عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 06-04-2021, 04:14 PM
محمد بن إبراهيم محمد بن إبراهيم غير شاهد حالياً
حفيظ
 
تاريخ الانضمام: Oct 2009
التخصص : طلب العلم
النوع : ذكر
المشاركات: 2,242
افتراضي

ومن شواهدِ الجمعِ بينَ الحملِ على اللفظِ والمعنَى في القرآنِ الكريمِ أيضًا هذه الآياتُ الكريمةُ:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
وَمِنْهُم مَّن يقول ائْذَن لِي ولَا تَفْتِنِّي ألَا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا
وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ
وَمَن يَّعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا

والأكثرُ أن يراعى الحملُ على اللفظِ أولا ثمّ يحملُ على المعنَى كما في الآياتِ الكريمةِ، وينظر كلامُ أبي حيانَ الأندلسيّ--في تفسيرِ قولِه--: وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا، وقد وردَ الحملُ على اللفظِ وحده وعلى المعنى وحده في عِقْدٍ واحدٍ في قولِ الفرزدقِ:
كلاهُمَا حينَ جدَّ الجرْيُ بينَهُمَا قَدْ أقْلَعَا وكلَا أنفَيْهِمَا رابِي
ولابنِ جِنّي بابٌ بديعٌ في الخصائصِ في الجمعِ بين الأضعفِ والأقوى في عِقدٍ واحد، ذكرَ فيه أن الحملَ على اللفظِ أقوى من الحملِ على المعنى، وذكرَ بعضَ شواهد الجمع، ثمّ بيّن وجهَ الجمعِ بينهما بما أنتَ مستأنسٌ به-إن شاء الله-.
وشاهدُ الحملِ على المعنى وحدَه قولُ الفرزدق أيضًا:
تعشَّ فإنْ عاهدتَّنِي لا تخونُنِي نكُنْ مثلَ مَن يَّا ذئبُ يصطحبَانِ
ثنّى (يصطحبانِ) حملًا على معنى (مَن)، أي: نكن مثل اللَّذينِ يصطحبانِ.

وفي سورةِ النساءِ آيتانِ كريمتانِ، روعِي في الأولى اللفظُ والمعنى، ولم يراعَ في الثانية غيرُ اللفظ، وذلكَ قولُه--: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وقولُه: وَمَن يعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَاب مهِينٌ.
أفردَ في الآية الأولى مراعاةً للَّفظ أولا، ثم جمع في قوله: خَالِدِينَ مراعاةً لمعنى (مَن)، وفي الآية الثانية راعى اللفظ بالإفرادِ لا غيرُ.

وهنا نكتةٌ بلاغيةٌ في سرّ التفريقِ بين الجمعِ والإفرادِ في قولِه: خَالِدِينَ، وقوله: خَالِدًا في الآيتين، والذي يظهرُ-والله أعلم-أن الجمعَ في الآيةِ الأولى يتناسبُ مع حالِ المؤمنين واجتماعِهم وأنّ ذلك من تمامِ فضلِ اللهِ عليهِم، وقد قال الله--عن المؤمنينَ: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ الآية، وأما الإفرادُ في الآية الثانية، فمناسبٌ لحالِ الكفار الذين-وإن كانوا كثيرين-هم في أشدِّ ما يكون من التفرقِ والوحشةِ، وقد قال اللهُ فيهِم: وَلَن يَّنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ، أعاذنا الله وإياكم من حالِهم ومآلِهم.
ثم وجدتُّ لابنِ عطية--كلامًا يؤَيِّدُ ما فهمتُه، قال--: (أفردَ هنا، وجمعَ هناك لأن أهلَ الطاعةِ أهلُ الشفاعةِ وإذا شفع أحدهم في غيرِه دخلَها معه، وأهلُ المعاصي لا يشفعونَ، فلا يدخلُ بهم غيرُهم فيبقَوْنَ فرادَى، أو للإيذانِ بأن الخلودَ في دار الثوابِ بصفة الاجتماعِ الذي هو أجلبُ للأنسِ، والخلودَ في دارِ العقاب بصفة الانفراد الذي هو أشدُّ في استجلابِ الوحشةِ.) انتهى.
منازعة مع اقتباس