وقالَ-جل وعلا-:
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا
.

ذهَبَ جمهورُ النحاةِ منَ المتقدمينَ والمتأخرينَ إلى أنّ المضارِعَ يبنَى علَى السكونِ إذَا لحِقَتْهُ نونُ الإناثِ، وهوَ ظاهِرُ قوْلِ سيبويْهِ [ينظر "الارتشاف" لأبي حيان (2/ 835)]، ولَا يمنَعُ بناءُ المضارِعِ فِي هذهِ الحالِ أن يعرَبَ في المحلِّ كالأسماءِ المبنيَّةِ لتسلُّطِ العامِلِ عليْهِ، فيكونُ في موضِعِ رفْعٍ أو نصْبٍ أو جزْمٍ.

وقدِ اجتمَعَ في الآيةِ الكريمَةِ حالا النصْبِ والجزْمِ، فأما الجزْمُ، ففي قوْلِهِ: (يدْنِينَ)، وقدِ اختلِفَ في جازِمِهِ علَى أقوالٍ أشهرُهَا قولانِ:
أحدهُمَا: أنَّهُ مجزومٌ فِي جوابِ (قُلْ) علَى لفْظِهِ أو علَى تضمينِهِ معنَى (بلِّغْ) أو نحوِهِ.
والثانِي: أنَّهُ مجزومٌ بلامِ أمْرٍ محذوفَةٍ، والتقديرُ: (لِيُدْنِينَ)، فحذِفَتِ اللامُ، وبقِيَ عملُهَا، وقَدْ أجازَ ذلك ابنُ مالكٍ إذَا سبِقَ الفعْلُ بقوْلٍ، بلْ هو عنْدَهُ كثيرٌ متَى كانَ القوْلُ بصيغَةِ الأمْرِ كمَا في الآيَةِ الكريمَةِ.
وأمَّا النصْبُ، ففي قولِهِ: (يعرفْنَ) و(يؤْذَيْنَ)، الأول في موضعِ نصْبٍ بـ(أن)، والثانِي معطوفٌ عليْهِ، والتقديرُ كمَا يقولُ السمينُ في "الدرّ" (9/ 142): «إدناءُ الجلابيبِ أقربُ إلى عِرْفانهنَّ فعَدَمِ أذاهُنَّ» اهـ.

قلْتُ: ويجوزُ فِي (يدْنِينَ) أن يكونَ فِي موْضِعِ رفْعٍ علَى أن تجعَلَهُ منَ الخبَرِ الواقِعِ موْقِعَ الأمْرِ نحْوَ قوْلِهِ-

-:

وَٱلۡمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصۡنَ

وقوْلِهِ:

وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ

، أي: (ليترَبَّصْنَ) و(ليُرْضِعْنَ).

وقَدِ اجتَمَعَ الرفْعُ والنصْبُ فِي قوْلِهِ-

-:

وَٱلۡمُطَلَّقَٰتُ
يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن
يَكۡتُمۡنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيٓ أَرۡحَامِهِنَّ

الآيَةَ.
وكذَا فِي قوْلِه:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ
يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا
يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا

الآيَةَ.
ومَا مثَّلْتُ بِهِ أولَى لجمْعِهِ أحوالَ الإعرابِ الثلاثَ علَى الوجهيْنِ اللذينِ ذكرْتُ فِي (يُدْنِينَ).
والله أعلم.