فصل فيما وافق تفعيلاته كلماته
البسملة1 السلام1الحمد لله الذي أعاد إلى الملتقى بعضَ أهله بعد طولِ هجرٍ، وأسأله أن يرُدَّ علينا سائرَ من فقدنا من الإخوان، وأن يجعله عامرًا على الأزمان، وأن ينفعنا به في حياتنا وبعد الموت. أما بعد، فإني قرأتُ كتابًا في العروض لليازجي، وكان إذا مثَّل للبحر مثَّل بأبياتٍ -أحسبه صنعها- توافقتْ تفعيلاتها وكلماتها، فأعجبني ذلك، لطرافته أولا، ولأنَّه يُناسِب المبتدئ إذا أُخِذَ بالتَّقطيع، فجعلتُ أطلب أشباه ذلك من كلام العرب، فإذا هو أعزَّ من بيضِ الأنوق، إلا في مشطورات الأبحر، أو في الوافر والرَّمل ونحوهما، وكدتُّ أطيرُ فرحًا حين وجدتُّ قول الحماسيِّ من الطويل: فقلت لها أهلا وسهلا ومرحبًا ... فردَّت بتأهيلٍ وسهل ومرحبِ فسألتُ أهل الذِّكر حين لم أعلم، فأمَدَّتْنِي الأستاذة عائشةُ -حفظها الله وصانها، وزادها من العلم وزانها- بأبياتٍ في هذه البابة، ثمَّ أوصتْنِي بأن أنشئ ها هنا حديثًا، عسى أن تضع فيه والجلساء ما يعثرونَ عليه، فأجبتُ إلى ما أمرتْ، شاكرًا لها أيادِيَ بيضًا في نفعنا أيُّها الطلاب، وهدايتنا إلى سُبُل الصَّواب، والله يجزيها وسائر معلِّمينا خير الجزاء.فمن وقف على شيءٍ فليَجُدْ علينا به، ومن أحبَّ أن يصنَع أبياتًا على ما شرطنا قبلْنا منه، وشكرنا له. وصلى الله على النَّبيِّ محمَّدٍ وآله. |
هأنذا مستفتحًا بما أمدَّتْ به -حفظها الله-:
اقتباس:
|
َ
رد السلام1.
أكرمكَ اللهُ -أبا ثابتٍ-، وبارك فيكَ، وجزاكَ خيرَ الجزاءِ. وهذا آخَرُ من الطويل، وهو قولُ زُهير بن أبي سُلمى في المعلَّقةِ: ومَن لا يُصانِعْ في أُمورٍ كثيرةٍ * يُضَرَّسْ بأنيابٍ ويُوطَأْ بمَنسِمِ |
قال حُميدُ بن ثَوْرٍ الهِلاليّ: [ من الطويل ]
وكَائِنْ لَهَوْنا مِن رَبِيعِ مَسَرَّةٍ * وصَيْفٍ لَهَوْنَاهُ قَصِيرٍ ظَهائِرُه وقال أيضًا: [ من الطويل أيضًا ] فقالَ لَهُمْ كِيدُوا بِأَلْفَيْ مُقَنَّعٍ * عِظَامٍ طِوَالٍ لا ضِعَافٍ ولا عُزْلِ [ ديوانه، ص: 41، و81، ط: صادر ] |
شكر الله لكم وقال أبو إسحاقَ الألبيريُّ صاحب التائيَّة من الوافر:إلى علمٍ تكون به إمامًا ... مُطاعًا إن أمرتَ وإن نَهَيْتَ |
حفظكم اللَّه.
وهذه التَّائيَّةُ من مشهورِ شِعرِ أبي إسحاقَ الإِلْبِيريِّ، وهي أوَّلُ قصيدةٍ في ديوانِه المطبوعِ بتحقيق د. محمَّد رضوان الدَّاية. ولكن مرَّ بي في "خلاصة الأثر" للمحبِّيِّ (1/ 160) نسبتُها إلَى أحمدَ السَّنَفيِّ المعروفِ بقَعُود (ت 1007)، وذكَر ذلك قبلَه الخفاجيُّ في "ريحانة الألبَّا" (2/ 135). فهل هذا صحيحٌ؟ أو أنَّه كان يُكثِرُ من إنشادِ القصيدةِ حتَّى نُسِبَتْ إليه؟ الله أعلمُ بما كانَ. ومعذرةً عن هذا الاستطرادِ! نعودُ إلى الحديثِ: فمن المتقاربِ: قولُ ابنِ حيُّوس -كما في "ديوانه" (1/ 236)-: شُجاعٌ إذَا مَا قَضَى أَوْ سَطَا * مُطَاعٌ إذَا مَا نَهَى أَوْ أَمَرْ ومن شواهدِ أهلِ العَروضِ: أفادَ فجادَ وسادَ فزَادَ * وقادَ فذادَ وعادَ فأَفْضَلْ لطيفة: قال ابنُ قيِّمِ الجوزيَّةِ في "بدائع الفوائد" (3/ 1235): (قال بعضُ الفضلاء بيتًا من الشِّعر يشتمل علَى أربعين ألفًا وثلاثمئة وعشرين بيتًا من الشِّعرِ، وهو لزين الدِّين المغربيّ: لقَلْبي حبيبٌ مليحٌ ظريفُ * بديعٌ جميلٌ رشيقٌ لطيفُ). ثمَّ قال بعدَ بيانِه لذلك: (ومثله لي قلتُه في القدس: محبٌّ صبورٌ غريبٌ فقيرٌ * وحيدٌ ضعيفٌ كتومٌ حمولُ). |
قال أبو طالبٍ في قصيدتِه المشهورةِ: [ من الطويل ]
وثَوْرٍ ومَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ * ورَاقٍ لِبِـرٍّ في حِرَاءٍ ونَازِلِ [ البداية والنهاية 4/ 12 ] |
جزاكم الله خيرًا وقالتْ عاتكة بنت عبد المطلب [من مَجْزوء الكامل]: سائل بنا في قومنا ... وليكفِ من شرٍّ سماعُه قيسًا وما جمعوا لنا .. في مجمعٍ باقٍ شناعُهْ ولبَشَامة بن الغدير [من الكامل] دافعتُ عن أعراضها فمنعتها .. ولديَّ في أمثالها أمثالُها |
بورك فيكم.
( البسيط ) مسلم بن الوليد: مُوفٍ عَلَى مُهَجٍ في يَوْمِ ذي رَهَجٍ * كَأَنَّهُ أَجَلٌ يَسْعَى إلَى أَمَلِ أبو تمَّامٍ: مِن مُشْرِقٍ دَمُهُ في وَجْهِهِ بَطَلٍ * ووَاهِلٍ دَمُهُ للرُّعْبِ قَدْ نُزِفَا المتنبي: ذا جُودُ مَن لَيْسَ مِن دَهْرٍ عَلَى ثِقَةٍ * وزُهْدُ مَن لَيْسَ مِن دُنْياهُ في وَطَنِ المتنبي: فنَحْنُ في جَذَلٍ والرُّومُ في وَجَلٍ * والبَرُّ في شُغُلٍ والبَحْرُ في خَجَلِ والأبياتُ في دواوينِهم. |
( الخفيف )
البحتري: غَيرَ نُعْمَى لِأَهْلِها عِندَ أَهْلِي * غَرَسُوا مِن زَكائِها خَيْرَ غَرْسِ البحتري: فَتَراهُ في حَالَةٍ مَحْسُودًا * وتَرَاهُ في حَالَةٍ مَرْحُومَا المتنبي: لا افْتِخَارٌ إلَّا لِـمَن لا يُضَامُ * مُدْرِكٍ أَوْ مُحارِبٍ لا يَنَامُ أبو العلاء المعري: واغْسِلاهُ بالدَّمْعِ إن كان طُهْرًا * وادْفِناهُ بَيْنَ الحَشَا والفُؤادِ الشريف الرضي: وحَبَانا بوَبْلِهِ كُلُّ أُفْقٍ * وأَتَانَا بسَيْلِهِ كُلُّ وَادِ الشريف الرضي: يا حَيَاةً يَشْجَى بِهَا كُلُّ حَيٍّ * والتَّوالِي شَجِيَّةٌ بالهَوَادِي الشريف الرضي: مِن مَرَامٍ بِعَادُهُ لِتَدَانٍ * ومُرادٍ نُقْصَانُهُ لازْدِيادِ لَوْ قَدَرْنَا علَى الـمُنَى لَفَدَيْنَا * ذِي الأَضَاحِي مِنَ الظُّبَى بالأَعَادِي والأبياتُ في دواوينِهم. |
( المنسرح )
لبيد بن ربيعة: إن يَشْغَبُوا لا يُبالِ شَغْبَهُمُ * أَوْ يَقْصِدُوا في الحُكومِ يَقْتَصِدِ البحتري: قاتَلْتَنا بالعَدِيدِ تَمْلِكُهُ * مُعْتَزِيًا بالعَدِيدِ تَنتَخِبُهْ المتنبي: قُلُوبُهُمْ في مَضَاءِ ما امْتَشَقُوا * قامَاتُهُمْ في تَمَامِ ما اعْتَقَلُوا ابن زيدون: كَمْ دَعْوَةٍ قَدْ حَواهُ صالِحةٍ * مِنْ أَمَلِي أَن تَكونَ مُسْتَمَعَهْ والأبياتُ في دواوينِهم. |
( الطويل )
حاتم الطائي: قَطَعْتُ بمِرْداةٍ كأنَّ نُسُوعَها * تُشَدُّ علَى قَرْمٍ عَلَنْدى مُخاطِرِ جرير: نِزارٌ إلَى كَلْبٍ وكَلْبٌ إلَيْهِمُ * أَحَقُّ وأَدْنَى مِن صُدَاءٍ وحِمْيَرَا ذو الرمَّة: فيا مَن لِقَلْبٍ قَدْ عَصَاني مُتيَّمٍ * لِـمَيٍّ ونَفْسٍ قد عصاني مَريضُها أبو تمَّام: لأَمْرٍ عَلَيْهِمْ أَن تَتِمَّ صُدورُهُ * ولَيْسَ عَلَيْهِمْ أَن تَتِمَّ عَوَاقِبُهْ البحتري: نَدِمْتُ عَلَى أَمْرٍ مَضَى لَمْ يُشِرْ بِهِ * نَصِيحٌ ولَمْ يَجْمَعْ قُواهُ نِظامُ والأبياتُ في دواوينِهم. |
قال أسامة بن منقذ: [ من المنسرح ]
ما حيلَتي في المَلُولِ يَظلِمُني •°• وليسَ إِن جارَ منهُ لي جارُ وِدَادُهُ كالسَّحابِ منتقِلٌ •°• وعهدُهُ كالسَّرابِ غرّارُ آمَنُ ما كنتُ منه فاجأَني •°• بغَدْرِهِ والملولُ غدّارُ [ ديوانه ] وهذا الضّرب لم يذكره الخليل -رحمه الله-. |
سأذكُرُ في هذه المنازعةِ جميعَ البحورِ، ممثِّلةً لكلِّ بحرٍ ببيتٍ واحدٍ:
1- < الطويل > قال أبو طالب: فودَّتْ قُرَيْشٌ لَوْ فَدَتْهُ بشَطْرِها * وقَلَّ لَعَمْري لَوْ فَدَوْهُ لَهُ الشَّطْرُ [ديوانه] 2- < المديد > قال عدي بن زيد العبادي: مِنْ وَلِيٍّ أَوْ أَخِي ثِقَةٍ * أَوْ عَدُوٍّ شَاحِطٍ دَارَا [ديوانه] 3- < البسيط > قال أبو العتاهية: كم مُتْرَفٍ كان ذا مالٍ وذا خَوَلٍ * قد صارَ مِن مالِهِ صِفْرًا ومِنْ خَوَلِهْ [ديوانه] 4- < الوافر > قال لبيد بن ربيعة: إذا أَرْوَوْا بها زَرْعًا وقَضْبًا * أمالُوها علَى خُورٍ طِوالِ [ديوانه] 5- < الكامل > قال أبو العلاء المعري: فتشوَّفَتْ شَوْقًا إلَى نَغَماتِهِ * أَفْهامُنَا ورَنَتْ إلَى آدابِهِ [سقط الزند] 6- < الهزج > قال عقبة بن سابق: ومَتْنَانِ خَظَاتَانِ * كزُحْلُوفٍ مِنَ الهَضْبِ [الأصمعيات] 7- < الرجز > قال الشريف الرضي: كم مَطْلَبٍ مُنتَظَرٍ خَدَمْتُهُ * ومَطْلَبٍ جاءَ ولَـمْ أَنتَظِرِ [ديوانه] 8- < الرمل > قال أبو العتاهية: ولنَفْسِي حِينَ تُعْطَى فَرَحٌ * واضْطِرابٌ عِندَ مَنْعٍ وَجَزَعْ [ديوانه] 9- < السريع > قال أبو العتاهية: ورُبَّ مَن قَدْ جاءَهُ رِزْقُهُ * مِنْ حَيْثُ لا يَرْجُو ولا يَحْتَسِبْ [ديوانه] 10- < المنسرح > قال أبو تمام: لا يَأْمَنَنْ أَخْدَعَاكَ بادِرَةً * مِن قَدْعِهِ إنْ أَمِنتَ مِنْ قَذَعِهْ [ديوانه] 11- < الخفيف > قال البحتري: أَوْ تُرَاني مُلاقِيًا مِن قَرِيبٍ * سَكَنًا لي أَشْتَاقُهُ مِن بَعِيدِ [ديوانه] 12- < المضارع > قال أبو نواس: أَيَا لَيْلُ لا انقَضَيْتَا * ويا صُبْحُ لا أَتَيْتَا [ديوانه] 13- < المقتضب > قال أبو نواس: تَضْحَكِينَ لاهِيةً * والـمُحِبُّ يَنتَحِبُ [وفيات الأعيان] 14- < المجتث > قال ابن زيدون: يا قاطِعًا حَبْلَ وُدِّي * وواصِلًا حَبْلَ صَدِّي [ديوانه] 15- < المتقارب > قال أبو الطيب المتنبي: وأنِّي وَفَيْتُ وأنِّي أَبَيْتُ * وأنِّي عَتَوْتُ عَلَى مَنْ عَتَا [ديوانه] 16- < المتدارك > شاهده عند أهل العروض: جاءنا عامِرٌ سالمًا صالحًا * بعدَ ما كانَ ما كانَ مِنْ عامِرِ |
السلام1
[من الطويل] قال عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحيمِ الحَارِثِيُّ: وإِنِّي لَمَفْجُوعٌ بِهِ إِذْ تَكَاثَرَتْ * عُدَاتِي ولَمْ أَهْتِفْ سِوَاهُ بِنَاصِرِ وقالَ النَّمَرِيُّ -ويُقَالُ: إِنَّهَا لِرَجُلٍ مِنْ بَاهِلَةَ-: فَقُلْتُ لَهُ أَهْلًا وسَهْلًا ومَرْحَبًا * رَشِدتَّ ولَمْ أَقْعُدْ إِلَيْهِ أُسَائِلُهْ وقالَ قَبِيصَةُ بْنُ النَّصْرَانِيِّ: فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا بَلَوْتُ بَلَاءَهُ * وَأَنَّى بِمَتْعٍ مِنْ خَلِيلٍ مُفَارِقِ وقالَ شُبْرُمَةُ بْنُ الطُّفَيْلِ: أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ بُيُوتٍ عِمَادُهَا * سُيُوفٌ وَأَرْماحٌ لَهُنَّ حَفِيفُ وقالَ مُسَافِعٌ العَبْسِيُّ: أُولاكَ بَنُو خَيْرٍ وشَرٍّ كِلَيْهِمَا * جَمِيعًا ومَعْرُوفٍ أَلَمَّ وَمُنْكَرِ وردة1 [من البسيط] وقالَ آخَرُ: إِنِّي وَإِنْ لَمْ يَنَلْ مَالِي مَدَى خُلُقِي * فَيَّاضُ مَا مَلَكَتْ كَفَّايَ مِنْ مَالِ فاصل1 والأبياتُ جميعًا في {حماسة أبي تـمَّام}. |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 12:21 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ