عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-07-2009, 12:04 AM
فيصل المنصور فيصل المنصور غير شاهد حالياً
مؤسس الملتقى
 
تاريخ الانضمام: May 2008
التخصص : علوم العربية
النوع : ذكر
المشاركات: 719
افتراضي

للعربِ ضروبٌ من التصرفِ في إنشادِها ؛ منها ما سألتَ عنه ؛ وهو ( إشباع الحركاتِ ) ؛ كقولِه :
أعوذ بالله من العقرابِ
يريد ( العقرب ) .
و :
قلتُ وقد خرَّت على الكلكالِ
يريد ( الكلكل ) .
و :
وأنني حيثما يَثني الهوى بصري
من حيثُ ما سلكوا أدنو فأنظورُ
يريد ( فأنظر ) .
و :
لو أنَّ عَمْرًا همَّ أن يرقُودا
يريد ( يرقُدا ) .
و :
لا عهدَ لي بنيضال
يريد ( بنِضال ) .
و :
على عجَلٍ مني أطأطئ شيمالي
يريد ( شِمالي ) .

وكما أشبعُوا في نحو هذا ، فلا أستبعد أن يكونوا يُشبِعون الأجزاءَ المزاحَفةَ ، لأنَّ علتَهما واحدةٌ . وذلك كمثل إشباعِ بيت امرئ القيس :
ترَى بعَر الأرامِ في عرصاتِها وقيعانِها كأنَّه حبُّ فلفلِ
وزنُ ( نِها كأنْ ) = ( مفاعلن ) ؛ دخلَه زِحاف القبضِ .
فيكون بالإشباع :
( نِها كاأنْ ) = ( مفاعيلن ) .
حتى تساويَ :
( عَرَ لأرأا ) = ( مفاعيلن ) في صدر البيت .
ولكنَّ العلماء لم ينقلوا لنا هذا ، لأنه لا موجبَ له ، خلافًا للأبياتِ الأولَى ؛ فإن الذي أوجبَ الإشباعَ فيها وزنُ البيت ؛ فلو لم تشبع ، لاختلَّ .
ولعلَّ هذا يفسِّر لنا كثرة الزحافاتِ في شعرِهم ، مع ما عُرِفوا به من ذوقٍ مرهَفٍ ، وإحساسٍ دقيقٍ . وذلك أنه لما كان من شأن المنشد أن يصرِّف القصيدةَ إلى ما تقتضيه طبائعُ الألحان ، ووجوهُ النغَمِ ، كانَ هذا ممَّا يَضطَرُّه إلى أن يُشبِعَ حتى تزولَ الزحافاتُ ، وتستويَ التفاعيل في الحركاتِ ، والسكناتِ ؛ يجري هذا على لسانه من غير أن يتكلَّفَه ، أو يعمِد إليه . فإذا جرَّدتَّها من ذلك ، لزِمَك أن تردَّ كلاًّ إلى أصلِه من غير زيادةٍ ، ولا نقصانٍ .
وقد كانَ الإنشادُ ممَّا تعتادُه العربُ ، كما قال طرفةُ :
إذا قلتُ : هاتي ، أسمعينا ، انبرت لنا على رِسلِها مطروقةً لم تَشدَّدِ
وقال المسيَّب بن عَلَس :
ترِد المياهَ ، فما تزال غريبةً في القوم بين تمثّل ، وسماعِ
والسماع : الغِناء .
وقال حسان :
تغنَّ في كلِّ شِعرٍ أنت قائلُه إن الغناءَ لهذا الشعر مضمارُ

ولا أرى بعد هذا بأسًا في إشباع الحركات في الإنشاد من غير إسرافٍ يحجُب المعنى .

والله أعلم .
__________________
(ليس شيءٌ أضرَّ على الأممِ وأسرعَ لسقوطِها من خِذلان أبنائها للسانها وإقبالهم على ألسنةِ أعدائها)
منازعة مع اقتباس