المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتطفات من « الرسالة العذراء » لأبي اليسر إبراهيم الشيباني


عائشة
10-10-2010, 08:40 AM
البسملة1

الحمدُ لله، وبعدُ:
فهذه مقتطفاتٌ أنقلُها من «الرِّسالةِ العذراءِ في موازينِ البلاغةِ وأدواتِ الكتابةِ»، لأبي اليسر إبراهيم بن محمَّد الشَّيبانيِّ ( ت 298 )، وأسألُ اللهَ -عزَّ وجلَّ- أن ينفعَ بها.

تنبيه ( 1 )
ظَهَرَتْ هذه الرِّسالةُ -أوَّل ما ظَهَرَتْ- عامَ 1327، بمجلَّة المقتبس، علَى يدِ الأُستاذ/ محمَّد كرد علي، وقد نسَبَها خطأً إلى ابن المدبّر ( ت 279 )، وأعادَ نشرَها في كتابِه «رسائل البلغاء» منسوبةً إلى ابن المدبّر -أيضًا-. وكذلك صَنَعَ د. زكي مُبارَك.
والحقُّ أنَّ صاحبَ هذه الرِّسالةِ هو: أبو اليسر إبراهيم بن محمَّد الشَّيبانيُّ، كَتَبَ بها إلى إبراهيم بن محمَّد بن المدبّر؛ كما هو واضِحٌ في المخطوطِ الَّذي اعتُمِدَ عليه في إخراجِ الرِّسالةِ ( مجاميع تيمور - رقم 80 ) [ انظُر: «الرسالة العذراء»، لإبراهيم بن محمد الشيباني، حققها وقدّم لها: د. محمد المختار العبيدي - مقدّمة التحقيق ].

تنبيه ( 2 )
سأتَّخِذُ مِنْ: «جمهرة رسائل العرب» -لأحمد زكي صفوت- مَرْجِعًا لي في نَقْلِ ما اقتطفتُهُ مِنْ هذه الرِّسالةِ.

وباللهِ التَّوفيقُ.

http://www.f3al.com/up/uploads/images/topics-fasl/flowerline4.gif

عائشة
10-10-2010, 08:43 AM
( 1 )

اعْلَمْ -أيَّدكَ اللَّهُ- أنَّ أدواتِ ديوانِ جميعِ المحاسنِ، وآلاتِ المكارمِ؛ طاعةٌ منقادةٌ لهذه الصِّناعةِ الَّتي خَطَبْتَها، وتاليةٌ تابِعةٌ لها، وغيرُ خارجةٍ إلَى جَحْدِ أحكامِها، ولا دافِعةٌ لِمَا يلزمُها الإقرارُ به لها، إضرارًا منها إليها، وعجزًا عنها. فإن تَقَاضَتْكَ نَفْسُكَ عِلْمَها، ونازَعَتْكَ هِمَّتُكَ إلَى طَلَبِها؛ فاتَّخِذِ البُرهانَ دليلاً شاهِدًا، والحقَّ إِمامًا قائدًا؛ يُقرِّبْ مسافةَ ارتيادِكَ، ويُسهِّلْ عليكَ سُبلَ مَطالبِها، واستوهبِ اللهَ توفيقًا تستَنجِحُ به مَطَالبَكَ، واسْتَمْنِحْهُ رشدًا يُقبل إليكَ بوَجْهِ مذاهبكَ. فاقصِدْ في ارتيادكَ، وتأمَّلِ الصَّوابَ في قولكَ وفعلكَ، ولا تسكُنْ إلى جُحودِ قَصْدِ السَّابقِ باللَّجاجِ، ولا تخرجْ إلى إهمالِ حقِّ المُصيبِ بالمعانَدةِ والإنكارِ، ولا تستخِفَّ بالحكمةِ، ولا تُصغرها حيثُ وجدتَّها؛ فترحلَ نافرةً عن مواطنِها من قلبكَ، وتظعنَ شاردةً عن مكانِها من بالكَ، وتتعفَّى بعد العمارةِ من قلبكَ آثارُها، وتنطمسَ بعد الوضوحِ أعلامُها.

عائشة
12-10-2010, 08:33 AM
( 2 )

واعلمْ أنَّ الاكتِسابَ بالتَّعلُّمِ، والتَّكلُّفِ، وطولِ الاختلافِ إلى العُلَماءِ، ومُدارَسة كُتُبِ الحُكَماءِ. فإنْ أردتَّ خَوْضَ بِحارِ البلاغةِ، وطلَبْتَ أدواتِ الفصاحةِ؛ فتصفَّحْ مِن رسائل المتقدِّمين ما تعتمدُ عليه، ومن رسائل المتأخِّرين ما ترجعُ إليه؛ في تلقيحِ ذهنِكَ، واستنجاحِ بلاغتك، ومن نوادرِ كلامِ النَّاس ما تستعينُ به، ومن الأشعارِ، والأخبارِ، والسِّيرِ، والأسمارِ؛ ما يتَّسعُ به منطقُكَ، ويعذُبُ به لِسانُكَ، ويطولُ به قَلَمُكَ.

عائشة
13-10-2010, 11:26 AM
( 3 )

وتحفَّظْ في صُدورِ كُتُبِكَ وفُصولِها، وافتتاحِها وخاتمتِها، وضَعْ كُلَّ مَعْنًى في موضِعٍ يليقُ به، وتخيَّر لِكُلِّ لَفْظةٍ معنًى يُشاكِلُها، ولْيَكُن ما تختِمُ به فصولَك في موضعِ ذِكْرِ الشَّكْوَى بمثل: «واللهُ المستعان، وحسبُنا الله ونِعْمَ الوكيل»، وفي موضعِ ذِكْرِ البَلْوَى: «نسألُ اللهَ دَفْعَ المحذورِ، ونسأل اللهَ صَرْفَ السُّوءِ»، وفي موضعِ ذِكْرِ المُصيبةِ بمثل: «إنَّا للهِ، وإنَّا إليه راجعون»، وفي موضعِ ذِكْرِ النِّعَمِ بمثل: «والحمدُ للهِ خالصًا، والشُّكْرُ للهِ واجبًا»؛ فإنَّها مواضِعُ ينبغي للكاتبِ تفقُّدُها، فإنَّما يكونُ كاتِبًا إذا وَضَعَ كُلَّ مَعْنًى في موضِعِهِ، وعلَّقَ كُلَّ لفظةٍ علَى طِبْقِها مِنَ المعنَى، فلا يجعل أوَّلَ ما ينبغي له أن يُكتَبَ في آخرِ كتابِه في أوَّلهِ، ولا أوَّلَهُ في آخِرِه؛ فإنِّي سمعتُ جعفر بن محمَّد الكاتب يقول: «لا ينبغي للكاتبِ أن يكونَ كاتِبًا حتَّى لا يستطيع أحدٌ أن يُؤخِّرَ أوَّلَ كِتابِهِ، ولا يُقدِّم آخِرَهُ».

عائشة
14-10-2010, 10:28 AM
( 4 )

فتَخيَّرْ مِنَ الألفاظِ أرجحَها وَزْنًا، وأجزلَها معنًى، وأشرفَها جَوْهرًا، وأكرمَها حَسَبًا، وأليقَها في مكانِها، وأشكَلَها في مَوْضِعها. ولْيَكُن في صَدْرِ كتابِكَ دليلٌ واضحٌ على مُرادِكَ، وافتتاحِ كلامِكَ برهانٌ شاهدٌ على مقصدِكَ، حيثُما جرَيْتَ فيه مِن فُنونِ العِلْمِ، ونَزَعْتَ نَحْوَهُ مِن مذاهب الخُطَبِ والبلاغاتِ؛ فإنَّ ذلك أجزلُ لِمَعْناك، وأحسنُ لاتِّساقِ كلامِكَ. ولا تُطِيلَنَّ صَدْرَ كلامِكَ إطالةً تُخرِجُه عن حَدِّهِ، ولا تقصِّر به عن حقِّه.

عائشة
15-10-2010, 02:26 PM
( 5 )

وإن حَاوَلْتَ صَنْعَةَ رِسالةٍ، أو إنشاءَ كتابٍ؛ فَزِنِ اللَّفظةَ قَبْلَ أن تُخْرِجَهَا بميزانِ التَّصريفِ إذا عَرَضَتْ، وعايِرِ الكَلِمةَ بمِعْيارِهِ إذا سَنَحَتْ، فرُبَّما مَرَّ بِكَ مَوْضِعٌ يكونُ مخرجُ الكلامِ إذا كَتَبْتَ: «أنا فاعِلٌ» أحسنَ مِنْ أَن تَكْتُبَ: «أنا أفعلُ»، وموضعٌ آخَرُ يكونُ فيه «اسْتَفْعَلْتُ» أحلى من «فَعَلْتُ».
فأدِرِ الألفاظَ علَى أعكانِها، واعرِضْها علَى مَعانِيها، وقَلِّبْها علَى جميعِ وجوهِها، فأيّ لَفْظةٍ رأيتَها في المكانِ الَّذي ندَبْتَها إليهِ؛ فانزِعْها إلى المكانِ الَّذي أوردتَّها عليه، وأوقِعْها فيه، ولا تجعلِ اللَّفظةَ قَلِقةً في مَوْضِعِها، نافرةً عَن مكانِها؛ فإنَّكَ متَى فَعَلْتَ؛ هجَّنْتَ المَوْضِعَ الَّذي حاوَلْتَ تَحسينَهُ، وأفسدتَّ المكانَ الَّذي أردتَّ إصلاحَهُ؛ فإنَّ وَضْعَ الألفاظِ في غيرِ أماكنِها، وقصدَكَ بِها إلى غيرِ نِصابِها؛ إِنَّما هُوَ كتَرْقيعِ الثَّوْبِ الَّذي إذا لَمْ تَتَشابَهْ رِقاعُهُ، ولَمْ تَتقارَبْ أجْزاؤُهُ؛ خَرَجَ مِنْ حَدِّ الجِدَّةِ، وتغيَّر حُسْنُهُ؛ كما قالَ الشَّاعِرُ:
إنَّ الجَديدَ إذا ما زِيدَ في خَلَقٍ ........ يُبِينُ للنَّاسِ أنَّ الثَّوبَ مَرْقُوعُ

عائشة
16-10-2010, 02:20 PM
( 6 )

وارتَصِدْ لكتابِكَ فراغَ قلبِكَ، وساعةَ نشاطِكَ، فتجدَ ما يَمتنع عليكَ بالكدِّ والتكلُّف؛ لأنَّ سماحةَ النَّفس بمكنونِها، وجودَ الأذهانِ بمخزونِها؛ إنَّما هو مع الشهوةِ المفرطةِ في الشِّعر، والمحبَّةِ الغالبة فيه، أو الغَضَبِ الباعثِ منه ذلك. قيلَ لبعضهم: لِمَ لا تقول الشِّعْرَ؟ قال: كيفَ أقوله، وأنا لا أغضبُ، ولا أطربُ! وهذا كُلُّه إن جَرَيْتَ مِنَ البلاغةِ على عِرْقٍ، وظهَرْتَ مِنها على حَظٍّ. فأمَّا إن كانَتْ غيرَ مُناسِبةٍ لطبعِكَ، ولا واقعة شهوتُك عليها؛ فلا تُنضِ مَطيَّتَكَ في التماسِها، ولا تُتْعِب بدنَك في ابتغائِها، واصرفْ عِنانَك عنها، ولا تطمَعْ فيها باستعارتِكَ ألفاظَ النَّاسِ وكلامَهم؛ فإنَّ ذلك غيرُ مُثْمرٍ لك، ولا مُجْدٍ عليكَ. ومَن كانَ مرجعُه فيها إلى اغتصابِ ألفاظِ مَن تقدَّمَهُ، والاستضاءةِ بكوكبِ مَن سَبَقَهُ، وسَحْبِ ذَيْلِ حُلَّةِ غَيْرِهِ، ولَمْ يَكن معهُ أداةٌ تُوَلِّدُ لَهُ مِن بَناتِ قَلْبِهِ، ونتائجِ ذِهْنِه الكلامَ الحُرَّ، والمَعْنَى الجَزْلَ= لَمْ يَكن من الصِّناعةِ في عِيرٍ ولا نَفِيرٍ. علَى أنَّ كلامَ العُظَماءِ المطبوعين، ودَرْسَ رسائلِ المُتقدِّمين علَى كُلِّ حالٍ= مِمَّا يَفْتُقُ اللِّسانَ، ويُوسِّعُ المنطقَ، ويَشْحَذُ الطَّبع، ويستثيرُ كوامِنَه، إن كانَتْ فيه سَجيَّةٌ.
قال العتَّابيُّ: «ما رأينا -في ما تصرَّفْنا فيه مِن فُنونِ العِلْمِ، وجَرَيْنا فيه من صُنوفِ الآدابِ- شيئًا أصعبَ مَرامًا، ولا أوعَرَ مَسْلكًا، ولا أدلَّ علَى نَقْصِ الرِّجالِ ورَجاحتِهم، وأصالةِ الرَّأي، وحُسن التَّمييز منه، واختياره= مِنَ الصِّناعة التي خطبتها، والمعنَى الذي طلبته». ولَيْس شيءٌ أصعبَ من اختيارِ الألفاظِ، وقصدك بها إلى موضعِها؛ لأنَّ اللَّفظةَ تكون أُخْتَ اللَّفظة، وقَسيمتَها في الفصاحةِ والحُسن، ولا تحسُن في مكانِ غَيْرِها. وبتمييزِ هذه المعاني، ومُناسبة طبائعِ جَهابِذتِها، ومُشاكَلة أرواحِهم= جَعَلوا الكِتابةَ نسبًا وقرابةً، وأوجَبوا علَى أهلِها حِفْظَها.

عائشة
18-10-2010, 08:13 AM
( 7 )

فَإِن مُنِيتَ بِحُبِّ الكِتابةِ وصناعتِها، والبلاغةِ وتأليفِها، وجاشَ صَدْرُكَ بشِعْرٍ معقودٍ، أَوْ دَعَتْكَ نَفْسُكَ إلى تأليفِ الكلامِ المنثورِ، وتهَيَّأَ لكَ نَظْمٌ هو عندكَ مُعتَدِلٌ، وكلامٌ لديكَ مُتَّسقٌ؛ فلا تَدْعُوَنَّكَ الثِّقةُ بنفسِكَ، والعُجْبُ بتأليفِكَ؛ أن تهجمَ به علَى أهلِ الصِّناعةِ؛ فإنَّكَ تنظُرُ إلى تأليفكَ بعَيْنِ الوالدِ لوَلَدِهِ، والعاشقِ إلى عَشيقِه؛ كما قالَ حَبيبٌ:
ويُسيءُ بالإحسانِ ظَنًّا لا كَمَا ........ هُوَ بابْنِهِ وبشِعْرِهِ مَفْتُونُ
ولكنِ اعْرِضْهُ علَى البُلغاءِ والشُّعراءِ والخُطباءِ ممزوجًا بغيرِه، فإنْ أصْغَوْا إليه، وأَذِنوا له، وشَخَصُوا بالأبصارِ، واستَعادُوه، وطلبوه منكَ، وامتزج؛ فاكشفْ من تلك الرِّسالة والخُطبةِ والشِّعر اسمَه، وانسبْهُ إلى نفسِكَ. وإن رأيتَ عنه العيونَ مُنصرِفةً، والقُلوبَ عنه ذاهبةً؛ فاستدلَّ به علَى تخلُّفكَ عن الصِّناعةِ، وتقاصُركَ عنها، واسترِبْ رأيَكَ عند رأيِ غيرِكَ مِنْ أهلِ الأدبِ والبلاغةِ.

أبو العباس
18-10-2010, 10:43 PM
قوله هذا قريب من قول الجاحظ (ت255)
( فإذا أردت أن تتكلف هذه الصناعة ، وتُنسَبَ إلى هذا الأدب ، فقرضتَ قصيدةً ، أو حبّرت خطبةً ، أو ألفت رسالة ، فإياك أن تدعوك ثقتُك بنفسك ، أويدعوك عجبُك بثمرة عقلك إلى أن تنتحله وتدعيه ، ولكن اعرضه على العلماء في عُرض رسائل أو أشعارٍ أو خطب ؛ فإن رأيت الأسماع تُصغي له ، والعيونَ تَحْدِج إليه ، ورأيت من يطلبه ويستحسنه ، فانتحله . فإن كان ذلك في ابتداء أمرك ، وفي أول تكلفك ، فلم تر له طالبا ولا مستحسنا ، فلعله أن يكون ما دام ريِّضا قضيبا (1) أن يحل عندهم محل المتروك ، فإن عاودت أمثال ذلك مرارا ، فوجدت الأسماع عنه منصرفة ، والقلوب لاهية ، فخد في غير هذه الصناعة ، واجعل رائدك الذي لا يكذبك حرصهم عليه ، أو زهدهم فيه )
[1/203 ط هارون]

،،، وكلامه هذا مع ما فيه من خالص النصح ، وبليغ الموعضة ، وحسن التأديب = فإنه في أعلى منازل الكلام ، وأرفع درجات البلاغة . ومتى أَعجبتكَ نفسك من كلام سطّرتَه ، أو رسالةٍ حبّرتها فارجع إليه وانظر في ديباجته ، وتأمّل حسن رصفه ، واختياره ، لتعلم أنْ قد خصّه الله بمنزلة لا تكاد تُوصل .

عائشة
20-10-2010, 08:18 AM
( 8 )

ولا تُخاطِبَنَّ خاصًّا بكلامِ عامٍّ، ولا عامًّا بكلامِ خاصٍّ، فمتَى خاطَبْتَ أحدًا بغيرِ ما يُشاكِلُهُ؛ فقد أجرَيْتَ الكلامَ غير مُجْرَاه، وكشفته. وقَصْدُكَ بالكلامِ الشَّريفِ للرَّجلِ الشَّريفِ تنبيهٌ لقَدْرِ كلامِكَ، ورفعٌ لدرجتِه، قال:
فلَمْ أمدَحْهُ تفخيمًا لشِعْري ...... ولكنِّي مَدَحْتُ بِكَ المَديحا
فلا تُخْرِجنَّ كلمةً حتَّى تَزِنَها بميزانِها، فتعرفَ تمامَها ونظامَها، وموارِدَها ومصادِرَها. وتجنَّب ما قدرتَ الألفاظَ الوحشيَّةَ، وارتفِعْ عَنِ الألفاظِ السَّخيفة، واقتضِبْ كلامًا بين الكلامَيْنِ.

عائشة
21-10-2010, 09:43 AM
( 9 )

والكاتبُ المستحقُّ اسْمَ الكتابةِ، والبليغُ المحكومُ لَهُ بالبلاغةِ؛ مَنْ إذا حاولَ صيغةَ كتابٍ؛ سالَتْ علَى قَلَمِهِ عيونُ الكلامِ مِن ينابيعِها، وظهرَتْ مِن معادنِها، ونَدَرَتْ مِن مواطنِها، عَنْ غَيرِ استكراهٍ، ولا اغتصابٍ.
حدَّثَنا صديقٌ للعتَّابيِّ؛ قال له: اعملْ لي رِسالةً، فاستمدَّه مدَّةً بعد أُخْرَى، فقال له: ما أرَى بلاغتَكَ إلاَّ شاردةً عنك، فقال له العتابيُّ: إنِّي لَمَّا تناولتُ القَلَمَ تداعَتْ علَيَّ المعاني مِن كُلِّ جِهَةٍ، فأحببتُ أنْ أترُكَ كلَّ معنًى يَرْجِعُ إلى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ أجتني لكَ أحسنَها.

عائشة
21-10-2010, 09:23 PM
( 10 )

وكُلَّما احْلَوْلَى الكلامُ، وعَذُبَ، ورقَّ، وسَهُلَتْ مَخارِجُهُ؛ كانَ أسهلَ وُلوجًا في الأسماعِ، وأشدَّ اتِّصالاً بالقلوبِ، وأخَفَّ علَى الأهواءِ، ولا سيَّما إذا كان المعنَى البديعُ مُتَرْجَمًا بلفظٍ مُونقٍ شريفٍ، ومُعبَّرًا بكلامٍ مؤلَّفٍ رشيقٍ، لم يشِنْهُ التَّكلُّفُ بِمِيسَمِهِ، ولَمْ يُفْسِدْهُ التَّعقيدُ باستهلاكِه.

عائشة
23-10-2010, 08:34 AM
( 11 )

والمعاني وإن كانَتْ كامنةً في الصُّدورِ؛ فإنَّها مُصَوَّرةٌ فيها، ومُتَّصلةٌ بِها، وهي كاللآلئِ المُنطويةِ في أصدافِها، والنَّارِ المخبوءةِ في أحجارِها، فإنْ أَظْهَرْتَها مِن أكنانِها، وأصدافِها؛ تبيَّنَ حُسْنُها، وإن قَدَحْتَ النَّارَ مِن مكامنِها، وأحجارِها؛ انتفَعْتَ بِها، وإلاَّ بَقِيَتْ محجوبةً مستورةً. ورُبَّما يُستثارُ الكامِنُ مِنها، ويُسْتَخْرَجُ المُسْتَسِرُّ مِن جَواهرِها؛ بقَدرِ حِذْقِ المُستنبِطِ، وصوابِ حَرَكاتِ المُستخرِج، وقَصْدِ إشارتِه، ولُطْفِ مذاهبِه. وكذلك ليس كلُّ ناطقٍ ولا كاتبٍ يوضِّح عَنِ المعنَى، ولا يصيبُ إشارتَه. وكُلَّما كانَ الكلامُ أفصحَ، والبيانُ أوضحَ؛ كانَ أدلَّ علَى حُسْنِ وَجْهِ المعنَى. وقد رأيتهم شبَّهوا المعنَى الخفيَّ بالرُّوحِ الخفيِّ، واللَّفظَ الظَّاهر بالجثمانِ الظَّاهر. وإذا لَمْ ينهَضْ بالمعنَى الشَّريفِ لَفْظٌ شريفٌ جَزْلٌ؛ لَمْ تكُنِ العبارةُ واضحةً، ولا النِّظامُ مُتَّسِقًا، وتضاءَلَ المعنَى الحَسَنُ تَحْتَ اللَّفْظِ القَبيحِ، كتضاؤُلِ الحَسْناءِ في الأطْمارِ الرَّثَّةِ.


تَمَّ الاخْتِيَارُ
والْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ

*********************

الأديب النجدي
23-10-2010, 12:36 PM
اللهمَّ اجزِ عائشةَ عنَّا خيراً، واكتبْ لها أجراً .

واسْتَمْنِحْهُ رشدًا يُقبل إليكَ بوَجْهِ مذاهبكَ
من هنا أخذتُ قولي في حلِّ أبياتِ الحماسةِ : (أقبلنا عليهِم بوجهِ مذهبِهِم)، وقد كنتُ قرأتُ كلامَ الشيبانيِّ هذا بعدَ أن دوَّنته عائشة، وقبل بدءِ حلِّ الحماسة، فليستْ من عندي، وإن ظننتُ ذلك !

أو لعلَّ صاحِب الرسالةِ العذراء، أخذها منَّي !!

اليمامة
23-10-2010, 05:20 PM
( 10 )


وكُلَّما احْلَوْلَى الكلامُ، وعَذُبَ، ورقَّ، وسَهُلَتْ مَخارِجُهُ؛ كانَ أسهلَ وُلوجًا في الأسماعِ، وأشدَّ اتِّصالاً بالقلوبِ، وأخَفَّ علَى الأهواءِ، ولا سيَّما إذا كان المعنَى البديعُ مُتَرْجَمًا بلفظٍ مُونقٍ شريفٍ، ومُعبَّرًا بكلامٍ مؤلَّفٍ رشيقٍ، لم يشِنْهُ التَّكلُّفُ بِمِيسَمِهِ، ولَمْ يُفْسِدْهُ التَّعقيدُ باستهلاكِه.

راقت لي

غمام
15-12-2010, 04:09 AM
ما شاءَ الله تباركَ الله!
زادَكِ الله من فضلهِ. فكم قرأتُ هذهِ العذراءَ - وهي بحقٍّ عذراء في حُسنها-ولم تزدني إلاَّ إصرارًا على معاودةِ قراءتِها، والنَّهلِ من جميلِ لفظِها ومعناها.
ولا أخفيكِ - أستاذتَنا الكريمة - فقد عزمتُ على فتحِ مجلَّدٍ خاصٍّ في جهازي؛ أنسخُ فيهِ فوائدكِ ودرركِ، ولعلِّي أسميهِ - إن شاءَ الله - : "فوائد الأستاذة / عائشة".
فجزاكِ الله خيرًا.

عائشة
15-12-2010, 01:46 PM
ولا أخفيكِ - أستاذتَنا الكريمة - فقد عزمتُ على فتحِ مجلَّدٍ خاصٍّ في جهازي؛ أنسخُ فيهِ فوائدكِ ودرركِ، ولعلِّي أسميهِ - إن شاءَ الله - : "فوائد الأستاذة / عائشة".
فجزاكِ الله خيرًا.

قَدْ غَمَرْتِني بِلُطْفِكِ -أيَّتُها الأُستاذةُ الكريمةُ-، ولا أستحِقُّ منكِ كُلَّ هذا!
جزاكِ اللهُ خيرًا علَى كَرَمِكِ، وحُسْنِ ظنِّكِ.
أختكِ/ عائشة،

وديع ليبيا
17-12-2010, 07:00 AM
نقول مفيدة, وجهد مشكور من الأخت الفاضلة سمية الصديقة-رضي الله عنها- عائشة.

المفضل
29-10-2011, 11:11 AM
الأخت الفاضلة :عائشة

أين أجد طبعة المختار العبيدي للرسالة العذراء .. و هل هو مرفوع على الاإنترنت؟

و جزاك الله خيرا

عائشة
07-11-2011, 10:18 PM
الأخت الفاضلة :عائشة

أين أجد طبعة المختار العبيدي للرسالة العذراء .. و هل هو مرفوع على الاإنترنت؟

و جزاك الله خيرا

الرسالة بتحقيق د. محمد المختار العبيدي من مطبوعات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي. وهي تحوي أخطاء طباعية؛ ولذا لم أعتمدها عند النقل. ولا أعلمها مرفوعة على الشبكة.

المفضل
11-11-2011, 05:12 PM
بارك الله فيك

محمودمياحي
31-08-2012, 01:38 PM
الاخت الفاضلة والاستاذة الكريمة عائشة
لن اجد تعابيرا اسمي وارقي من كلمات التي تفوه بها الاخوان والاخوات،كي اعبر عن فرحتي وامتناني لك وكافة اساتذتي الافاضل الذي اغترف من فيض علمهم ،علما اني اسكن خارج البلاد العربية وابتياع تلك الكتب صعبة جدا فاري لزاما علي ان اشكرك وكافة موسسي الموقع الموقر علي اهتمامهم في هذا المجال واعذروني علي الاخطاء اللغوية والاعرابية
تقبلوا مروري وتقديري لكم

ابو حسان
06-09-2012, 05:58 PM
أقول مقتبسا :فكم تأملت حسن هذه العذراء حتى طالت فكرتي في ملاحتها ولم تزدني الفكرة فيها إلاَّ إصرارًا على وصالها مرة بعد مرة...

أم عفراء
23-05-2013, 04:07 PM
جزاك الله خيرا..