ما الصحيح " استمعتُ إلى معانٍ مفيدةٍ " ، أم " استمعتُ إلى معانيَ مفيدةٍ " ؟
البسملة1 هذا الكلام كتبته تعقيبًا على بعض الأحاديث ؛ فلذلك لم أوتِه حقَّه من التفصيل ، والترتيب : الصوابُ : ( استمعت إلى معانٍ مفيدة ) ، لا صوابَ إلا هو ؛ قالَ ابن مالكٍ : ( المنقوص الذي نظيرُه من الصحيح غيرُ منصرفٍ إن كان غيرَ علمٍ كجوارٍ وأعيمٍ ، تصغير أعمى ، فلا خلافَ أنه في الرفعِ والجرّ جارٍ مجرى قاضٍ في اللفظِ ، وفي النصبِ جارٍ مجرى نظيره من الصحيح ؛ فيقال : هؤلاء جوارٍ ... ومررت بجوارٍ ... ورأيتُ جواريَ ... وكذا إن كان علمًا في مذهبِ الخليلِ وسيبويه وأبي عمرو وابن أبي إسحاق . وأما يونُس وأبو زيدٍ وعيسى والكسائي ، فيقولون في قاضي اسم امرأة : هذا قاضي ، ومررت بقاضي ... ) [ شرح الكافية الشافية / 2 : 96 ، دار صادر ] . وقالَ الشاطبي : ( وهذا لا تقوله العربُ في السعةِ أصلاً ) [ شرحه على الألفيةِ / 5 : 686 ، طبعة أم القرى ] . وقالَ المبرّد : ( فإن احتاج الشاعر إلى مثل جوارٍ فحقه - إذا حرك آخره في الرفع والخفض - ألا يجريه ، ولكنه يقول : مررت بجواريَ ، كما قال الفرزدق : فلو كان عبد الله مولًى هجوته *** ولكن عبد الله مولى مواليا فإنما أجراه للضرورة مجرى ما لا علة فيه ) [ المقتضب / 1 : 143 ، عضيمة ] . وقالَ ابن جني : ( وكذلك قوله : أبيت على معاريَ فاخراتٍ ... بهن ملوَّب كدم العباطِ هكذا أنشده : على معاريَ ، بإجراء المعتل مجرى الصحيح ضرورة ، ولو أنشد : على معارٍ فاخرات ، لما كسر وزنًا ، ولا احتمل ضرورة ) [ الخصائص / 2 : 298 ، هنداوي ] . أما ما نُقِلَ إلينا من أقوالٍ عن بعضِهم فغلطٌ منهم ؛ إذ خلَطوا بينَ مسألة ( جوارٍ ) نكرةً ، ومسألةِ ( جوارٍ ) علمًا . وقد ذكرتُ آنفًا قولَ ابن مالكٍ ، وقولَ الشاطبيّ في التفريقِ بينهما ، وأنَّ العربَ ( لا تقولُ ذلك في السعةِ أصلاً ) . ولِيتبيَّنَ وجه الغلطِ أسودَ مظلِمًا ، قارِنْ بينَ قولِ المحلي – وليس بمعروفٍ – وقولِ ابن مالكٍ ؛ قال المحلي : ( الإعراب فيه [ يعني نحو جوارٍ ] مقدر إلا عند يونس وأبي زيد والكسائي ، فإنهم يظهرون الأخيرة ، فيقولون : مررت بجواريَ ، ومنه عندهم قول الفرزدق : ولكن عبد الله مولى مواليا وهو عند غيرهم محمول على الضرورة ) . وقال ابن مالكٍ : ( وكذا إن كان علمًا في مذهبِ الخليلِ وسيبويه وأبي عمرو وابن أبي إسحاق . وأما يونُس وأبو زيدٍ وعيسى والكسائي ، فيقولون في قاضي اسم امرأة : هذا قاضي ، ومررت بقاضيَ ) . ولِيتبينَ الغلطُ أكثرَ من ذلك ، انظر إلى ما قالَ سيبويه رحمه الله في كتابه : ( وأمّا يونس فكان ينظر إلى كلّ شيء من هذا إذا كان معرفة كيف حال نظيره من غير المعتل معرفة ؛ فإذا كان لا ينصرف لم يصرف ، يقول: هذا جواريْ قد جاء، ومررت بجواريَ قبل . وقال الخليل : هذا خطأ ؛ لو كان من شأنهم أن يقولوا هذا في موضع الجرّ لكانوا خلقاء أن يلزموها الجر والرفع ، إذ صار عندهم بمنزلة غير المعتلّ في موضع الجرّ، ولكانوا خلقاء أن ينصبوها في النكرة إذا كانت في موضع الجرّ ، فيقولوا: مررت بجواريَ قبل ، لأنَّ ترك التنوين في ذا الاسم في المعرفة والنكرة على حال واحدة ) [ الكتاب / 3 : 312 ، هارون ] . فأنت تراه نقلَ عن يونسَ شيخِه أنَّ خلافَه إنما هو في نحوِ ( جوارٍ ) إذا كانَ معرفةً ؛ أي : علمًا . ولو كانَ يونسُ يقولُ بهذا لم يلزمه الخليلُ برأيٍ يقولُ به ؛ إذ قالَ : ( ولكانوا خلقاءَ أن ينصبوها في النكرة إذا كانت في موضع الجرّ، فيقولوا: مررت بجواري قبل، لأنَّ ترك التنوين في ذا الاسم في المعرفة والنكرة على حال واحدة ) . فهو يردُّ على يونسَ بأنه لو كانَ كما يقولُ في مسألة جوارٍ علمًا ، لكانَ العربُ خلقاءَ أن يقولوا : مررتُ بجواريَ قبلُ إذا كانت نكرةً ، لأنَّ حكمَهما واحدٌ . ولو كانَ يونسُ يرى هذا لم يكن الخليلُ ليُلزمَه بشيءٍ يراه ، ولا يدفعُه . فإذا كانوا – كما ترى - أخطئوا في نقلِ قولِه ، فجائزٌ أن يخطئوا في نقلِ قولِ غيرِه ؛ ولا سيَّما مع ما ذكرنا من قولِ ابن مالكٍ – وهو عالِم محقّق - . وإنه لا يمنعنا إجلالنا لهم ، ومعرفتنا فضلَهم أن نخطّئَهم ، وننسبَهم إلى السهوِ والخلْطِ ؛ فإنَّ ذلك لا يَنقص من قدرِهم ، ولا يحطّ من مكانتِهم ، والله لم يجعلِ العلماءَ موقَّينَ الخطأ . وليس هذا بحاملٍ لنا على أن ننسبَهم إلى الجهل ، لأنهم أهلٌ للاجتهادِ ؛ ومن شأنِ المجتهِدِ أن يخطئَ ويصيبَ . --- هذا ما كتبتُ برأي نفسي ، ثم وجدتُّ بعدَ ذلك نصَّينِ نفيسينِ يظاهرانِ ما ذهبتُ إليهِ ، ويبيِّنانِ صوابَه : 1- قالَ أبو حيانَ – وهو لا يكاد يُبارى في سعةِ الاطلاعِ ، ومعرفة الخلافِ - : ( وما آخره ياءٌ قبلَها كسرةٌ يكونُ جمعًا متناهيًا ؛ نحو : جوارٍ ... فهذا يُنوَّن في الرفع والجر ، وتظهر الفتحة بغير تنوين في النصب . وما كان منه علمًا فمذهب يونس وأبي زيد وعيسى والكسائي وأهل بغداد أن الفتحة تظهر في حالة الجر كما تظهر في النصب ، ويمنع التنوين مطلقًا ؛ فتقول : قام جواريْ ، ورأيتُ جواريَ ، ومررت بجواريَ ... ومذهب أبي إسحاق وأبي عمرو والخليل وسيبويه وجمهور أهل البصرة أنه يُنوَّن رفعًا وجرًّا ، وتحذف ياؤه فيهما ، ويُتمّ في النصب ولا ينون . وما ذكره أبو علي [ يريد الفارسي ] من أن يونسَ وهؤلاء ذهبوا إلى أنه لا تحذف الياء إذا كان جوارٍ نكرةً ولم يُسمّ به ؛ فتقول : هن جواريْ ، ومررت بجواريَ فلا يُنون وهَم وخطأ ومخالفة للغة العرب والقرآن ) [ ارتشاف الضرب / 2 : 889 ، 890 ، مكتبة الخانجي ] . 2- قالَ ابنُ عقيلٍ في شرح قولِ ابن مالكٍ في التسهيلِ : ( ويُحكم للعلم منه عند يونسَ بحكم الصحيح ، إلا في ظهور الرفع ) قالَ ابن عقيل : فإذا سميتَ بجوارٍ قلت عند يونس : هذا جواري ، بإثبات الياء ، وإسقاط التنوين ، ومررت بجواريَ ... وهو أيضًا قول أبي زيد وعيسى والكسائي والبغداديين ، ومذهبُ سيبويه وجمهور البصريين أنه يبقى على ما كان قبل العلمية ... وقوله [ أي : قول ابن مالك ] : ( للعلمِ منه ) يُخرج النكرة ؛ فلا يفعل يونس فيها ذلك ؛ بل هو فيها كغيره ، وكذا من ذكر معه من القائلين بقوله . ووقع للفارسي وهم في ذلك ؛ فنقل عنهم في النكرة أيضًا ما قالوه في العلمِ ) [ المساعد / 3 : 30 ، 31 ، طبعة أم القرى ] . قلتُ : لعلَّ مَن قالَ بقولِ الفارسيِّ ناقلٌ عنه ، معوِّلٌ عليه ؛ فبخطئِه أخطأ . أبو قصي |
جزاك الله خيرًا أبا قصي ولازلت تمتعنا بطيب حديثك زادك الله علمًا |
رد: ما الصحيح " استمعتُ إلى معانٍ مفيدةٍ " ، أم " استمعتُ إلى معانيَ مفيدةٍ " ؟
شكرا لك . .
وكذلك أجريت ( ثماني ) مجرى ( جواري ) ؛ للشبه بينهما . |
استعمت إلى معانٍ مفيدة ٍ (مفيدة ) نعت مجرور ، كأُخر في قوله تعالى : ( فعدة من أيامٍ أُخرَ ) .
|
بارك الله فيك ورفع قدرك . |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 02:59 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ