الدرس الأول : مقدمة تعريفية بعلم الإملاء
البسملة1 سأذكرُ أولُ خُطَّةَ هذه الدورةِ ونظامَها ؛ فأقولُ : 1-هذه الدورةُ للمبتدئينَ ، والمتوسِّطينَ ، وأرجو ألا يعدَمَ فيها المتقدِّمُ فائدةً . 2-حاولتُ أن أجعلَ الإملاءَ على ترتيبٍ منطقيٍّ واضحٍ ينتظِمُ فروعَه ، ومسائلَه . 3-خلَّصتُ الإملاءَ ممَّا أقحِمَ فيه ممَّا ليسَ منه ، من مباحثَ نحويةٍ ، وتصريفيةٍ ، ولُغويةٍ . 4-حاولتُ أن أجعلَه ميسَّرًا واضِحًا ، مُسنَدًا إلى الأمثلةِ الكافيةِ . 5-لم أغفلِ النظرَ إلى العللِ ، والاحتجاجِ ؛ حتى يتلقَّى المرءُ القولَ بدليلِهِ ومرجِّحِهِ . 6-جريتُ فيهِ على أصولٍ ثابتةٍ بيِّنةٍ تجدُها عند العُروضِ لها إن شاء الله ، وخالفتُ في بعضِ ما أذكرُ رأيَ غيري . واجتهدتُّ في طردِ القياسِ ، وإعطاءِ الشاذِّ حكمَ الغالبِ . 7-حرَصتُ أن يَّكونَ شَاملاً لجميعِ ما مِن حَقِّهِ أن يَدخُلَ فيهِ ؛ فأدخلتُ الكلامَ على الضادِ والظاءِ ، والتاءِ والهاءِ ، وعلاماتِ الترقيمِ ، وأشياءَ أخرَ . 8-وستكونُ مدةُ ما بين الدرسِ ، والدرسِ نحوَ أسبوعٍ إن شاءَ الله . 9-وإني لأرجو أن يكونَ كلُّ درسٍ موضعَ نِقاشٍ ، وحوارٍ ، وأسئلةٍ . وأنا أكتبُ ما يتيسَّرُ وقد أحدقت بي الشغولُ ، وغشيَني من الأمرِ ما هو حقيقٌ أن يصرِفني عمَّا أريدُ ؛ فالله المعينُ ، وهو حسبي ونعمَ الوكيلُ . الدَّرسُ الأوَّلُ : مقدِّمةٌ تعريفيةٌ بعلمِ الإملاءِ -تعريفُه : هو علمٌ تُعرفُ بهِ أصولُ رسمِ الحروفِ العربيةِ من حيثُ تصويرُها للمنطوقِ . -أسماؤه : يسمَّى قديمًا ( الكِتَابَ ) ، و ( الكِتابةَ ) ، و ( الخطَّ ) ، و ( الهِجاءَ ) ، و ( الرَّسمَ ) ، و ( تقويمَ اليدِ ) . واصطلحَ المتأخِّرونَ على تسميتِهِ بـ ( الإملاءِ ) ، لأنَّ الإملاءَ من قِبَلِ المعلِّمِ ممَّا يُمتحَنُ بهِ المرءُ في أماكنِ التعليمِ ، ليُعرفَ مبلغُ إتقانِهِ لهذا العلمِ . -واضعُه : لا يُعرفُ على وجهِ القَطْعِ واضعُ الحروفِ العربيةِ . وكانتِ الحروفُ العربيةُ قبلَ الإسلامِ خاليةً من النَّقْطِ ، معَ تشابهِ صُوَرِها . وذلكَ لقلةِ الكتابةِ يومَئذٍ ، وقلَّةِ أهلِها . وكانوا يستعينونَ على التفريقِ بينَها بزيادةِ بعضِ الأحرفِ ، ككتابتِهم ( مئة ) هكذا ( مائه ) ، وكتابتِهم ( ألئك ) هكذا ( أولئك ) [ بدون همز ] . فلما جاءَ الإسلامُ ، وانتشرتِ الكتابةُ ، وخِيفَ اللَّبسُ ، ابتدعَ أبو الأسودِ الدؤليُّ ( 69 هـ ) صورَ الشَّكْلِ ( الفتحةَ ، والضمةَ ، والكسرةَ ) ، وصورةَ التنوينِ ، غيرَ أنها كانت جميعًا على هيئةِ نُقَطٍ معيَّنةٍ ( . ) . فلمَّا جاءَ نصرُ بنُ عاصمٍ الليثيُّ ( 90 هـ ) ، ويحيى بنُ يعمَرَ العَدوانيُّ ( 129 هـ ) ابتدعَا بأمرٍ من الحجَّاجِ بنِ يُوسفَ نَقْطَ الحروفِ ؛ فبدَلَ أن كانتِ الباء ، والتاء ، والثاء لها صورةٌ واحدةٌ ، أضحَى لها ثلاثُ صُوَرٍ ، وهكذا سائرُ الحروفِ . وبذلكَ أصبحتِ الحروفُ نوعينِ : حروفًا منقوطةً ، وتسمَّى ( مُعْجَمةً ) ، وحروفًا غيرَ منقوطةٍ ، وتسمَّى ( مُهمَلةً ) . ثمَّ خلفَهم الخليلُ بنُ أحمدَ ( 170 هـ ) ، فابتدعَ الهمزةَ ( ء ) ، والشدَّةَ ( ّ ) ، والمدَّةَ ( ~ ) ، وغيَّرَ صُوَرَ الحركاتِ ( أيِ : الشكلِ ) ، والتنوينَ إلى الصورِ المعروفةِ الآنَ ( َ ُ ِ ) و ( ً ٍ ٌ ) ، حتى لا تلتبسَ بالنُّقَطِ . وكانُ المصحفُ الشريفُ مرسومًا بغيرِ شَكلٍ ، ولا نَقطٍ . فلما تمَّت صورةُ الرسمِ بنُقطهِ ، وشَكلِهِ ، أُجريَ هذا على المصاحفِ من بعدُ ، وانتشرَ في الكتابةِ عامّةً . -أهمّ كتبه : لعلَّ أولَها ( أدبُ الكاتب ) لابنِ قتيبةَ ؛ فقد أفردَ للإملاءِ فصلاً سمَّاه ( تقويمَ اليدِ ) ، ثمَّ ( الجمل في النحو ) للزجَّاجيِّ ؛ ففيه بابٌ سمَّاه ( باب أحكام الهمزة في الخط ) ، و ( كتاب الخطّ ) له أيضًا ، و ( كِتاب الكِتَابِ ) [ هكذا ، وليس الكُتَّاب ] لابنِ دُرستويهِ ، و ( باب الهِجاء ) لابن الدهَّانِ . هذا غيرُ كتبِ رسْم المصاحفِ ، ككتابي النَّقط ، والمقنع ؛ كلاهما لأبي عمرو الداني . وغيرُ كتبِ النحوِ ، والتصريفِ التي عرَضتْ له كشافيةِ ابن الحاجب ، وتسهيل ابنِ مالكٍ ، وهمع الهوامعِ للسيوطيِّ . أما العصرُ الحديثُ ، فمن أهمِّها كتابُ ( المطالع النصرية ) لنصر الهوريني ، و ( كتاب الإملاء ) لحسين والي . -فضلُه : ليس من العلومِ علمٌ الناسُ إليهِ أشدُّ حاجةً من الإملاءِ ؛ فإنه ممَّا لا يستغني عنهُ كاتبٌ ، خلافًا لسائرِ العلومِ ؛ فربَّما جهِلَها المرءُ طولَ حياتِهِ ، ثمَّ لا تجِدُ ذلكَ يغضُّ من قدرِهِ ، أو يضَع من شأنِهِ . أمَّا الإملاءُ ، فالخطأ فيهِ عيبٌ لصاحبِهِ ، ودلالةٌ على نَقصٍ فيهِ . لذلكَ كانَ حقًّا على كلِّ مَن يعرفُ الكتابةَ أن يضبطَ أصولَهُ ، ويتحفَّظَ من الزللِ فيهِ . -أنواعُه : للإملاءِ أنواعٌ ثلاثةٌ : 1-رسمُ المصحفِ . ولا يُقاسُ عليهِ ، وإن كانَ أصلَ الإملاءِ الذي عليهِ الناسُ . وذلكَ لخروجِه عن القياسِ مراعاةً لأمورٍ : الأول : بناء الكلمة على وجهٍ يمكن معَهُ تعدّدُ القراءةِ . وذلك كثيرٌ في ما حُذفت ألفُه ؛ نحو (( ملك يوم الدين )) . الثاني : أنّه كان قبل ظهور الشكل والنقط ؛ فربما زُيدَ فيه بعض الأحرفِ دلالةً على حركةِ ما قبلها ؛ نحو (( لأاذبحنّه )) ، حتى لا يُتوهم أنها بالتشديدِ ، كـ (( لأعذبنّه )) التي قبلَها . الثالث : أنّ الصحابة لما رسموا المصحفَ ، كانوا في بداءته ؛ فلا جرم أن تظهرَ بعض الشواذّ ، والآراء غيرِ المحكَمة ؛ إذ الرسمُ اجتهادٌ من الصحابة رضيَ الله عنهم ، وليس وحيًا من الله تعالى . وذلكَ نحوُ رسمِهم ( سعَوا ) في سورة سبأ بدون ألف (( سعو )) معَ أنهم رسموها في سورة الحج بألفٍ . وليس لهذا علةٌ صحيحةٌ . 2-رسمُ العَروضِ . وهو خاصٌّ بتقطيعِ الشِّعْرِ . مِثالٌ : ** لولا الحياء لهاجني استعبارُ ** تكتبُها عَروضيًّا هكذا : لولَ لْحياء لهاجنِ سْتعبارو وضابطُه : كلُّ ما يُنطقُ يكتبُ . وكلُّ ما لا يَنطق لا يُكتب . وفائدته : التوصُّلُ إلى معرفةِ بحرِ البيتِ . 3-الرسمُ القياسيُّ . وهو وحدَه الذي يَعنينا . وفرقُ ما بينه وبينَ رسم العروض أنَّ هذا الرسمَ تدخلُه الزيادةُ ، والحذف ، ومراعاةُ الأصلِ ، وأشياءُ أخَرُ . -أبوابه : جعلتُه بابينِ : الأول : في ذواتِ الحروفِ الثاني : في عوارضِها وتحتَ كلٍّ فُروعٌ . وألحقتُ بهما ( علاماتِ الترقيمِ ) . هذا ، وأتمنَّى أن تطرحوا ما لديكم من اعتراضٍ ، أو أسئلةٍ ، أو نِقاشٍ ، أو استيضاحٍ في هذا الحديثِ . - لا بأسَ عندي أن تُنشَرَ هذه الدروسُ في المنتدياتِ ، لأجلِ الفائدةِ ؛ سواءٌ أشيرَ إلى مصدرِهِ ، وكاتبِهِ أم لمْ يُشَرْ . أبو قصي |
رد: الدرسُ الأوَّلُ : مقدِّمةٌ تعريفيَّةٌ بعلمِ الإملاءِ
ياأبا قصي ـ وفقك الله ـ؛
أراك تتعمد ترك فراغ بين علامة الترقيم، والكلمة السابقة لها، وأخص النقطة، والفاصلة بشكليها، وعلامتي الاستفهام والتعجب، فلم؟ |
رد: الدرسُ الأوَّلُ : مقدِّمةٌ تعريفيَّةٌ بعلمِ الإملاءِ
الفاضلُ / طاها
سؤالٌ منكَ جميلٌ ، لعلي أعرِضُ للإجابةِ عنه في باب ( الفصل والوصل ) من هذه الدورةِ . لك شكري . |
رد: الدرسُ الأوَّلُ : مقدِّمةٌ تعريفيَّةٌ بعلمِ الإملاءِ
جزاكم الله خيرًا على هذا الجهد المبارك.
|
رد: الدرسُ الأوَّلُ : مقدِّمةٌ تعريفيَّةٌ بعلمِ الإملاءِ
جزاكم الله خيرًا على هذه الدورات ..
اقتباس:
|
رد: الدرسُ الأوَّلُ : مقدِّمةٌ تعريفيَّةٌ بعلمِ الإملاءِ
اقتباس:
|
رد: الدرسُ الأوَّلُ : مقدِّمةٌ تعريفيَّةٌ بعلمِ الإملاءِ
بارك الله فيك أبا قصيّ
لي سؤالان : الأول : قولك اقتباس:
الثاني : سألك الأخ /طه سؤالاً فأجبتَه بقولك : اقتباس:
|
رد: الدرسُ الأوَّلُ : مقدِّمةٌ تعريفيَّةٌ بعلمِ الإملاءِ
اقتباس:
(ملحوظة): لا تكتب اسمي بتلك الطريقة (طاها)؛ فكتابة اسم "طه" معروف أنه يكتب هكذا (طه)، إلا إن كنتَ تقصد سخرية بهذا الرسم. |
رد: الدرسُ الأوَّلُ : مقدِّمةٌ تعريفيَّةٌ بعلمِ الإملاءِ
أحسن الله إلى أبي قصي وزادنا وإياه من واسع فضله
أعقب على سؤال أخي يحيى صالح عن كلمة ( حيث ) والشوق يملأ جوانبي لمتابعة كتابات معلمنا أثابه الله ونفع بعلمه |
رد: الدرس الأول : مقدمة تعريفية بعلم الإملاء
قد زدتُّ من بعدُ هذا الكلامَ :
اقتباس:
|
رد: الدرسُ الأوَّلُ : مقدِّمةٌ تعريفيَّةٌ بعلمِ الإملاءِ
اقتباس:
إذا كان ما بعد " حيث " جملةً أولها اسمٌ ، فإنه يجب رفعُه على أن يكون هو وما بعده جملةً اسمية . وأما إذا كان ما بعدها مفردًا ، كالمثال الذي ذكرتَ ، فإنّه يجب عند البصريين رفعُه ، ويكون مبتدأ حُذِفَ خبرُه ، وللحذف مع الرفع شواهدُ من الشعرِ . ويجيز الكوفيون جرَّه على أن يكون مضافًا إليه لـ " حيث " . واحتجوا بقوله : ... حيثُ ليِّ العمائمِ الثاني : سيأتي الكلام على ( طاها ) ، ونحوه ، كـ ( ياسين ) إن شاء الله في دروس قادمة . شكر الله لك . |
رد: الدرس الأول : مقدمة تعريفية بعلم الإملاء
بسم الله الرحمان الرحيم
جزاكم الله خيرا على هذه العمل المبارك وفقني الله وإياكم للانتفاع به |
اقتباس:
هل الكتاب مطبوع ؟ |
اقتباس:
أشكر لكَ مشاركتَك الطيّبةَ أبا عدي . |
اقتباس:
بارك الله فيك |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 09:16 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ