ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة البلاغة والنقد (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=13)
-   -   إصلاح الإيضاح : استدراكات ومناقشات لمسائل في كتاب " الإيضاح " للخطيب القزويني (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=4025)

غمام 30-12-2010 06:33 AM

إصلاح الإيضاح : استدراكات ومناقشات لمسائل في كتاب " الإيضاح " للخطيب القزويني
 
البسملة1


[إصلاح الإيضاح: استدراكات ومناقشات لمسائل في كتاب "الإيضاح" للخطيب القزويني].

دراسةٌ نُشرتْ في مجلةِ جامعةِ الإمامِ محمَّدٍ بنِ سعودِ الإسلاميةِ ( العدد 49 ) محرم 1426هـ، وعلمتُ مؤخرًا - من إحدى مشاركاتِ الأستاذةِ الفاضلةِ عائشةَ، جزاها الله خيرًا - بطباعتِها في كتابٍ من إصدارِ "دار زدني" بالرياض، ولم أقفْ عليهِ بعد، ولم أردْ تأخيرَ نشرِ هذهِ المسائلِ؛ لأهميتِها لكلِّ معلمٍ وطالبٍ، فقد قالَ المؤلفُ د. عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر –جزاهُ الله خيرًا- في مقدمةِ بحثهِ: إنَّ "..جل هذه المسائل التي عالجها البحث لم يتعرض لها أحد من قبل، من الذين خدموا الكتاب شرحًا وتحقيقًا، فأرجو أن يكون عملي متمما لعملهم وجهدي وصلا لجهودهم. وأحسب أن سوف يمتد أثر "إصلاح الإيضاح" فيكون إصلاحا لغيره من الكتب البلاغية، فإن طائفة من مسائل "الإيضاح" التي أخذت عليه قد تكررت في جملة من المصادر السابقة له والمخالفة من بعده، ولم أشأ أن أشير إلى هذه المصادر في البحث تجنبا للإطناب، ثم إنها معروفة عند أهل هذا العلم والمشتغلين به". سائلةً المولى سبحانه وتعالى أن ينفعَ بها، ويجزيَ مؤلفَها وناقلَها خيرًا.

غمام 30-12-2010 06:44 AM

(1)

قال الخطيب القزويني في فاتحة كتابه: "الحمد لله رب العالمين، وصلاته على محمد وعلى آل محمد أجمعين" [1].
التعليق:
هكذا جاء في جميع النسخ المطبوعة من الكتاب، أعني ما تراه من الاقتصار على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دون التسليم، وذلك خلاف الأولى عند العلماء إن لم يكن مكروهًا، فإن الله تعالى أمر بالإتيان بهما معًا في قوله تعالى: ((إنَّ الله وملائكتَهُ يُصلُّونَ على النبي يأيُّها الذينَ آمنوا صلُّوا عليهِ وسلِّمُوا تسليمًا)) [الأحزاب: 56] [2].

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح: (70).
[2] ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي ( 1/ 44 ) معجم المناهي اللفظية ( 348 ) وما ذكر من مراجع في هوامشه.

غمام 30-12-2010 06:55 AM

(2)

قال الخطيب القزويني: "مقدمة في الكشف عن معنى الفصاحة والبلاغة، وانحصار علم البلاغة في علم المعاني والبيان" [1].
التعليق:
هذا من المصنف تصريح قاطع بعدم دخول البديع في البلاغة، وقد أكد القزويني على ذلك حين عرف البديع، فقال: "هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة" [2].
وهذا منه متابعة للسكاكي الذي جعل البديع ذيلا لعلمي المعاني والبيان ومكملا لهما، ولم يجعله علمًا أو قسمًا قائمًا بنفسه، مقابلا لصنوية الآخرين، بل هو عنده " وجوه مخصوصة يصار إليها لقصد تحسين الكلام" [3].
ولا ريب أن ذلك تهميش للبديع وتقليل لشأنه، وقد تسللت هذه النظرة السيئة لمن بعد الرجلين، فرأينا من يقول عن البديع: "إنه لا تعلق بالبلاغة، وإنما يفيد حُسنًا عرضيًا للكلام البليغ"[4]، وآخر يقول: "إنه خارج عن البلاغة" [5]، ومن المعاصرين من شبه البديع بالطلاء الذي تطلى به البيوت، بعد استكمال البناء، فهو مجرد زينة وطلاء ظاهري لا تتوقف جودة البناء على بقائه، ولا تذهب بذهابه" [6].
ولا يتسع المقام لبسط القول في هذا الموضوع، ولكن حسبي أن أشير إلى مكانة علم البديع باشتمال القرآن والحديث النبوي على كثير من الفنون البديعية، وقفًا لما يستوقفه المقام وتقتضيه الحال في أكرم موضع وأعز مكان، وليست حلية ترف ولا زينة يستغنى الكلام عنها بعد أن يكون المعنى قد استوفى تمامه، ولم تجيء تلك المحسنات البديعية في المرتبة الثالثة بعد استيفاء علمي المعاني والبيان حقهما، بل جاءت المحسنات في مكانها لتقوم بنصيبها من أداء المعنى أولا. أما ما فيها من جمال لفظي فقد جاء من أن تلك الكلمة ذاتها يتطلبها المعنى ويقتضي المجيء بها، وبذا يستبين لك أن الجمهور الغالب لأساليب البديع- وبخاصة ما حفلت به النصوص الشريفة-"وثيق الصلة ببلاغة الكلام، وأن مكانه من الغرض ومحله من التحسين ذاتي أصيل، لا شائبة للعرضية فيه، مادام مقياس الذاتية والعرضية عند علماء البلاغة هو اقتضاء المقام أو عدم اقتضائه" [7].

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح (72) .
[2] السابق (477) .
[3] المفتاح ( 532 ) .
[4] حاشية الدسوقي (3/ 256 ) .
[5] حاشية جلبي على المطول ( 586) .
[6] المنهاج الواضح للبلاغة ( 1/ 161 ) .
[7] الصبغ البديعي (498) وينظر: دراسات في علم البديع ( 5) من بلاغة القرآن ( 181 ) لأحمد بدوي .

غمام 30-12-2010 07:02 AM

(3)

قال الخطيب القزويني: "والغرابة أن تكون الكلمة وحشية لا يظهر معناها، فيحتاج في معرفته إلى أن ينقر عنها في كتب اللغة المبسوطة" [1].
التعليق:
كان على المؤلف أن يقيد العبارة فيقول مثلاً: لا يظهر معناها لأكثر أهل اللسان ولا للعلماء...إلخ، فإن الغرابة المنافية للفصاحة هي الغرابة الشديدة لا مطلق الغرابة، فقد وقع في القرآن والسنة كلمات غريبة، ومن أجلها صنف العلماء في غريب القرآن والحديث، ولا نزاع في فصاحة تلك الكلمات، ورأى بعض الكتاب أن "أن الغرابة ليست صفة موضوعة للمفردة، وإنما هي صفة ذاتية لمن يجهل بها، وعلى هذا فقد تكون الكلمة فصيحة ولكنها غير شائعة الاستعمال، فتكون فصيحة غريبة عند من يجهلها، وإذن فالغرابة نسبية وهي لا تضاد الفصاحة، وفي القرآن الكريم غريب كثير وهو في قمة الفصاحة" [2].

ــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 73 ) "مبحث الفصاحة".
[2] الفنون الصغرى ( 133 ) .

غمام 30-12-2010 07:27 AM

(4)

قال الخطيب القزويني: "وأما فصاحة الكلام فهي خلوصه من ضعف التأليف...كما في قولنا: ضرب غلامُه زيدًا، فإن رجوع الضمير إلى المفعول المتأخر لفظا ممتنع عند الجمهور، لئلا يلزم رجوعه إلى ما هو متأخر لفظًا ورتبة، وقيل يجوز لقول الشاعر:
جزى ربُّه عني عدي بن حاتم ** جزاءَ الكلاب العاويات وقد فعلْ
وأجيب عنه بأن الضمير لمصدر (جزى) أي: رب الجزاء، كما في قوله تعالى: (( اعدِلُوا هُوَ أقرَبُ للتَّقوَى)) [المائدة: 8] أي: العدل" [1].
التعليق:
كان الأولى بالمؤلف ألاَّ يورد هذا الرأي المخالف لمذهب الجمهور، بل المخالف أيضًا للإجماع، ولا ينفعه تصديره إياه بصيغة الاستضعاف والتمريض (قيل)، قال ابن جني: "وأجمعوا على أن ليس بجائز: ضرب غلامُه زيدًا، لتقدم المضمر على المظهر لفظًا ومعنى"[2].
وإذا وقع ذلك عندهم في شعر كان من أقبح الضرورات، كما يقول ابن الشجري [3].
وقول القزويني: "وأجيب عنه بأن الضمير لمصدر ( جزى)، أي ربُّ الجزاء، كما في قوله تعالى: (( اعدِلُوا هُوَ أقرَبُ لِلتَّقوَى )) ..إلخ ".
أقول: هذا تخريج ضعيف وعادة العرب في الدعاء جارية بأن يقولوا: جزى رب زيد زيدًا، وجزاك ربك خيرًا أو شرًا، ولم تجرِ عادتهم أن يقولوا: جزى رب الجزاء زيدًا خيرًا أو شرًا.
وتنظير القزويني بالآية ضعيف أيضًا وإن حكاه طائفة من المصنفين[4]، لأن الضمير في الآية يتعين رجوعه إلى المصدر المفهوم من (اعدلوا) وهي جملة إنشائية مستقلة عن جملة الخبر، وأما الضمير في البيت – المضطرب في نسبته [5]- فلا يتعين عوده إلى المصدر، بل إن الظاهر عوده إلى ما بعده، ويلزم على القول بعود الضمير إلى المصدر المفهوم من الفعل (جزى) أن يكون الضمير ومفسِّره في جملة واحدة، وهذا لا نظير له فيما إذا كان المفسِّر مصدرًا من الفعل، بخلاف ما إذا كان المصدر مصرحا به كقوله: (( فإنِّي أعذِّبُهُ عَذَابًا لا أعذِّبُهُ أحَدًا مِنَ العَالمِينَ )) [ المائدة: 115] أو كان الفعل المتضمن للمصدر في جملة أخرى، كما في الآية التي ساقها المصنف، وهي قوله تعالى: (( اعدِلُوا هُوَ أقرَبُ للتَّقوَى)).

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح (74) .
[2] الخصائص ( 1/ 294 ) وحكى الإجماع أيضاً: الصفار، كما في همع الهوامع ( 1/ 230 ) .
[3] أمالي ابن الشجري ( 1/ 152 ) .
[4] الإشارات والتنبيهات ( 11 ) عروس الأفراح ( 1/ 98 ) المطول ( 20 ) .
[5] قال العيني: "عزاه بعضهم [ أي البيت ] إلى النابغة الذبياني، وأبو عبيدة إلى عبد الله بن همارق، والأعلم لأبي الأسود [الدؤلي ]، وقيل: لم يدر قائله، حتى قال ابن كيسان: أحسبه مولداً مصنوعاً" شرح الشواهد ( 2/ 59 ) .

غمام 30-12-2010 07:56 AM

(5)

قال القزويني: "وهو في القرآن كثير (أي المجاز العقلي) كقوله تعالى: (( وإذا تُليَتْ عليهِمْ آياتُهُ زادتهمْ إيمانًا)) [الأنفال: 2] نسبت الزيادة التي هي فعل الله إلى الآيات لكونها سببًا فيها، وكذا قوله تعالى: ((وذلِكُمْ ظنُّكُمُ الَّذِي ظننتُم بربِّكمْ أرداكُمْ)) [فصلت: 23] ومن هذا الضرب قوله: (( يُذَبِّحُ أبناءَهُمْ)) [القصص:4] فإن الفاعل غيره، ونسب الفعل إليه لكونه الآمر به، وكقوله:(( يَنزعُ عَنهُمَا لِبَاسَهُمَا)) [ الأعراف: 27 ] نسب النزع الذي هو فعل الله تعالى إلى إبليس، لأن سببه أكل الشجرة، وسبب أكلها وسوسته ومقاسمته إياهما إنه لهما لمن الناصحين، وكذا قوله: ((ألم ترَ إلى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا وأحَلُّوا قَومَهُمْ دَارَ البَوَارِ)) [إبراهيم: 28 ] نسب الإحلال الذي هو فعل الله إلى أكابرهم، لأن سببه كفرهم، وسبب كفرهم أمر أكابرهم إياهم بالكفر" [1].
التعليق:
يظهر أن لهذا القول ارتباطاً بمسألة السببية لدى الأشاعرة – والمؤلف منهم-.
فعندهم أن السبب لا تأثير له في المسبَّب وإنما العلاقة بينهما الاقتران. وعلى ذلك يكون السبب عندهم أمارة على المسبَّب، لا مؤثرًا في المسبَّب.
فمقتضى مذهب الأشاعرة في علاقة الأسباب بالمسبَّبات أن الآيات لاتزيد المؤمنين إيماناً، فزيادة الإيمان حاصلة بمحض فعل الله، وليس للآيات أثر في حصول الزيادة، وهذا ما يقتضيه اعتبار القزويني إسناد الزيادة إلى الآيات مجازًا عقليًا، وكذلك فِعل (الإرداء) (والنزع) و (الإحلال) في الشواهد التي ذكرها بعد ذلك، جعلها كلها أفعالاً لله، واعتبر إسنادها إلى أسبابها (الظن) و(الشيطان) و (الكبراء) مجازاً عقلياً.
والصواب: أن الآيات إذا تليت تزيد المؤمنين إيماناً حقيقة، فلا مجاز، وذلك بتوفيق الله لهم، فهي سبب مؤثر في حصول الزيادة، بإذن الله، كما هو الشأن في سائر الأسباب الشرعية والكونية،وكذلك: (الظن) سبب في (الإرداء) والشيطان سبب في النزع، والكبراء سبب في الإحلال في دار البوار، فكلها أسباب مؤثرة في مسبَّباتها بتقدير الله تعالى.
هذا ومن فروع هذه المسألة عند الأشاعرة أنه لا تأثير لقدرة العبد في فعله، ففعله – عندهم- خلق الله وكسب منه، ومعنى أنه كسب له مقارنته لقدرته [2].

ــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 104 ) .
[2] تنظر أقوالهم في : شرح المواقف للزنجاني ( 237 ) مطالع الأنظار شرح طوالع الأنوار ( 193 ) وللرد عليهم: رسالة الإرادة والأمر لابن تيمية ( ضمن مجموعة الرسائل الكبرى ) ( 1/ 372 ) شفاء العليل لابن القيم ( 189 ) الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى ( 186 ) .

غمام 30-12-2010 08:16 AM

(6)

قال الخطيب القزويني: "وإن كان [ تعريف المسند إليه ] باللام؛ فإما للإشارة إلى معهود بينك وبين مخاطبك، ...وإما لإرادة نفس الحقيقة كقولك: الرجل خير من المرأة، ...
وعليه من غير هذا الباب قوله تعالى: ((وجَعَلنَا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ )) [ الأنبياء: 30 ] أي جعلنا مبدأ كل شيء حي هذا الجنس الذي هو الماء، روي: "أنه تعالى خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء" [1].
التعليق:
قوله: ( إن الله خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء ) غير صحيح إذ يرده حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خُلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم، والجن من نار خلقها منه، وآدم من تراب خلقه منه" [2].
فإن قيل: كيف يجاب عن عموم ( كل ) الوارد في قوله تعالى: (( وجَعَلنَا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ )) فالجواب: أن الذي يظهر أن الكلام في الآية خاص بالمخلوقات الأرضية من الإنسان والحيوان والنبات، والله أعلم. ويشهد لهذه الآية قوله تعالى: (( والله ُ خَلَقَ كُلَّ دَابةٍ مِن مَّاءٍ فَمِنهُم مَّن يَمشِي عَلَى بَطنهِ وَمِنهُم مَّن يَمشِي عَلَى رِجلَينِ وَمِنهُم مَّن يَمشِي عَلَى أرْبَعٍ يَخلُقُ الله مَا يَشاءُ إنَّ الله عَلَى كلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ )) [ النور: 45 ].
وأجاب الفخر الرازي بقوله: "اللفظ وإن كان عاما إلا أن القرينة المخصصة قائمة، فإن الدليل لابد أن يكون مشاهدًا محسوسًا ليكون أقرب إلى المقصود وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة والجن وآدم وقصة عيسى عليه السلام، لأن الكفار لم يروا شيئاً من ذلك" [3].

ـــــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 122 ) "مبحث تعريف المسند إليه".
[2] رواه الإمام أحمد في المسند ( 6/ 153، 168) ومسلم في الصحيح ( 4/ 2294 ) برقم ( 2996 ).
[3] التفسير الكبير ( 6/ 146 ) .

غمام 30-12-2010 08:28 AM

(7)

قال الخطيب القزويني في أغراض تعريف المسند إليه بالإضافة: "وإما لتضمنها تعظيماً لشأن المضاف إليه، كقولك: عبدي حضر، فتعظِّم شأنك" [1].
التعليق:
لو قال: فتاي حضر، أو غلامي، لكان أبعد عن المحظور وأولى باتباع الإرشاد النبوي، فقد جاء النهي عن أن يقول السيد: عبدي وأمتي. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي)) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه [2].

ـــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 126 ) .
[2] البخاري ( 2/ 901 ) رقم ( 2414 ) ومسلم ( 4/ 1764 ) رقم ( 2249 ) .

غمام 30-12-2010 08:37 AM

(8)

قال الخطيب القزويني: "وأما وصفه [ أي المسند إليه ] فلكون الوصف تفسيرًا له كاشفًا عن معناه كقولك: الجسم الطويل العريض العميق محتاج إلى فراغ يشغله"[1].
التعليق:
صواب العبارة أن يقال: ( يستلزم ) لا محتاج، لأنه ما دام موجودًا في الخارج فهو مستلزم للحيز الذي عبّر عنه بالفراغ .

ـــــــــــ
[1] الإيضاح ( 130 ) "أحوال المسند إليه ".

غمام 30-12-2010 09:12 AM

(9)

قال الخطيب القزويني: " وأما الثاني - [ أي من الأسلوب الحكيم، وهو إجابة السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيهًا على أنه الأولى بحاله ] - فكقوله تعالى: (( يَسئَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ )) [ البقرة: 189 ] قالوا: ما بال الهلال يبدو دقيقًا مثل الخيط ثم يتزايد قليلا قليلا حتى يمتلئ ويستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا " [1].
التعليق:
ما ذهب إليه المصنف من جعل الآية في قبيل الأسلوب الحكيم هو مذهب عامة البلاغيين منذ السكاكي إلى اليوم [2]، كما هو قول كثير من المفسرين [3]، اعتمادًا منهم على ما روي من سبب نزول الآية وهو ما ذكره المصنف؛ غير أن هذا السبب من حيث الصناعة الحديثية غير صحيح، وكيف يصح؟ وقد أخرجه أبو نعيم [4] ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق [5] عن محمد بن مروان السدي، عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس به.
والكلبي والسدي متروكان متهمان بالكذب [6]، ولذا جزم الحافظان ابن حجر[7] والمناوي [8] بوهاء سند الخبر.
وقد تعجب ابن حجر من الكثير الذين يوردون هذا الخبر مع سقوطه، فقال: "قد توارد من لا يد لهم في صناعة الحديث على الجزم بأن هذا كان سبب النزول مع وهاء السند فيه، ولا شعور عندهم بذلك، بل كاد يكون مقطوعاً به لكثرة من ينقله من المفسرين وغيرهم" [9].
قلت: وببطلان هذا السبب المروي في نزول الآية تخرج الآية عن كونها من الأسلوب الحكيم، حيث يكون الجواب في الآية مطابقًا للسؤال، كما هو ظاهر النظم الحكيم. يقول الرازي: "اعلم أن قوله تعالى: ((يَسئَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ )) ليس فيه بيان أنهم عن أي شيء سألوا، لكن الجواب كالدال على موضع السؤال، لأن قوله تعالى: ((قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ)) يدل على أن سؤالهم كان على وجه الفائدة والحكمة في تغير حال الأهلة في النقصان والزيادة، فصار القرآن والخبر متطابقين في أن السؤال كان عن هذا المعنى" [10].
ومما يؤكد مطابقة الجواب للسؤال ما أخرجه ابن جرير بإسناد صحيح عن قتادة قال: "سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون: (( هي مواقيت للناس )) فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم في أشياء" [11].

ـــــــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 162، 163 ) " مبحث الأسلوب الحكيم ".
[2] المفتاح ( 435 )المصباح ( 89 ) التبيان للطيبي (297 ) شروح التلخيص ( 1/ 479 ) طراز الحلة ( 621) المطول ( 135 ) الأطول ( 1/ 158 ) شرح عقود الجمان للسيوطي والمرشدي ( 1/ 111 ) خزانة الأدب ( 1/ 258 ) أنوار الربيع ( 2/ 210 ) فيض الفتاح للشنقيطي ( 1/ 145 ) تجريد البناني مع تقرير الإنبابي ( 2/ 305 ) فيض الفتاح للشربيني ( 1/ 480 ) علوم البلاغة للمراغي ( 129 ) البلاغة فنونها وأفنانها – علم البيان والبديع – ( 289 ) من بلاغة النظم العربي ( 1/ 208 ) كما جعل هذه الآية من من الأسلوب الحكيم ابن كمال باشا في رسالته الأسلوب الحكيم ( 120 ).
[3] حاشية التفتازاني على الكشاف ( 1/ 293 ) تفسير أبي السعود ( 1/ 203 ) حاشية الكازروني على تفسير البيضاوي ( 1/ 221 ) حاشية ابن التمجيد مع حاشية القونوي ( تكملة الجزء الثاني/ 40، 41 ) حاشية الشهاب الخفاجي ( 2/ 285 ) فتح القدير ( 1/ 189 ) روح المعاني ( 2/ 71 ) محاسن التأويل ( 3/ 470 ) التفسير المنير ( 1/ 168 ).
[4] كما في لباب النقول للسيوطي ( 34 ) وأورده الواحدي في أسباب النزول ( 53 ) عن الكلبي بلا إسناد.
[5] تاريخ دمشق ( 1/ 25 ) .
[6] قال أبو حاتم عن الكلبي: "الناس مجمعون على ترك حديثه، لا يشتغل به، هو ذاهب الحديث" الجرح والتعديل ( 7/ 271 ) وينظر: تهذيب الكمال ( 25/ 246 ) تقريب التهذيب ( 479 ) وذكر الحافظ الدار قطني في سننه ( 4/ 130 ) عن السائب أنه كان يقول: كلما حدثت عن أبي صالح كذب" ذلك عن الكلبي، فأما السدي فقال فيه أبو حاتم: "ذاهب الحديث، متروك الحديث، لايكتب حديثه البتة" الجرح والتعديل ( 8/ 86 ) وقال البخاري: "لايكتب حديثه البتة" الضعفاء الصغير ( 110 ) وقال النسائي: "محمد بن مروان الكوفي يروي عن الكلبي متروك الحديث" الضعفاء والمتروكين ( 234 ) وينظر: تهذيب الكمال ( 26/ 392 ) تقريب التهذيب ( 506 ) .
[7] العجاب في بيان الأسباب ( 1/ 455 ) .
[8] الفتح السماوي ( 1/ 232 ) .
[9] العجاب في بيان الأسباب ( 1/ 455 ).
[10] التفسير الكبير ( 5/ 130 ) .
[11] جامع البيان ( 2/ 185 ) .

غمام 30-12-2010 09:35 AM

(10)

قال الخطيب القزويني: "مما يحتمل الوجهين – أي حذف المسند إليه أو المسند – قوله سبحانه: (( وَلاَ تَقُولُوا ثَلاثَةٌ )) [ النساء: 171] قيل: التقدير: ولا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، ورُد بأنه تقرير لثبوت آلهة، لأن النفي إنما يكون للمعنى المستفاد من الخبر دون معنى المبتدأ، كما تقول: ليس أمراؤنا ثلاثة، فإنك تنفي به أن تكون عدة الأمراء ثلاثة دون أن تكون لكم أمراء، وذلك إشراك، مع أن قوله تعالى – بعده - : ((إنَّمَا الله ُإلَهٌ وَاحِدٌ)) يناقضه.
والوجه أن ( ثلاثة ) صفة مبتدأ محذوف، أي أن يكون مبتدأ محذوفًا مميزه لا خبر مبتدأ، والتقدير: ولا تقولوا لنا – أو في الوجود – آلهة ثلاثة أو ثلاثة آلهة، ثم حذف الخبر كما حذف من ( لا إله إلا الله ) و ((وَمَا مِنْ إلَهٍ إلاَّ الله ُ)) [ آل عمران: 62 ] ثم حذف الموصوف أو المميز كما يحذفان في غير هذا الموضع، فيكون النهي عن إثبات الوجود لآلهة، وهذا ليس فيه تقرير لثبوت إلهين، مع أن ما بعده – أعني قوله: ((إنَّمَا الله ُإلَهٌ وَاحِدٌ )) – ينفي ذلك، فيحصل النهيُ عن الإشراك والتوحيدُ من غير تناقض، ولهذا يصح أن يُتبع نفي الاثنين فيقال: لا تقولوا لنا آلهة ثلاثة ولا إلهان، لأنه كقولنا: ليس لنا آلهة ثلاثة ولا إلهان، وهذا صحيح، ولا يصلح أن يقال عن التقدير الأول: ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة ولا اثنان، لأنه كقولنا: ليست آلهتنا ثلاثة ولا اثنين، وهذا فاسد.
ويجوز أن يقدر:ولا تقولوا: الله والمسيح وأمه ثلاثة، أي لا تعبدوهما كما تعبدونه، لقوله تعالى: ((لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ الله ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ))[ المائدة: 73 ] فيكون المعنى ثلاثة مستوون في الصفة والرتبة، فإنه قد استقر في العرف أنه إذا أريد إلحاق اثنين بواحد في وصف وأنهما شبيهان له أن يقال: هم ثلاثة، كما يقال – إذا أريد إلحاق واحد بآخر وجعله في معناه - : هما اثنان " [1].
التعليق:
أطنب المؤلف ههنا في الموازنة في تقدير المحذوف بين كونه مسندًا أو مسندًا إليه، وفي ترجيح كونه مسندًا، وتحقيقًا للمسألة واختصارًا للكلام وتقريبًا للمعنى، أقول: اعلم أن المقصود من النهي في قوله تعالى: ((وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ )) النهي عن التثليث، وهو اعتقاد أن الإله ثلاثة، وجاء تخصيص الثلاثة – مع أن التثنية باطلة كالتثليث – مراعاة لمعتقد النصارى إذ الخطاب معهم، وعليه فلا يختلف تقدير المحذوف – مسندًا كان أو مسندًا إليه- بل تقديره مسندًا إليه أولى، لأنه أدنى إلى الفهم وأقل حذفًا، وليس المطلوب نفي الإله مطلقًا، بل نفي كونه ثلاثة، فيصح أن يكون التقدير: ولا تقولوا الإله ثلاثة، ثم جاء النص على الوحدانية في الآية نفسها في قوله تعالى: (( إنَّمَا الله ُإلَهٌ وَاحِدٌ )) نفيًا للتثنية وتأكيدًا لنفي التثليث. وهذا واضح بين فلا حاجة إلى التطويل الذي سلكه المؤلف. والله أعلم

ــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 172 ) " القول في أحوال المسند ".

غمام 30-12-2010 10:06 AM

(11)

قال الخطيب القزويني: "ومن هذا الباب – أعني الحذف الذي قرينته وقوع الكلام جواباً عن سؤال مقدر – قوله تعالى: (( وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الجِنَّ )) [ الأنعام: 100 ] على وجه، فإن (( للهِ شُرَكَاءَ )) إن جعلا مفعولين لـ (( جَعَلُوا )) فالجن يحتمل وجهين:
أحدهما: ما ذكره الشيخ عبد القاهر من أن يكون منصوبًا بمحذوف دل عليه سؤال مقدر، كأنه قيل: مَنْ جعلوا لله شركاء؟ فقيل: الجن، فيفيد الكلام إنكار الشرك مطلقا، فيدخل اتخاذ الشريك من غير الجن في الإنكار دخول اتخاذه من الجن.
الثاني: ما ذكره الزمخشري، وهو أن ينتصب (( الجِنَّ)) بدلا من شركاء فيفيد إنكار الشريك مطلقاً أيضاً، كما مر.
وإن جعل (( للهِ )) لغواً كان (( شُرَكَاءَ الجِنَّ )) مفعولين قدم ثانيهما على الأول، وفائدة التقديم استعظام أن يُتخذ لله شريك؛ ملكاً كان أو جنياً أو غيرهما، ولذلك قدم اسم ((الله )) على (( الشركاء )) ولو لم يبن الكلام على التقديم وقيل: وجعلوا الجن شركاء لله، لم يفد إلا إنكار جعل الجن شركاء، والله أعلم" [1].
التعليق:
قوله: " وإن جعل (( للهِ )) لغواً : تعبير سيء، إذ من القبيح وصف قوله (( للهِ )) بأنه لغو، يريد أنه ليس بعمدة في الجملة، ومع هذه الشناعة في التعبير؛ فإن اللفظة لا تدل على المقصود، بيد أن له مندوحة عنها إلى ما هو واضح، كأن يقول: وإن جعل (( لله )) حالا من شركاء ...الخ [2].

ـــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 147، 175 ) " القول في أحوال المسند ".
[2] حق الجار والمجرور (( للهِ )) أن يكون نعتاً لـ (( شُرَكَاءَ ))، لكن لما تقدم عليه صار حالاً. وثمَّ أعاريب في هذا. فانظر: مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب ( 1/ 264 ) التبيان في إعراب القرآن للعكبري ( 1/ 526 ) البحر المحيط ( 4/ 193 ) الدر المصون ( 2/ 144 ) .

غمام 30-12-2010 10:27 AM

(12)

قال الخطيب القزويني: "وفعليتها لإفادة التجدد، واسميتها لإفادة الثبوت، فإن من شأن الفعلية أن تدل على التجدد، ومن شأن الاسمية أن تدل على الثبوت، وعليهما قول رب العزة: ((وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ))[ البقرة: 14] وقوله تعالى: (( قَالُوا سَلامًا قالَ سلامٌ )) [ هود: 69 ] إذ أصل الأول: نسلم عليك سلاماً، وتقدير الثاني: سلام عليكم، كأن إبراهيم عليه السلام قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به، أخذاً بأدب الله في قوله تعالى: ((وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا)) [ النساء: 86 ].
وقد ذُكر له وجه آخر فيه دقة غير أنه بأصول الفلاسفة أشبه، وهو أن التسليم دعاء للمسلَّم عليه بالسلامة من كل نقص ولهذا أطلق، وكمال الملائكة لا يتصور فيه التجدد، لأن حصوله بالفعل مقارن لوجودهم، فناسب أن يحيوا بما يدل على الثبوت دون التجدد، وكمال الإنسان متجدد لأنه بالقوة، وخروجه إلى الفعل بالتدريج، فيناسب أن يُحيّا بما يدل على التجدد دون الثبوت، وفيه نظر" [1].
التعليق:
قوله: " فيه نظر " هو كما قال، فإن التحية بالجملة الاسمية تكون للملائكة وغيرهم، وكمال الملائكة لا ينفي حاجتهم إلى مدد الله لهم بما يزداد به كمالهم، والله أعلم .

ــــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 191، 192 ) " القول في أحوال المسند، فعلية الجملة واسميتها".

غمام 30-12-2010 10:46 AM

(13)

قال الخطيب القزويني في أغراض حذف المفعول: "وإما لاستهجان ذكره، كما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " ما رأيت منه ولا رأى مني" تعني العورة [1].
التعليق:
لم أقف على هذا الأثر مسنداً بهذا اللفظ وإن كان متداولاً بين البلاغيين والنحويين وبعض الفقهاء، وقد أورده الحكيم الترمذي – دون إسناد – بلفظ: "ما رأيت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأى مني قط"[2]، وروي مسنداً بلفظ آخر لكنه لا يصلح شاهداً حيث صرِّح بالمفعول، بيد أنه غير صحيح، فقد أخرجه الطبراني [3] ومن طريقه أبو نعيم [4] وفي إسناده بركة بن محمد الحلبي وقد تفرد به، وهو متهم بالوضع، كما قال الدار قطني والحاكم وغيرهما[5].
ورواه ابن ماجة في سننه من طريق آخر ولفظه: "ما نظرتُ أو ما رأيتُ فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط " [6] وفي إسناده مجهول، ولذا استضعفه ابن القطان [7] والبوصيري [8] هذا من جهة الإسناد.
وأما من جهة متنه فمنكر، فإنه مخالف لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وهما جنبان" [9].

ــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 201 ) "القول في أحوال متعلقات الفعل".
[2] نوادر الأصول ( 145 ) .
[3] المعجم الصغير ( 1/ 53 ) .
[4] حلية الأولياء ( 8/ 247 ) .
[5] لسان الميزان لابن حجر ( 2/ 8 ) .
[6] سنن ابن ماجه ( 1/ 217 ) رقم ( 662 ) .
[7] أحكام النظر ( 123 ) .
[8] مصباح الزجاجة ( 1/ 238 ) .
[9] البخاري ( 1/ 100 ) رقم ( 247 ) ومسلم ( 1/ 257 ) رقم ( 321 ) .

غمام 30-12-2010 10:56 AM

(14)

قال الخطيب القزويني في أغراض حذف المفعول: "... وإما لمجرد الاختصار كقولك: أصغيت إليه، أي أذني. وأغضيتُ عليه، أي بصري. ومنه قوله تعالى: (( أَرِني أَنظُرْ إِلَيكَ ))[الأعراف: 143] أي: ذاتك" [1].
التعليق:
لو قال: ( نفسك ) عوض ( ذاتك ) لكان أولى، لورود لفظ ( النفس ) في النصوص دون لفظ ( الذات )، كقوله تعالى: ((وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ)) [آل عمران: 28] وكقوله تعالى: ((كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)) [الأنعام: 54].

ـــــــــ
[1] الإيضاح ( 202 ) "القول في أحوال متعلقات الفعل".

غمام 30-12-2010 11:10 AM

(15)

قال الخطيب القزويني: "وأما عمومه [ أي النفي في الاستثناء المفرغ ] فليتحقق الإخراج منه، ولذلك قيل: تأنيث المضمر في ( كانت ) على قراءة أبي جعفر المدني : (( إِنْ كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةٌ )) [ يس: 29 ] بالرفع، وفي (( تُرَى)) مبنياً للمفعول في قراءة الحسن: (( فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إلاَّ مَسَاكِنُهُمْ )) [الأحقاف: 25 ] برفع (( ساكنهم )) " [1].
التعليق:
أما قراءة أبي حعفر المدني فعشرية [2] وليست هي محل التعليق، ولكن قراءة الحسن فإنها من الشواذ [3]. واقرأ ما سيأتي في التعليق على المسألة العشرين .

ــــــــــ
[1] الإيضاح ( 224 ) "مبحث القصر" .
[2] جامع البيان ( 23/ 2 ) النشر في القراءات العشر ( 2/ 353 ) إتحاف فضلاء البشر ( 2 / 399 ).
[3] المحتسب لابن جني ( 2/ 264 ) الكشاف ( 3/ 524 ) البحر المحيط ( 8/ 65 ) .

س احمد 02-01-2011 07:18 PM

يا غمام الخير!امطري من سماء الايضاح!جزاک الله خيراً،کتب البلاغة بحاجة الی نقد بناء

غمام 03-01-2011 10:39 AM

(16)

قال الخطيب القزويني: " ( هل ) لطلب التصديق فحسب، كقولك هل قام زيد؟ وهل عمرو قاعد؟ ولهذا امتنع: هل زيد قام أم عمرو؟ " [1].
التعليق:
ما قاله المؤلف هنا هو قول أكثر أهل العربية[2] والبلاغيين[3]، فإنهم لا يصححون مجيء ( أم ) المتصلة بعد ( هل )، قالوا: لأن ( هل ) تستعمل في التصديق، أي أنها تدل على أن مضمون الجملة مجهول، و( أم ) المتصلة تدل على أنه معلوم، فيكون في الجمع بينهما تناقض.
لكن: وقف جمال الدين بن مالك ( ت 672 هـ ) على حديث في صحيح البخاري يخالف ما قرره الجماعة، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: " هل تزوجت بكراً أم ثيباً ؟ " [4].
قال ابن مالك: "في الحديث شاهد على أن ( هل ) قد تقع موقع الهمزة المستفهم بها عن التعيين، فتكون ( أم ) بعدها متصلة غير منقطعة. لأن استفهام النبي صلى الله عليه وسلم جابراً لم يكن إلا بعد علمه بتزوجه إما بكراً وإما ثيباً، فطلب منه الإعلام بالتعيين كما كان يطلب بـ ( أيّ ) .
فالموضع إذن موضع الهمزة، لكن استغني عنها بـ ( هل ) وثبت بذلك أن ( أم ) المتصلة قد تقع بعد ( هل ) كما تقع بعد الهمزة "[5].
وقد حاول كثير من المصنفين أن يردوا على ابن مالك ويجيبوا عن الحديث، ولكنهم جاءوا بتأويلات بعيدة لا تقبل، وأمثل ما رأيت في هذا قول تقي الدين الشُّمُنِّي ( ت 872هـ ) : "الجواب عن النقض [أي نقض ابن مالك للقاعدة ] أن الإتيان لـ ( هل ) بمعادل – وإن ثبت – نادر، والنادر في حكم العدم" [6].
قلت: يستحيل أن يوصف الموجود بالعدم، وأيًّا ما كان الأمر، فإن الذي يقول: هل زيد قام أم عمرو؟ لا يمكن أن يخطأ بحال بعد ثبوت هذا الخبر.

ــــــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 229 ) " مبحث الاستفهام " .
[2] الجنى الداني ( 341 ) مغني اللبيب ( 456 ) شرح التسهيل لابن مالك ( 4/ 110 ) همع الهوامع ( 4/ 394 ) .
[3] المفتاح ( 419 ) وشرحه المصباح ( 557 ) للجرجاني، المصباح لبدر الدين بن مالك ( 84 ) شروح التلخيص ( 2/ 255 ) شرح التلخيص للبابرتي ( 348 ) التبيان للطيبي ( 167 ) المطول ( 228 ) الأطول ( 1/ 236 ) فيض الفتاح للشنقيطي ( 1/ 228 ) تجريد البناني مع تقرير الإنبابي ( 3/ 116 ) .
[4] صحيح البخاري ( 3/ 108 ) رقم ( 2805 ) .
[5] شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح ( 209 ) .
[6] المنصف من الكلام على مغني ابن هشام ( 1/ 22 ) وينظر: إرشاد الساري للقسطلاني ( 5/ 124 ) تجريد البناني ( 3/ 116 ).

غمام 03-01-2011 10:53 AM

(17)

قال الخطيب القزويني: "وأما ( مَنْ ) فقال السكاكي: "هو للسؤال عن الجنس من ذوي العلم، تقول: مَنْ جبريل؟ بمعنى أبَشَر هو أم مَلَك أم جني ؟ وكذا مَنْ إبليس؟ ومن فلان؟ ومنه قوله تعالى = حكاية عن فرعون: (( فَمَنْ ربُّكمَا يا موسى )) [ طه: 49 ] أي: أملك هو أم بشر أم جني؟ منكراً لأن يكون لهما رب سواه، لادعائه الربوبية لنفسه ذاهباً في سؤاله إلى معنى: ألكما رب سواي؟ فأجاب موسى عليه السلام بقوله: (( رَبُّنا الَّذي أعْطَى كُلُّ شيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى )) [ طه: 50 ] كأنه قال: نعم لنا رب سواك هو الصانع الذي إذا سلكت الطريق الذي بيّن بإيجاده لما أوجد وتقديره إياه على ما قدَّر واتبعت فيه الخريت الماهر – وهو العقل الهادي عن الضلال- لزمك الاعتراف بكونه ربًّا وأن لا رب سواه، وأن العبادة له مني ومنك ومن الخلق أجمع حق لا مدفع له" [1].
وقيل: هو للسؤال عن العارض المشخِّص لذي العلم، وهذا أظهر؛ لأنه إذا قيل: مَنْ فلان؟ يجاب بـ ( زيد ) ونحوه مما يفيد التشخيص، ولا نسلم صحة الجواب بنحو: ( بشر ) أو ( جني ) ، كما زعم السكاكي" [2].
التعليق:
قد أحسن القزويني في رده هذا الزعم، وكم تمنينا عليه أن يتجافى عن كلام السكاكي لا سيما قوله: ( العقل الهادي عن الضلال )، فإن وصف العقل بأنه الهادي عن الضلال غلو في منزلة العقل، بل العقل يُهدى، وقد يُهدى فيهتدي بإذن الله، وقد لا يهتدي فيعمى عن الهدى. وغاية العقل أنه أداة للمعرفة لا يستقل بتحصيلها إلا على وجه مجمل لا يتحقق به الهدى الذي يكون سببا للاهتداء، وإنما يحصل ذلك بالهدى الذي جاءت به الأنبياء من عند الله تعالى كما قال سبحانه: (( فَإمَّا يأتينَّكُم منِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبعَ هُدايَ فلا يضِلُّ ولا يشْقَى )) [ طه: 123 ] .
ووصف العقل بـ ( الهادي عن الضلال ) هو موجَب قول المعتزلة المعظمين للعقل والمقدمين له على الوحي، والسكاكي من تلك الطائفة، كما صرح بذلك عن نفسه [3].
ولهذا جعل العقل متبوعاً، والحق أن العقل يجب أن يكون تابعاً للوحي .

ـــــــــــــــــــ
[1] إلى هنا ينتهي كلام السكاكي وهو في المفتاح ( 422 ) .
[2] الإيضاح ( 232 ) " مبحث الاستفهام ".
[3] قال في المفتاح ( 308 ) : "ويصلح لشمول هذه الاعتبارات قولك عند المخالف: الله إلهنا ومحمد نبينا والإسلام ديننا والتوحيد والعدل مذهبنا"، وانظر عروس الأفراح ( 1/ 269 ) "شروح التلخيص " .

غمام 03-01-2011 11:02 AM

(18)

قال الخطيب القزويني: "وأما ( كم ) فللسؤال عن العدد، إذا قلت: كم درهماً لك؟ وكم رجلا رأيت؟ فكأنك قلت: أعشرون أم ثلاثون أم كذا أم كذا؟ .... قال تعالى: (( سَلْ بني إسرَائيلَ كَمْ آتيناهُم من آيةٍ بينةٍ )) [ البقرة: 211 ] [1].
التعليق:
كان الأولى بالمصنف تجنب الاستشهاد بهذه الآية على كون ( كم ) فيها استفهامية، والاكتفاء بالآيتين الأخريين اللتين أوردهما[2]، فإن العلماء مختلفون جدا في ( كم ) الواردة في آية البقرة هذه، فقد ذهب جماعة إلى أنها خبرية لما تفيده من التكثير، وقال آخرون: إنها استفهامية مراعاة للفعل قبلها ( سل ) ، ورجح الزمخشري كونها صالحة للأمرين [3].
أما الرضي من النحويين فإنه يجزم بكونها خبرية لوجود ( مِنْ ) في مميزها، قال: "وأما مميز ( كم ) الاستفهامية فلم أعثر عليه مجروراً بـ ( مِنْ ) في نظم ولا نثر، ولا دل على جوازه كتاب من كتب النحو، ولا أدري ما صحته" [4].

ـــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 233 ) " مبحث الاستفهام ".
[2] وهما قوله تعالى: ((قال قائلٌ مِنهُمْ كَمْ لبِثتُمْ )) [ الكهف: 19 ] وقوله سبحانه: ((كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرضِ عَدَدَ سِنينَ )) [ المؤمنون: 112 ].
[3] الكشاف ( 1/ 345 ) وينظر: البحر المحيط ( 2/ 127 ) حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي ( 2/ 297 ) .
[4] شرح الكافية ( 2/ 97 ) .

غمام 03-01-2011 11:16 AM

(19)

قال الخطيب القزويني: " ومنها – أي معاني الاستفهام – التوبيخ والتعجيب جميعاً، كقوله تعالى: ((كَيْفَ تَكفُرُونُ بِاللهِ وكُنتُمْ أمواتًا فأحياكُم ثُمَّ يُميتُكُمْ ثمَّ يُحييكُمْ ثُمَّ إليهِ تُرْجَعُونَ )) [ البقرة: 28 ] أي كيف تكفرون والحال أنكم عالمون بهذه القصة؟ أما التوبيخ فلأن الكفر مع هذه الحال ينبئ عن الانهماك في الغفلة أو الجهل، وأما التعجيب فلأن هذه الحال تأبى أن لا يكون للعاقل علم بالصانع"[1].
وعلمه به يأبى أن يكفر، وصدور الفعل مع الصارف القوي مظنة تعجب. ونظيره: ((أتأمُرُونَ النَّاسَ بِالبرِّ وتَنْسَونَ أنفسَكُمْ وَأنتُمْ تَتْلونَ الكتابَ )) [ البقرة: 44 ][2].
التعليق:
إن الاستفهام في قوله تعالى: (( كَيْفَ تَكفُرُونُ بِاللهِ ...)) يفيد التعجب من الله تعالى من كفر الكافرين بالبعث، مع أنهم يعلمون أنهم كانوا أمواتاً فأحياهم الله، وسيحييهم ثم يميتهم. ويشهد لهذا قوله تعالى: ((وإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قولُهُمْ أَإذا كُنَّا تُراباً أَئِنَّا لفي خلقٍ جديدٍ )) [الرعد: 5 ] وقال عز و جل: ((بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ )) [الصافات: 12 ] على قراءة ضم التاء وهي سبعية [3]، على أنها ضمير للرب جل شأنه. فأفاد هذا إضافة العَجَب إلى الله تعالى.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً: "عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل " [4].
واعلم أن أهل السنة والجماعة يثبتون ذلك لله تعالى، ومن ينفي عن الله صفة العَجَب يلجأ في مثل هذه الآية إلى استعمال لفظ ( التعجيب ) بدلاً عن التعجب، فراراً من إضافة ذلك إلى الله سبحانه .
والصواب أن يقال في التعجب الصادر من الله تعالى: إنه تعجب وتعجيب، فالأول مستلزم للثاني [5].

ـــــــــــــــ
[1] في الأصل: علم الصانع، وفي بقية الطبعات ما أثبت، وهو الصواب.
[2] الإيضاح ( 241 ) "مبحث الاستفهام ".
[3] هي قراءة حمزة والكسائي، وقرأها الباقون بفتح التاء. ينظر: السبعة لابن مجاهد ( 547 ) والنشر في القراءات العشر ( 2/ 356 ) وكان بعض الصحابة يقرأ بها، ومنهم ابن مسعود رضي الله عنهم ينظر: مستدرك الحاكم ( 2/ 430 ) الأسماء والصفات للبيهقي ( 2/ 415 ) .
[4] صحيح البخاري ( 2/ 1096 ) رقم ( 2848 ) .
[5] ينظر: السنة لابن أبي عاصم ( 1/ 249 ) جامع البيان لابن جرير ( 13/ 104 ) إبطال التأويلات لأبي يعلى ( 1/ 245 ) الحجة في بيان المحجة لقوام السنة الأصبهاني ( 2/ 457 ) مجموع الفتاوى ( 4/ 181، 6/ 123 ) .

غمام 03-01-2011 11:34 AM

(20)

قال الخطيب القزويني: "وإن لم يكن بين الجملتين شيء من الأحوال الأربع تعين الوصل؛ إما لدفع إيهام خلاف المقصود، كقول البلغاء: لا وأيدك الله، وهذا عكس الفصل للقطع"[1].
التعليق:
ما قرره المصنف هنا من تعين الوصل في هذه الجملة الدعائية – أعني ثبوت الواو – هو مذهب عامة البلاغيين [2].
وللبلغاء والعارفين بالبيان كلام في الإشادة بهذه الواو وإطرائها، كمثل ما يتناقله البلاغيون عن الصاحب بن عباد وغيره، ومن ذلك ما رواه الخطيب البغدادي أن المأمون سأل يحيى بن المبارك عن شيء فقال: لا وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين، فقال المأمون: لله درك ما وُضعت واو قط موضعاً أحسن من وضعها في لفظك هذا، ووصله وحمله"[3].
قلت: لكن لا ينبغي حمل مجيء الواو هنا على الوجوب والتعيّن، فقد ورد في السنة الصحيحة وكلام السلف جمل دعائية كهذه وقد خلت من الواو.
فمن ذلك: ما رواه الشيخان[4] عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في خبر تحاكم المرأتين إلى داوود عليه السلام، فإنه حين قال: "ائتوني بالسكين أشقه بينكما، قالت الصغرى: لا، يرحمك الله" هذا لفظ مسلم، وهو معروف رحمه الله بدقة ضبطه وشدة تحريه للحرف، حتى قدِّم في ذلك على البخاري.
وفي صحيح مسلم أيضاً في مناقب سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك" فأتاهم أبو بكر فقال: يا أخوتاه! أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخيّ [5].
قال أبو بكر بن العربي: "في هذا الحديث فائدة حسنة؛ وهي اتصال ( لا ) جواباً في النهي مع الدعاء، والعامة تكرهه، فإن قالته زادت الواو، فتقول: لا ويرحمك الله، والحديث حجة صحيحة في الرد عليهم" [6].
واستروح أبو العباس القرطبي في شرحه لحديث أبي هريرة السالف أنه ينبغي عند حذف الواو أن يقف قليلا على ( لا ) لئلا يتسلط النفي على الدعاء فيفسد المعنى، قال: "وقولها ( لا) أي لا تفعل، ثم دعت له بقولها ( يرحمك الله ) فينبغي للقارئ أن يقف على ( لا ) وُقَيْفَة، حتى يتبين للسامع أن ما بعده كلام مستأنف، لأنه إذا وصل بما بعده توهم السامع أنه دعاء عليه، وهو دعاء له. - ثم قال القرطبي- قلت: وقد يزول ذلك الإبهام بزيادة ( واو ) فيقال: لا، ويرحمك الله" [7].
قلت: فزيادة الواو عند القرطبي على سبيل الاستحسان لا اللزوم .

ـــــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 260 ) " مبحث الفصل والوصل ".
[2] شروح التلخيص ( 3/ 67 ) شرح البابرتي ( 392 ) المطول ( 261 ) الأطول ( 2/ 17، 18 ) فيض الفتاح للشنقيطي ( 2/ 34 ) فيض الفتاح للشربيني ( 3/ 339 ) علوم البلاغة للمراغي ( 150 ) الفصل والوصل في القرآن ( 46، 47 ). ويرى بعض اللغويين أن من الغلط ترك الإتيان بالواو في هذا الموضع، ينظر: معجم الأغلاط للعدناني ( 596 ) .
[3] تاريخ بغداد ( 14/ 148 ) .
[4] البخاري ( 3/ 1260 ) رقم ( 3244 ) مسلم ( 3/ 1344 ) رقم ( 1720 ) وينظر: ( فتح الباري ( 6/ 536 ) .
[5] صحيح مسلم ( 3/ 1947 ) رقم ( 2504 ) .
[6] عارضة الأحوذي ( 13/ 207 ) .
[7] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ( 5/ 177 ) .

غمام 03-01-2011 11:42 AM

(21)

قال الخطيب القزويني: "الضرب الثاني: إيجاز الحذف، وهو ما يكون بحذف، والمحذوف إما جزء جملة أو جملة، ... وإما صفة نحو: ((وكانَ ورَاءَهُم مَّلِكٌ يأخُذُ كُلَّ سفينةٍ غَصْبَا )) [ الكهف: 79 ] أي كل سفينة صحيحة أو صالحة، أو نحو ذلك، بدليل ما قبله، وقد جاء ذلك مذكورا في بعض القراءات، قال سعيد بن جبير: كان ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا "[1].
التعليق:
كان على المؤلف أن يبين أن هذه القراءة شاذة وأنها إنما تذكر في التفسير وبيان وجوه المعاني، كما يُستنبط منها القواعد النحوية والبلاغية، ونحو ذلك، أما أن يُقرأ بها فلا، وهذا مذهب جمهور العلماء، لأنها مخالفة رسم المصحف الإمام الذي أخذ بالتواتر، وأجمع عليه الصحابة كافة، رضي الله عنهم [2].

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 291 ) "مبحث الإيجاز ".
[2] ينظر: فضائل القرآن لأبي عبيد ( 195 – 197 ) الإبانة عن معاني القراءات لمكي ( 57 ) النشر في القراءات العشر ( 1/ 14 ) القراءات الشاذة للقاضي ( 9 ) .

س احمد 03-01-2011 07:02 PM

جزاک الله خيراً، يا غمام العلم والادب

غمام 07-01-2011 03:09 AM

(22)

قال الخطيب القزويني: " وأدلة الحذف كثيرة... منها أن يدل العقل على الحذف والتعيين، كقوله تعالى: (( وجاءَ ربُّكَ )) [ الفجر: 22 ] أي: أمر ربك، أو عذابه، أو بأسه، وقوله: (( هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أَن يأتيَهُمُ الله في ظُلَلٍ منْ الغَمَامِ )) [ البقرة: 210 ] أي عذاب الله، أو أمره" [1].
التعليق:
هذا من المواضع التي قرر فيها المؤلف مذهب الأشاعرة النفاة، الذين ينفون عن الله كثيراً من صفات الكمال التي أثبتها لنفسه، خشية ما يتوهمونه من تشبيهه سبحانه بخلقه، زاعمين دلالة العقل على ذلك، ومن ذلك نفيهم لحقيقة المجيء والإتيان، وتأويلهم ما جاء في القرآن بنحو ما ذكره المؤلف من التأويلات التي أخرجوا بها الكلام عن ظاهره بغير دليل من عقل ولا سمع. لذا كانت هذه التأويلات من تحريف الكلم عن مواضعه.
فما المانع – وهو عز وجل الفعال لما يريد – من أنه نفسه سبحانه يجيء حقيقة، كما أخبر بذلك في كتابه وأخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه السلف، قال تعالى: (( هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن تأتِيَهُمُ الملائكةُ أو يأتـِيَ ربُّكَ أو يأتـِيَ بَعْضُ آياتِ ربِّكَ )) [ الأنعام : 158 ] والآيتان اللتان ذكرهما المؤلف، وقال أبو الحسن الأشعري: "وأجمعوا على أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفاً، لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها" [2]. فالواجب الإيمان بذلك على ظاهره، كما قال الأئمة مالك وغيره - في الاستواء: "الإيمان به واجب " [3].
وما زعمه الأشاعرة وغيرهم من دلالة العقل على نفي ما نفوا من الصفات لا يُسلَّم لهم، فإن العقل الصريح لايخالف النقل الصحيح، ويلزمهم نفي جميع الصفات، فإن شبهتهم من جنس شبهة الجهمية النافين لجميع الصفات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أصل قول الجهمية هو نفي الصفات بما يزعمونه من دعوى العقليات التي عارضوا بها النصوص" [4] .
ويعجبني هنا كلمة للعلامة ابن خلدون يخاطب بها من أعجبوا بعقولهم فطفقوا يعملونها في كل شأن حتى فيما لا قبل لها به، فيقول رحمه الله: "العقل ميزان صحيح، فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزن بها أمور التوحيد والآخرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات الإلهية وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال، ومثال ذلك مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن بها الجبال وهذا لا يدرك، على أن الميزان في أحكامه غير صادق لكن العقل قد يقف عنده ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته، فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه، وتفطن في هذا الغلط، ومن يقدم العقل على السمع في أمثال هذه القضايا وقصور فهمه واضمحلال رأيه" [5].

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 299 ) " مبحث الإيجاز " .
[2] رسالة إلى أهل الثغر ( 227 ) .
[3] رواه البيهقي في الأسماء والصفات ( 2/ 305 ) عن مالك، وإسناده صحيح، كما رواه البيهقي ( 2/ 306 ) عن ربيعة بن عبد الرحمن، وإسناده صحيح أيضاً، وساقه الذهبي في كتابه العلو ( 2/ 954 ) وقال عقبة: " هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة" وانظر: فتح الباري ( 13 / 417 ) .
[4] درء تعارض العقل والنقل ( 1/ 277 ) .
[5] مقدمة ابن خلدون ( 2/ 460 ) .

غمام 07-01-2011 03:20 AM

(23)

قال الخطيب القزويني في أدلة الحذف: "ومنها: اقتران الكلام بالفعل، فإنه يفيد تقريره، كقولك لمن أعرس: بالرِّفاء والبنين، فإنه يفيد بالرِّفاء والبنين أعرستَ" [1].
التعليق:
لا يجوز أن يُدعى للمتزوج بهذا الدعاء، إذ جاء في السنة النّهي عنه فقد روى الإمام أحمد وغيره أن عقيل بن أبي طالب تزوج فخرج على أصحابه فقالوا له: بالرِّفاء والبنين، فقال: مَهْ، لا تقولوا ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن ذلك، وقال: " قولوا: بارك الله لك فيها" [2].
وفي رواية أخرى للإمام أحمد عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه تزوج امرأة من بني جُشَم فدخل عليه القوم فقالوا: بالرِّفاء والبنين، فقال: لا تفعلوا ذلك، قالوا: فما نقول يا أبا زيد؟ قال: قولوا بارك الله لكم وبارك عليكم، إنا كذلك نؤمر [3].
فلو مثل المؤلف لمراده بغير هذا المثال لكان أولى، لأن المثال المذكور يوهم جواز التهنئة بهذه العبارة.

ــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 301 ) " مبحث الإيجاز ".
[2] رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/ 201، 3/ 451 ) والدارمي في مسنده ( 3/ 1390 ) والطبراني في المعجم الكبير ( 17 / 193 ) رقم ( 513 ) والبيهقي في السنن ( 7/ 148 ) وقد أطال محقق مسند الدارمي الشيخ حسين سليم أسد في تخريج الحديث مرجحاً صحة إسناده .
[3] مسند الإمام أحمد ( 2/ 201، 3/ 451 ) وإسناده صحيح .

غمام 07-01-2011 03:28 AM

(24)

قال الخطيب القزويني: "واعلم أنه قد يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كثرة حروفه وقلتها بالنسبة إلى كلام آخر مساوٍ له في أصل المعنى – وساق أمثلة ثم قال – وكذا ما ورد في الحديث: "الحزم سوء الظن" " [1].
التعليق:
هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد أورده السيوطي في " الدرر المنتثرة " وقال:" رواه أبو الشيخ بسند واهٍ جداً عن علي موقوفاً والقضاعي في مسند الشهاب عن عبد الرحمن بن عائد مرفوعاً" [2]. وقال المناوي عن إسناد القضاعي: "فيه علي بن الحسن بن بندار، قال الذهبي في "ذيل الضعفاء" : "اتهمه ابن طاهر، أي بالوضع، وبقيّة [3]، وقد مر ضعفه، والوليد بن كامل، قال في الميزان: "ضعفه أبو حاتم والأزدي، وقال البخاري: عنده عجائب، وساق هذا منها"[4].
وقد أورده ناصر الدين الألباني رحمه الله في "سلسلة الأحاديث الضعيفة " وقال عنه: "ضعيف جداً "[5].

ــــــــــــــ
[1]الإيضاح ( 321 ) " آخر مبحث الإيجاز والإطناب ".
[2] الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ( 102 ) .
[3] أي بقية بن الوليد، وهو مدلس تدليس التسوية، وهو شر أنواع التدليس .
[4] فيض القدير ( 3/ 412 ) .
[5] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ( 3/ 291 ) رقم ( 1151 ) .

غمام 07-01-2011 03:34 AM

(25)

قال الخطيب القزويني: "وكذا تعهد الفرق بين أن تقول: الدنيا لا تدوم وتسكت، وأن تذكر عقيبه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مَنْ في الدنيا ضيف ، وما في يده عارية، والضيف مرتحل والعارية مؤداة " [1].
التعليق:
لم أجد هذا الحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير [2] ومن طريقه أبو نعيم في الحلية [3]عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن مسعود موقوفاً عليه. وأورده الهيثمي في المجمع وقال: "الضحاك لم يدرك ابن مسعود، وفيه ضعف" [4].

ــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 330 ) " مبحث التشبيه ".
[2] المعجم الكبير ( 9/ 105 ) رقم ( 8533 ) .
[3] حلية الأولياء ( 1/ 134 ) .
[4] مجمع الزوائد ( 10/ 235 ) .

غمام 07-01-2011 03:41 AM

(26)

قال الخطيب القزويني: "ومنها: [أي من علاقات المجاز المرسل ] تسمية المسبَّب باسم السبب، كقولهم: رعينا الغيث، أي النبات الذي سببه الغيث، وعليه قوله عز وجل : ((فَمَنِ اعتَدَى عَليكُمْ فاعتَدُوا عَلَيهِ بمِثْلِ ما اعتَدَى عَلَيكُمْ ))[ البقرة: 194 ] ... وقوله تعالى: ((وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ ))[محمد: 31] تُجُوِّز بالبلاء عن العرفان لأنه مسبَّب عنه، كأنه قيل: ونعرف أخباركم "[1].
التعليق:
قوله تعالى: ((وَنَبْلُوَا )) لا يتعين فيه المجاز الذي قاله المؤلف وأنه من قبيل التجوز بالسبب عن المسبَّب، فعنده أن معنى قوله: (( نَبْلُوَا )) أي نعلم إذ العلم مسبَّب عن الابتلاء بمعنى الاختبار.
والظاهر أن (( نَبْلُوَا )) على معناها، أي نختبر، فيكون المعنى نختبر أخباركم وهي حقائق ما أنتم عليه فتكون بعد الابتلاء معلومة للرب علم ظهور ووجود [2].
وعلى هذا فتصبح هذه الجملة من جنس ما قبلها في الآية وهو قوله: (( وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ ...)) إلا أن الجملة الثانية أعم من الأولى، وعليه؛ فلا يكون في الآية شاهد على ما قصده المؤلف.

ــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 399، 400 ) " مبحث المجاز ".
[2] ينظر: النكت والعيون للماوردي ( 5/ 305 ) الجامع لأحكام القرآن ( 16/ 254 ) .

غمام 07-01-2011 03:49 AM

(27)

قال الخطيب القزويني: "وكذا [أي من إطلاق اسم السبب على المسبَّب ] قوله تعالى: (( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله )) [ آل عمران: 54 ] تُجُوِّز بلفظ المكر عن عقوبته، لأنه سببها.
قيل: ويحتمل أن يكون مكرُ الله حقيقة، لأن المكر هو التدبير فيما يضر الخصم، وهذا محقق من الله تعالى باستدراجه إياهم بنعمه مع ما أعد لهم من نقمة " [1].
التعليق:
اعلم أن ما ذكره المؤلف احتمالاً بصيغة البناء للمفعول ( قيل ) هو الصواب، فإن المكر من الله حقيقة، ومن مكره سبحانه بالكافرين استدراجه لهم من حيث لا يعلمون وإملاؤه لهم ليزدادوا إثماً، والمكر من الله كله حق وعدل، ولذا قال سبحانه : (( وَالله ُ خَيرُ الماكِرِينَ )) [ آل عمران: 54 ] وقال سبحانه: (( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فلا يأمَنُ مَكْرَ اللهِ إلاَّ القَومُ الخَاسِرُونَ )) [الأعراف: 99 ] .

ــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 400 ) " مبحث المجاز ".

غمام 07-01-2011 04:01 AM

(28)

قال الخطيب القزويني في تقسيم الاستعارة: "وأما باعتبار الثلاثة، أعني الطرفين والجامع فستة أقسام: استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي، أو بوجه عقلي، أو بما بعضه حسي وبعضه عقلي، واستعارة معقول لمعقول، واستعارة محسوس لمعقول، واستعارة معقول لمحسوس، كل ذلك بوجه عقلي، لما مر، أما استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي فكقوله تعالى: (( فَأخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ )) [طه: 88 ] فإن المستعار منه ولد البقرة، والمستعار له الحيوان الذي خلقه الله تعالى من حلي القبط التي سَبكتها نار السامري عند إلقائه فيها التربة التي أخذها من موطئ حيزوم فرس جبريل عليه السلام ، والجامع لهما الشكل، والجميع حسي" [1].
التعليق:
قوله: "الحيوان الذي خلقه الله تعالى من حلي القبط" قول باطل؛ فما العجل الذي صنعه السامري بحيوان، بل هو جماد لم يخرج بالصنعة عن كونه جماداً، لكنه تمثال شُبه بالعجل في شكله وصوته، وقوله: ( خلقه الله ) يشعر بعدم تأثير الصنعة فيه، وهذا يرجع إلى مذهب الأشاعرة في علاقة السبب بالمسبَّب، وهي عندهم – كما أومأت إليه فيما سلف – علاقة اقتران لا تأثير، ومعلوم أن الله خالق الأسباب والمسبَّبات، ولا يمنع ذلك من أن يكون للسبب تأثير في المسبَّب بإذن الله تعالى. والله أعلم [2].

ـــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 426، 427 ) .
[2] انظر ص ( 483 ) = ( المسألة الخامسة) .

غمام 07-01-2011 04:14 AM

(29)

قال الخطيب القزويني: "وأما المجاز المركب فهو اللفظ المركب المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل، للمبالغة في التشبيه، أي تشبيه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور بالأخرى، ثم تدخل المشبهة في جنس المشبه بها، مبالغة في التشبيه فتذكر بلفظها من غير تغيير بوجه من الوجوه، كما كتب به الوليد بن يزيد لما بويع إلى مروان بن محمد وقد بلغه أنه متوقف في البيعة له: أما بعد؛ فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت. والسلام – إلى أن قال: - وكذلك قوله تعالى: (( وَالأرضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَومَ القيامةِ )) [ الزمر: 67 ] إذ المعنى والله أعلم - أن مثل الأرض في تصرفها تحت أمر الله تعالى وقدرته مثل الشيء يكون في قبضة الآخذ له منا، والجامع يده عليه، وكذا قوله تعالى: ((وَ السَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيمينهِ )) [ الزمر: 67 ] أي يخلق فيها صفة الطي حتى تُرى كالكتاب المطوي بيمين الواحد منا، وخَص اليمين ليكون أعلى وأفخم للمثل، لأنهما أشرف اليدين وأقواهما، والتي لا غناء للأخرى دونها، فلا يهش إنسان لشيء إلا بدأ بيمينه، فهيأها لنيله، ومتى قُصد جَعْلُ الشيء في جهة العناية جُعل في اليد اليمنى، ومتى قصد خلاف ذلك جُعل في اليسرى، كما قال ابن ميادة: ألم تك في يمنى يديك جعلتني ** فلا تجعلني بعدها في شمالكا ..." [1].
التعليق:
إيراد المؤلف آية الزمر في باب المجاز المركب أو الاستعارة التمثيلية وحديثه هذا عنها صريح في أن الله لا يقبض الأرض بيده، ولا السموات بيمينه، بل المراد عنده بقبض الأرض وطي السموات بيمينه هو تصرفه سبحانه في الأرض بقدرته وجعله السماء مطوية، وأن التعبير عن ذلك بالقبض الذي يكون باليد، وطي السموات باليمين = محضُ تمثيل، فلذلك عدَّ هذا التعبير من قبيل المجاز، وهذا باطل؛ لأنه مبني على نفي حقيقة اليدين عن الله، ونفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته سبحانه، وهذا من مذهب الأشاعرة الذي تبعوا فيه الجهمية .
ومذهب أهل السنة والجماعة أن لله يدين حقيقة يفعل بهما ما شاء، وقد خلق آدم بيديه، وخصّه بذلك من بين سائر المخلوقات، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يأخذ سمواته وأَرَضيه بيديه، فيقول: "أنا الله، أنا الملك" وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقبض أصابعه ويبسطها "[2].
وهذا الحديث يفسر هذه الآية، ويبين أن المراد بها أخذه سبحانه للسموات والأرض بيديه. وفي حديث أبي هريرة مرفوعاً: "يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه"[3].
وهذا كله دال على بطلان التأويل الذي ذكره المؤلف وبطلان الأصل الذي بني عليه.
قال ابن القيم رحمه الله : "ورد لفظ ( اليد ) في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مئة موضع وروداً متنوعاً متصرَّفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطي والقبض والبسط ... والخلق باليدين، وأنه يطوي السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يطوي الأرض بيده الأخرى "[4] إلى آخر كلامه رحمه الله .
وبهذا كله يتبين – إن شاء الله – أن الآية ليست من شواهد المجاز المركب أو الاستعارة التمثيلية، بل هي من باب الحقيقة، والله أعلم .

ــــــــــــــ
[1]الإيضاح ( 438، 439 ) " مبحث المجاز المركب ".
[2] رواه مسلم ( 4/ 2148 ) رقم ( 2787 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما .
[3] رواه البخاري ( 4 / 1812 ) رقم ( 4534 ) ومسلم ( 4/ 2148 ) رقم ( 2787 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه .
[4] مختصر الصواعق المرسلة ( 384 ) .

غمام 07-01-2011 04:24 AM

(30)

قال الخطيب القزويني – في ضمن سياقه لشواهد الاستعارة التمثيلية - : "وكذا ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أحدكم إذا تصدّق بالتمرة من الطيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – جعل الله ذلك في كفه فيريبها كما يربي أحدكم فُلُوَّه، حتى يبلغ بالتمرة مثل أحد" [1]، والمعنى فيهما على انتزاع الشبه من المجموع، وكل هذا يسمى التمثيل على سبيل الاستعارة، وقد يسمى التمثيل مطلقاً" [2].
التعليق:
ما في هذا الحديث من ذكر الأخذ للصدقة بيمينه سبحانه، أو جعلها في كفه وتربيتها إنما هو عبارة عن القبول ومضاعفة الثواب، وذكر الكف واليمين فيه مزيد تحقيق لذلك. ويزيد الأمر تحقيقاً وتوضيحاً قوله صلى الله عليه وسلم : "كما يربي أحدكم فُلُوَّه".
يدل على ذلك أن من المعلوم بالضرورة أن الصدقة بالتمرة فصاعداً إنما تقع في يد الفقير، وأما الذي عند الله – فيربيه حتى تكون التمرة مثل الجبل – فهو الثواب يضاعفه الله أضعافاً كثيرة لا يعلم عدد هذا التضعيف إلا الله، والله واسع عليم .
ومع ذلك فإن هذا الحديث مما يستدل به أهل السنة على إثبات اليدين لله، وإثبات الكف واليمين، وعلى هذا فمن جعل في الحديث استعارة بناءً على نفي حقيقة اليدين عن الله فهو معطِّل مجانب للصواب، وهذا ما درج عليه المؤلف كما ترى في كلامه.
ومن جعل التعبير عن القبول والمضاعفة بالأخذ باليمين والتربية استعارة مع إثباته لحقيقة اليمين والكف فلقوله وجه، والله أعلم .

ــــــــــــــــــ
[1] أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظ البخاري ( 2/ 511 ) رقم ( 1344 ) : "من تصدق بعَدْل تمرة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فُلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل " ورواية مسلم ( 2/ 702 ) رقم ( 1014 ) : " ما تصدق أحد بصدقة من طيِّب – ولا يقبل الله إلا الطيب – إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله " ولفظ مسلم الآخر: " لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه، فيربيها كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو قَلوصه ( القَلوص: الناقة الفتية ) حتى تكون مثل الجبل، أو أعظم" والرواية التي ساقها الخطيب القزويني هي بنصها في " أسرار البلاغة " ( 365 ) ، وهي مخرجة بنحوها في "مسند الدارمي" ( 1042 ) برقم ( 1717 ) قال الدارمي: "أخبرنا سعيد بن المغيرة عن عيسى بن يونس عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما تصدق امرؤ بصدقة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا طيباً – إلا وضعها حين يضعها في كف الرحمن، وإن الله ليربي لأحدكم التمرة كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل أحد" قال محقق المسند: "إسناد صحيح" .
[2] الإيضاح ( 441 ) .

س احمد 07-01-2011 04:24 AM

جزاک الله خيراً.
هل يجوز الاستشهاد بالاحاديث الضعيفة في البلاغة والنحو؟
وهل يجوز الاستشهاد بالشعر الجاهلی المخالف للشرع کلخمر واللغو؟

غمام 07-01-2011 04:32 AM

وجزاكَ الله خيرًا، أما أسئلتُكَ فلا تحضُرني إجابةٌ شافيةٌ حولَها مع أهميتِها، ولعلَّكَ تكتبُ حديثًا مستقِلاًّ، وستجدُ ما يسرُّكَ، إن شاءَ الله .
وأذكرُ أنَّ كتاباً للدكتور/ عبد المحسن العسكر، عنوانه "شعر الغزل ونظرة سواء"، وإن كانَ بعيدًا عن سؤالِكَ، لكن لعلَّهُ ذكرَ شيئًا مما تُريدُ، وللأسفِ لم أطلعْ عليهِ بعد.
وفقكَ الله .

س احمد 07-01-2011 04:46 AM

جزاک الله الف خير.

غمام 07-01-2011 04:49 AM

(31)

قال الخطيب القزويني: "فصل واعلم أن الكلمة كما توصف بالمجاز لنقلها عن معناها الأصلي – كما مضى – توصف به أيضاً لنقلها عن إعرابها الأصلي إلى غيره، لحذف لفظ أو زيادة لفظ، أما الحذف فكقوله تعالى: (( وجَاءَ رَبُّكَ )) [ الفجر: 22 ] أي أمر ربك " [1].
التعليق:
هذا من تأويلات المؤلف التي جرى فيها على طريقة الأشاعرة النفاة، والصواب إبقاء الآية على ظاهرها، دون ادعاء الحذف فيها لعدم القرينة الدالة على الحذف. ولتوافر النصوص من الكتاب والسنة على إثبات صفة المجيء لله تبارك وتعالى، وأنه سبحانه يأتي يوم القيامة حقيقة كيف شاء، أي هو يجيء نفسه عز وجل لفصل القضاء بين عباده، وهذا هو مذهب السلف الصالح رضي الله عنهم، قال تعالى: ((هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أن يأتِيَهُمُ الله في ظُلَلٍ مِنْ الغَمَامِ والملائكةُ وَقُضيَ الأمرُ )) [ البقرة: 210 ] وقال سبحانه: ((هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن تأتِيَهُمُ الملائكةُ أو يأتـِيَ ربُّكَ أو يأتـِيَ بَعْضُ آياتِ ربِّكَ )) [ الأنعام : 158 ] وقال تبارك وتعالى : ((وَجَاءَ ربُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صفًّا )) [ الفجر: 22 ] .
قال أبو الحسن الأشعري: "وأجمعوا على أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفًّا، لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها " [2].

ـــــــــــــ
[1]الإيضاح ( 454 ) "مبحث المجاز بالحذف والزيادة".
[2] رسالة إلى أهل الثغر ( 227 ) .

غمام 07-01-2011 06:21 AM

(32)

قال الخطيب القزويني: "والكناية البعيدة ما ينتقل منها إلى المطلوب بها بواسطة، كقولهم – كناية عن الأبله- :عريض الوسادة، فإنه ينتقل من عرض الوسادة إلى عرض القفا، ومنه إلى المقصود" [1].
التعليق:
إن قول المصنف ( عريض الوسادة ) يشير به إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم : "إنك لعريض الوسادة " [2]، كما صرح به البلاغيون من الشراح وغيرهم كالعلوي [3] والسبكي [4] والبابرتي [5] والمفتي [6] وجماعة من المعاصرين [7] .
والحق أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم هذا ليس من قبيل الكناية، بل من الكلام الذي هو على ظاهره، على تقدير أن وساد عدي غطى الخيطين الأسود والأبيض؛ الليل والنهار، لأنهما المرادان من الخيطين في الآية، وهي قول الله عز وجل: (( وكُلُوا واشْربُوا حتَّى يتبَيَّنَ لَكُمُ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ مِنَ الفَجْرِ )) [ البقرة: 187 ] ويؤيد ذلك أمران :
الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعدي – كما في إحدى روايتي البخاري - : "إن وسادك إذن لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك" لقوله: إني جعلت تحت وسادتي عقالين.
الثاني: أن حمل قوله صلى الله عليه وسلم : "إن وسادك لعريض" على الكناية عن الغفلة والبلاهة على ما هو معروف عند البلاغيين = مما لا يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه مَنْ أخطأ في فهم القرآن، و هو مجتهد في معرفة حكم الله والعمل بشرعه، كيف وظاهر اللفظ معه؟ ولهذا أنزل الله زيادةً في البيان قوله: ((مِنَ الفَجْرِ )) [8] ، ويؤيد عذر عدي في ذلك الفهم والاجتهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء صوم الأيام التي أكل فيها إلى أن تبين له العقال الأبيض من الأسود، وهذا ما درج عليه المحققون في شرح الحديث.
وعلى ذلك فاستشهاد البلاغيين بهذا الحديث في باب الكناية غلط منهم، ولم يوافقهم عليه أحد من العلماء. قال أبو العباس القرطبي:" قوله "إن وسادك لعريض" حمله بعض الناس على الذم له على ذلك الفهم، وكأنه فهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه. وربما عضدوا هذا بما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إنك لعريض القفا" [9] وليس الأمر كذلك، فإنه حَمَل اللفظ على حقيقته اللسانية، إذ هي الأصل، إذ لم يتبين له دليل التجوز، ومن تمسك بهذا الطريق لم يستحق ذماً، ولا ينسب إلى جهل، وإنما عنى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم – والله أعلم – أن وسادك إن غطّى الخيطين اللذين أراد الله، اللذين هما الليل والنهار، فهو إذن وساد عريض واسع، إذ قد شملهما وعلاهما، ألا تراه قد قال على إثر ذلك: "إنما هو سواد الليل وبياض النهار" فكأنه قال: فكيف يدخلان تحت وساد؟ وإلى هذا يرجع قوله: "إنك لعريض القفا" لأن هذا الوساد الذي قد غطّى الليل والنهار بعرضه لا يرقد عليه ولا يتوسده إلا قفاً عريض، حتى يناسب عرضُه عرضَه، وهذا عندي أشبه ما قيل فيه وأليق" [10] .وبنحو ذلك قال القاضي عياض رحمه الله [11].

ــــــــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 458 ) " مبحث الكناية ".
[2] رواه البخاري ( 4/ 1640 ) رقم ( 4239، 4240 ) ومسلم ( 2/ 766 ) رقم ( 1090 ) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه .
[3] الطراز ( 1/ 429 ) .
[4] عروس الأفراح ( 4/ 257 ) " شروح التلخيص ".
[5] شرح التلخيص ( 603 ) .
[6] خلاصة المعاني ( 398 ) .
[7] ينظر: تفسير التحير والتنوير ( 2/ 185 ) الأسلوب الكنائي لمحمود شيخون ( 72 ) .
[8] أخرج البخاري ( 4/ 1640 ) رقم ( 4241 ) ومسلم ( 2/ 767 ) رقم ( 1091 ) عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أنزلت: (( وكُلُوا واشْربُوا حتَّى يتبَيَّنَ لَكُمُ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ مِنَ الفَجْرِ )) ولم ينزل ((مِنَ الفَجْرِ )) وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعده ((مِنَ الفَجْرِ )) فعلموا أنما يعني الليل من النهار" هذا لفظ البخاري .
[9] صحيح البخاري ( 4/ 1640 ) رقم ( 4240 ) .
[10] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ( 3/ 148 ) .
[11] إكمال المعلم بفوائد مسلم ( 4/ 26 ) .

غمام 07-01-2011 06:46 AM

(33)

قال الخطيب القزويني في مبحث الكناية: "وكقولهم : ( مثلك لا يبخل ) قال الزمخشري: "نفوا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية، لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده وعمّن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه، ونظير قولك للعربي: العرب لا تخفر الذمم، فإنه أبلغ من قولك: أنت لا تخفر، ومنه قولهم: أيفعتْ لداته، وبلَغت أترابه، يريدون إيفاعه وبلوغه" [1] وعليه قوله تعالى: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ )) [ الشورى: 11 ] – على أحد الوجهين وهو أن لا تجعل الكاف زائدة – قيل: وهذا غاية لنفي التشبيه، إذ لو كان له مثل، لكان لمثله شيء وهو ذاته تعالى، فلما قال: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ )) دل على أنه ليس له مثل.
وأورد أنه يلزم منه نفيه تعالى لأنه مثل مثَله، ورُد بمنع أنه تعالى مثل مثله، لأن صدق ذلك موقوف على ثبوت مثله، تعالى عن ذلك" [2].
التعليق:
جَعْل الآية من قبيل الكناية اعتماداً على قول العرب ( مثلك لا يبخل ) لا يستقيم؛ لأن الآية سيقت لنفي المثل عمّن لا مثل له، ولا يجوز أن يكون له مثل، وقولهم: ( مثلك لا يبخل ) جارٍ على من له مثل أو يجوز أن يكون له مثل، ولهذا أوهم هذا الوجه إثبات المثل لله تعالى، وهو ضد ما سيقت الآية لتقريره، وهو تنزيه الله عن أن يكون له مثل سبحانه وتعالى.
بيد أن أسلم الوجوه البيانية وأبعدها عن الإيهام والإشكال في معنى اجتماع الكاف و ( مثل ) في الآية أن يقال: إن الكاف جاءت زائدة لتأكيد نفي المماثلة، فإن الزيادة في الحروف مألوفة، ولا يتوهم أن معنى وصفها بالزائدة: خلوها من الفائدة، فالزيادة في المبنى زيادة في المعنى، وتلك تسمية اصطلاحية، ثم إن فَهْمَ المقصود من الآية على هذا الوجه سهل، وهو ما ذهب إليه أكثر المفسرين وعلماء العربية [3].
قال أبو الفتح عثمان بن جني: "اعلم أن هذه الكاف التي هي حرف جر، كما كانت غير زائدة فيما قدَّمنا ذكره فقد تكون زائدة مؤكِّدة بمنزلة الباء في خبر ( ليس ) و ( ما ) و ( من )، وغير ذلك من حروف الجر، وذلك نحو قوله عز وجل: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ )) وتقديره – والله أعلم - : ليس مثَله شيء، فلابد من زيادة الكاف ليصح المعنى، لأنك إن لم تعتقد ذلك أثبت له عز اسمه مثلا، فزعمت أنه ليس كالذي هو مثله شيء. فيفسد هذا من وجهين:
أحدهما: ما فيه من إثبات المثل له عز اسمه علواً عظيماً.
والآخر: أن الشيء إذا أثبت له مثلا فهو مِثْلُ مِثله؛ لأن الشيء إذا ماثله شيء فهو أيضاً مماثل لما ماثله. ولو كان ذلك كذلك – على فساد اعتقاد معتقده – لما جاز أن يقال: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ )) لأنه تعالى مثل مثله، وهو شيء. لأنه تبارك وتعالى قد سمّى نفسه شيئاً بقوله تعالى: (( قُلْ أيُّ شَيءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله ُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ )) [ الأنعام: 19 ]وذلك أن ( أيّاً ) إذا كانت استفهاماً فلا يجوز أن يكون جوابها إلا من جنس ما أضيفت إليه، ألا ترى أنك لو قال لك قائل: أي الطعام أحب إليك؟ لم يجز أن تقول له: الركوب ولا المشي، ولا نحو ذلك مما ليس من جنس الطعام، فهذا كله يؤكد عندك أن الكاف في ( كمثله ) لابد أن تكون زائدة " [4].

ـــــــــــــــ
[1] هنا ينتهي كلام الزمخشري، وهو في الكشاف ( 3/ 462 ) .
[2] الإيضاح ( 464، 465 ) .
[3] ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج ( 4/ 395 ) المحرر الوجيز لابن عطية ( 14/ 207 ) التبيان في إعراب القرآن للعكبري ( 2/ 131 ) مغني اللبيب لابن هشام ( 237 ) الدر المصون للسمين ( 6/ 76 ) التحرير والتنوير ( 25/ 47 ) .
[4] سر صناعة الإعراب: ( 291 ) .

غمام 07-01-2011 06:58 AM

(34)

قال الخطيب القزويني: "تنبيه أطبق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وأن الاستعارة أبلغ من التصريح بالتشبيه، وأن التمثيل على سبيل الاستعارة أبلغ من التمثيل لا على سبيل الاستعارة، وأن الكناية أبلغ من الإفصاح بالذكر"[1].
التعليق:
كنت أتمنى على المؤلف لو قال: أطبق البلغاء على أن المجاز أكثر مبالغة من الحقيقة ... إلخ. أو لو بيّن – على الأقل- أنه يريد بالأبلغية هنا المبالغة، فإنه قد يتبادر من العبارة للقارئ أن ( أبلغ ) من البلاغة، كما وقع ذلك لبعض المصنفين [2] وإن كان الخطيب قد تلقف هذه العبارة من عبد القاهر[3] والسكاكي [4].
وذلك لأن ( أبلغ ) اسم تفضيل، وإنما يشتق من الثلاثي، كما هو مذهب جمهور النحويين، فلا غرو أن تحمل ( أبلغ ) على ( بَلُغ ) لا ( بالغ )، هذا شيء، وشيء آخر، وهو أن ( أبلغ ) في عرف أصحاب هذا الفن من البلاغة لا من المبالغة، كما إذا قالوا: هذا التعبير أبلغ من ذاك، وقد يعطفون عليها ( أفصح ) تأكيداً لمعنى البلاغة، كقول أبي هلال العسكري: "قوله عز اسمه: (( وَإِذَا غَرَبَتْ تقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ )) [ الكهف: 17 ] ليس في جميع القرآن أبلغ ولا أفصح منه "[5].
وأيَّا ما كان؛ فإن المؤلف قصد بالأبلغية هنا المبالغة فحسب، لأن في هذه الأساليب ( المجاز والاستعارة والكناية ) إفادة المعنى بدليله.
وأما حمل ( أبلغ ) على البلاغة ففيه نظر ظاهر، ذلك لأن لكل من هذه الأساليب ( الحقيقة، المجاز، الاستعارة... إلخ ) موقعه اللائق به، ولا يمكن أن يحكم لبعضها بأنه أبلغ من غيره بإطلاق، فإن المقام إذا كان يتطلب المجاز فيكون المجاز حينئذ أبلغ من الحقيقة، والعكس بالعكس، وهكذا يقال في الأساليب الأخرى حين التفاضل، وإلا فما معنى قولهم: (البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال) بيد أنك تجد القرآن وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقة والتصريح بالتشبيه، والتمثيل لا على سبيل الاستعارة، ومحال أن تقول: إن هذه الأساليب غير بليغة ولو جاء ضدها من المجاز والاستعارة لكان الكلام أبلغ!
ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لا يلجأ إلى المجاز إلا لتحقيق غاية في صناعة الكلام، فإذا لم يحقق المجاز غاية، ولم يكن له أثر في تقويم اللفظ أو تحسين المعنى، فلا ينبغي العدول عن لفظ الحقيقة إلى لفظ المجاز، لأن الأصل الحقيقة. ولا يعدل عن الأصل إلى الفرع إلا لفائدة.

ــــــــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 468 ) .
[2] انظر على سبيل المثال: المثل السائر ( 1/ 88 )، الطراز ( 2/ 8 )، الصور البيانية بين النظرية والتطبيق لحفني شرف ( 222 ) البحث البلاغي عند ابن قتيبة لمحمد الصامل ( 219 ) .
[3] دلائل الإعجاز ( 70 ) .
[4] مفتاح العلوم ( 523 ) .
[5] الصناعتين ( 282 ) .

غمام 07-01-2011 07:12 AM

(35)

قال الخطيب القزويني: "ثم قال [أي السكاكي ] : وإذ قد وقفتَ على البلاغة والفصاحة المعنوية واللفظية، فأنا أذكر على سبيل الأنموذج آية أكشف لك فيها عن وجوه البلاغة والفصاحتين ما عسى يسترها عنها، وذكر ما أورده الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (( وَقِيلَ يا أرضُ ابْلَعِي ماءَكِ ويا سماءُ أقلعِي وَغِيضَ الماءُ وَ قُضِيَ الأمْرُ واسْتَوَتْ عَلَلى الجُودِي وقِيلَ بُعْدًا للقَومِ الظَّالمينَ )) [ هود: 44 ] ...إلخ " [1].
التعليق:
أطال المؤلف جداً في تحليل الآية بما نقله عن السكاكي – الذي أخذ عن الزمخشري – ثم ما أضافه الخطيب من عند نفسه، بيد أنه ترك التنبيه على أشياء مهمة لا يصح للبلاغي ولا لمن يتعاطى التفسير إغفالها، فأقول متمماً لمقاله، وبالله التوفيق:
في هذه الآية أربعة أفعال مبنية لما لم يسم فاعله، فأما الثاني والثالث وهما (( غِيضَ )) و (( قُضِي )) فالفاعل لهما الله، فهو سبحانه الذي غاض الماء، أي نقَصَه حتى ذهب عن وجه الأرض، وهو الذي قضى الأمر، أمرَ إهلاك المكذبين، أي أتمه، فنفذ فيهم حكمه الذي سبق به قدره.
وأما الأول والرابع، وهما (( قِيلَ )) في أول الآية وآخرها فيحتمل أن يكون الفاعل عاما لكل من يتأتى منه القول، ويكون ما في هذا القول من النداء للأرض والسماء وارداً على جهة التمني، وهو يصوّر مبلغ الهول وشدة الخوف، وعلى هذا الوجه فقوله: (( وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَومِ الظالمِينَ )) دلالة على بغض كل شيء للظالمين، فلذلك يدعو عليهم بالبعد غير مأسوف عليهم.
ويحتمل أن يكون فاعل القول في الموضعين هو الله [2] والنداء في الأرض والسماء خطاب من الله لهما بما أَمَرهما به، والأمر يحتمل أن يكون أمر تكوين محض، فلا إرادة للسماء والأرض في الفعل المضاف إليهما، ويحتمل أن يكون أمر تكليف فيكون الفعل من الأرض و السماء واقعاً بإرادة منهما طاعة لله تعالى، وهذا أظهر كما قال سبحانه: (( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ ائتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أتَيْنَا طَائِعِينَ )) [ فصلت: 11 ] .
ولا يمتنع أن يكون للأرض والسماء من الإدراك والإرادة ما يؤهلهما للخطاب. وعلى هذا الوجه فقوله: (( وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَومِ الظالمِينَ )) حكم من الله ببعد الظالمين من رحمته، وهذا يتضمن لعنة من الله عليهم.
وأما الإقلاع والبلع مضافين إلى السماء والأرض، فيحتمل أن يكون ذلك استعارة أو مجازاً عقلياً على تقدير أن لا إرادة لهما، وأما على تقدير أن لهما إرادة فالفعل منهما حقيقة، إلا إذا قيل إن البلع مختص بالحيوان، فالتعبير بالبلع عن دخول الماء في جوف الأرض استعارة تصريحية.
والراجح من الوجهين في فاعل (( قِيلَ )) في أول الآية وآخرها هو الثاني، وهو أن فاعل القول هو الله، وذلك لأمور:
أولها: لتتحد الأفعال الأربعة في فاعلها ويطرد التقدير.
ثانيها: أنه لا أحد يملك أمر السماء بالإقلاع والأرض ببلع الماء إلا خالقها ومدبرها، وهو الله سبحانه وتعالى.
ثالثها: أن الحكم من الله ببعد الظالمين وطردهم من رحمته أعظم في الوعيد والذم من دعاء الخلق عليهم. والله أعلم .

ـــــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 470 - 474 ) "خاتمة مبحث البيان ".
[2] ينظر: معارج الصعود إلى تفسير سورة هود للشنقيطي ( 122 ) .

غمام 07-01-2011 07:27 AM

(36)

قال الخطيب القزويني: "ومن مراعاة النظير ما يسميه بعضهم تشابه الأطراف وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى، كقوله تعالى: (( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللََّطِيفُ الخَبِيرُ )) [ الأنعام: 103 ] فإن اللطف يناسب ما لا يدرك بالبصر"[1].
التعليق:
إن هذا الكلام يفهم منه أن المصنف يفسر ( اللطيف ) بالخفي وهو غلط ظاهر، وقد وفد إليه هذا القول أو التفسير من الزمخشري، وهاك عبارته: " (( اللَّطِيف )) يلطف عن أنْ تدركه الأبصار " [2].
ومعلوم أن المعتزلة ينكرون أن الله عز وجل يُرى، بل يرون أن ذلك مستحيل على الله، كما يستحيل عليه النوم والموت ونحو ذلك من النقائص [3].
والذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل يُرى في الآخرة، يراه المؤمنون بأبصارهم كما يرون الشمس ليس دونها حجاب، والقمر ليس دونه سحاب.
والصحيح في تفسير (( اللَّطِيف )) في الآية أن يقال: اللطيف الذي يدرك الأشياء الخفية – فهو صيغة مبالغة من لَطَف -بفتح الطاء- فهو سبحانه من أحاط علماً بالسرائر والخفايا، وأدرك الخبايا والبواطن والأمور الدقيقة [4] و (( الخَبِيرُ )) في الآية تأكيد لما تضمنه (( اللَّطِيف )) من معنى، وهذه الآية تشبه في مبناها آية لقمان: (( يا بُنيَّ إنَّها إن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ )) إلى قوله - : (( إنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ )) [ لقمان : 16 ] وعلى هذا فيكون الاسمان الكريمان (( اللَّطِيفُ الخَبِيرُ )) اللذان ذيلت بهما الآية كلاهما راجع إلى قوله: (( وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ )) لا كما قال المؤلف .
وأحسب أنه بعد هذا قد تجلّى لك أن ادعاء تشابه الأطراف في الآية بعيد، اللهم إلا أن يكون تشابهاً نسبياً، والله أعلم.
تنبيه – جاء اسم الله (( اللَّطِيف )) في القرآن على نوعين لا ثالث لهما ألبتة:
الأول: أنه الذي لا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت، أي هو لطيف العلم، وهو ما شرحناه لك فيما مضى في سورة الأنعام التي استشهد بها القزويني.
الثاني: الرؤوف بعباده الذي يلطف ويرفق بهم من حيث لا يعلمون، يرزقهم من حيث لا يحتسبون، ويحسن إليهم من حيث لا يشعرون.
فهذا المعنيان هما اللذان يفسر بهما – فقط – كل ما ورد من اسم الله ( اللَّطِيف )) أما مجيء (( اللَّطِيف )) بمعنى الخفي فلا يوجد في القرآن. قال ابن القيم رحمه الله:
وهو اللطـيف بعبده ولعبده ** واللطف في أوصـافه نوعان
إدراك أسرار الأمور بخبرة ** واللطـف عند مواقع الإحسان
فيريك عزته ويبدي لطفه **والعبد في الغفلات عن ذا الشان [5]

ـــــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 490 ) "مبحث المحسنات المعنوية ".
[2] الكشاف ( 2/ 41 ) .
[3] ينظر: المغني في أبواب التوحيد والعدل ( 4/ 139 ) متشابه القرآن ( 1/ 291 ) كلاهما لعبد الجبار.
[4] تيسير الكريم الرحمن ( 268 ) .
[5] نونية ابن القيم " مع شرح ابن عيسى " ( 2/ 228 ) وينظر النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى ( 1/ 241 ) .

غمام 07-01-2011 07:40 AM

(37)

قال الخطيب القزويني: "ومما يلحق بالتناسب نحو قوله تعالى: (( الشَّمْسُ وَ القَمَرُ بِحُسْبَانٍ * والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدَانِ )) [ الرحمن : 5، 6 ] ، ويسمى: إيهام التناسب " [1].
التعليق:
القزويني يفسر النجم في الآية بأنه النبات الذي ينبسط على وجه الأرض ولا ساق له، وهذا تفسير ابن عباس وغيره، واختاره ابن جرير [2] ، فيكون في ذكر النجم – بهذا المعنى – عقِب ذكر الشمس والقمر إيهام تناسب، ولنا هنا مأخذان:
الأول: لو سمى المؤلف هذا المحسن البديعي ( التناسب اللفظي ) لكان أولى [3] ، فرارا من إطلاق لفظ ( إيهام ) على القرآن، فهذا غير لائق، لأن الله عز وجل قد وصف كتابه بأنه بيان وتبيان وهدى ورحمة، فقال سبحانه وتعالى : (( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ للمُتَّقِينَ )) [ آل عمران: 138 ] وقال تعالى: (( وَنزَّلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ تِبْيانًا لكلِّ شيءٍ وَهُدًى وَرَحمةً وَ بُشْرَى لِلمسْلِمِينَ )) [ النحل: 89 ]، والإيهام ينافي كمال البيان .
الثاني: ذهب جماعة من المفسرين منهم مجاهد والحسن البصري وقتادة [4] إلى أن النجم في الآية هو الذي في السماء، واستظهره الحافظ ابن كثير [5] والشنقيطي [6] ، واستدل عليه بأن الله عز وجل صرح في سورة الحج بسجود نجوم السماء والشجر، ولم يذكر في آية من كتابه سجود ما ليس له ساق من النبات بخصوصه، قال تعالى: (( أَلَمْ ترَ أنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن في السَّمواتِ وَمَن في الأرْضِ وَ الشَّمسُ وَ القَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الجِبَالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوابُّ )) الآية [ الحج: 18 ] فدلت هذه الآية على أن الساجد من الشجر في آية الرحمن هو النجوم السماوية المذكورة في سورة الحج، وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
وعلى هذا الوجه في تفسير ( النجم ) في سورة الرحمن يكون في الآيتين تناسب صريح في ذكر الشمس والقمر والنجم، لا إيهام تناسب كما يقول القزويني وغيره.

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 491 ) " مبحث المحسنات المعنوية ".
[2] جامع البيان ( 27/ 116 ) الدر المنثور ( 7/ 692 ) .
[3] وأقترح أن يسمى التناسب الصريح تمييزاً له عن الذي قبله ( وهو التناسب اللفظي والمعنوي ) .
[4] جامع البيان ( 27/ 117 ) تفسير القرآن العظيم ( 4/ 421 ) .
[5] تفسير القرآن العظيم ( 4/ 421 ) .
[6] أضواء البيان ( 7/ 727 ) .

غمام 07-01-2011 07:52 AM

(38)

قال الخطيب القزويني: "ومنه [ أي البديع المعنوي ] المشاكلة، وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقاً أو تقريراً، أما الأول فكقوله:
قالوا اقترح شيئًا نُجِدْ لك طبخه ** قلت اطبخوا لي جُبَّة وقميصا
كأنه قال: خيطوا لي. وعليه قوله تعالى: (( تَعْلَمُ مَا في نَفْسِي ولا أَعلَمُ مَا في نَفْسِكَ )) [ المائدة: 116 ] " [1].
التعليق:
الصواب أنه ليس في الآية مشاكلة؛ فإن النفس في الموضعين معناها الذات، لكنْ نفسُ الخالق تليق به ونفس المخلوق تليق به، فليس النفس كالنفس وإن كان بينهما قدر مشترك وهو معنى النفس عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة، ومما يؤيد عدم المشاكلة في هذه الآية ورود النفس مضافة إلى الله من غير أن تقترن بذكر النفس مضافة إلى المخلوق كما في قوله سبحانه: (( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحمَةِ )) [ الأنعام: 54 ] وقوله عز وجل: (( وَ يُحذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ )) في موضعين من [ آل عمران: 28، 30 ] وقوله سبحانه في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " [2].
وقول ابن يعقوب المغربي: إن النفس مخصوصة في اللغة بالحيوان أو بالحادث الحي مطلقاً؛ [3] لا دليل عليه، ولعل ابن يعقوب ذهب إلى أن المراد بالنفس ( الروح ) التي بها حياة المخلوق فأوجب له ذلك نفي النفس حقيقة عن الله، والنفس بمعنى الروح ليست المرادة هنا، بل المراد بالنفس الذات كما تقدم، ومنه: جاء عبد الله نفسه.
وأما تفسير النفس في حق الله بالعلم كما هو اختيار الدسوقي [4] فلا يصح، لأمرين:
الأول: أنه تفسير لا أصل له في اللغة.
الثاني: أنه يرد عليه ما ورد على من قبله، وهو قوله تعالى: (( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )) إذ يلزم على هذا القول أن يكون المعنى: كتب ربكم على علمه الرحمة، وهذا ظاهر الفساد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ساق بعض النصوص التي فيها ذكر النفس لله تعالى: "فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء لله نفسه، التي هي ذاته المتصفة بصفاته" [5].

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 493 ) .
[2] رواه مسلم ( 4/ 1994 ) رقم ( 2577 ) عن أبي ذر رضي الله عنه .
[3] مواهب الفتاح ( 4/ 312 ) "ضمن شروح التلخيص".
[4] حاشية الدسوقي ( 4/ 312 ) "ضمن شروح التلخيص ".
[5] مجموع الفتاوى ( 9/ 292، 293 ) .

غمام 07-01-2011 08:22 AM

(39)

قال الخطيب القزويني: "وأما الثاني [ أي النوع الثاني من المشاكلة وهي المشاكلة التقديرية ] فكقوله تعالى: ((صِبْغَةَ اللهِ )) [ البقرة: 138 ] وهو مصدر مؤكد منتصب عن قوله: (( آمنَّا بِاللهِ )) [ البقرة: 136 ] والمعنى: تطهير الله، لأن الإيمان يطهر النفوس، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية، ويقولون: هو تطهير لهم، فأمر المسلمون أن يقولوا لهم: (( قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ )) وصَبَغنا الله بالإيمان صبغة ولم يصبغ صبغتكم، وجيء بلفظ الصبغة للمشاكلة وإن لم يكن قد تقدم لفظ الصبغ، لأن قرينة الحال – التي هي سبب النزول من غمس النصارى أولادهم في الماء الأصفر – دلَّت على ذلك، كما تقول لمن يغرس الأشجار: اغرس كما يغرس فلان، تريد رجلا يصطنع الكرام" [1].
التعليق:
لايصح ربط تفسير الآية بما عُرِفَ عن النصارى مما يسمونه المعمودية [2] إذ لم يقل بذلك أحد من السلف، ولا يجوز ربط تفسير الآيات بمعان لا علاقة لها بها لوجود قدر من الاشتراك اللفظي، كما لا يجوز تفسيرها بخلاف الظاهر دون دليل.
إن المنقول عن السلف في تفسير (صبغة الله) في الآية أنه دين الله، وبذلك قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو العالية والربيع بن أنس والسدي وغيرهم [3].
وجاء عن مجاهد أيضاً أن ( صبغة الله ) هي فطرته التي فطر الناس عليها [4] ، والله سبحانه قد فطر الناس على الدين القيّم كما قال ابن جرير [5] ، فيؤول هذا إلى التفسير السابق.
قال ابن فارس: "الفاء والطاء والراء أصل صحيح يدل على فتح شيء وإبرازه، من ذلك الفطر من الصوم يقال: أفطر إفطاراً، وقوم فِطْر أي مفطورون، ومنه الفَطْر، بفتح الفاء، وهو مصدر فطَرْتُ الشاةَ فَطْرا، إذا حلبتَها. ويقولون: الفَطْر يكون الحلبَ بإصبعين. والفِطْرة: الخِلْقة" [6].
وإذا كان هذا هو أصل الكلمة في اللغة فيكون إطلاق ( الصبغة ) على الدين استعارة [7] على معنى أن الدين يصبغ صاحبه بآثاره؛ حسنة أو قبيحة. ودين الله يصبغ المتدين به بآثاره الحميدة من حسن الخلق وزكاء النفس بتحقيق العبودية.
وبهذا التفسير للصبغة تخرج الآية عن كونها من المشاكلة، والله أعلم .

ــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 495 ) "مبحث المشاكلة ".
[2] وإن قال بعض المفسرين. ينظر: الكشاف ( 1/ 316 ) التفسير الكبير للرازي ( 4/ 98 ) روح المعاني ( 1/ 397 ) .
[3] ينظر: جامع البيان ( 1/ 570 ) النكت والعيون ( 1/ 195 ) الدر المنثور ( 1/ 340 ) .
[4] المراجع السابقة في الهامش السابق.
[5] جامع البيان ( 1/ 570 ) .
[6] معجم مقاييس اللغة ( 4/ 510 ) .
[7] ينظر: المحرر الوجيز ( 1/ 370 ) الجامع لأحكام القرآن ( 2/ 132 ) .

غمام 07-01-2011 08:37 AM

(40)

قال الخطيب القزويني: "ومنه [ أي المحسن المعنوي ] التورية، وتسمى الإيهام أيضاً، وهي أن يطلق لفظ له معنيان: قريب وبعيد، ويراد به البعيد منهما؛ وهي ضربان: مجردة ومرشحة.
أما المجردة فهي التي لا تجامع شيئاً مما يلائم المورى به – أعني المعنى القريب- كقوله تعالى: (( الرَّحمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوى )) [ طه: 5 ] " [1].
التعليق:
أهل السنة والجماعة يثبتون لله ما أثبته لنفسه من صفات الكمال، ومن ذلك: صفة الاستواء على العرش، فالله جل جلاله مستوٍ على العرش استواء حقيقياً يليق به سبحانه. وهذا هو موجَب الآية التي أوردها المصنف وست آيات أخر جاءت بهذا المعنى في القرآن [2] وأدلة أخرى في الحديث النبوي [3] ، فالاستواء عند أهل السنة معناه: الصعود والعلو والارتفاع والاستقرار، وهو كذلك في اللغة العربية [4].
والخطيب القزويني يجعل المعنى الصحيح للآية الذي يقول به أهل السنة مورّىً به لا تراد حقيقته، فهو المعنى القريب، والمعنى البعيد المقصود لاستوى – كما يرى – هو استولى، وبذلك تتحقق التورية عنده.
والحق أن الآية باقية على معناها القريب المتبادر، وهو الاستواء الحقيقي على العرش.
وجَعْل الآية من قبيل التورية فيه تعطيل لهذه الصفة، وفيه أيضاً تفسير استوى باستولى، وهو تفسير لم ينطق به السلف، ولم يقل به أحد من أهل العربية المعتبرين. بل إن فيه تنقصاً للباري سبحانه، حيث يلزم منه أن يكون الله عز وجل حين خلق السموات والأرض ليس مستولياً على عرشه، لأن الله تعالى يقول: (( إِنَّ ربَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ في ستَّةِ أيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْشِ )) [ الأعراف: 54 ] فكأن العرش كان قبل ذلك لغيره ثم استولى عليه عز وجل، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "القول بأن الله فوق العرش هو مما اتفقت عليه الأنبياء كلهم، وذكر في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل، وقد اتفق على ذلك سلف الأمة وأئمتها من جميع الطوائف"[5]. وقال الأوزاعي: " كنا – والتابعون متوافرون – نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به من صفته جل وعلا " [6]. وقال إسحاق بن راهويه: "قال الله تبارك وتعالى: (( الرَّحمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوى )) إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى"[7].
وقال أبو عمر الطَّلَمَنْكي – أحد كبار المالكية – ( ت 429 ) : "أجمع أهل السنة على أن الله مستوٍ على عرشه على الحقيقة لا على المجاز " [8].
قال الإمام مالك رحمه الله : "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة" [9].

ــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 499، 500 ) .
[2][ الأعراف: 54 ] ، [ يونس: 3 ] ، [ الرعد: 2 ] ، [ الفرقان: 59 ] ، [ السجدة: 4 ] ، [ الحديد: 4 ] .
[3] ينظر: التوحيد لابن خزيمة ( 1/ 233 ) ، صفات الله عز وجل في الكتاب والسنة ( 52 ) .
[4] مجاز القرآن ( 2/ 15 ) مجالس ثعلب ( 1/ 269 ) تهذيب اللغة ( 13/ 125 ) جامع البيان لابن جرير ( 1/ 454، 16/ 138 ) التمهيد لابن عبد البر ( 7/ 129 ) الجامع لأحكام القرآن ( 7/ 219 ) شرح حديث النزول ( 390 ) مختصر الصواعق المرسلة ( 351 ) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 2/ 353 ) شرح العقيدة الطحاوية ( 1/ 365 ) .
[5] بيان تلبيس الجهمية ( 2/ 9 ) .
[6] رواه البيهقي في الأسماء والصفات ( 2/ 304 ) وجوّد إسناده ابن حجر في فتح الباري ( 13/ 417 ) وقال ابن تيمية: "إسناده صحيح" الفتوى الحموية ( 299 ) .
[7] درء تعارض العقل والنقل ( 2/ 34 ) .
[8] مجموع الفتاوى ( 3/ 219 ) درء تعارض العقل والنقل ( 6/ 250 ) العلو للعلي العظيم ( 2/ 1315 ) الصواعق المرسلة ( 4/ 1284 ) مختصر الصواعق المرسلة ( 357 ) .
[9] رواه البيهقي في الأسماء والصفات ( 2/ 305 ) بإسناد صحيح، وأورده الذهبي في العلو ( 2/ 945 ) وقال عقبة: "هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة".

غمام 07-01-2011 08:48 AM

(41)

قال الخطيب القزويني: "وأما المرشحة [ أي التورية المرشحة ] فهي التي قرن بها ما يلائم المورى به، إما قبلها كقوله تعالى: (( وَ السَّمَاءَ بَنيناهَا بأيدٍ وَ إِنَّا لموسِعُونَ )) [ الذاريات: 47 ] "[1].
التعليق:
القول بأن في هذه الآية تورية في قوله ( بأيد ) مبني على أن ( أيد ) جمع ( يد ) وهذا هو المعنى القريب، والمراد بها القوة، وهو المعنى البعيد؛ وهذا لا يصح فإن الأيد مفرد، وهو مصدر ( آد يئيد ) ، ومعناه القوة [2]. وهذا تفسير السلف: ابن عباس ومجاهد وقتادة والثوري وغيرهم [3].
وحينئذ: فما الداعي لحمل اللفظ على معنى يصيّر المعنى المراد مجازياً وبعيداً، مع إمكان أن يكون حقيقة، ومعنى قريباً؟ على أن من المفسرين و البلاغيين من استبعد أن يكون في الآية تورية بناء على ما سلف من معنى الآية [4].
فإذا انتفت التورية من هذه الآية والآية السابقة، وهي قوله تعالى: (( الرَّحمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوى )) [ طه: 5 ] فقد بطل ما يدعيه كثير من البلاغيين من اشتمال القرآن على التورية، فإنهم يذكرون هاتين الآيتين - فحسب – شاهداً على التورية في القرآن، وقد قطع بعض الباحثين ممن تفرغوا لدرس التورية بخلوا القرآن منها [5]، وهو الحق؛ إذ كيف يكون في القرآن تورية، وهي قائمة على الإيهام؟ بل إن من البلاغيين من سماها بالإيهام، كالسكاكي وغيره [6] ، بل هذا الخطيب القزويني نفسه يقول: "ومنه [ أي البديع المعنوي ] التورية وتسمى الإيهام أيضاً "[7].

ـــــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 500 ) .
[2] ينظر: مقاييس اللغة ( 1/ 163 ) تهذيب اللغة ( 14/ 228 ) لسان العرب ( أيد ) .
[3] ينظر: جامع البيان ( 27/ 7 ) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 4/ 366 ) النكت والعيون في التفسير ( 5/ 373 ) الكشاف ( 4/ 20 ) المحرر الوجيز ( 15/ 221 ) الجامع لأحكام القرآن ( 17 / 52 ) البحر المحيط ( 8/ 142 ) الدر المنثور ( 7/ 623 ) فتح القدير ( 5/ 91 ) .
[4] ينظر: الشرح المختصر للتفتازاني، عروس الأفراح، مواهب الفتاح ( 4/ 324 ) "ضمن شروح التلخيص".
[5] التورية وخلو القرآن منها ( 41 ) .
[6] ينظر: المفتاح ( 537 ) حسن التوسل ( 249 ) نهاية الأرب ( 7/ 131 ) .
[7] الإيضاح ( 499 ) .

غمام 07-01-2011 09:04 AM

(42)

قال الخطيب القزويني: "قال السكاكي: أكثر متشابهات القرآن من التورية"[1] .
التعليق:
القزويني يورد كلام السكاكي هذا في مبحث التورية راضياً به مقرراً له، ومن دلائل ذلك أنه لم يتعقبه بشيء.
وواضح من مقال السكاكي أنه يريد بمتشابهات القرآن آيات الصفات الإلهية كما أشار إلى ذلك الشراح [2]، وهذه طريقة من طرق نفاة الصفات البلاغيين، أعني أنهم يحملون نصوص الصفات على التورية، ومنهم من يحملها على الاستعارة والمجاز كالرازي [3]، وآخرون يجعلونها من باب التخييل والتمثيل كالزمخشري [4] والعلوي [5]، والقول بالتخييل شر مذاهب المعطلة وأسؤوها؛ لأن التخييل معناه أنه لا حقائق لظواهر تلك النصوص ولا مجازات – كما يصرح به الزمخشري - [6]، وليس لها تأويل يخالف ظاهرها يراد من المخاطب فهمه، بل المراد أن يتخيل السامع والمخاطب ما يظن له حقيقة ولا حقيقة له. وهذا مسلك أهل التخييل من الفلاسفة، لا مسلك أهل الكلام من النفاة كالأشاعرة وأضرابهم، فإن هؤلاء يجعلون لنصوص الصفات معاني أرادها المتكلم، وأراد من المخاطبين فهمها، وهم وإن أخطأوا بتحريفهم للنصوص خير من الفلاسفة الملاحدة أهل التخييل.
هذا؛ والواجب إجراء نصوص صفات الله على ظواهرها، وذلك بإثبات ما تدل عليه من صفات الكمال ونعوت الجلال لله تعالى، مع نفي مماثلة المخلوقات، على حد قوله تعالى: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) [ الشورى: 11 ] وهذا هو سبيل السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم ومن نهج نهجهم ممن بعدهم .
قال أبو عمر بن عبد البر: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة" [7].
وقال الخطيب البغدادي: "أما الكلام في الصفات فإن ما وري منها في السنن الصحاح فمذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها"[8]، وجاء نحو هذا الكلام عن أبي سلمان الخطابي رحمه الله [9]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل"[10]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: "مذهب السلف رضوان الله عليهم إثبات الصفات وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات، وعلى هذا مضى السلف كلهم "[11].

ــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 501 ) وينظر: المفتاح ( 537 ) .
[2] المصباح شرح المفتاح للجرجاني ( 944 ) بغية الإيضاح ( 4/ 28 ) .
[3] نهاية الإيجاز ( 257 ) .
[4] الكشاف ( 3/ 408، 409 ) .
[5] الطراز ( 1/ 233 ) .
[6] الكشاف ( 3/ 408 ) .
[7]التمهيد ( 7/ 145 ) .
[8] جواب أبي بكر الخطيب البغدادي عن سؤال أهل دمشق في الصفات ( 64 ) .
[9] العلو للعلي العظيم ( 2/ 1294 ) .
[10] شرح العقيدة الأصفهانية ( 9 ) .
[11] نقض المنطق ( 6 ) .

غمام 07-01-2011 09:12 AM

(43)

قال الخطيب القزويني: "وعليه قراءة من قرأ: (( فإذَا انشقَّتِ السَّماءُ فَكَانتْ وَرْدَةٌ كَالدِّهَانِ )) [ الرحمن: 37 ] بالرفع بمعنى: فحصلت سماءٌ وردةٌ " [1].
التعليق:
هذه قراءة شاذة قرأ بها عمرو بن عبيد، كما في الكشاف [2]، وفي البحر المحيط [3] أنها قراءة عبيد بن عمير، وكلاهما رويت عن قراءات شاذة [4] ، واقرأ ما قيل في التعليق على المسألة العشرين [لعله يقصد ما قيل في المسألة الحادية والعشرين ].

ــــــــــــــــــ
[1]الإيضاح ( 513 ) "مبحث التجريد في البديع ".
[2] الكشاف ( 4/ 48 ) .
[3] البحر المحيط ( 8/ 195 ) .
[4] ترجمة عمر بن عبيد في غاية النهاية في طبقات القراء ( 1/ 206 ) وترجمة عبيد بن عمير في غاية النهاية أيضاً ( 1/ 496 ) .

غمام 07-01-2011 09:20 AM

(44)

قال الخطيب القزويني: "ومنه [ أي من المحسنات المعنوية ] المذهب الكلامي، وهو أن يورد المتكلم حجة لما يدعيه على طريق أهل الكلام، كقوله تعالى: (( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلهةٌ إلاَّ الله ُ لَفَسَدَتَا )) [ الأنبياء: 22 ] " [1].
التعليق:
يريد الخطيب بالمذهب الكلامي مذهب المتكلمين، وهم الذين يبنون أحكامهم في المسائل العقدية على حجج عقلية عندهم وأقيسة منطقية. وقد تكون حقّاً وقد تكون باطلة، وما ذكره من الشواهد القرآنية لا ريب أنه مشتمل على براهين عقلية صحيحة في تقرير التوحيد والمعاد، ومعلوم أن اشتمال الكلام على أدلة عقلية مما يكسبه حسناً وقبولا لدى المخاطبين، وكلام الله أحسن الكلام فلابد أن يكون الغاية في البيان.
وتسمية المؤلف تَضَمُّنَ الكلام استدلالات عقلية ( مذهباً كلامياً ) [2] مبني على أن أهل الكلام يعوّلون في أحكامهم على نظر العقل دون السمع.
والحق ما عليه أهل السنة والجماعة من التعويل على نصوص الكتاب والسنة وهي مشتملة على أدلة عقلية، كما في الأمثلة التي أوردها المؤلف وغيرها كثير.

ــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 516 ) .
[2] قال ابن المعتز: "الباب الخامس من البديع، وهو مذهب سمّاه عمرو الجاحظ: المذهب الكلامي، وهذا باب ما أعلم أني وجدت في القرآن منه شيئاً، وهو ينسب إلى التكلف، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً" البديع ( 57 ) وذكر الدكتور أحمد مطلوب أنه لم يجد في كتب الجاحظ المطبوعة ذكر لهذا المصطلح. ينظر: البلاغة عند الجاحظ ( 89 ) قلت: لعله في أحد كتبه الخطية التي لم تصل إلينا. وينظر أيضاً: البلاغة تطور وتاريخ ( 57 ) معجم المصطلحات البلاغية وتطورها ( 3/ 240 ) .

غمام 07-01-2011 09:26 AM

(45)

قال الخطيب القزويني: "الثاني: أن يثبت لشيء صفة مدح ويعقب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى له، كقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش" "[1].
التعليق:
هذا حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ساقه السيوطي وقال عنه: "أورده أصحاب الغريب ولا يعرف له إسناد" [2].
وبعض البلاغيين يورده بلفظ " أنا أفصح من نطق الضاد "[3]، قال ابن كثير عنه: " لا أصل له"، وقال البدر الزركشي: "معناه صحيح" [4]، ثم ساق كلام شيخه ابن كثير السابق، وكذا قول السخاوي [5].

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 524 ) "مبحث تأكيد المدح بما يشبه الذم".
[2] مناهل الصفا ( 52 ) .
[3] الطراز ( 1/ 33 ) .
[4] التذكرة في الأحاديث المشتهرة ( 160 ) .
[5] المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ( 95 ) .

غمام 07-01-2011 09:36 AM

(46)

قال الخطيب القزويني: "ومنه [ أي من البديع المعنوي ]تجاهل العارف، وهو – كما سماه السكاكي- سوق المعلوم مساق غيره لنكتة ..." [1].
التعليق:
تسمية هذا الفن البديعي" تجاهل العارف" هو ما عليه أكثر البلاغيين [2] بينما دعاه السكاكي – كما نقل الخطيب – "سوق المعلوم مساق غيره" [3]، وهذه التسمية أدق وأولى، فإن التجاهل ادعاء الجهل، أو كما يقول العلوي: "إن هذه الصيغة ( تفاعل ) موضوعة على أن تريك الفاعل على صفة ليس هو عليها، وهذا كقولك لغيرك: تضارَرَ وما به من ضرر، وتعامَى عن الحق وما به من عمى، وتجاهَل وما به من جهل، هذا ما تفيده باعتبار وضعها "[4].
فظهر بذلك أن التجاهل لا يليق بالعاقل والحكيم، وإن كان يليق بغيرهما، لأنه كذب، وقد يكون في بعض الأحيان لأغراض قبيحة كتحقير العظيم وتعظيم الحقير، وليس المانع من اختيار هذه التسمية الاحتراز للقرآن، لأن كل أو معظم ما فيه من هذا الأسلوب محكي، كقوله تعالى: (( قَالُوا يا شُعَيبُ أصلاتُكَ تأَمُرُكَ أن نتَرُكَ مَا يَعبُدُ آباؤنا أو أن نفْعَلَ في أموالِنَا ما نشاءُ إنَّكَ لأنتَ الحَلِيمُ الرَّشِيدُ )) [ هود: 87 ] ، أو مأمور به كقوله تعالى: (( قُلْ من يرزُقُكُم منَ السَّمَوَاتِ وَ الأرْضِ قُلِ الله ُ وإنَّا أوْ إيَّاكُمْ لَعلَى هُدًى أَو في ضَلالٍ مبِينٍ )) [ سبأ: 24 ] فلا يمتنع نسبة التجاهل إذن، لأنه منسوب إلى المخلوق، وإنما المحذور نسبة التجاهل إلى الله إن قُدِّر أن في القرآن من هذا الأسلوب ما هو مبتدأ من الله تعالى [5]، ولم أجد فيه ما هو كذلك، أعني من الشواهد التي أوردها المصنفون في البلاغة .

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 530 ) .
[2] البديع لابن المعتز ( 62 ) الصناعتين ( 412 ) قانون البلاغة ( 134 ) حدائق السحر ( 158 ) البديع في البديع ( 141 ) تحرير التحبير ( 135 ) حسن التوسل ( 231 ) شروح التلخيص ( 4/ 403 ) .
[3] المفتاح ( 537 ) .
[4] الطراز ( 3/ 80 ) .
[5] انظر تلك الشواهد في المراجع المذكورة في الهامش السابق رقم ( 2 ) .

غمام 07-01-2011 09:54 AM

(47)

قال الخطيب القزويني: "وإن اختلفا في ترتيب الحروف سُمي جناس القلب، وهو ضربان: 1- قلب الكل ... 2- وقلب البعض، كما جاء في الخبر: "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا"[1].
التعليق:
الخبر عند علماء السنة والمصطلح مرادف للحديث، كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله [2]. فإن كان المصنف يريد أن هذا الخبر حديث نبوي [3] ، فاعلم أنه حديث ضعيف، فقد رواه الإمام أحمد بن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر، قال: "نعم، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا" [4]، الحديث، وفي إسناده رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد تفرد به، وهو متكلم فيه قال البخاري عنه: منكر الحديث، وقال الإمام أحمد: ليس بمعروف"[5].
قلت: وقد صح من حديث ابن عمر في المسند والسنن قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي" الحديث [6].
وفيه جناس القلب كما أراد المؤلف، وهو مغنٍ عن الحديث السابق الضعيف.

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 541 ) "مبحث الجناس".
[2] شرح نخبة الفكر ( 7 ) .
[3] صرّح جماعة من البلاغيين برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كالرازي في نهاية الإيجاز ( 141 ) والبحراني في أصول البلاغة ( 53 ) والطيبي في التبيان ( 489 ) والحلي في شرح الكافية البديعية ( 67 ) وابن زاكور الفاسي في الصنيع البديع ( 82 ) وابن معصوم المدني في أنوار الربيع ( 1/ 196 ) وهذا دليل على أن المصنف يريد بالخبر أنه حديث نبوي.
[4] المسند ( 3/ 3 ) .
[5] ميزان الاعتدال ( 2/ 38 ) .
[6] رواه أحمد في المسند ( 2/ 25 ) وأبو داود في السنن ( 5/ 315 ) برقم ( 5074 ) وابن ماجه في السنن ( 2/ 1273 ) برقم ( 3871 ) وإسناده صحيح كما قال الشيخ أحمد شاكر المسند ( 7/ 11 ) برقم ( 4785 ) .

غمام 07-01-2011 10:01 AM

(48)

قال الخطيب القزويني: "وإذا ولي أحدُ المتجانسين الآخرَ سُمي مزدوجا ومكررا ومرددا، كقوله تعالى: (( وَجِئتُكَ مِن سبَإٍ بِنَبَإٍ يقينٍ )) [ النمل: 22 ] وما جاء في الخبر: "المؤمنون هينون لينون" " [1].
التعليق:
أقول هنا ما قلت في التعليق السابق آنفاً من أن الخطيب إذا كان يقصد بالخبر الحديث النبوي [2]؛ فإن هذا أيضاً حديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد رواه العقيلي في الضعفاء [3] والبيهقي في شعب الإيمان [4] عن عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن نافع عن ابن عمر به .
قال العقيلي عن عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد: "أحاديثه مناكير غير محفوظة، ليس ممن يقيم الحديث وليس له أصل عن ثقة". وقد أورد السيوطي هذا الحديث في الجامع الصغير ورمز لضعفه [5].

ــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 542 ) "مبحث الجناس".
[2] وفي البلاغيين من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كالرازي في نهاية الإيجاز ( 144 ) والطيبي في التبيان ( 486 ) والسيوطي في جنى الجناس ( 305 ) و المفتي في خلاصة المعاني ( 463 ) .
[3] الضعفاء ( 2/ 279 ) .
[4] شعب الإيمان ( 6/ 273 ) برقم ( 8129 ) .
[5] الجامع الصغير "مع شرحه فيض القدير" ( 6/ 258 ) .

غمام 07-01-2011 10:07 AM

(49)

قال الخطيب القزويني: "وقد يقع في كلام بعض المتأخرين ما حمل صاحبه فرط شغفه بأمور ترجع إلى ما له اسم في البديع على أن ينسى أنه يتكلم ليفهم ويقول ليبين، ويخيل إليه أنه إذا جمع عدة من أقسام البديع في بيت فلا ضير أن يقع ما عناه في عمياء، وأن يوقع السامع طلبه في خبط عشواء" [1].
التعليق:
ههنا لفتة أثرية عزيزة جاد بها قلم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهي أن الإسراف في استعمال البديع لم يكن من هدي السلف الصالح، يقول رحمه الله: " تكلف الأسجاع والأوزان والجناس والتطبيق ونحو ذلك مما تكلفه متأخرو الشعراء والخطباء والمترسلين والوعاظ لم يكن من دأب خطباء الصحابة والتابعين والفصحاء منهم، ولا كان ذلك مما يهتم به العرب، وغالب من يعتمد ذلك يزخرف اللفظ بغير فائدة مطلوبة من المعاني، كالمجاهد الذي يزخرف السلاح وهو جبان" [2].

ـــــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 555 ) " آخر مبحث البديع ".
[2] منهاج السنة النبوية ( 8/ 54، 55 ) .

غمام 07-01-2011 10:22 AM

(50)

قال الخطيب القزويني في شواهد الاقتباس: "وكقول الحريري: "وكتمان الفقر زهادة، وانتظار الفرج بالصبر عبادة، فإن قوله: "انتظار الفرج بالصبر عبادة "لفظ الحديث" [1].
التعليق:
الحديث الذي أشار إليه ضعيف جداً، فقد رواه القضاعي في مسند الشهاب [2] عن ابن عمر رضي الله عنهما، وفي إسناده عمرو بن حميد القاضي، وهو متهم في روايته وقد ذكره السليماني في عداد من يضع الحديث [3]. ورواه القضاعي أيضاً في مسند الشهاب [4] من حديث ابن عباس وفي إسناده عيسى بن مهران، قال عنه أبو حاتم: كذاب [5]، وقال ابن عدي: "حدث بأحاديث موضوعة مناكير محترف الرفض " [6].
وللحديث شاهد بلفظ: "أفضل العبادة انتظار الفرج" رواه الترمذي [7] عن حماد بن واقد، والطبراني في الكبير [8] عن حماد بن واقد عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود به، قال أبو عيسى الترمذي: "هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث، وقد خولف في روايته. وحماد بن واقد ليس بالحافظ، وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل بن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح".
قال الألباني: "قلت: وحكيم بن جبير أشد ضعفاًَ من ابن واقد، فقد اتهمه الجوزجاني بالكذب، وإذا كان الأصح أن الحديث حديثه فهو حديث ضعيف جداً" [9].
وكان الحافظ العراقي قد أورد حديث المصنف " انتظار الفرج بالصبر عبادة" وذكر طرقه ثم قال: "وكلها ضعيفة" [10].

ـــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 577 ) .
[2] مسند الشهاب ( 1/ 62 ) رقم ( 46 ) .
[3] ميزان الاعتدال ( 3/ 256 ) .
[4] مسند الشهاب ( 1/ 63 ) رقم ( 47 ) .
[5] الجرح والتعديل ( 6/ 290 ) .
[6] الكامل في ضعفاء الرجال ( 5/ 260 ) .
[7] الجامع ( 5/ 565 ) رقم ( 3571 ) .
[8] المعجم الكبير ( 10/ 124 ) رقم ( 10088 ) .
[9] السلسلة الضعيفة ( 1/ 499 ) .
[10] المغني عن حمل الأسفار ( 4/ 72 ) .

س احمد 07-01-2011 10:23 AM

جَزَاکِ اللهُ خَيراً
کان السکاکي اعجمياً ولايتذوق الادب العربي،کان منطقياً ادخل المنطق في البلاغة!،
لکنه برع فی البلاغة،بعد مضي القرون ، کتابه يُدرس في اکثر جامعات الدول الاسلامية،هل في عصرنا الحاضر کتاب في البلاغة اکثر غزارةمن کتب القدامی،وباسلوب جديد !؟
أسأل الله أن يوفقک في تنقيح کتاب الايضاح،وأن تضيفي الموضوعات الجيديدة ولا تنقصي .

غمام 07-01-2011 10:27 AM

يا أخي، هذهِ نقولاتٌ مِنْ دراسةٍ نُشرتْ في مجلةِ جامعةِ الإمامِ بالرياضِ للدكتور/ عبد المحسن العسكر، رأيتُ أهميتَها، فأردتُ نشرَها، يسَّرَ الله أمرَنا وأمرَ كلِّ مسلمٍ.

غمام 07-01-2011 10:40 AM

(51)

قال الخطيب القزويني: "وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: "إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع " " [1].
التعليق:
لم أقف على هذا الحديث في أي من كتب السنة بهذا اللفظ، وإن كان مشهوراً متداولاً بين البلاغيين وغيرهم [2].
وثم لفظ آخر للحديث عند البخاري في صحيحه وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " أما بعد، فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام ..."[3].

ـــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 477 ) "مبحث الطباق".
[2] البديع لابن المعتز ( 36 ) إعجاز القرآن للباقلاني ( 81 ) العمدة ( 1/ 436 ) مواد البيان ( 165 ) حسن التوسل ( 200 ) التبيان للطيبي ( 341 ) مقاييس اللغة ( 4/ 501 ) .
[3]صحيح البخاري ( 3/ 1327 ) رقم ( 3429 ) ، و ( 3/ 1383 ) رقم ( 3589 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

غمام 07-01-2011 10:50 AM

(52)

قال الخطيب القزويني: "ومن الاقتضاب ما يقرب من التخلص، كقول القائل – بعد حمد الله د ( أما بعد ) ، قيل: وهو فصل الخطاب" [1].
التعليق:
قوله: "وهو فصل الخطاب" إن كان يشير به إلى ما جاء في قوله تعالى: (( وآتينَاهُ الحِكمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ )) [ ص: 20 ] وأن هذا هو تفسير الآية – وهو ما صرح به يحيى بن حمزة العلوي - [2] ؛ فذلك تفسير ضعيف لأن لسان داود عليه السلام عبري لا عربي، وقال ابن عاشور: "لا يعرف في كتاب داود أنه قال ما هو بمعناها في اللغة العبرية" [3].
والتحقيق في معنى ( فصل الخطاب ) أن يقال: إنه الرأي الأصيل والقول الفصيح الفاصل بين الحق والباطل، ولو قيل: إن من فصيح القول استعمال ( أما بعد ) لم يبعد، وكأن ابن جرير الطبري يجنح إلى هذا [4]، والله أعلم .

** ** ** ** ** ** ** ** **

تمَّ نقلُ هذهِ المسائلِ الَّتي نُشرتْ في تلكَ المجلَّةِ، وباللهِ التَّوفيق.

ـــــــــــــــ
[1] الإيضاح ( 598 ) "القول في السرقات الشعرية وما يتصل بها".
[2] وعبارته: "أجمع أهل التحقيق من علماء البيان على أنها [ أي أما بعد ] هي فصل الخطاب الذي أراد الله في قوله : (( وآتينَاهُ الحِكمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ )) " الطراز ( 2/ 348، 349 ) .
[3] تفسير التحرير والتنوير ( 23/ 230 ) .
[4] جامع البيان ( 23/ 140 ) .

س احمد 07-01-2011 11:10 AM

جزاکم الله وايانا خيراً
جزا الله الدکتور عبد المحسن العسکرخيرَ جزاء المحسنين.
هل هذه النقولات کل ما نشرت في المجلة؟

غمام 07-01-2011 08:06 PM

نعم، جميعُها.
وقد حاولتُ أنْ ألتزمَ في كتابتِها بما هو كائنٌ أمامي، مع علمي بوجودِ عثراتٍ طفيفةٍ طباعيةٍ من ذاتِ المصدرِ،
وفي انتظارِ الكتابِ المطبوعِ، ومتى وجدتهُ على الشبكةِ وضعتهُ هنا، إنْ شاءَ الله.
وشكرًا لتصديرِ هذا الحديثِ، لا حرمكم الله الأجرَ.

عائشة 07-01-2011 08:28 PM

أختي الكريمة الفاضلة/ غَمَام
نَفَعَ اللهُ بما نَقَلْتِ، وشَكَرَ لكِ هذا الجُهْدَ.
ونأملُ تواصُلَ مُشارَكاتكِ.
بارك الله فيكِ، ووفَّقكِ.

س احمد 10-06-2011 08:47 PM

جزاک الله الف خير.

منيب ربيع 15-03-2015 09:26 AM

جزى الله الدكتور عبد المحسن خير الجزاء وأوفاه ، وبارك فيه ، ونفع به .
هل يمكن رفع هذا البحث على الموقع بصيغة pdf ، مع خالص الشكر .

ابن عبده الحدري 15-09-2017 05:42 PM

الأخت الفاضلة هذه الاستدراكات هل جمعت في ملف واحد وإذا كان نعم فأنا بحاجة إليها

وجزاكِ المولى خيرا

أبو علي زين العابدين بن علي 14-09-2020 02:10 PM

جزاكم الله خيرا
موضوع نفيس جدا

عمر خطاب 12-10-2023 03:40 PM

https://omarkhattab.blogspot.com/


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 11:37 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ