( قالوا وقلت ) في الشعر

[محمد بن إبراهيم]

فقُلْنَ بكَيْتَ قُلْتُ لهُنَّ كلَّا وَقَدْ يبْكِي مِنَ الشَّوْقِ الجلِيدُ

ويروَى: (وهَلْ يبْكِي)، قال ابن عاشور--: (فالرواية الأولى اعتراف على تقدير تسليم دعواهن، والرواية الثانية إنكار أن يكون مثله يبكي).
قلتُ: بل على الرواية الأولى قوله: (وقد يبكي) جملة معترضة، وليس فيها اعتراف بدليل النفي وقوله بعدها: (ولكنِّي أصابَ سوادَ عينِي ...)، إذ لو كان معترِفًا لهم، لكَانَ قولُه بعدَهَا لغوًا، ولعلَّ الشيخَ أرادَ التنزُّلَ بأن ذلك قد يقع من الشديدِ القَوِيِّ على التسليم بدعواهن كما قال، أي: (وإن سلَّمتُ لكُنَّ بذلك، فإنه قد يقَع مثله من الرجل الجليدِ الصُّلْب، ولكنّ الأمر على خلاف ما تقلنَ ...)، وكذلك على رواية: (وهل يبكي) يجوز أن يكون أرادَ التقريرَ لا الإنكارَ، وتكون (هل) بمنزلة (قد) كما قيل في قولِه--: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، أي: قد أتَى.

[محمد بن إبراهيم]

وَ قالَ ابنُ المُعتَزِّ:

صَدَّت شُرَيْرُ وأَزْمَعَتْ هَجْرِي وَصَغَتْ ضَمَائِرُهَا إلَى الغَدْرِ
قَالَتْ كَبِرْتَ وَشِبْتَ قلْتُ لَهَا هذَا غُبَارُ وَقائِعِ الدَّهْرِ

[ ديوانه، ص 258 ]

[محمد بن إبراهيم]

وقالَ الأميرُ أسامَةُ بنُ منْقِذ:
يقولُ صِحَابِي قَدْ أَطَلْتَ وقُوفَنَا علَى الدَّارِ مسلُوبَ الأسَى والتماسُكِ
أفِي كلِّ دارٍ قد عفَتْ أنتَ واقِفٌ تروِّي ثرَاهَا بالدموعِ السَّوافِكِ
كأنَّكَ فِي رسْمِ الديارِ مُتَمِّمٌ وفيمَا عفَا مِن رَبْعِهَا قبْرُ مالِكِ
فقُلْتُ نَعَمْ هذِي ديارٌ عهِدتُّهَا بِها مَعْشَرِي مِثْلُ ‌النُّجومِ ‌الشَّوَابِكِ
أصابَهُمُ رَيْبُ الزمانِ فأصبَحَتْ قِفَارًا وهُمْ مَا بَيْنَ ناءٍ وهَالِكِ
وقالَ أيضًا:
يقولُونَ قَدْ أعْوَلْتَ فِي الدارِ ما كفَى ولَيْسَ علَى رَبْعٍ عفَا بمُعَوَّلِ
وكَمْ قدْرُ مَا تبْقَى الدموعُ إذَا جرَتْ علَى كلِّ رَبْعٍ أو علَى كلِّ منْزِلِ
فقلْتُ نَعَمْ هَذِي ديارٌ عهِدتُّهَا عرينَ أسودِي فِي الخطوبِ ومعْقِلِي
فقَدْ أَصْبَحَتْ قَفْرًا وفرَّقَ شمْلَهُمْ حوادِثُ دهْرٍ بالفِراقِ مُوَكَّلِ
سأَبْكِيهُمُ أوْ يَمْزِجَ الدَّمُ أدْمُعِي فينْهَلَّ سِمْطًا كالجُمَانِ المُفَصَّلِ
[المنازل والديار، 115، 116]

[محمد بن إبراهيم]

وقُلْتُ أنَا-وأوله لعمرِو بنِ الحارثِ بنِ مُضاضٍ كمَا مرّ معنا-:

[وقَائِلَةٍ والدَّمْعُ سَكْبٌ مبادِرُ] أفِي كلِّ عامٍ أنتَ غادٍ مغادِرُ
فقُلْتُ لهَا طِيبِي وَقَرِّي لعلَّمَا يجَمِّعُ رّبِّي شمْلَنَا وَهْوَ قادِرُ
إِلَهٌ بكَفَّيْهِ العطَايَا وفَضْلُهُ عظِيمٌ نرَجِّيهِ وَلِلْكَسْرِ جابِرُ

[محمد بن إبراهيم]

المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل محمد بن إبراهيم

وقال بشارُ بنُ بُرْدٍ:

يا قوْمِ أذْنِي لبعْضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ والأذْنُ تعشَقُ قبْلَ العينِ أحيانَا
قالُوا بمَن لَّا ترَى تهذِي فقلْتُ لهُمْ الأذْنُ كالعَيْنِ توفِي القلْبَ مَا كانَا

وقالَ أيضًا في هذا المعنى:

قالَتْ عُقَيْلُ بْنُ كعْبٍ إذْ تعلَّقَهَا قلْبِي فأضْحَى بِهِ من حبِّهَا أثَرُ
أنَّى ولمْ ترَهَا تهْذِي فقلْتُ لهُمْ إنَّ الفؤادَ يرَى مَا لا يرَى البصَرُ

[زهر الآداب، 1/ 152]
و(عقيل بن كعب) ضبطها محقق الزهر بفتح العين، والصواب بالضم نسبة إلى القبيلة التي ينتسب إليها بشار بالولاء.

وبعدَ هذينِ البيتينِ:

وصَابِرِينَ ولَوْ يلْقَوْنَ مِن طَرَبِي مِعْشَارَ عُشْرِ عَشيرِ العُشْرِ مَا صبَرُوا
قالُوا جَهِلْتَ بِذِكْرَاهَا فقُلْتُ لهُمْ لا بل جنِنْتُ فكفُّوا اللوْمَ وازْدَجِرُوا
[ديوان بشار، 3/ 159، 160]
والرواية فيه: (أنّى ولم ترها تصبو).

[محمد بن إبراهيم]

وقَالَ ابنُ الرُّومِيِّ يمْدَحُ أبَا الصَّقْرِ إسْماعِيلَ بنَ بُلْبُلٍ لمَّا وَلِيَ الوَزارَةَ:

قَالُوا ‌أَبُو ‌الصَّقْرِ ‌من شَيْبَانَ قُلْتُ لَهُمْ … كَلَّا لعَمْرِي وَلَكِنْ مِنْهُ شَيبَانُ
وَكَمْ أبٍ قَدْ عَلَا بِابْنٍ ذُرَا شَرَفٍ … كَمَا علَتْ برَسُولِ اللهِ عَدْنَانُ

[زهر الآداب للحصري، 1/ 316، 317]
والبيتانِ من قصيدَةٍ عِدَّتُهَا أكثَرُ من مئتَيْ بيتٍ، ولمّا سمِعَ أبو الصقرِ أول هذينِ البيتينِ، قال: هجانى، قيل له: إنّ هذا من أحسن المدح، ألا تسمع ما بعده، قال: أنا بشيبان لا شيبان بى! فقيل له: فقد قالَ:
ولَمْ أقصّرْ بشيبانَ التي بلغَتْ … بِهَا المبالِغَ أعراقٌ وأغصانُ
للهِ شيبانُ قومٌ لا يشُوبُهُمُ … رَوْعٌ إذَا الرَّوْعُ شابتْ منْهُ وِلدانُ
فقال: لا والله لا أثيبُه على هذا الشعرِ، وقد هجانى!
قال المرزُبانِيّ في "الموشح": (وهذا ظلمٌ من أبى الصقرِ لابنِ الروميّ، وقلةُ علمٍ منه بالفرقِ بينَ الهجاءِ والمديحِ) انتهى.
وقد هجاه ابنُ الروميّ بقصائدَ مُرّةٍ بعد عزلِه منَ الوَزارة شماتةً بِهِ وفرَحًا بما أصابَهُ، فمِن ذلك قولُه:
لو تسجدُ الأيامُ مَا سجدَتْ … إلَّا ليوْمٍ فتَّ في عضُدِكْ
يا نعمَةً ولَّت غضارَتُهَا … ما كانَ أقبحَ حسنَهَا بيدِكْ
فلقَدْ غدَتْ برْدًا علَى كبِدِي … لمَّا غدَتْ حرًّا علَى كبِدِكْ

[محمد بن إبراهيم]

وقَالَ مبشّرُ بْنُ هُذَيْلٍ الشَّمْخِيُّ-ويروَى لغيْرِهِ-:

وعاذِلَةٍ هبَّتْ بليْلٍ تلُومُنِي … ولَمْ يغتَمِزْنِي قبْلَ ذَاكَ عَذُولُ
تَقُولُ اتَّئِدْ لَا يَدْعُكَ النَّاسُ مُمْلِقًا … وتُزِرْي بِمَن يَا بْنَ الكِرَامِ تَعُولُ
فقُلْتُ أَبَتْ نَفْسٌ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ … وطارِقُ ليْلٍ غَيْرَ ذَاكِ يَقُولُ
أَلَمْ تَعْلِمِي يَا عَمْرَكِ اللَّهَُ أَنَّنِي … كَرِيمٌ عَلَى حِينَِ الكِرَامُ قَلِيلُ
وَأَنِّيَ لا أخزَى إذَا قِيلَ مُمْلِقٌ … سَخِيٌّ وأخزَى أن يُقَالَ بَخِيلُ
[الأمالي للقالي، 1/ 38، 39، وديوان المعاني لأبي هلال العسكري، 1/ 89]