مفهوم المصاحبة وأدواته عند ابن هشام النحوي من خلال كتابه المغني
مفهوم المصاحبة وأدواته عند ابن هشام النحوي من خلال كتابه المغني وتستعمل " مع " للجماعة كما تستعمل للاثنين [2]. وفي اصطلاح النحاة ، فإنَّ التنصيص على المعية أو المصاحبة من المعاني التي تُؤدَّى في العربية بطرق مختلفة ، أهمها : مصاحبة ما بعد الواو لما قبلها في وقت واحد ، نحو :" سِرْتُ وَالنِيلَ " ، فَسُمِّيَ مفعولا معه ، لأنَّه فعل معه فعل ، وهو السير الصادر من الفاعل . فـ " المفعول معه هو الاسم الفضلة بعد واو أُريد بها التنصيص على المعية مسبوقة بفعل أو ما فيه حروفه ومعناه ، كَسِرْتُ وَالنِيلَ ، وأَنَا سَائِرٌ."[3] فهو اسم ، وبذلك يُستبعد الحرف والفعل ، وهو فضلة ؛ ومعنى ذلك أنَّه لا يكون عمدة في الكلام ، فلا يكون فاعلا ولا مبتدأ ، وهو تال لواو تفيد معنى " مع " وبذلك تخرج واو المشاركة والعطف ، ومسبوق بجملة تتضمن فعلا أو ما يعمل عمله كاسم الفاعل واسم المفعول والمصدر وغيرهم . فالمفعول معه إذن ، هو الاسم المنصوب الذي يجيء لبيان من وقع الفعل بصحبته أو معيَّته ، بعد جملة فعلية تتضمن فعلا أو ما يعمل عمله . ومن خلال تعريفات النحاة ، ومن خلال تسميته هدا الاسم الذي ينتمي إلى لائحة المفاعيل الخمسة في العربية أو إلى لائحة المنصوبات عموما ، يبدو واضحا أنَّ تضمن معنى المعية من أهم الشروط التي ينبغي توفرها في هذا الاسم حتَّى يحظى بلقب المفعول معه ، وهذا الأمر إن دلَّ على شيء ، فإنَّما يدل دلالة واضحة على أنَّ الأصل في الدلالة على معنى المصاحبة والمعية ، هي الأداة " مع " . المصاحبة والمعية في المغني : إنَّ إطلالة خاطفة على المغني ، تُبرز بوضوح أنَّ الرجل استعمل مصطلح المصاحبة والمعية بمعنى واحد ، فتارة يستعمل المصاحبة كما في مبحث " الباء"[4] ، ومبحث " على "[5] ، ومبحث " في "[6] ، وتارة أخرى نراه يستعمل مصطلح المعية كما في مبحث " إلى "[7] ، فضلا عن استخدامه مصطلح " موافقة مع " ، في مبحث لام الجر ؛ ومعنى موافقة "مع " أنَّ "إلى " توافق " مع " في الدلالة على معنى الصحبة في بعض الحالات . فهذه مصطلحات تفيد معنى واحدا هو الذي يُستَفاد من دخول " مع " في الجملة، والمعية أو الصحبة في اصطلاح المغني تتم " إذا ضمَمْت شيئا إلى آخر "[8]، سواء أكان من جنسه أو لم يكن كذلك ، وهو بذلك لم يخرج عن تعريفات سابقيه . أدوات المعية في المغني : - مـع : أداة ظرفية زمانية أو مكانية ، ومعناها المصاحبة ، بل إنَّها الأصل في الدلالة على هذا المعنى بدليل أنَّ الاسم المنصوب الذي يجيء في العربية للدلالة على المصاحبة والمعية يتضمَّن في جزء من اسمه لفظة " معه " . وذهب ابن هشام إلى أنَّ قول النَّحاس مردود ، فإذا سُكِّنت العين في " مع ْ " ، فإنَّها تبقى اسما ، ولا تكون حرفا من حروف الجر . وحري بالذكر ، أنَّ النَّحاس لم يذهب هذا المذهب في " مع " وحده ، بل نجد مثل هذا الكلام عند ابن عطية في المحرر : " إذا سكنت " مع " فهي حرف جاء لمعنى بلا اختلاف عند النحويين ..."[13] ومثله ما نصادفه عند مكي بن أبي طالب ، فقد قال : " " مع " حرف يُبنى على الفتح ، لأنَّه قد يكون اسما ظرفا فقوي بالتمكين في بعض أحواله فَبُنِيَ ، وهو حرف مبني على الفتح لكونه اسما في بعض أحواله وحقه السكون . وقيل هو اسم ظرف فلذلك فُتِح كالظروف ، فإن أَسكنت العين فهو حرف لا غير ."[14] و" مع " ظرف ملازم للإضافة ، تفيد حينئذ ثلاثة معان : - الأوَّل : أن تدل على موضع الاجتماع ، أي : مكانه ، نحو قوله تعالى : " فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السِّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ "[15] - الثاني : أن تدلَّ على زما ن الاجتماع ، ومثال المغني هو : "جِئْتُكَ مَعَ العَصْرِ"[16] ، أي جئتُك مع وقت العصر . - الثالث : مرادفة " عند " ، وذلك إذا كانت مسبوقة بحرف الجر " من " ، نحو : ذََهَبْتُ مِنْ مَعِهِ ،" وجِئْتُ مِنْ مَعِهِم ، وكان معها فانتزعه من مَعِها ، كما تقول : كَان عندها فانتزعه من عندِها ..."[17] وكما تستعمل " مع " مضافة ، فإنَّها تأتي مُفردة ، فتُنوَّن نحو قولك : قَامَ زَيْدٌ وَعَمْروٌ ، والأكثر في هذه الحالة أن تكون حالا. - إلى : الثاني من المعاني التي تفيدها الأداة " إلى " في المغني، معنى المعية ، وذلك إذا ضممتَ شيئا إلى آخر في الحكم به أو عليه ، وهو بذلك يجاري عددا من النحاة في اعتقادهم بأنَّ " إلى" قد توافق " مع " ، إذا دخل ما بعدها فيما قبلها ، كقولك : اجْتَمَعَ مَالك إلى زيدٍ ...[18] ونسب ابن هشام هذا الرأي إلى الكوفيين وبعض البصريين[19]، في قوله تعالى : " فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِيَ إِلَى اللهِ قَالَ الحَوَارِيُونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَأَشْهَدُ بِاَنَّا مُسْلِمُونَ "[20] ، قال الفرَّاء : " المُفسِّرون يقولون : مَنْ أَنْصارِيَ مع الله ، وهو وجه حسن ، وإنَّما يجوز أن تجعل " إلى " موضع " مع " إذا ضممتَ الشيء مع الشيء ..."[21] ومنه قول العرب : الذَّوْدُ إِلَى الذَّوْدِ إِبِلٌ " ، و" إلى " هنا جاءت بمعنى " مع " ، " لأنَّه إذا جُمِعَ القليل إلى مثله صار كثيرا "[22] ، وهو معنى نقله ابن هشام عن المعاجم العربية ، فقد جاء في الصحاح : " وفي المثل : الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إِبِلٌ " قولهم : " إلى " بمعنى " مع " أي إذا جمعتَ القليل مع القليل صار كثيرا ..."[23] أمَّا إذا لم يكن هناك ضمٌّ ، لم تكن " إلى " بمعنى " مع " ، " فلا يجوز " إلى زَيْدٍ مَالٌ ، تريد : مَعَ زَيْدٍ مَالٌ."[24] ولا يجوز ذلك" ممَّا صرَّح به أصحاب هذا المذهب ؛ لأنَّهم اشترطوا الجمع في معنى عُلِّقَ بالشيئين كالنصر في الحواريين مع الله ، وليس ثَمَّ ما يجمع المال وزيدا ، وخُرِّجت " إلى " على الانتهاء في الضم ."[25] - البــاء: والباء التي تفيد معنى المصاحبة لها علامتان ، إحداهما أن يَحْسُنَ في موضعها " مع " ، والأخرى أن يُغنيَ عنها وعن مصحوبها الحال .[31] ومن ذلك قوله تعالى : قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ " [32] ، والشاهد في الآية الكريمة : " بسلام " ، أي : مع سلام ، أو مُسَلَّماً عليك ، إذا قدَّرْنَا الحال مكانها . والأمر نفسه يمكن أن يقال عن الآية التالية : " وَإِذَا جَاءوكُمْ قَالُوا أَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ "[33] ، والتعليل بها من وجهين : - وقد دخلوا مع الكفر وهم قد خرجوا معه . - على تقدير الحال ، وقد دخلوا كافرين ، وهم قد خرجوا كذلك. - عــلـى: المعنى الثاني من معاني " على " التسعة ، معنى المصاحبة ، وتكون فيه " على " بمعنى " مع " ، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى : " وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ "[34] . قال الزمخشري : " " على ظلمهم " ، أي : مع ظلمهم أنفسهم ..."[35] - فــي: تفيد " في " في العربية عشرة معان ، خصَّ ابن هشام الثاني منها لمعنى المصاحبة ، وهو الذي تكون فيه " في " بمعنى " مع " ، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى : " قَالَ ادْخُلُوا في أُمَمٍ قَدْ خَلتَ مِنْ قَبْلِكُمْ "[38] ، أي : معهم. ومنه قوله تعالى : " فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ "[39] ، أي : مع زينته ، أو مُتَزَيِّناً ، إذا قدَّرنا الحال موضع حرف الجر . - اللام المفردة – لام الجر : اللام المفردة من أغنى الأدوات بالمعاني ، وصلت في المغني إلى اثنين وعشرين معنى ، جعل الثالث عشر منها خاصا بمعنى المصاحبة ، أو موافقة " مع " ، وهو معنى" قاله بعضهم "[42] وأنشدوا عليه قول الشاعر: فَلَمَّا تَفَرَّقـْنَا كَأَنِّـي وَمَالِـكاً لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعاً ولعل المصنِّف يقصد بقوله : " قاله بعضهم" المالقي ، فهو من أنشد هذا البيت لهذا المعنى ، إذ قال في الرصف : " الموضع السادس أن تكون بمعنى " مع " ، وهو مسموع لا يقاس عليه ، لِبُعدِ معنييهما ولفظيهما ، ومما سُمع من ذلك قول الشاعر : فلمَّا تَفرَّقنا ..."[43] ، أي : مع طول اجتماع . توقيع: الدكتورة سميرة حيدا [1] - لسان العرب ، مادة ( معع ). [2] - المصدر السابق ، مادة ( معع ) ، وأقرب الموارد ، مادة ( مع ). [3] - شرح قطر النَّدى وبل الصَّدى، ص: 232. [4] - المغني ، 2 / 128. [5] -المصدر السابق ، 2 / 373. [6] - المصدر السابق ، 2 / 514. [7] - المصدر السابق ، 1 / 491. [8] - المغني ، 1 / 491. [9] - الكتاب ، 1 / 209 ، والمغني ، 4 / 232. [10] - للاسم عدَّة علامات يُعرف بها وتُميِّزه عن الفعل والاسم منها : التنوين ، وقبول الإضافة ، ودخول أداة النِّداء ... [11] - المغني ، 4 / 233. [12] -المصدر السابق ، 4 / 232 ، والكتاب ، 2 / 45، والجنى الداني ، ص: 305. [13] - المحرر ، 11 / 214. [14] - مشكل إعراب القرآن ، 2 / 149 و150. [15] - سورة محمد ، آية : 35. [16] - المغني ، 4 / 235. [17] - أمالي الشجري ، 1 / 245. [18] - رصف المباني ، ص : 83. [19] - وفي الجنى الداني، ص : 386 : " وكون " إلى " بمعنى " مع " حكاه ابن عصفور عن الكوفيين ، وحكاه ابن هشام عنهم ، وعن اكثير من البصريين ." [20] - سورة آل عمران ، آية : 52. [21] - معاني الفراء ، 1 / 218. [22] - المغني ، 1 / 492. [23] - الصحاح ، مادة " ذود ". [24] - المغني ، 1 / 492. [25] - حاشية الأمير على المغني ، 1 / 70، وحاشية الدماميني ، ص: 162. [26] - شرح الرضي ، 2 / 423. [27] - الخصائص ، 3 / 263 . [28] - التبيان ، ص : 264. [29] - المغني ، 2 / 128. [30] - شرح الكافية ، 2 / 325، و البرهان ، 4 / 256، و رصف المباني ، ص : 144. [31] - الجنى الداني ، ص: 40، وحاشية الدماميني، ص: 216و217, [32] - سورة هود ، آية : 48. [33] - سورة المائدة ، آية : 61. [34] - سورة الرعد ، آية : 6. [35] - الكشاف ، 2 / 350. [36] - سورة البقرة ،آية : 177. [37] - انظر المغني ، 2 / 373. [38] - سورة الأعراف ، آية : 38. [39] - سورة القصص ، آية : 79. [40] - سورة الفجر ، آية : 29. [41] - الأزهية ، ص: 278، وشرح الكافية ، 2 / 327، وجواهر الأدب ، ص: 131. [42] - المغني ، 3 / 174. [43] - الرصف ، ص : 223، و الأزهية ، ص: 299. |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 09:06 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ