|
|
الانضمام | الوصايا | محظورات الملتقى | المذاكرة | مشاركات اليوم | اجعل الحلَقات كافّة محضورة |
|
أدوات الحديث | طرائق الاستماع إلى الحديث |
#1
|
|||
|
|||
التقوى أساس صلاح طالب العلم - نصيحة من الشيخ صالح السحيمي
|
#2
|
|||
|
|||
وقال -أيضًا-حفظه الله-موجِّهًا طلبة العلم إلى عدم التسرُّع في الحكم على الآخرين-():
وإياك والتسرُّعَ في الأحكام على الآخرين! وإياك أن تتسرع بمجرد أن تجدَ خطأ على أخيك! البعض من الناس يتسرعون في الحكم على إخوانِهم وهم أصحاب منهجٍ واحد! فيُلزِمون بما لا يلزَم، ويَضعون النصوص في غير موضِعها، ويستدلون بالنصوص على غير ما تدلُّ عليه، ويُحملون أقوال إخوانهم ما لا تحتمل، وعنده من التعالم والاستعلاء والغِلظة في القول -وما إلى ذلك-؛ ما لا يُمكن تصوره؛ فإيَّاكم وهذا المسلك! ادْعُ إِلَى سَبيلِ رَبِّك بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنةِ وجادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَن. وأحذركم مِن لَيِّ أعناق أقوالِ العلماء، وحملِها عما لم [يريدوا] الحمْل عليه. يأتي أحدُهم إلى عالِم فاضل، وشيخٍ جليل، ثم يطرح مسألةً علمية -في ظاهرها-، ويقولون: يا شيخ! ما رأيكم فيمن يقول كذا وكذا؟ والشيخ -وفقه اللهُ- يجيب إجابةً مُسددة وجميلة وقوية وفي مكانها، ثم يأتي عبر بعض المواقع، عبر بعض زبالات الإنترنت؛ فيضع عنوانًا لهذا الجواب -ظلمًا وعدوانًا-: (الشيخ. . سماحة الشيخ فلان يَرد على فلان) !! وقد يكون من يُزعم أنه يُرَد عليه عالمًا من العلماء، أو طالب علم يسير على منهج العلماء. فهذا في غاية الخطورة -أيضًا-، وهذا تحريف لِلكلِم عن مواضعه. والمواقع تمتلئ بمثل هذا الغثاء الكثير، فاحذروا منه، احذروا منه كلَّ الحذر! احذروا منه كلَّ الحذر! كل المواقع التي تسلك هذا المسلك؛ قاطِعوها، وابتعدوا عنها. كل المواقع التي لا هَمَّ لها إلا النشر للصغار، صغار العقول، والخفافيش الذين شوَّهوا سُمعة طلبةِ العلم، وهم يُغِيرون مع هذا وهذا، على نحو المثل القائل -وهو مثل بدوي-: (فلان يعدو مع الذئب، ويصيح مع الراعي)!! كثير من الناس يسلكون هذا المسلك، وتجده مُتقلِّبًا لا قرار له، اليوم مع فلان، وغدًا مع فلان! وإيَّاكم أن تُعلِّقوا الأحكامَ، أو أن تكون دعوتُكم متعلقةً بالذَّوات؛ فإنَّ هذا لونٌ من ألوانِ الحزبية المَقيتة التي نُحذِّر منها وقد نقع فيها مِن حيث لا ندري. احذروا من ذلك، واسلكوا مَسلك السَّلف الصالح، سِيروا على نَهج مشايخنا في الدَّعوة إلى الله -جلَّ وعلَا-؛ مِن أمثال: الشيخ شيخنا ابن باز، وشيخنا العثيمين، وشيخنا الأمين، وشيخنا الألباني -يرحمهم الله-، وشيخنا الشيخ حماد، وشيخنا الشيخ عمر بن محمد فلاتة، وشيخنا الشيخ محمد أمان.. وغيرهم ممن انتقل إلى ربِّه -نسأل الله أن يرحمَه-. وكذلك مشايخنا المعاصِرون: سماحة شيخنا المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وسماحة شيخنا الشيخ صالح الفوزان، وسماحة شيخنا الشيخ صالح اللحيدان، وسماحة شيخنا الشيخ عبد الله الغديان، ومعالي الشيخ صالح بن عبد الله آل الشيخ، وفضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن العباد البدر، وفضيلة شيخنا الشيخ علي بن ناصر الفقيهي، وفضيلة شيخنا الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وفضيلة شيخنا الشيخ زيد بن هادي المدخلي، وفضيلة شيخنا الشيخ النجمي -ي- . . وغيرهم ممن لم أذكره -على سبيل الاختصار، وبحسب ما سمح به الوقت-. أما نحن الصِّغار -أو بعضنا-؛ فإيَّاكم أن تجعلوهم -هُم- المرجعَ فيما تَصدرون عنه؛ إلا مَن سلك مَسلك هؤلاء العُلماء -الذين أشرتُ إليهم، أو ذكرتُ بعضهم-، مَن سلك مسلَكهم نأخذ عنه، ومَن حاد عن سبيلهم فلنبتعدْ عنه، ومَن أراد الشُّهرة بما ينشر مِن الإلزامات والتَّتبُّع وتشويه سُمعة إخوانِه.. وما إلى ذلك؛ فهذا أمرٌ في غاية الخطورة؛ فابتعدوا عنه. وفَّق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح. وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين . () فرغتُها قديمًا بتاريخ: (07-16-2009). |
#3
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرًا، ولا حرمنا فوائدك.
|
#4
|
|||
|
|||
وهذا لقاءٌ -جديد- منهجيٌّ تربويٌّ هامٌّ مع الشَّيخ صالِحٍ السُّحيمي، كان باتصالٍ هاتفيٍّ مع طلبة العلم في تُونُس.
قال الشَّيخُ -حفظهُ الله-: إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله مِن شُرور أنفسِنا، ومِن سيِّئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يضللْ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعدُ: إخواني وأحبَّتي في الله في تونس الشَّقيقة، أيُّها الإخوة طلبة العلم، أيها المسلمون: مناسبة طيِّبة أن نتحدَّث مع إخواننا بكلمةٍ توجيهيَّة، أسأل الله أن ينفعني الله وإيَّاكم بها، وأن يثقِّل بها موازينَنا، وأن يجعلنا فيها من المُخلِصين المُصيبين في القول والعمل. أيها الإخوةُ في الله: أحمدُ الله -تبارَك وتَعالى- إليكم على ما منَّ به مِن نعمة هذا اللقاء عبر هذه الوسائل، والأمر الذي أريد أن أتحدث عنه -بادئ ذي بدء- هو العِلم والتعلم، والفقه في دين الله -سبحانهُ وتَعالى-؛ لأن هذا هو طريق الخلاص وطريق السَّير على جادة الصَّواب، والذي لا يمكن لعبدٍ مسلمٍ أن يعبدَ الله -تبارَك وتَعالى- إلا بهِ، قال الله -عزَّ وجلَّ-: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وقال -تبارَك وتَعالى-: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا، وقال -جلَّ وعلا-: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ. بالعِلم -يا عبدَ الله!- يعرف المسلمُ الحقَّ من الباطل، والتوحيدَ من الشِّرك، والسُّنَّة من البدعةِ، والهُدى من الضلال، والحلالَ من الحرامِ. بالعِلم -يا عبدَ الله!- تسلكُ الطريقَ الذي يوصلكَ إلى الجنَّة، «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له بهِ طريقًا إلى الجنةِ». بالعِلم -يا عبدَ الله!- تنالُ الرِّفعةَ في الدنيا والآخرة؛ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. بالعِلم -يا عبدَ الله!- تكونُ من ورثة الأنبياء والمرسَلين، قال رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «وإن العُلماء هم ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياءَ لم يُوَرثوا دينارًا ولا درهمًا، فمن أخذه؛ أخذ بحظٍّ وافرٍ». بالعِلم -يا عبدَ الله!- تُقيم دعوتَك على توحيد اللهِ، وتكونُ شاهدًا على التَّوحيد بعد شهادة اللهِ وملائكتِه، قال الله -عزَّ وجلَّ-: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. بالعِلم -يا عبدَ الله!- تضع لك الملائكةُ أجنحتَها رضًا بصنيعك، ورضاها دليلٌ على رضا خالقِها -سبحانهُ وتَعالى-. بالعِلم -يا عبدَ الله!- تستغفر لك جميعُ المخلوقات حتى الحيتان في جوف البحر. بالعِلم -يا عبدَ الله!- تعرفُ كيف تعبُد ربَّك عبادةً صحيحةً، لا عِوج فيها ولا أمتًا. بالعِلم -يا عبدَ الله!- تصل إلى برِّ النجاةِ، وإلى جادة الصواب، بدلًا من التخبط الذي يتخبَّطه الكثير من الناس، الذين لم يتفقَّهوا في الدِّين، فتلتبس عليهم الأمور، وتدلهِمُّ أمامَهم الأشياء، فلا يفرِّقون بينها، وربَّما فعلوا الباطلَ يظنونه حقًّا، والحقَّ يظنونه باطلًا، هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا. فالله الله أيها الإخوة في طلب العِلم الشَّرعي من مظانِّه على العُلماء الراسِخين في العلم؛ حتى نعبد الله على بصيرةٍ، وحتى تقوم دعوتنا على الوجهِ الذي يُرضي الله -عزَّ وجلَّ-؛ ولذلك: العِلم قبل القولِ والعمل، قال الله -سبحانهُ وتَعالى-: فَاعْلَمْ أنَّه لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ. أيها الإخوةُ في الله! بعد هذه العجالة عن أهميَّة العلم؛ فإنَّ ثمةَ وصايا مختصرة أذكرُها في عناصرَ محدودة: الأمر الأول: هو العِلم والتعلُّم -كما بيَّنا- في ضوء الكتاب والسُّنَّة. والأمر الثاني: البدءُ بما بدأ الله به، البدء بفهم العقيدةِ الصحيحة المستمدَّة من الكتابِ والسُّنَّة، والجد والاجتهاد في ذلك، وتقديم التوحيد على كلِّ شيء، فمَن لم يعرف التوحيدَ؛ لا يمكنُه أن يصلَ إلى برِّ النجاة، حتى ولو أدَّى سائر العبادات الأخرى -مئات السِّنين، أو آلاف السِّنين-. فلا بُد من البدء بالتوحيد؛ فَاعْلَمْ أنَّه لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ، والجد والاجتهاد في تحقيق عبادة الله -عزَّ وجلَّ-، والإيمان به ربًّا وإلهًا ومعبودًا، والإيمان بأسمائه وصفاته، إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسولُه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- من الأسماء الحسنى والصفات العُلى، وفهم ذلك وفق هدي الكتاب والسُّنَّة. ثالثًا: أخذ العِلم عن العُلماء الربانيِّين الراسِخين في العلم، الذين يَنفون عن كتاب الله -جلَّ وعلا- تحريفَ الغالِين وانتِحال المُبطِلين وتأويل الجاهِلين. قال الله -عزَّ وجلَّ-: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ. رابعًا: إن الحقَّ أحقُّ بالاتِّباع -حتى ولو خالفه النَّاس-، فلا ننظر إلى الكثرةِ؛ لأن أكثر الناس على ضلال -إلا مَن رحم الله-جلَّ وعلا-؛ قال الله -سبحانهُ وتَعالى-: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وقال -سبحانهُ وتَعالى-: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ، وقال -سبحانهُ-: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ. فلنتنبَّه لهذا الأمر غايةَ التنبُّه. والأمر الخامسُ: الجد والاجتهاد في العمل بما تعلَّمناه؛ لأن العملَ هو ثمرةُ العلمِ؛ بأن يطبِّق المسلمُ ما تفقَّه فيه وما تعلَّمه؛ فيكون بذلك قدوةً صالحة لغيره؛ يَا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلونَ . كَبُرَ مَقتًا عندَ اللهِ أن تَقولُوا ما لا تَفْعَلونَ. والأمر [السادس]: التخلُّق بالأخلاق الفاضلة؛ فالخُلق العالية من طِباع المسلم؛ بل قدوتُنا في ذلك رسول الهدى -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، قال الله -عزَّ وجلَّ- في وصفِه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ، قال رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إنَّما بُعثتُ لأتممَ مكارم الأخلاق»، وأخبر -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أن أقرب الناسِ منزلًا منه يومَ القيامة أحاسنُهم أخلاقًا. الأمر [السابع]: التراحُم فيما بيننا والتعاطف والتآزُر والتكاتُف والتعاون على البِرِّ والتقوى، وأن نجتهد في ذلك، وأن يكون منطلقُنا من هذا التراحم، يرحم بعضُنا بعضًا، ويعطف بعضُنا على بعض، فنتعاون على البِر والتقوى، ونجتهدُ في ذلك؛ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، ويقول رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «مثلُ المؤمنين في تعاوُنِهم وتعاطُفِهم كمثَل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهرِ والحمَّى»، وهذا التعاوُن يكون في تطبيقِ الحقِّ والخيرِ، والجد والاجتهاد في ذلك. والأمر [الثامن]: التناصح فيما بيننا وفق الضوابط الشرعيَّة، وانطِلاقًا من قول رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «الدِّين النصيحة، الدِّين النصيحة، الدِّين النَّصيحة» قالوا: لمَن يا رسول الله؟ قال: «للهِ ولرسوله ولكتابِه ولأئمةِ المسلمين وعامَّتهم». والنصيحةُ مقدَّمةٌ على الفضيحة. النصحيةُ: أن تبذلَ وأن تسدي لأخيكَ النصح، وأن تجتهدَ في ذلك محبَّةً له، لأنك تحبُّ له ما تحبُّ لنفسِك، فإذا رأيتَه على خطأ، أو معصيةٍ، أو مخالفةٍ شرعية، أو بدعة؛ ابدأه بالنصح، ولا تبدأه بما قد يدعو إليه بعضُ من لم يفقه منهج السَّلف بأن تبدأه بالهُجران مباشرةً بدون رويَّة وبدون تثبُّت، ودون أن تعلمَ أمرَه، ودون أن تتحقَّق من أمرِه، وقبل أن تنصحَه؛ هذا مبدأ فاسِد مخالف لهدي النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-جملةً وتفصيلًا-. وأن نجتهدَ في النُّصح، و[...] إخواننا النصحَ ابتغاء وجه الله -جل وعلا-، نُبين لهم الحق بدليله، نبيِّن له وجه الخطأ فيما أخطؤوا فيه، نتلطف معهم في ذلك؛ حتى يتضح لهم الحق، حتى تقام الحجَّة وتُزال الشُّبهة. وهذا ينقلنا إلى الأمر [التاسع]: وهو التثبُّت مما قد يُنقل إليك من أخيك، وعدم التسرُّع في إصدار الأحكامِ عليه، وعدم الحُكم على الأشخاص إلا بعد التثبُّت، إلا أن ترى شيئًا مثل الشمس أو أشد وضوحًا اشتد على مثل هذا أو دعك. والتثبُّت خصوصًا عند كثرة الشائعات كما هو في هذا العصر، لا بد لطالب العِلم أن يتثبَّت عما يسمع، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ، ويقول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إيَّاكم والظنَّ؛ فإن الظنَّ أكذبُ الحديث». ولذلك من ألوان التثبت: أن تحمل أخاك على المَحمل الحسَن -متى ما وجدتَ إلى ذلك سبيلًا-, ثم إن وجدتَ خطأ صريحًا، أو مخالفةً؛ تنصحه، وتنبِّهه -انطلاقًا من محبَّة الخير له-، ويكون ذلك برحمةٍ، بشفقةٍ؛ كما قال الله -عزَّ وجلَّ- عن نبيِّه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ. ولذلك: فلا بُد من التثبُّت، وعدم الاستعجال في الحُكم على الأشياء؛ لأن بعض صغار طلبة العِلم أصبحوا يُفتون، حتى في بعض المشايخ الفضلاء، يُبدِّعون ويفسِّقون ويُضلِّلون -كما يشاؤون-، ويُصدرون أحكامًا جزافية -إما بناءً على فتوى شابٍّ لم ينضج في العلم، أو بناءً على فتاوى أخرى لعلها حصلتْ من البعضِ نتيجةً لتهويل بعض الشباب لبعض القضايا-؛ فيسيئون إلى إخوة حريصين في العلم، ومشايخ أفاضل منهم مَن هو يُدرِّس في مسجد رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، ثم يأتي البعضُ لينالَ منه، أو يطلب عدم السَّماع له، أو لا تأخذوا العِلم عنه، وهذا الذي يُحذِّر ربما أنه لم يبلغ عُشر مِعشاره في العلم، أو ربما كان تلميذًا له يومًا مِن الأيام، لكنَّ هذا التلميذَ تزبَّب قبل أن يتحصرم. فانتبهوا لهذا؛ فإنه أمرٌ خطير، لا سيما أنتم الآن -ولله الحمد والمنة-، مَّن الله عليكم بالاجتماع والألفة، فلا تُمزِّقوا هذه الألفة بالظُّنون. وهذا لا أعني به أن يظلَّ المسلم ذيلًا للمُبتدعة، أو أن ينضمَّ إليهم، أو أن يُمالئهم، أو أن يتعاونَ معهم؛ لكن أنا أقصد ذلكم الأسلوب الرخيص الذي يُنتهجُ هذه الأيام من بعض الأشخاصِ من أجل تشويه بعض المشايخ وبعض العُلماء وبعض الأفاضل وبعض طلبة العِلم دون رويَّة، ودون تثبُّتٍ، ودون أي دليل يمكن أن ينهض لِما يدَّعون. فلننتبِهْ لهذا، ولنكن على بصيرة من أمرنا قبل أن تتفرَّق الكلمة بسبب هذه التصرُّفات الهوجاءِ، والتي ربَّما تَسرَّع فيها البعض من التَّبديع والتفسيق والتكفير كما يحلو له وكما يُريد. احذروا من هذا، وارجعوا إلى المشايخ والعُلماء الربَّانيِّين الذين يقضون بالحقِّ وبه يعدِلون، وإيَّاكم والتسرُّع، وإيَّاكم والعجلة، وإيَّاكم والأحكام الجُزافيَّة، وإياكم وتفرق الكلمة من أجل الاختلاف على بعض الأشخاص، أو من أجل فتاوى أشخاص صغار، أو أشباه الصِّغار في النيل من بعض العُلماء، أو في النيل من بعض المشايخ وطلبة العلم. فانتبهوا لهذا! الأمر [العاشر]: الجد والاجتهاد في العبادة والتقرُّب إلى الله -عزَّ وجلَّ- الذي يعينُكم على طلب العِلم الشَّرعي، قال الله -تبارَك وتَعالى-: وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ، ويقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لِحَبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس -رضي اللهُ عنهُما-: «يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظِ اللهَ تجدهُ تجاهك، تعرَّف إلى الله في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة». فعلى المسلم عامَّة، وطالب العِلم خاصَّة أن يجتهد في أن يعبدَ الله على بصيرةٍ، وأن يجتهد فيما يقرِّبه إلى الله -تبارَك وتَعالى-؛ إن ذلك هو طريق النجاة، وطريق الخلاص. الأمر [الحادي عشر]: عدم التَّجرُّؤ على الفتوى، والبُعد عنها، وتركها لأهلها، قال الله -عزَّ وجلَّ-: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا؛ فطالب العِلم لا يتجرَّأ على الفتوى، قال بعض السَّلف: «أجرؤُكُم على الفتوى؛ أجرؤُكُم على النَّار». بعض النَّاس لا يتورَّع أن يفتي في مسألة ليس أهلًا لها، أو في الحُكم على شخصٍ يكبُره دينًا وعلمًا أضعافًا مضاعفة! علينا أن نَحذر من مثل هذا السُّلوك الخطير. كذلك من الوصايا: العناية بتوظيف الوقت، والجد والاجتهاد في ذلك، وعدم إضاعتِه فيما لا ينفع. كذلك من الوصايا: الجد والاجتهاد في تدوين العِلم الشَّرعي وحِفظه، والجد والاجتهاد في حفظ المتون، وفهم شرحها وفق منهج السَّلف الصالح. كذلك من الوصايا -التي أوصي بها إخواني-: خوف الله -عزَّ وجلَّ- فيما نقول وفيما نعمل، يجب أن يكونَ خوف الله مقدَّمًا على كل شيء. كذلك من الوصايا المهمَّة: الجد والاجتهاد في اختيار الجلساء الصالحين، قال الله -عزَّ وجلَّ-: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وقال -تبارَك وتَعالى-: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قال رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «المرءُ مع مَن أحب»، ويقول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «المرءُ على دِين خليلِه»، ويقول -أيضًا-: «مثل الجليسِ الصَّالح والجليس السُّوء كحاملِ المِسك ونافخِ الكِير، فحاملُ المسكِ إما أن تبتاعَ منه، وإمَّا أن يحذيَك، وإما أن تجدَ منه ريحًا طيِّبة، ونافخُ الكير إما أن يُحرق ثيابَك، وإما أن تجدَ منه ريحًا خبيثة». مِن الوصايا -أيضًا-: أن تعطي كل ذي حقٍّ حقَّه؛ فتجعل لعبادتك وقتًا، وللعِلم وقتًا، ولأهلك وقتًا، ولنومك وقتًا حتى يكونَ لك عونًا لك على طاعة الله -سبحانه وتَعالى-، واجتهد في توثيق الصلة بالله -صباحًا ومساء- بأداء الفرائض والنوافل، وتلاوة القرآن والقرب من الله -تبارَك وتَعالى-؛ قال الله -عزَّ وجلَّ-: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وقال -جلَّ وعلا-: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. هذه بعض الوصايا، والوصايا كثيرة، لكن أوصيكم ونفسي بالعناية بما ذُكر وبغيره، وأن يحرص على الخير -أينما كان، وحيثما وُجد-، وأن ينأى بنفسه عن إضاعة الوقت في القيل والقال، وأن يَحذر من لَوكِ أعراض المشايخ وطلبة العِلم والكلام فيهم -كما تعوَّد بعضُ الجهلة، وبعض المتعالِمين، وبعض الذين يريدون أن يصعدوا على حساب تشويه سُمعة الآخرين-. اجتهدوا في فهم ذلك فهمًا جيِّدًا. وأوصيكم ونفسي في خلاصة ختام هذه الكلمة: بتقوى الله -عزَّ وجلَّ-، في السِّر والعلَن، والمَنشط والمكره، وفي جميع الأحوال. أسأل الله الكريمَ ربَّ العرش العظيم بأسمائهِ الحُسنى وصفاته العلى لنا ولكم التوفيق والسداد، والعِلم النافع، والعمل الصالح. وصلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الأسئلة -ابتداء من الدقيقة: (26:15)-: يقول السائل: ما توجيهُ فضيلتُكم لمَن اشتغلوا بالكلام في طُلاب العِلم والعُلماء، وتتَّبعوا زلَّاتِهم وأخطاءَهم دون الرُّجوع إلى كبار العُلماء؟ والسؤال الثاني -يشبهه، ندمجه في الأول- يقول السائل: ما توجيهُكم لمَن أخذ العِلم عن صغار طلبة العِلم -خاصَّة-، خاصَّة في النوازِل، وتصدَّر هؤلاء الطُّلاب للفتوى والخوضِ في مسائل النوازل؟ الجواب: هذا ما أشرتُ أنا إليه في كلمتي، وأضيف أو أؤكد على ذلك بالقول: على المسلمين عامَّة، وطلبة العِلم خاصَّة أن يتقوا الله -تبارَك وتَعالى-، وأن يحذروا الوُلوغ في أعراض العُلماء وطلبةِ العِلم الذين هُم على المنهج الحقِّ، وأن يخافوا الله -عزَّ وجلَّ-، وأن يراقِبوه، وأن يَعلموا أنهم مُحاسَبون عن كلِّ كلمةٍ تصدر منهم، وكما قلتُ يجب أن يجعلوا نصب أعينهم قولَ الله -عزَّ وجلَّ-: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا، وقولَ الله -تبارَك وتَعالى-: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، وقولَ النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أمسِك عليكَ هذا» وأشار إلى لسانِ نفسه، وقولَه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إن المرء ليتكلَّم بالكلمةِ لا يُلقي بها على بال تقعُ بِه في جهنم سبعين خريفًا»، ونحو ذلك من الآيات والأحاديث التي تُخيف. فإياك أن تُطلق لسانَك في العُلماء وطلبة العِلم الذين يسيرون على نَهجِهم، ولا تسمع ولا تُصغِ لكل مَن يأتيكم ولا همَّ له إلا الوُلوغ في أعراضِ أهل العِلم بِاسمِ النَّصيحة والدعوة وهو أبعد ما يكون عن ذلك؛ بل ما حلَّ في بلدٍ إلا وفرَّق شبابَه إلى قسمَين أو أكثر من ذلك!! احذروا من مثل هذا، وتجنبوا بُنيات الطريق، واحرصوا على ما ينفعكم، واعلموا أنَّ (لحومَ العُلماء مسمومة وسُنة الله في مُنتقصها معلومة)، وعلى كل مسلم أن يعرف قدر نفسِه (رحم الله امرءًا عرف قَدر نفسه)، ولا يتجرَّأ في مثلِ هذه الأمر؛ لئلا تزل قدمٌ بعد ثُبوتِها، وحتى لو وجد زلَّة عند بعض أهل العِلم أو خطأ؛ أن يرجعَ فيه إلى العُلماء الكبار الرَّاسخين في العلم، فيسألُهم بتجرُّد، لا يشوِّه، ولا يزيد وينقص، لا يطرح مسألة ثم يُنزِّلها على فلان وعِلان من المشايخ. لأن البعضَ من الجُهَّال -الآن- مِن المُتعالِمين دأبوا على طريقة: يصوغ سؤالًا، ويطرحه على أحد المشايخ الكبار، وهو يقصدُ به سوءًا، مقصده سيئٌ من البداية، ثم يعمد ويُنزِّله في هذه المواقعِ الهَزيلة التي مُلئت بالغثاء وبالكلام الفارغ وبقلة الحياء، وينزِّله على فلان، أو على الشَّيخ فلان، أو على طالب العِلم فلان -مِمَّن هو فوق فلان هذا الذي أفتاه، أو أذِن له، أو سهَّل له الوُلوغَ في عِرض هذا العالِم أو هذا الشيخ، أو طالب العِلم الفُلاني-. هذه أمورٌ خطيرة جدًّا! حتى بلغنا أنه عندكم: دعا بعضُ الناس إلى إحراق كتبِ بعضِ أهل العِلم الفُضلاء الذين تسنَّموا مناصبَ عاليةً في العِلم والتعلُّم والفِقه في دِين الله -عزَّ وجلَّ-، هذا -إن سمعتم له- هذا جهل!! الذي يدعوكم إلى هذا؛ لا تدعوه مرَّةً أخرى ليأتي عندكم، طالما أن همَّه الكلام في العُلماء الربَّانيين وفي طلبة العِلم السائرين على نهجِهم. فالقضيَّة ليست قضيَّة أن فلانًا يأتي ويتكلَّم ويجعجع الساعة والساعتَين! العلم: (قال الله.. قال رسوله)، أما الجعجعة والإلزامات الخطيرة التي بدأنا نراها من بعضِ المنتسِبين إلى العِلم؛ هذا أمر في غاية الخطورة؛ إما أن عنده إلزامات لا تَلزمُ ذلك المدَّعَى عليه، أو يكون في ذلك بترٌ لكلامِه، أو تحريفٌ لكلامه، أو تحميل لكلامِه ما لا يحتمل، أو إلزامُه بما لا يلزم، أو تشبيهه ببعض المنحرِفين عن الجادة ببعض المبتدِعة، أو دخولًا في نيَّته، وظنًّا سيئًا به، أو نحو ذلك. انتبهوا! هناك مشايخ ابتُلوا بالوُلوغ في أعراضهم من قِبَل بعض المُتزبِّبِين وبعض الجهلةِ والسفهاء، وقد يَتبعهم كثيرٌ من الرعاع فيضلون بذلك، وتتفرق كلمتُهم، ويأثمون في مشاركتهم هذا الجاهل أو هذا السَّفيه من الولوغ في أعراض طلبة العلم، أو العُلماء الربَّانيِّين. فلنحذر من هذا! منهج السَّلف واضح. أنا لا أعني بهذا -حتى لا يفهم أحدٌ خطأ-؛ لا أعني أننا لا نرد على المبتدعة! الرد على المبتدِعة متعيِّن؛ لكن: يقوم به أهلُه، أهلُ العلم، يقومُ به الرَّاسِخون في العلم، أمَّا أن يأتي أشخاص يُبدِّعون مشايخ وطلبةَ علمٍ يسيرون على نَهجِهم، بغير فقه وبغير علمٍ وبغير هدًى ولا كتاب منير؛ فهذه إحدى الكُبَر. فلنخفِ الله -عزَّ وجلَّ-، ولنتقِ الله، ولنخشَ الله -عزَّ وجلَّ- فيما نقول، ولنضبط ألسنتَنا حتى لا نقعَ فيما وقع فيه أولئك، ولنجتهد في جمعِ الكلمة، فإذا أخطأ أحدُنا نناصحُه -فيما بيننا وبينه-، ولا نشهِّر به. فرقٌ بين أن يصدر خطأٌ أو أخطاء مِن شخصٍ على منهج أهل السُّنَّة، أو أن يقعَ في البدع ويتبنَّى البدع ويدعو إليها، ويتبنَّاها! لكن أعود وأقول: الذي يقدِّر ذلك هم العُلماء. نحن لسنا من دُعاة الموازنات الذين يقولون: قبل أن ترد على المبتدع؛ عليكَ أن تمدحَه وتُثني عليه وتُبين حتى..؛ لا؛ ليس هذا هو المراد. وإنما المراد: أننا لا نتكلَّم بغير علم، ولا نسمعُ ولا نصغي لأولئك المُتسرِّعين الذين يُصدرون أحكامًا جائرةً على بعض المشايخ وعلى طلبة العلم؛ فإنَّ ذلك مِن أسوأِ ما يكون، وهذا سيؤدي -بالتَّالي- إلى فرقة -أيضًا- بينكم، تتحوَّلون إلى شيعٍ وأحزاب، وهذا لا نريده لهذه النَّبتة التي بدأت تؤتي أكلَها -إن شاء الله- في هذا البلد الطيِّب. فلننتبِه لهذا! ولنحذر مِن مثل هذه التسرُّعات! والذي يريدُ أن يتكلم في هذه المتاهات؛ نقول: يا أخي! عندك علم تزوِّدنا به؛ فأهلًا وسهلًا. أما إن كنتَ ستأتي لتفرِّق أهل السُّنَّة والسَّلفيِّين فيما بينهم، وتزرع الشِّقاق؛ ارجع مِن حيثُ أتيتَ! وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. السُّؤال الأخير -من الدقيقة (35:50)-: يقول بعض الإخوة المتصدِّرين والذين ابتُلوا بالدَّعوة وبشيءٍ من الدُّروس، يقولون: بِما أنَّ هذه البلاد وغيرها من بلاد شمال إفريقيا قد مُلئت بالشِّرك الأكبر وبالبدع وبغيره بالتَّصوف؛ فيقولون نحن نخيِّر دعوة الناس إلى التوحيد وبيان دعوة الأنبياء والتحذير من الشرك الأكبر ومن البدع الكُبرى -التي لعلها تُخرج المرء من دينه أو من منهج أهل السُّنَّة-، ولا نخوضُ فيما يختلف فيه العُلماء من الاختلافات في المسائل العلميَّة، أو في الأشخاص -بين مبدَّع وغير مبدَّع-؛ فما تقولون -شيخَنا- في رأي هؤلاء الإخوة؟ الجواب: هذا الأمر يحتاج إلى شيءٍ من البيان. ولكن أقول في عجالة: أما الشِّرك والبدع والخُرافات هذه لا مساومةَ عليها، ولكن -أيضًا- بالحكمة والموعظة الحسَنة. فإذا جئتَ في بلد مكان -مثلًا- فيه تصوف، وفيه بِدع، وفيه خرافات، لا تأتي إليهم وتسب وتسخط؛ وإنما اربط الناس بـ(قال الله، قال رسوله)، اذكر لهم الآيات التي تُبين التَّوحيد وتحذِّر من الشِّرك؛ فستجد -إن شاء الله- ممَّن يفقه ويتفقَّه ويفهم عليك الكثير والكثير. ولا تتخذ المصادمة ديدنًا لك، أو السَّب والشَّتم، يقول الله -عزَّ وجلَّ-: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيرِ عِلْمٍ. هذه النقطة لا بد أن تنتبه إليها. الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كان يعرض نفسَه على القبائل، وعلى المشركين، ويزورهم في نواديهم، ويُبين لهم الحق، لكن بعض الناس إذا رأى أخاه زار جهةً وتألَّفهم وبيَّن لهم بالدَّليل، ولم يقصد تكثير سوادهم ولم يخالفهم لعله يقصد: لم يوافقهم في طقوسهم؛ قالوا: فلان ذهب إلى المكان الفلاني؛ إذن هو مبتدع! هذا المسلك خطأ، هذا المسلك غير صحيح، وليس مسلك الدُّعاة إلى الله -عزَّ وجلَّ-. نحنُ قد نزور أماكن ومراكز فيها مخالفاتٌ شرعيَّة؛ ولكن هناك شرط؛ فلا بد مِن التنبُّه لأمر: أن لا تذوبَ في وسطِ أولئك الأقوام، وأن لا تتنازل عن ذرَّة من دين الله -عزَّ وجلَّ-، ولكن المقصود أن تخاطبهم بالحكمة؛ الله -عزَّ وجلَّ- أمر موسى -عليه السَّلام- وهو يخاطب أعتى خلق الله (فرعون)، أمره هو وهارون بقولهِ: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى. هذا من جِهة عُبَّاد القبور والمشركين، أو الذين عندهم بدع مغلظة. أمَّا ما يتعلَّق بِتحقيق التَّوحيد، والكلام على التَّوحيد؛ فلا تأخذك في الله لومةُ لائم، ادعُ إلى توحيد الله -عزَّ وجلَّ-، لكن -كما قلتُ- مع الهدوء والحكمة المتناهية؛ بأن تذكر: (قال الله، قال رسوله). إذا احتاج الأمر إلى رد وبيان لكشف بعض الشُّبه التي يطرحها بعض المبتدعة؛ فارجع إلى العُلماء الكبار الذين يُبيِّنون لك ذلك. وأما أنتَ بيِّن ما تعلم، بشرط أن تكون على منهج السَّلف الصَّالح، بيِّن ما تعلم، ولا سيَّما بالتَّأصيل على هدي الكتاب والسُّنَّة، وربط النَّاس بذلك. يعني مثلًا حتى تخرج طلبة علم يَعرفون السُّنَّة من البدعة، والهدى من الضَّلال، والتوحيد من الشرك، أصِّل وبيِّن لهم ذلك. وأمَّا الأشخاص فهم على ثلاثة أقسام...: قسمٌ مرقوا مِن الدِّين، هؤلاء لا كرامةَ لهم؛ وإنَّما تراعي أنتَ المصلحة والمفسدة فيما يتعلَّق بالتَّصريح بأسمائهم؛ لئلا توقف دعوتك، لا أقصد أنكَّ تتنازل عن دعوته، أو عن بيان عَوَره، لا؛ ولكن: انظر إلى ما تقول، أحيانًا يكون في التَّلميح والتَّلويح وعدم التَّصريح فائدة عظيمة في كشفه للنَّاس والتَّحذير منه، ولا سيَّما إن كان ذا سلطان. وأمَّا القسم الثَّاني: فهم المبتدِعة، الذين ظهرت بِدَعُهم، وسلكوا مناهج أهل البدع، وهؤلاء نعم يُردُّ عليهم؛ ولكن بِمراعاة المصالِح والمفاسد -أيضًا-، فإن ألَّفتَ كتابًا، أو رددتَ على شريطٍ لِمثلِ هؤلاء؛ فبيِّن أخطاءهم، وبيِّن الشُّبَه ورُدَّها بالحججِ القاطعة والبراهين السَّاطعة مِن كتاب الله -عزَّ وجلَّ- وسُنَّة رسوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وآثار السَّلف الصَّالح. ولكن -أيضًا- تُراعي عدم السَّب، عدم السَّفاهة، عدم النُّزول إلى ما يفعلونه هم، يعني تردُّ الحقَّ بدليله: (قال في الكتابِ الفلاني كذا، والصَّواب كذا، ورد الشُّبهة كذا وكذا)؛ وهذا -كلُّه- لا بدَّ أن نرجع فيه إلى العُلماء الكبار. القسم الثَّالث: أشخاصٌ امتُحِنوا مِن قِبل بعضِ المُتعالِمين، نحن لا ندَّعي للنَّاس العِصمة؛ لكنْ هُناك علماء ومشايخ وطلبة عِلم أوذوا في الله -عزَّ وجل- مِن قبل بعض أدعياء السَّلفيَّة؛ فهؤلاء لا نشاركُ في إيذائِهم حتى لا نقعَ فيما وقعوا فيه مِن تفريق كلمة أهل السُّنَّة بغيرِ حقٍّ، وإن وُجد عند أحدٍ منهم خطأ يُنبَّه، وإن الذي ينبِّهه وينصحه هم العُلماء الكبار. القِسم الأخير: أناسٌ جهلة وقعُوا في أمورٍ لا يُدرِكونَها، هؤلاء يحتاجون -فقط- إلى توعيةٍ وبيان الحقِّ بدليلهِ لهم، والأخذ بأيديهم إلى الجادَّة. هناك صنفٌ آخر: شخصٌ عنده زلَّات معيَّنة وقع فيها مشايخ كبار -مثل الإمام النَّووي-رحمهُ الله-، وابن حجر-رحمهُ الله-، وكذلك غيرهم-، وقعوا في بعضِ المخالفات -بل وفي بعض البِدع-؛ فما موقفنا تجاههم؟ نسلكُ مسلكَ الحدَّاديين -في رفضِ كتُبهم وسبِّهم والنَّيل منهم-وهم قد خدموا السُّنَّة وخدموا العِلم-؟! الجواب: لا، ليس الأمر كذلك؛ وإنَّما علينا أن نأخذَ ما بيَّنه العُلماءُ من التَّنبيه على زلَّاتِهم وأخطائِهم، ولا نداهنُهم علينا -مع احتِرامهم، وعدم تَجرِئة صِغار الطُّلاب عليهم-؛ يعني: نُنبِّه على الخطأ. يعني -مثلًا-: لو وجدنا -مثلًا- عند النَّووي -رحمهُ الله- تأويل في الصِّفات؛ في هذه الحال نُبيِّن هذا، ولا نتردَّد في بيانِه، نقول: هذا خطأ من النَّووي -رحمهُ اللهُ-؛ لكن لعل من الخير، ولعله قدَّم للسُّنة ما قدَّم مِمَّا يُمكن أن نرجو الله أن ينفعهُ الله به، وأن تنغمرَ تلك الأخطاءُ في خضمِّ ما قدَّم من خدمة. ومثلُه ابنُ حجر وكثيرٌ من العُلماء، وكذلك مَن أخطأ مِمَّن هُم على هذه الشَّاكلة. أمَّا المبتدِعُ الذي -كما قلتُ، وأؤكِّدُ عليه- كشَّر عن أنيابِه، يدعو إلى البدعةِ، يدعو إلى الانضمامِ إلى الأحزاب الفاسدة -التي تُوالي وتُعادي في سبيل مبادئ حزبيَّة ضيِّقة-، وتتنازل عن العقيدة، وتُحذِّر، وتُعادي أهلَ السُّنَّة؛ هؤلاء لا كرامة لهم. لكنْ: عالجوا الأمرَ بِحسبِ الظُّروفِ التي تعيشونَها. يعني: قد يتطلَّبُ الأمرُ أن تُواجِهُوا.. وقد يتطلَّبُ الأمرُ أن تُلمِّحوا.. وقد يتطلَّبُ الأمرُ أن تُلوِّحوا.. المهم: أن تجعلوا لكل طريقٍ، أو لكلِّ قومٍ ما يُناسبُه من أسس الدَّعوة إلى الله -سبحانهُ وتَعالى- بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة بحسب ما يقتضيه المقام. أختم فأقول، وأؤكِّد على مسألة: وهي ما قد تُدعَون إليه مِن تشويهِ بعضِ أجلَّة العُلماء الذين لَهم قدمٌ راسخةٌ وطلبة العلم، فانتَبِهوا لِمثلِ هذا المسلك؛ فإنَّه مسلكٌ خطير؛ لأنَّه قد بلغني أن هناكَ مَن أحرقَ ودُعِي إلى إِحراقِ بعض كتب المشايخ في المدينةِ النَّبويَّة، وهذا أمر الذي أمركم به لا يفقه -مهما كان، ومهما تسمى-، إن دعوته هذه دعوة فاسدة، والذي يأمرُكم بِمِثل هذه الأوامر؛ أنا - وجهة نظري- أن لا تقبلوه مستقبلًا؛ لئلَّا يفرِّق صفَّكم، ويوقعكم في مثل هذه المزالق الخطيرة. وارجعوا.. كما قلتُ وأؤكِّد بالرجوع إلى العُلماء الربَّانيِّين؛ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وقول الله -سبحانهُ وتَعالى-: فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ. وفِّقني اللهُ وإيَّاكم للعلم النَّافع والعمل الصَّالِح. وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمَّد، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. سُجل هذا في اتِّصال هاتفي مع طلبة العلم في تونس الخضراء، في ليلةِ الأربعاء، الموافق للسَّابع عشر مِن شهر الله المحرَّم سنة ثلاثٍ وثلاثين وأربع مائةٍ وألف للهجرة النبويَّة. فرغته أختكم / أم محمد راجعهُ الأستاذ أبو الحارث باسم بن خلف -جزاه الله خيرًا-. نسقه أحد الإخوة -جزاه الله خيرًا- على شكل مطوية: من هنـا للتحميل من هنـا لسماع التسجيل الصوتي |
الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1) | |
أدوات الحديث | |
طرائق الاستماع إلى الحديث | |
|
|
الأحاديث المشابهة | ||||
الحديث | مرسل الحديث | الملتقى | مشاركات | آخر مشاركة |
أخ جديد يطلب نصيحة في طلب العلم ( اللغة العربية ) | إبن عطية | مُضطجَع أهل اللغة | 7 | 18-08-2012 05:34 AM |
ألم في القلوب .. نصيحة من الشيخ عبد الرزاق العباد | أم محمد | حلقة العلوم الشرعية | 1 | 19-11-2011 10:50 PM |
تفريغ محاضرة : " تفسير قوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } " - صالح السحيمي | أم محمد | حلقة العلوم الشرعية | 0 | 03-04-2011 05:30 PM |
يا طالب العلم بهداهم اقتده | محمد بن إبراهيم | مُضطجَع أهل اللغة | 5 | 22-11-2010 11:55 PM |
مكتبة طالب العلم | ابو اليمان | أخبار الكتب وطبعاتها | 0 | 31-12-2009 06:22 PM |