المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل من رائعة " رواية الثلاثة " للعلامة الأديب المجاهد محمد البشير الابراهيمي


إبراهيم براهيمي
19-09-2008, 12:47 AM
جاء في المقدمــة :
هذه- أكرمك الله- رواية الثلاثة , وهي أرجوزة أكثرها "لزوم ما لا يلزم" تُمثل حالة ثلاثة من الأساتذة , لا يدفعون عن فضلٍ ولا أدبٍ ولاذكاءٍ وما فيهم إلاّ بعيدُ الأثر في الحركة الإصلاحية , واسعُ الخُطى في ميدان تعليم الناشئة وتربيتها .
وكان لهم شيخ يقارضونه برا ببرا , وتكرمة بتكرمة , وكان لهم كالوالد يأبوهم ويحبوهم [1] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn1), وكانت لهم من نفسه منزلة خاصة , يعاملهم بحسبها حنانا ولطفا وتثقيفا , وكانوا يعدون أيام اجتماعهم به - وهي قليلة - غرر أعمارهم يتسببون لها الأسباب , لما يفيضه عليهم من طرائف الأدب , ولطائف الحكمة ويُطايِبُهُمْ به من بارع النكت , وملح الأحاديث والأفاكيه , وغرائب اللغة و الأخبار , فكانوا إذا اختلفوا في شيء لا يختلفون في ترجيح وزنه في الموازين والمغالاة بقيمته إلى أبعد الغايات .
ثم طرق الدهر بحادث حال بينهم وبينه وبين الناس , إلا رسائل تنفض عليها القلوب ما تكن , وتودعها النفوس والعواطف ما تجن [2] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn2) , فكان الظن بالثلاثة , أنهم يجلون في هذا المضمار , ويسبقون جميع الناس فيه .
ولكنهم بدلا من ذلك نسوه , وكأنهم التراب دسوه , وقطعوا حبل الاتصال الكتابي به البتة فألقى الشيطان على لسان الشيخ , أو ألقى هو على لسان الشيطان , هذه الأرجوزة الطويلة , ونحل كل واحد من الثلاثة ما يستحقه من فصول ومعان

[/URL]* - آفلو , 1941 م - هذه المدينة القريبة من الصحراء هي منفى الشيخ من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية إبان الحرب العالمية الثانية لأنه لم يصدر بيان يدعو فيه الجزائريين الى مساندتها في حربها ضد الالمان -
[1]- يأبوهم : يعاملهم معاملة الأب لأبنائه . يحبوهم : يعطيهم.

[URL="http://www.ahlalloghah.com/#_ftnref2"][2] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftnref1)- تُكِنُّ : تستر . تجن : تخفي .



أسلوب الرواية :
أمّا أسلوبها فهو سهلٌ منسجم , متلاحم النسيج , متين التركيب , فصيح المفردات , ليس فيه تكلف , ولا ركوب الضّرورات , التي ألِفَ الرّاجِزون ركوبها , برئٌ من التّكلف والحشوِ الذي ألِفوا أن يختموا به الأبيات , ضُعفاً منهم , وضيق عطن في العربية , وقِصَرَ باعٍ في مفرداتها وتراكيبها , وفي أكثر أبياتها " لزوم ما لا يلزم " من التزام حرفين أو ثلاثة في الرّويّ , ومع ذلك فكلّ ما فيها من هذا النوع مقبول متمكّن , وفيها كثيرٌ من أنواع التجنيس , وكلها من النّوع العالي , المتمكن لفظه ومعناه البرئ من التّكلّف , وإنّما هو من استرسال الطّبع , وقوّة الأسرِ , ورُوح الملكة في العربية , وفيها أبياتٌ مستقلّة بمعانيها , تجري مجرى الأمثال , وفيها طائفة من الألفاظ الغريبة , التي لم يألف الكتّاب والشّعراء استخدامها , وحبّذا لو استعملوها وأكثروا منها , فإنّها زيادة في ثراء اللّغة وتوسيعٌ لها , وليس في الأراجيز العلمية التي امتلأت بها الدنيا شيئٌ سهلٌ مستساغ إلاّ قليلاً من أراجيز فحول البيان , مثل رقم الحُلل لابن الخطيب , ودول الإسلام لشوقي , وما رأيتُ قوماً طاعَ لهم الرَجَزُ وانقادَ كعلماء شنقيطْ , مع السّهولة عليهم في النّظمِ ومتانة السّبْكِ .
وبَعْدُ : فقد داعبْنَا بهذه الرّواية , ثلاثة أساتذة , هم لنا أبناء , وهم فيما بينهم إخوة كلّهم أُدَباءٌ , فعسَى أن تكون حافزةً لِهِمَمَهِم في التّدريب على هذا النّوع الرّاقي من الأدب الهزلي .
ولو نظمت هذه الرّواية في عصور الإقبال على الأدب , لطارت كلَّ مطارٍ , وتلقّاها الرّواة والنّقلةُ , بما تستحقّهُ من إجلالٍ ........

محمّد البشير الإبراهيمي

**************************************************
صور الاستدعاء من المدير:
إلى الفَتَى عَبْدِ الحَفيظِ الجنَّانْ ......... أَدامَهُ المَولى الحَفيظُ المِنَّانْ
مُؤدِّبِ الصِّبيانِ في مَدْرستي......... و حَامِلِ الأَثقالِ من غطرسَتي
مَسْكنُهُ في زَنْقةٍ لا تُعرفُ........ إذْ طُمِسَتْ من جَانِبيْها الأَحْرُفُ
وَوَسْمُهُ إِمساكُ قَرنِ الثَّورِ ........ في يدهِ كَنَافخٍِ في الصُّورِ
و هذهِ عَلامَةٌ مُنفَصلِه.......... تتْبَعُها عَلامَةٌ مُتَّصله
****************
ثُمَّ إلى الشَّيخِ الأَدِيبِ الكَاتِبْ.......... المُرتَقِي لأسْفَلِ المَرَاتِبْ
المُرتَضى مُحمدِ بن العَابِدْ........... لازال في جُهدِ الشَّقا يُكابِدْ
مُفَسِّرِ القرآنِ للأَطفالِ......... من سُورة الرَّعدِ إلى الأَنفَالِ
مُقَرِّرِ القواعدِ المُقرَّره........ و حافظِ المَسائلِ المُكرَّره
مَقَرَّهُ أنْ ليسَ ذا مَقَرِّ......... يَقيهِ من حَرِّ لَظَى و القرِّ
وَوسْمُهُ الإقْعاءُ في مَنَاخرِه.......... و فَتحَةٌ ظَاهِرةٌ في آخِره
بَعدَ سَلاَمٍ مُحْكَمٍ مَرْبُوطِ ..........و قَهوةٍ بِالتِّينِ و البلُّوط
و سُكَّرٍ من الرِّمالِ مُجْتَلبْ ......... و لَبَنٍ منِ الجِمَالِ مُحْتَلبْ
و سُفْرَةٍ قد جَمَعتْ حُبُوبَا............ الفُولَ و الخُرْطانَ و الكُبُوبَا
و قِدْرَةٍ قد ضُمِّنتْ أخلاَطا.......... اللِّفتَ و التَّرْفَاس و البَطاطا
في غُرْفَةٍ تُضَاءُ بِالنُّجُومِ......... أو شُرْفَةٍ تُقْذَفُ بِالرُّجُومِ
أَرْجُوكُما أنْ تَحضُرا سَريعا.......... لِتدفَعا خَطْبًا دَهَى مُرِيعا
في السَّاعةِ التي أكونُ فيها.......... مُرَفَّهًا في عِيشتي تَرفِيها
في يومِ تِسْعٍ من شُباطَ المَاضي........... لأنَّني أكونُ فيه (فَاضي)
في مكتبي المشهور عند النّاسِ......... من أرض قجّالٍ إلى مكناسِ
فإن جهِلتُم فاسألا أيّ صبي.......... يرِحْكُما مِن العنا والتّعب
وأعْطياهُ خمسةً منقُوبهْ ........... وقد تفصّى قائِبٌ مِن قُوبهْ
حاشِيةٌ- والشّرطُ أن تتّفقا.......... قبل المجيئِ ثمّ لا تفترقا
وتتْبعا الأوامِرَ المسْطورهْ.......... هُنا كإبْلِ في الفلا مقْطُورَهْ
لا تصْحبا العِصِيَّ والدَّبابِسَا.......... والحجرَ الصّلْدَ الثّقيلا اليابساَ
والمُوسَ والقادومَ والفُؤوسَا........ وكلَّ شيْئٍ يشْدَخُ الرُّؤوسَا
ولتخْلعا نعليْكُمَا في الخارِجِ.......... في الخُطْوةِ الأولى منَ المعارِجِ
وتَطْرُق البَاب الصّغِيرَ طرْقاً....... طرْقَ دُهاةِ الأنكَلِيزِ الشّرقاَ
وبسْمِلاَ وكبِّراَ وحوْقِلاَ.......... والْتَزِمَا الصّمْتَ ولا (تُشَقْلِلاَ)
فإنْ أذِنتُ فادْخُلاَ عنْ عجَلِ.......... وإنْ سَكَتُّ فاذْهبَا في خَجَلِ
ولْتَدْخُلاَ بحَسَبِ الحُرُوفِ ......... والِميمُ قبْلَ العَينِ فِي (المعْرُوفِ )
هذا ومَن كَانَ طَوِيلَ الأنْفِ........ فلْيَتَربّصْ سَاعَةً في الكُنْفِ
يرتاضُ بِالتّنفُّسِ العَمِيقِ ....... ويَصِلُ الزّفيرَ بِالشّهيقِ
وهَذِهِ وَرَقَةُ اسْتِدْعَاءِ........ كَأنّهَا شَهَادَةُ اسْتِرْعَاءِ
أَمْضَيْتُهَا مِنْ تَحْتُ لاَ مِن أَعْلَى.......... كَمَا لَبِسْتُ فِي الأَخِيرِ النّعْلا 8
والحَقُّ لاَ يحْتاجُ للتَّرْقِيعِ........ لَاسِيَّمَا مِن صَاحِبِ التّوقِيع
وَلَمْ أٌُطِلْ خُنْفُسَتِي كَالْحَافِظِي ............ وَإنّمَا خُنْفُسَتِي ( ابْنُ حَافِظِ)9
فاضي : بالفاء وليس بالقاف . في اللسان العامي معناه :مستريح من الشّغل
تُشَقللا : كلمة عامية معناها لا تُثرثرا
من تحت الخ : كان بعض القضاة يضع خاتم توقيعه في أعلى الوثيقة
الخُنفسة الأولى أراد بها نوعاً من التوقيع المعقّد يشبه الطّغراء . والثانية هي تلك الدويبة السوداء الكريهة الرائحة وهذه مداعبة لابن حافظ .
والشّيخ الحافظي : هو رئيس جمعية جمعية الطُّرقيين في الماضي .

***************************

الجلسة الأولى :
( مكتب المدير : أوراق مبعثرة , أقلام مغبرة , وصولات معلَّمة بالأحمر , المدير على كرسيه , الجنّان واقف , ابن العابد مُقعْمِز )
المدير : حمداً لمن جمعكم ( في البِيرُو ) *** وهْو بما تنوونهُ خبيرُ
وصلواته على البشير *** ما صفّر القطارُ في أشير
وما جرى المحراثُ في الهنشير *** وهبّت الرياح في أمشير
وهذه براعةُ استهلال *** منيرة في القصد كالهلال
والشّكر لي إذ كنتُ في الجمع سببْ *** وكان لي فيه وجِيفٌ وخببْ
يا أيها الإخوان أهلا ( بيكمْ) *** إني قبل الابتدا أنبيكمْ
بواجباتٍ اسمها النظام *** قد سنّها الأماثلُ العظامُ
ابن العابد : أعوذُ بالرحمن من ذي الكلمهْ *** فإنها تصُخُّ سمعي
المدير : *** ولمهْ ?
ابن العابد : لأنها ذاتُ معانٍ مؤلمه *** وأنها تثيرُ ذكرى مظلمه
المدير : بيّن لنا معنى وخلّ الذكرى *** فجمعنا يُحدث منها ذكرى
ابن العابد : إن الرئيس في كلام العُرب *** من شُجّ في يافوخِه بالضّربِ
الجنّان : دعنا من اللغة والإغراب *** فيها فتلك شيمة الأعرابِ
وانظر إلى التنكيت في قول الخطيبْ *** فإن ذكرى البؤس شيئ لايطيب
وليس من مكارم الأخلاق *** تعريضُ ذي الغنى بذي الاملاق
المدير : لا تبتئس فكلنا بئيسُ ***
الجنّان : *** قياسه وكلنا رئيسُ
ابن العابد : انظر إليه كيف قال لكمُ *** ولم يقُل منكم فماذا تحكُمُ ?
الجنان : أنا أرى أن الرئيس قد حكم *** لنفسه ومالنا إلاّ البكمْ
أوحى له المكتبُ والكرسيُّ *** منزلة ما نالها إنسيّ
وكل حال للمآل يرمزُ *** فانظر فأنت القاعدُ ( المُقعْمِزُ)
المدير : التزموا النظام ياإخواني *** فأنتم في الخير من أعواني
ونحنُ جمعٌ ***
الجلالي : بل أقل الجمعِ *** كما أتى في الدليل السّمعِ
المدير : والجمعُ لا بد له من قائدْ *** يقوده لتحصل الفوائدْ
الجلالي : أعوذ بالله من القيادهْ *** وإن غدت في عصرنا سيادهْ
قد كنتُ عند قائدٍ مأفونِ *** في مَاءَةٍ تنسبُ للفكرونِ
دريتُ منه الفعل واشتقاقهْ *** كما علمت السُمّ وانتشاقهْ
المدير : انتقلوا بنا إلى المفيد *** من عمل موفّق سديد
وعيِّنوا الرئيس حتى نشرعا *** في القصد مما رمته ونُسرِعا
فالأمرُ محتاج إلى التنجيز *** بسرعةٍ في زمنٍ وجيز
وليس في زيادة الكلامِ *** إلاّ زيادة من الملامِ
فاجتهدوا في غسل هذا العارِ *** من قبل أن يُخلد في الأشعار
وقبل أن تدهمنا القوافي *** بوطأةٍ شرورها ضوافي
فتعتدي ربوعنا عوافي *** تجري بها الروامسُ السّوافي
الجلالي : تُخيفنا بالعار والأشعارِ ** * ولستُ من حلْيهما بالعار
وليس فيهم شاعرٌ سَواءي *** والشعراءْ كلهم ورائي
أخيفهم طُرّاً ولا أخافُ *** وطالما ساجلتهم فخافوا

تتبع ان شاء الله في مستقبل الايام الجلسة الثانية ، والثالثة ....

بحر الدموع
20-09-2008, 06:10 PM
أمتعتنا بـــارك الله فيك متعك الله بالعافية
زدنا و لا تطل