنتي على ما تسأل، وكثيرا ما أجيبها: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل»، ثم أصلِّي على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد لجأت إلى زملائي الذين يعرفون لغة القوم، من أصحاب الألسنية والبنيوية والتفكيكية، ليدلوني على أمثل طريقة لتفهم ابنتي ذلك الكلام، فقالوا: لا سبيل أمامها إلا أن تحفظ ذلك الكلام بحروفه لتضعه كما هو في ورقة الإجابة.
وهذا رأي خطير جدًّا، لأن معناه أن يتحول الطالب إلى ببغاء يردد دون أن يفهم، ومعناه أيضًا أن يفقد الطالب القدرة على أن يؤدي بألفاظ من عنده كلام أستاذه، وهو ما ترفضه نظريات التربية القديمة والحديثة.
وقد حاولت أنا فعلاً أن أجد كلمات مرادفة لهذا الذي تقرؤه ابنتي من كلام أساتذتها، فلم أرجع بشيء ذي بال، وكنت حريًّا أن أذكر شيئًا من هذا الذي تعانيه ابنتي وأعانيه معها، ولكني لا أريد أن أحمل «الهلال» وزر هذا الكلام والرد عليه، لكنه في الجملة كلام يدور حول التناص والتماهي والتفكيك والتفجير اللغوي، والإشكالية -إشكالية أي شيء- مع تلك البدعة الغريبة: بدعة «الأسطورة والأساطير» في الأدب العربي، فكل معاني الشعر الجاهلي وصوره وأخيلته مردودة إلى الأسطورة ومحمولة عليه ومفسرة بها.
وإن تعجب فعجب أن بعض الذين يكتبون هذا الكلام الغامض المعمَّى هم ممن نشأوا بالأزهر وتخرجوا في دار العلوم، والأصل في من يتخرج في هذين المعهدين أن يكون عربي الوجه واليد واللسان، ولكن هكذا كان، وربك يفعل ما يشاء.


------------------------
نقلتُها من: «مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي»: ( 2 / 693، 694 ).


تألق 03-02-2012 04:45 PM

لله أنتِ يا أختي عائشة،،
قد أتى الشيخ على ما في قلبي ، وكنت أخبؤه حتى لا أتقدم على أهل العلم وإذ به يفصح عما أكننته.
لكن أنقف ساكتين؟!
أين أرباب الفصاحة والبيان حقا ليدفعوا مثل هذه المناهج الدخيلة على عربيتنا؟!
كل ما يحز في قلبي أن أستشهد بكلام رجل أعجمي لتفسير كلام عربي !!
أي بلاء هذا؟!

جزيت خيرا أخية

كما أرجو إثراء الموضوع من الجميع.

تألق 18-02-2012 09:29 PM

دراسات وبحوث في اللغة والأدب للأستاذ د. محمود الطناحي
 
http://www.shy22.com/pngfile/smb89732.png


http://www.shy22.com/pngfile/myb89915.png

تألق 18-02-2012 09:38 PM

http://www.shy22.com/pngfile/zxw90204.png


http://www.shy22.com/pngfile/glo90311.png

تألق 19-02-2012 03:19 PM

http://www.shy22.com/pngfile/0xq53842.png



http://www.shy22.com/pngfile/pa253894.png




http://www.shy22.com/pngfile/mt753927.png


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 03:01 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ