ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة النحو والتصريف وأصولهما (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   مفهوم المصاحبة وأدواته عند ابن هشام النحوي من خلال كتابه المغني (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=7564)

سميرة المغربية 26-09-2012 11:52 AM

مفهوم المصاحبة وأدواته عند ابن هشام النحوي من خلال كتابه المغني
 
مفهوم المصاحبة وأدواته عند ابن هشام النحوي من خلال كتابه المغني
لغة : المصاحبة والمعية بمعنى واحد ، جاء في لسان العرب : " مَعَ بتحريك العين كلمة تضم الشيء إلى الشيء ، وهو – أي مع – كلمة تضم الشيء إلى الشيء ، وأصلها معا ."[1]
وتستعمل " مع " للجماعة كما تستعمل للاثنين [2].
وفي اصطلاح النحاة ، فإنَّ التنصيص على المعية أو المصاحبة من المعاني التي تُؤدَّى في العربية بطرق مختلفة ، أهمها : مصاحبة ما بعد الواو لما قبلها في وقت واحد ، نحو :" سِرْتُ وَالنِيلَ " ، فَسُمِّيَ مفعولا معه ، لأنَّه فعل معه فعل ، وهو السير الصادر من الفاعل .
فـ " المفعول معه هو الاسم الفضلة بعد واو أُريد بها التنصيص على المعية مسبوقة بفعل أو ما فيه حروفه ومعناه ، كَسِرْتُ وَالنِيلَ ، وأَنَا سَائِرٌ."[3]
فهو اسم ، وبذلك يُستبعد الحرف والفعل ، وهو فضلة ؛ ومعنى ذلك أنَّه لا يكون عمدة في الكلام ، فلا يكون فاعلا ولا مبتدأ ، وهو تال لواو تفيد معنى " مع " وبذلك تخرج واو المشاركة والعطف ، ومسبوق بجملة تتضمن فعلا أو ما يعمل عمله كاسم الفاعل واسم المفعول والمصدر وغيرهم .
فالمفعول معه إذن ، هو الاسم المنصوب الذي يجيء لبيان من وقع الفعل بصحبته أو معيَّته ، بعد جملة فعلية تتضمن فعلا أو ما يعمل عمله .
ومن خلال تعريفات النحاة ، ومن خلال تسميته هدا الاسم الذي ينتمي إلى لائحة المفاعيل الخمسة في العربية أو إلى لائحة المنصوبات عموما ، يبدو واضحا أنَّ تضمن معنى المعية من أهم الشروط التي ينبغي توفرها في هذا الاسم حتَّى يحظى بلقب المفعول معه ، وهذا الأمر إن دلَّ على شيء ، فإنَّما يدل دلالة واضحة على أنَّ الأصل في الدلالة على معنى المصاحبة والمعية ، هي الأداة " مع " .
المصاحبة والمعية في المغني :
إنَّ إطلالة خاطفة على المغني ، تُبرز بوضوح أنَّ الرجل استعمل مصطلح المصاحبة والمعية بمعنى واحد ، فتارة يستعمل المصاحبة كما في مبحث " الباء"[4] ، ومبحث " على "[5] ، ومبحث " في "[6] ، وتارة أخرى نراه يستعمل مصطلح المعية كما في مبحث " إلى "[7] ، فضلا عن استخدامه مصطلح " موافقة مع " ، في مبحث لام الجر ؛ ومعنى موافقة "مع " أنَّ "إلى " توافق " مع " في الدلالة على معنى الصحبة في بعض الحالات .
فهذه مصطلحات تفيد معنى واحدا هو الذي يُستَفاد من دخول " مع " في الجملة، والمعية أو الصحبة في اصطلاح المغني تتم " إذا ضمَمْت شيئا إلى آخر "[8]، سواء أكان من جنسه أو لم يكن كذلك ، وهو بذلك لم يخرج عن تعريفات سابقيه .
أدوات المعية في المغني :
- مـع :
أداة ظرفية زمانية أو مكانية ، ومعناها المصاحبة ، بل إنَّها الأصل في الدلالة على هذا المعنى بدليل أنَّ الاسم المنصوب الذي يجيء في العربية للدلالة على المصاحبة والمعية يتضمَّن في جزء من اسمه لفظة " معه " .
وهي اسم عند ابن هشام ، لأنَّها تقبل التنوين ، تقول : " مَعاً " ، كما تقبل دخول الجار ، تبعا لحكاية سيبويه : " ذَهَبْتُ مِنْ مَعِهِ "[9] ، والتنوين والخفض من أبرز العلامات التي تلحق الأسماء في العربية ، وبذلك اجتمع لها دليلان على الاسمية .[10]
وخالف النَّّّّّّّّّّحاس في أمر اسميتها ، فقد ذهب إلى أنَّها حرف بالإجماع ، وذلك لتسكين عينها ، فتصبح : " مَعْ " وهي لغة عند بني غنم وربيعة ، [11] عكس سيبويه الذي لم يحفظ أنَّ السكون فيها لغة ، بل جعله ضرورة من ضرورات الشعر.[12]
وذهب ابن هشام إلى أنَّ قول النَّحاس مردود ، فإذا سُكِّنت العين في " مع ْ " ، فإنَّها تبقى اسما ، ولا تكون حرفا من حروف الجر .
وحري بالذكر ، أنَّ النَّحاس لم يذهب هذا المذهب في " مع " وحده ، بل نجد مثل هذا الكلام عند ابن عطية في المحرر : " إذا سكنت " مع " فهي حرف جاء لمعنى بلا اختلاف عند النحويين ..."[13]
ومثله ما نصادفه عند مكي بن أبي طالب ، فقد قال : " " مع " حرف يُبنى على الفتح ، لأنَّه قد يكون اسما ظرفا فقوي بالتمكين في بعض أحواله فَبُنِيَ ، وهو حرف مبني على الفتح لكونه اسما في بعض أحواله وحقه السكون .
وقيل هو اسم ظرف فلذلك فُتِح كالظروف ، فإن أَسكنت العين فهو حرف لا غير ."[14]
و" مع " ظرف ملازم للإضافة ، تفيد حينئذ ثلاثة معان :
- الأوَّل : أن تدل على موضع الاجتماع ، أي : مكانه ، نحو قوله تعالى : " فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السِّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ "[15]
- الثاني : أن تدلَّ على زما ن الاجتماع ، ومثال المغني هو : "جِئْتُكَ مَعَ العَصْرِ"[16] ، أي جئتُك مع وقت العصر .
- الثالث : مرادفة " عند " ، وذلك إذا كانت مسبوقة بحرف الجر " من " ، نحو : ذََهَبْتُ مِنْ مَعِهِ ،" وجِئْتُ مِنْ مَعِهِم ، وكان معها فانتزعه من مَعِها ، كما تقول : كَان عندها فانتزعه من عندِها ..."[17]
وكما تستعمل " مع " مضافة ، فإنَّها تأتي مُفردة ، فتُنوَّن نحو قولك : قَامَ زَيْدٌ وَعَمْروٌ ، والأكثر في هذه الحالة أن تكون حالا.
- إلى :
الثاني من المعاني التي تفيدها الأداة " إلى " في المغني، معنى المعية ، وذلك إذا ضممتَ شيئا إلى آخر في الحكم به أو عليه ، وهو بذلك يجاري عددا من النحاة في اعتقادهم بأنَّ " إلى" قد توافق " مع " ، إذا دخل ما بعدها فيما قبلها ، كقولك : اجْتَمَعَ مَالك إلى زيدٍ ...[18]
ونسب ابن هشام هذا الرأي إلى الكوفيين وبعض البصريين[19]، في قوله تعالى : " فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِيَ إِلَى اللهِ قَالَ الحَوَارِيُونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَأَشْهَدُ بِاَنَّا مُسْلِمُونَ "[20] ، قال الفرَّاء : " المُفسِّرون يقولون : مَنْ أَنْصارِيَ مع الله ، وهو وجه حسن ، وإنَّما يجوز أن تجعل " إلى " موضع " مع " إذا ضممتَ الشيء مع الشيء ..."[21]
ومنه قول العرب : الذَّوْدُ إِلَى الذَّوْدِ إِبِلٌ " ، و" إلى " هنا جاءت بمعنى " مع " ، " لأنَّه إذا جُمِعَ القليل إلى مثله صار كثيرا "[22] ، وهو معنى نقله ابن هشام عن المعاجم العربية ، فقد جاء في الصحاح : " وفي المثل : الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إِبِلٌ " قولهم : " إلى " بمعنى " مع " أي إذا جمعتَ القليل مع القليل صار كثيرا ..."[23]
أمَّا إذا لم يكن هناك ضمٌّ ، لم تكن " إلى " بمعنى " مع " ، " فلا يجوز " إلى زَيْدٍ مَالٌ ، تريد : مَعَ زَيْدٍ مَالٌ."[24]
ولا يجوز ذلك" ممَّا صرَّح به أصحاب هذا المذهب ؛ لأنَّهم اشترطوا الجمع في معنى عُلِّقَ بالشيئين كالنصر في الحواريين مع الله ، وليس ثَمَّ ما يجمع المال وزيدا ، وخُرِّجت " إلى " على الانتهاء في الضم ."[25]
وقد أنكر فريق من النحاة مجيء " إلى " بمعنى " مع " ، منهم الرضي : " كونه بمعنى " مع " قليل "[26] ، ويُفهم من كلام ابن جني في الخصائص[27] ، والعكبري في التبيان[28] ، أن " إلى " لا تأتي بمعنى " مع ".
- البــاء:
الخامس من المعاني الأربعة عشر التي تفيدها الباء المفردة كما جاء في المغني[29] ، هو معنى المصاحبة ، لذا سُمِيَّت باء المصاحبة .[30]
والباء التي تفيد معنى المصاحبة لها علامتان ، إحداهما أن يَحْسُنَ في موضعها " مع " ، والأخرى أن يُغنيَ عنها وعن مصحوبها الحال .[31] ومن ذلك قوله تعالى : قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ " [32] ، والشاهد في الآية الكريمة : " بسلام " ، أي : مع سلام ، أو مُسَلَّماً عليك ، إذا قدَّرْنَا الحال مكانها .
والأمر نفسه يمكن أن يقال عن الآية التالية : " وَإِذَا جَاءوكُمْ قَالُوا أَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ "[33] ، والتعليل بها من وجهين :
- وقد دخلوا مع الكفر وهم قد خرجوا معه .
- على تقدير الحال ، وقد دخلوا كافرين ، وهم قد خرجوا كذلك.
- عــلـى:
المعنى الثاني من معاني " على " التسعة ، معنى المصاحبة ، وتكون فيه " على " بمعنى " مع " ، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى : " وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ "[34] .
قال الزمخشري : " " على ظلمهم " ، أي : مع ظلمهم أنفسهم ..."[35]
ومنه قوله تعالى : " وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ والسَّائِلينَ وَفِي الرِقَابِ"[36] ، والمعنى الذي ذهب إليه المُصَنِّف هو : مع حُبِّه ، أي : مع حُبِّ هذا المال.[37]
- فــي:
تفيد " في " في العربية عشرة معان ، خصَّ ابن هشام الثاني منها لمعنى المصاحبة ، وهو الذي تكون فيه " في " بمعنى " مع " ، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى : " قَالَ ادْخُلُوا في أُمَمٍ قَدْ خَلتَ مِنْ قَبْلِكُمْ "[38] ، أي : معهم.
ومنه قوله تعالى : " فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ "[39] ، أي : مع زينته ، أو مُتَزَيِّناً ، إذا قدَّرنا الحال موضع حرف الجر .
وابن هشام في قوله هذا تابع لغيره من علماء العربية ، فقد ذكر الهروي لـ " في " هذا المعنى في قوله تعالى : " فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي "[40] ، حيث قدَّرها بـ " مع " ، والمعنى على ذلك : " مع عبادي "، ومثله في ذلك الرضي و الإربلي.[41]
- اللام المفردة – لام الجر :
اللام المفردة من أغنى الأدوات بالمعاني ، وصلت في المغني إلى اثنين وعشرين معنى ، جعل الثالث عشر منها خاصا بمعنى المصاحبة ، أو موافقة " مع " ، وهو معنى" قاله بعضهم "[42] وأنشدوا عليه قول الشاعر:
فَلَمَّا تَفَرَّقـْنَا كَأَنِّـي وَمَالِـكاً لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعاً
ولعل المصنِّف يقصد بقوله : " قاله بعضهم" المالقي ، فهو من أنشد هذا البيت لهذا المعنى ، إذ قال في الرصف : " الموضع السادس أن تكون بمعنى " مع " ، وهو مسموع لا يقاس عليه ، لِبُعدِ معنييهما ولفظيهما ، ومما سُمع من ذلك قول الشاعر : فلمَّا تَفرَّقنا ..."[43] ، أي : مع طول اجتماع .
توقيع: الدكتورة سميرة حيدا

[1] - لسان العرب ، مادة ( معع ).

[2] - المصدر السابق ، مادة ( معع ) ، وأقرب الموارد ، مادة ( مع ).

[3] - شرح قطر النَّدى وبل الصَّدى، ص: 232.

[4] - المغني ، 2 / 128.

[5] -المصدر السابق ، 2 / 373.

[6] - المصدر السابق ، 2 / 514.

[7] - المصدر السابق ، 1 / 491.

[8] - المغني ، 1 / 491.

[9] - الكتاب ، 1 / 209 ، والمغني ، 4 / 232.

[10] - للاسم عدَّة علامات يُعرف بها وتُميِّزه عن الفعل والاسم منها : التنوين ، وقبول الإضافة ، ودخول أداة النِّداء ...

[11] - المغني ، 4 / 233.

[12] -المصدر السابق ، 4 / 232 ، والكتاب ، 2 / 45، والجنى الداني ، ص: 305.

[13] - المحرر ، 11 / 214.

[14] - مشكل إعراب القرآن ، 2 / 149 و150.

[15] - سورة محمد ، آية : 35.

[16] - المغني ، 4 / 235.

[17] - أمالي الشجري ، 1 / 245.

[18] - رصف المباني ، ص : 83.

[19] - وفي الجنى الداني، ص : 386 : " وكون " إلى " بمعنى " مع " حكاه ابن عصفور عن الكوفيين ، وحكاه ابن هشام عنهم ، وعن اكثير من البصريين ."

[20] - سورة آل عمران ، آية : 52.

[21] - معاني الفراء ، 1 / 218.

[22] - المغني ، 1 / 492.

[23] - الصحاح ، مادة " ذود ".

[24] - المغني ، 1 / 492.

[25] - حاشية الأمير على المغني ، 1 / 70، وحاشية الدماميني ، ص: 162.

[26] - شرح الرضي ، 2 / 423.

[27] - الخصائص ، 3 / 263 .

[28] - التبيان ، ص : 264.

[29] - المغني ، 2 / 128.

[30] - شرح الكافية ، 2 / 325، و البرهان ، 4 / 256، و رصف المباني ، ص : 144.

[31] - الجنى الداني ، ص: 40، وحاشية الدماميني، ص: 216و217,

[32] - سورة هود ، آية : 48.

[33] - سورة المائدة ، آية : 61.

[34] - سورة الرعد ، آية : 6.

[35] - الكشاف ، 2 / 350.

[36] - سورة البقرة ،آية : 177.

[37] - انظر المغني ، 2 / 373.

[38] - سورة الأعراف ، آية : 38.

[39] - سورة القصص ، آية : 79.

[40] - سورة الفجر ، آية : 29.

[41] - الأزهية ، ص: 278، وشرح الكافية ، 2 / 327، وجواهر الأدب ، ص: 131.

[42] - المغني ، 3 / 174.

[43] - الرصف ، ص : 223، و الأزهية ، ص: 299.


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 09:06 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ