المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل مِن فرق بين " جاء " ، و " أتى " ؟


فيصل المنصور
26-05-2008, 03:13 AM
البسملة1

الصوابُ أنه لا فرقَ . وما ادعاه أبو هلال العسكريُّ في " فروقِه " باطلٌ ؛ إذ لا دليلَ على ما زعمَ من حيث الأصلُ ؛ بل الأمر يثبت خلافَه ؛ قالَ الحماسيّ :
فجاءت به سبطَ العظام كأنما ** عِمامتُه بينَ الرجالِ لواءُ

وقالَ أبو كبيرٍ الهذليّ في الحماسةِ :
فأتت به حُوش الفؤاد مبطَّنًا ** سُهُدًا إذا ما نامَ ليلُ الهوجلِ
فكيفَ عرفَ أن هذا هو الأصل ، وأن الآخرَ محمولٌ عليه ؟

ثم لو كانَ ذلك لم يكن له أثرٌ في الكلامِ ، لأن معناهما في الاستعمالِ واحدٌ ؛ قالَ تعالى : (( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا )) ، وقالَ : (( أم جاءَهم ما لم يأتِ آباءَهم الأولينَ )) .

أما لِمَ استعملَ القرآن هذا مكان هذا ، فذلك - والله أعلمُ - من بابِ التنويعِ ، لما له من ترويحٍ عن النفوسِ ، واستمالةٍ للقلوبِ . ومن الخطأ أن يُظنَّ أن لكل شيء من ذلك علةً غيرَ علةِ التنويعِ . لأنك لو ذهبتَ تلتمسُ لها علةً أخرى لم تجد علةً صحيحة ترضاها تفسيرًا لكلام الله . وحسبُك بعلة التنويع علةً .





أبو قصي

أبو العباس الظاهري
02-06-2008, 04:45 AM
جزيت خيراً يا أبا قصي,,,

الظاهري.#

أبو سهيل
03-06-2008, 03:55 AM
أما لِمَ استعملَ القرآن هذا مكان هذا ، فذلك - والله أعلمُ - من بابِ التنويعِ ، لما له من ترويحٍ عن النفوسِ ، واستمالةٍ للقلوبِ . ومن الخطأ أن يُظنَّ أن لكل شيء من ذلك علةً غيرَ علةِ التنويعِ . لأنك لو ذهبتَ تلتمسُ لها علةً أخرى لم تجد علةً صحيحة ترضاها تفسيرًا لكلام الله . وحسبُك بعلة التنويع علةً .


لطالما بحثت عن تلك الكلمات
جزاك الله خيرا
فقد رويت غليلي

الدكتور جمال أبو حسان
03-06-2008, 08:13 AM
الصحيح والله اعلم غير ما ذهب اليه ابو قصي فان الالفاظ قد تشترك في المعنى العام لكن تنفرد كل لفظة بمعنى دقيق يخصها وقد ذكر استاذنا العلامة فضل عباس شيئا من الفروق الدقيقة بن الكلمتين في كتابه اعجاز القران. ويمكن لمستزيد ان يشمّر.

أبو عمرو
04-06-2008, 12:36 PM
بوركتم
الصحيح والله اعلم غير ما ذهب اليه ابو قصي فان الالفاظ قد تشترك في المعنى العام لكن تنفرد كل لفظة بمعنى دقيق يخصها وقد ذكر استاذنا العلامة فضل عباس شيئا من الفروق الدقيقة بن الكلمتين في كتابه اعجاز القران. ويمكن لمستزيد ان يشمّر.
هذا هو المعتمد خاصة في كتاب الله عز وجل.

فيصل المنصور
05-06-2008, 11:52 AM
الكلامُ على إمكانِ الترادفِ في الكلِمِ يطولُ . والصحيحُ الذي أرضاه ، وأرى العللَ الفطريةَ ، والواقعيةَ ، والعقليةَ تُسنِدُه وتُظاهره ، أنه يقعُ في كلامِ العربِ ، وفي كلامِ الله تعالى . ومن الخطأ أن نقصُرَ البلاغةَ في مسالكَ معدودةٍ ؛ إذ من البلاغةِ التنويعُ . ووجهُ عَلاقتِه بالبلاغةِ مراعاتُه حالَ المخاطبِ بطردِ المللِ ، واجتلابِ الجِدّةِ في الحديثِ ، وتجنّبِ التَّكرارِ ، لما له من ثِقَلٍ على النَّفوسِ . وللمعارضِ لهذا أن يلتمسَ التأويلاتِ ؛ ولكنَّ التزامَه ذلكَ سيفضي بهِ إلى ما هو أشدُّ مما هربَ منه مممَّا لا يَرضاه أحدٌ لكلامِ الله تعالى . والذي يدلُّك على ثبوتِ الترادفِ أنَّ الكلمةَ الواحدةَ في السياقِ الواحدِ ، والغرضِ الواحدِ ، تُقرأ عدَّةَ قراءاتٍ ؛ نحو (( وعلى أبصارهم غشوةٌ )) ، و (( غشاوةٌ )) ، و ( نزَّلَ وأنزل ) ؛ فلو فرقتَ بينها في المعنى ، لأسلَمَكَ هذا إلى التناقضِ . وإذا كانت العربيةُ لغةً كسائر اللغاتِ ؛ يعتوِرها ما يعتوِرُها ، وإذا كانت ليست منطِقًا ؛ وإنما مرجعُها العقلُ البشريُّ بما فيهِ من منطقٍ ، وتجوّزٍ ، وتوهُّمٍ ، وتشبيهٍ ، فلا بِدْعَ أن يكونَ في العربيةِ الألفاظُ المترادِفةِ ؛ بل لو منعنا مثلَ هذا ، لأسأنا إلى اللغةِ من حيث أردنا الإحسانَ ؛ وذلك بالاكتفاءِ بلفظٍ واحدٍ للمعنى الواحدِ ؛ فإن هذا ليس بمحمودٍ . وكلامُ الله تعالى منزّلٌ على ما يُوافق نِظامَ العربِ في كلامِهم ؛ وإنَّما يمنعُ بعضُهم الترادفَ فيهِ لتوهّمهم أنَّه أمرٌ مذمومٌ . وهذا لا يصِح ، لمخالفتِه العقلَ ، والفطرةَ البشريةَ ، ولأنَّ الترادفَ لهُ علّةٌ وجيهةٌ بيّنّا ذكرَها .



أبو قصي

فيصل المنصور
27-07-2008, 08:21 PM
ووجدتُّ ابنَ عاشورٍ يقولُ عندَ قوله تعالى : (( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا )) : ( والإتيان والمجيء مترادفان ؛ فذكرُ المجيء بعد الإتيان ليس لاختلاف المعنى ؛ ولكنه للتفنُّنِ ، وكراهيةِ إعادة اللفظ ) [ التحرير والتنوير 4 / 61 ] .



أبو قصي

طارق يسن الطاهر
28-07-2008, 11:26 AM
ذكر الدكتور فاضل السامرائي في لمسات بيانية في قناة الشارقة :"جاء" تستخدم للأمور الصعبة، "جاءهم العذاب" ، " جئتم شيئا إدا" ، " جاءت الصاخة"
وأتى تستخدم للأمور السهلة واستدل على رأيه بأن جاء مع الغاشية ليس هي الغاشية فعلا وإنما حديثها"هل أتاك حديث الغاشية" ،"أتى أمر الله..." أي قرب بدليل "فلا تستعجلوه والله أعلم

الأديب النجدي
28-08-2008, 01:21 PM
نحو (( وعلى أبصارهم غشوةٌ )) ، و (( غشاوةٌ )) ، و ( نزَّلَ وأنزل ) ؛ فلو فرقتَ بينها في المعنى ، لأسلَمَكَ هذا إلى التناقضِ .

لعلَّه ُ غير ُ خاف ٍ على شريف ِ علمِكم ، أنَّ اختلافَ القراءة ِ في بعض الكلماتِ قدْ يعطي معنى ً مختلفاً لكل ِّ قراءة ٍ .

أبو الفضل
25-12-2008, 01:44 PM
بديع يا أبا قصي ..
لو تشرح لي استعمالك لكلمة --- يعتوِرها ما يعتوِرُها لماذا ليست يعتريها ما يعتريها
سامحني عن الخروج على الموضوع

المعقل العراقي
19-02-2009, 11:49 PM
ما رأيكم لو فتحنا هذا الباب على مصراعيه لنحقق النفع الكبير ،وبارك الله تعالى لنا في الأخ الكريم المنصور وكل من أدلى بدلوه هنا..
كنت قد أصغيت لإشارة أستاذنا السامرائي ولم أهضمها جيدا وناقشته فيها..
وأميل للتعليل أكثر من الترادف بالألفاظ ورحم الله تعالى ابن عاشور وأسكنه فسيح جناته..

عبد الكريم عزيز
09-10-2011, 02:30 PM
الأخوة الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد ، بادئ ذي بدء ، علينا أن نفرق بين لسان القرآن الكريم ولسان العربية
فالقرآن الكريم هو كلام الله ، ومفرداته لها خصائص متميزة ، حيث إن القرآن الكريم له معجم خاص ، تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن – بنت الشاطئ – في مقدمة الجزء الثاني من – التفسير البياني للقرآن الكريم - : "والقول بدلالة خاصة للكلمة القرآنية ، لا يعني تخطئة سائر الدلالات المعجمية ، كما أن إيثار القرآن لصيغة بعينها ، لا يعني تخطئة سواها من الصيغ في فصحى العربية . بل يعني أننا نقدر أن لهذا القرآن معجمه الخاص وبيانه المعجز ، فنقول إن هذه الصيغة أو الدلالة قرآنية ، ثم لا يعترض علينا بأن العربية تعرف صيغا ودلالات أخرى للكلمة ."
لذلك لابد للباحث في المعجم القرآني من آليات دقيقة حتى يتمكن من تدبر كلام الله ، الذي هو أصلا يسره الله للتدبر .
نرجع لموضوعنا ، فنؤكد أن لا ترادف في القرآن ، وأن كل مفردة لها معنى خاص وذلك حسب السياق القرآني .
وتقبلوا فائق التقدير والاحترام
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فيصل المنصور
09-10-2011, 09:29 PM
أخي الكريم،
ما ذكرتَه من امتناعِ وقوع الترادُف في القرآن الكريم سبقَ الردُّ عليه. وأنا أزِيدُك أمثِلةً علَى ذلكَ.
قالَ تعالَى: ((وإن خِفتُم أن لا تُقسِطوا في اليتامَى فانكِحوا ما طابَ لكم من النِّساء مثنَى وثلاثَ ورُباعَ فإن خِفتم أن لا تعدِلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانُكم))، فغايَر بين اللفظينِ (تُقسِطوا)، و(تعدِلوا) والمعنَى واحدٌ.
وقالَ: ((فإن تولَّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتّموهم))، ثمَّ قال بعدَها بآية: ((فإن لم يعتزلوكم ويلقُوا إليكم السَّلَم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقِفتموهم))، و(وجدَه)، و(ثقِفَه) بمعنًى واحدٍ.
وقالَ: ((اليومَ أكملت لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نِعمتي)).
و(الكمال)، و(الإتمام) بمعنًى واحدٍ علَى الصحيح.
هذا ما حضَرني الآن من الأمثلة على ذلك. وهي تشهَد لما ذهبتُ إليه.
والله أعلَم.

عبد الكريم عزيز
10-10-2011, 06:27 PM
أخي الكريم :
لسان القرآن عربي مبين ، وهو كلام الله وليس كلام البشر ، والقرآن الكريم بتصميمه وإحكامه ، له بناء متين كبناء الكون تماما ، " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت "
لنرجع إلى الأمثلة أعلاه
المثال الأول : [وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ]النساء3
الآية الكريمة تنقسم إلى مستويين مختلفين :
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ــــ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ
المعاملة الأولى تجاه اليتامى ، يقول الشعراوي : " فإن خفتم أيها المؤمنون ألا ترفعوا الجور عن اليتامى فابتعدوا عنهم ، وليسد كل مؤمن هذه الذريعة أمام نفسه حتى لا تحدثه نفسه بأن يجور على اليتيمة فيظلمها . وإن أراد الرجل أن يتزوج فأمامه من غير اليتامى الكثير من النساء "
المعاملة الثانية تجاه الأزواج : فإن خفتم ألا تعدلوا مع الأزواج فاكتفوا بواحدة
القسط : فعل موضوعي ، القسط في القرآن مقرون بالحكم ـ لليتامى ـ في الكيل والميزان
أما العدل : فهو ذاتي ، العدل في القرآن مقرون بالهوى : فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا
بالقول : وإذا قلتم فاعدلوا
بالكتابة : وليكتب بينكم كاتب بالعدل
الاختلاط بالناس : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
الإصلاح بين الناس : فأصلحوا بينهما بالعدل
معاملة الزوجات تقتضي العدل لما فيها من مشاعر متشابكة بين الزوجين بينما معاملة اليتامى تقتضي القسط ، وهوعدم الظلم والاعتداء على الحقوق .
وبالتالي فالقسط والعدل ليسا بمعنى واحد .

أبو إبراهيم رضوان آل إسماعيل
10-10-2011, 09:06 PM
أحسنتم بارك الله فيكم ..
وإن سُمح لي أن أدلي برأيي هنا فأقول والله تعالى أعلم :
إن من وجوه البلاغة في الكلام ـ مما هو مسلَّم به ـ التنويع في العبارة والتفنُّن فيه تجنُّبا للتَّـكرار الذي قد يفضي إلى ثقل في العبارة .
والقرآن ـ وهو كلام الله تبارك وتعالى ـ نزل بلسان عربي مبين ، فهو موافق لسنن العرب فـي كلامهم ، غير مخالف لهم فيمـا ألفوه من لسانهم ، وما عهدوه من الفصاحة والبلاغة ، وقـد قال الله تعالى : (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )) .
ثم إن كلام الله تعالى قد بلغ الغاية في البلاغة والفصاحة ، إذ هو كلام رب العالمين ، الذي خلق العرب والعربية ، وهو القائل سبحانه : (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )).
وكان من معجزات خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أن تحدَّى الله تعالى أفصح العرب وأبلغهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو حتى بآية مثل آياته ، فعجزوا ، وكان ذلك من دلائل صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو كان للقرآن مفردات خاصة وأساليب مغايرة لأساليب العرب لما صح هذا التحدي .
فالقرآن كلام عربي بليغ ، لكنه يختلف عن كلام العرب في بلوغه غاية الكمال في الفصاحة والبلاغة ، فليس من الغريب بعد ذلك أن يتضمن القرآن كل وجوه البلاغة وأساليبها في آياته .
وإذا كان التنويع في العبارة من وجوه البلاغة في كلام العرب ، فما المانع من وقوعه في كلام الله عز وجل ؟! إن كان ثمة مانع ، أو كان يلزم من إثباته في القرآن لازم فاسد فيمنع ، لا لذاته ، وإنما لما يترتب عليه من الفساد .
ومن قال بالمنع فهي دعوى يجب إثباتها بالدليل ، وإلا ردت .
فهذا من حيث أصل هذه المسألة ، أما إذا جئنا ننظر في الآيات ، ونوازن بين الأمثلة ، فإننا نجد بأن النظر فيها يختلف باختلاف نظر كل ناظر وفهمه ، وهنا لايصح لنا قصر الاختلاف في الألفاظ على مجرد التنويع حتى يكون حمل الكلام على غيره تكلفا ، فإن صح توجيه الاختلاف بوجوه من البلاغة أخرى من دون تكلف أو تعسف قلنا بها واحتكمنا إليها ، وإن جاز الجمع بين بعض الوجوه قلنا بذلك ، وإلا فلا .
والله تعالى أعلم .

فيصل المنصور
10-10-2011, 11:31 PM
بورِكتَ يا أبا إبراهيمَ.
ما ذكرتَه هو الصوابُ الذي لا معدِل عنه.

الفارس
22-11-2011, 12:25 PM
كلام جميل
وفائدة قيّمة
لكن ما الفرق بين ( ولّى ) و( أدبر )
في قوله تعالى ( فلما رآها تهتز
كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب )

عبد الكريم عزيز
22-11-2011, 02:23 PM
أخي الكريم الفاضل : الفارس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد ،
القرآن الكريم كلام الله المعجز ، وهو القرآن الحكيم ، إنه محكم في بنائه إحكام الكون كله . ما من مفردة في النسق القرآني إلا ولها مدلولها الخاص بها ، حيث لا يمكن أن نعوضها بمفردة أخرى في عالم المفردات . كل مفردة تؤدي الدور المنوط بها . فلا ترادف في القرآن الكريم . وإن بدت المفردة أقرب إلى أختها ، فبينهما فروق دقيقة ، قد نتوصل إليها عن طريق التدبر في القرآن الكريم . وإذا عجزنا عن ذلك ، فالقصور يرجع إلينا ، فما علينا إلا مزيدا من التدبر في كتاب الله المعجز .
ولنضرب مثالا على ذلك في الفرق بين " أدبر " و " وتولى " ، فلنستمع إلى ابن عاشور حيث يقول :
" والتولّي: الإِدبار عن شيء والبعد عنه، وأصله مشتق من الوَلاية وهي الملازمة قال تعالى:{ فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام }[البقرة: 144]، ثم قالوا: ولَّى عنه، أرادوا اتخذ غيره ولياً، أي ترك وَلايته إلى ولاية غيره مثل ما قالوا: رَغب فيه ورغب عنه، فصار «ولي» بمعنى: أدبر وأعرض، قال تعالى:{ فأعْرِض عمن تولَّى عن ذِكرنا }
[النجم: 29] أي عامِلْه بالإِعراض عنه.
ففي التولي معنى إيثار غير المتولَّى عنه، ولذلك يكون بين التولّي والإِدبار فرق، وباعتبار ذلك الفرق عُطف و { تولَّى } على { أدبر } أي تدعو من ترك الحق وتولى عنه إلى الباطل. وهذه دقيقة من إعجاز القرآن بأن يكون الإِدبار مراداً به إدبارَ غير تَول، أي إدباراً من أول وهلة، ويكون التولي مراداً به الإِعراض بعد ملابسة، ولذلك يكون الإِدبار مستعاراً لعدم قبول القرآن ونفي استماع دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حال الذين قال الله فيهم:{ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن }[فصلت: 26]، والتولي مستعار للإِعراض عن القرآن بعد سماعه وللنفور عن دعوة الرسول كما قال تعالى:
{ وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلاّ أساطير الأولين }[الأنفال: 31] وكلا الحالين حال كفر ومحقة للعقاب وهما مجتمعتان في جميع المشركين.
والمقصود من ذكرهما معاً تفظيع أصحابهما، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون متعلِّق { أدبر وتولى } متّحداً يتنازعه كلا الفعلين، ويقدر بنحو: عن الحق، وفي «الكشاف»: أدبر عن الحق وتولى عنه، إذ العبرة باختلاف معنيي الفعلين وإن كان متعلقهما متحداً.
ويجوز أن يقدر لكل فعل متعلِّقٌ هو أشد مناسبة لمعناه، فقدر البيضاوي: أدبر عن الحق وتولى عن الطاعة، أي لم يقبل الحق وهو الإِيمان من أصله، وأعرض عن طاعة الرسول بعد سماع دعوته. وعن قتادة عكسه: أدبر عن طاعة الله وتولى عن كتاب الله وتبعه الفخر والنيسابوري."
والله أعلم وأحكم

عبد الله المخبت
27-11-2011, 07:58 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
الفاظ اللسان العربي لا تتطابق ابدا بل قد تتقارب معاني بعضها . ان احد مقاييس بلاغة الكلام هو توظيف الألفاظ المتقاربة المعنى في سياقه بشكل يأخذ مكتملا في الاعتبار , هامش الاختلاف الدقيق بين دلالاتها . ولا ريب في ان القرآن الكريم هو ابلغ كلام عربي , لذا لا شك مطلقا في أن القرآن الكريم هو أكمل مَن يكون التمييز بين الدلالات المختلفة للألفاظ المتقاربة المعنى , موجودا في سياقه .
إن الفرق بين جاء و أتى , ظاهر وهو ان أتى تعني قصد المكان او الشيء فبلغَهُ . اما جاء فهي اعم من أتى وتعني قصد المكان او الشيء فبلغه او سيبلغُهُ . فنقول اتى مكة اي قصدها فبلغها ونقول جاء مكة اي قصدها فبلغها او سيبلغها وقد يبلغها وقد لا يبلغها .
ومن هذا الفرق الدقيق بين اللفظين نستطيع ادراك بعض بلاغة أستخدام كلٍ منها في القرآن الكريم . بل قد نستطيع معرفة لِمَ لم يأتِ الله عز وجل بصيغة الفعل جاء المضارعة يجيء في بعض الآيات القرآنية مثل (( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا )) لذا فقد اثبتوا هنا وصول وبلوغ موسى عليه السلام مدينتهم اما إن قال من قبل ان تجيئنا ومن بعد ما جئتنا لدل على احتمال انهم أُوذوا من قبل ان يصلهم ومن بعد ما حاول ان يصلهم اي ان لا علاقة لموسى عليه السلام ولدعوته بما قرر فرعون ان يؤذيهم به . وذلك قطعا غير ما ارادوا . ولو كانت من قبل ان تأتينا ومن بعد ان أتيتنا لدل ذلك على امتعاضهم وعلى ان سبب الإيذاء هو وصول موسى عليه السلام والحق ان الإيذاء كان قبل عودة موسى عليه السلام اليهم بل قبل ولادته .
اما في قوله تعالى: (( أفلم يدبروا القولَ , أم جاءَهم ما لم يأتِ آباءَهم الأولينَ ))هو استفهام استنكاري يعني أ لم يتدبروا القول او ان لهم قولا غيره ( لم يبلغهم بعد , ينتظرونه ) قولا لم يبلغ آباءهم الأولين . وعليه لو كانت هنا أتاهم بدل جاءهم لما كان لله تعالى دالةُ ان يستنكر عليهم . لأنه سيقر بوجود قول منه ( تدبروه ) بلغهم غير ما أتى به رسوله وغير ما بلغ آباءهم الأولين. ولو كانت هنا يجء آباءهم بدل يأت آباءهم فلا يكون المعنى صائبا لأن الآباء ماتوا والله علام الغيوب لم يذكر ان القول بلغهم ام لم يبلغهم , لذا يكون الأستنكار هنا ضعيفا بل غير جائز .
ولعل الفرق يظهر بشكل اوضح اذا تأملنا قولا الله تعالى ( إذا جاء نصر الله والفتح ) فهنا نصر الله تعالى موجود لكنه لم يبلغهم بعد وقد لا يبلغهم لو انهم عصوا الله تعالى فلما كان دوام طاعة الله من قبل المؤمنين اتاهم النصر . اما قوله ( أتى امر الله فلا تستعجلوه ) هو تأكيد من الله تعالى ان امره قادم لا محالة لكن في الوقت الذي حدده الله تعالى فلا تستعجلوه .