ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية  

العودة   ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية > الحلَقات > حلقة العروض والإملاء
الانضمام الوصايا محظورات الملتقى   المذاكرة مشاركات اليوم اجعل الحلَقات كافّة محضورة

منازعة
 
أدوات الحديث طرائق الاستماع إلى الحديث
  #1  
قديم 31-10-2008, 04:47 PM
فيصل المنصور فيصل المنصور غير شاهد حالياً
مؤسس الملتقى
 
تاريخ الانضمام: May 2008
التخصص : علوم العربية
النوع : ذكر
المشاركات: 719
افتراضي الدرس الرابع : الهمزة في أول الكلمة ( تابع )

ذكرنا في الدرسِ الماضي العلةَ الأولَى لاجتلابِ همزةِ الوصلِ .

العلة الثانية : التعويض عن المحذوفِ .
وذلكَ أنَّ في العربيةِ كلماتٍ حَذفت العربُ منها حرفًا للتخفيفِ ؛ فبقيت على حرفينِ ؛ فأرادت أن تعوِّضَ عن هذا الحرفِ المحذوفِ حرفًا آخرَ ، فلم تشأ أن يكونَ العِوضُ في درجةِ المعوَّضِ عنه ؛ فاختارت همزةَ الوصلِ في نحو : ( اِسم ) ، لأنها تُنطَق في البدءِ ، وتُحذَف في الوصلِ . ولهذا نظائرُ ، منها أنها عوَّضت بالتاءِ المربوطة في نحوِ : ( عِدة ) ، لأنها ترجع في الوقفِ هاءً ، والهاءُ حرفٌ خفيٌّ مهموسٌ يُشبِه الألفَ . ومنها أنها جمعتْ بعضَ ما حُذِف منه حرفٌ جمعَ مذكر سالمًا ابتغاءَ التعويضِ ، كما في نحوِ : ( سنون ) ، و ( عِضون ) ، لأنَّ الجمعَ طارئٌ . ومنها أنها أشبعت حركاتِ الأسماء الستّةِ وِفاقًا للمازنيِّ إذا أضيفت – إلى غير ياء المتكلّم - ، لأنَّ الإضافةَ شيءٌ عارِضٌ . ومنها أنها عوضت عن المحذوفِ بالتضعيف ، كما في ( دمّ ) ، و ( أبّ ) ، و ( أخّ ) ، و ( فمّ ) في لغةٍ ، لأنَّه يُحذف في الوقفِ . كلُّ ذلك لكي لا يكون العِوضُ في درجةِ المعوَّضِ عنه . وهذا سرٌّ لطيفٌ لم أجِد أحدًا أشارَ إليهِ .

فإذا تبيَّن لك أنَّ من عللِ اجتلابِ همزةِ الوصلِ طلبَ التعويضِ ، فاعلمْ أنَّ ذلكَ محصورٌ في أسماءٍ تسعةٍ ؛ وهي ( اسم ، واست ، وابن ، وابنة ، وابنم ، وامرؤ ، وامرأة ، واثنان ، واثنتان ) .

فإن قلتَ :
قد علمنا أنَّ ( اسم ، واست ، وابن ، وابنة ، وابنم ، واثنان ، واثنتان ) محذوفة اللامِ ؛ فنحتمِلُ فيها دعوى كونِ الهمزةِ للتعويضِ ؛ ولكنَّ ( امرؤ ) ، و ( امرأة ) لم يُحذف من أصولها شيءٌ ؛ فكيف زعمتَ أنَّ الهمزةَ فيهما للتعويضِ ؟

قلتُ :
أمَّا ( امرؤ ) ، فتوجيهه أن نقولَ : إنَّ أصله ( مرْءٌ ) – وهو مستعمَل - ؛ فتصرَّفوا فيهِ كما تصرَّفوا في غيرِهِ ؛ فحذفوا اللامَ ؛ فقالوا : ( مَرٌ ) – وهو مسموع - ؛ فلمَّا حذفوا اللامَ أرادوا التعويضَ ، كما عوَّضوا في ( اسم ) ؛ فزادوا في أوَّلِهِ همزةَ وصلٍ ، وأعادوا المحذوفَ معًا ؛ فصارَ ( امْرؤ ) . وهم ممَّا يفعلُون ذلكَ ، كما قالَ النابغةُ – وهو من شواهد سيبويه - :
كليني لهمٍّ يا أُميمةَ ناصبِ
فغيَّروا الأصلَ ؛ وذلكَ بالحذفِ ، ثمَّ بنوا على التغييرِ حُكمًا ؛ إذْ زادوا همزةَ الوصلِ ؛ فلمَّا راجعوا الأصلَ بردِّ المحذوفِ لم يغيِّروا الحُكمَ المنبنيَ على التغييرِ ؛ وهو زيادةُ الهمزةِ ؛ أي : أنَّ العلةَ زالتْ ، وبقيَ الحُكمُ . وآيةٌ أخرَى على ذلكَ أنَّ عينَه تتبعَ لامَه في الإعرابِ ؛ تقولُ : ( هذا امرُؤٌ ) ، و ( رأيتُ امرَأً ) ، و ( مررتُ بامرِئٍ ) ، لأن العينَ قبلَ استعادةِ المحذوفِ كانت هي محلَّ الإعرابِ .

فإن قلتَ : إنَّه لم يبلغنا عنهم أنهم قالوا : ( امْرٌ ) ؛ فكيف تزعمُ أنها كانت كذلك ، ثمَّ راجعوا الأصلَ ؛ فقالوا : ( امْرؤ ) ؟

قلتُ : ليس كلُّ تغييرٍ صرفيٍّ ينبغي أن يكونَ استعملته العربُ ؛ ألا ترَى أنك تدَّعي في ( خطايا ) ونحوِها تغييراتٍ أفضت إليها معَ أنَّ العربَ لم تستعملها . وإنما أدّاك إلى هذا قياسُك على أصولِ العربِ ومقاصدِها التي تنحُو إليها في كلامِها .
أمَّا ( امرَأَة ) ، فإنما هي ( امرَأ ) بزيادةِ تاء التأنيثِ . فلمَّا فتحُوا الهمزةَ لأجلِ تاء التأنيثِ أتبعُوا الراءَ حركتَها ؛ ففتحوها للعلةِ التي تقدَّمَ بيانُها .

-واعلمْ أنَّك إذا ثنيتَ ما يجوزُ تثنيتُه من هذه الأسماء التّسعةِ ، أو زدتَّ في آخرِهِ ياءَ النسَبِ ، فإن همزتَه تبقَى همزةَ وصلٍ ؛ تقولُ : ( هذا اسمان ، وابنان ... ) ، و ( الجملة الاسمية ) . فإذا جمعتَ أحدَها جمعَ تكسيرٍ رددتَّ المحذوفَ ، وحذفتَ همزةَ الوصلِ ، وزدتَّ في اللفظِ الأحرفَ التي يقتضيها الجمعُ ، لأنَّ جمع التكسير يرَدُّ الأشياءَ إلى أصولِها ؛ نحو ( الأسماء ) ، و ( الأبناء ) ؛ فقد جعلتَها ( سمو ) ، و ( بنو ) ، ثمَّ صُغتَها على ( أفعالٍ ) ؛ فأصبحت ( أسماو ) ، ( أبناو ) ؛ فأبدلت الواو همزةً لتطرفها بعد ألف زائدة ؛ فأضحت ( أسماء ) ، و ( أبناء ) ؛ فالهمزةُ إذًا همزةُ الجمعِ ، لا همزةُ الوصلِ .

العلة الثالثة : كثرةُ الاستعمالِ .
ويطَّرد ذلك في موضعينِ :
الأولُ : حرفُ التعريفِ ( أل ) ، ويعاقِبُه ( أم ) في لغة طيِّئ وحمير ؛ تقولُ : ( الكِتاب ) ، و ( الرَّجل ) ، وفي الحديثِ : ( ليس من امبرِّ امصيامُ في امسفرِ ) . وذلكَ أنَّ الصوابَ أنَّ أصلَها ( أل ) بالقطع ، مثلُ ( هلْ ) وِفاقًا لابنِ كيسانَ ؛ فلمَّا كانت ممَّا يكثرُ استعمالُها في كلامِهم جعلوا همزتَها همزةَ وصلٍ ، ليكونَ أخفَّ عليهم . يشهدُ لذلكَ أنَّهم أظهروها في بعضِ الألفاظِ ، كلفظِ الجلالةِ في النداءِ ( يا أللهُ ) ، والقسمِ ( أفأللهِ ) . وظهورُها في بعضِ المسموعِ دليلٌ على الأصلِ المتروكِ . ولا يُقالُ : إنّها همزةُ وصلٍ قُطعتْ . لأنَّ ذلك شاذّ ؛ ألا ترَى أنه لو صَحَّ ذلكَ ، لبلغَنا في الأفعالِ المبدوءِة بهمزةِ وصلٍ ، ومصادرِها شواهدُ في قطعِها . ولم يبلغنا إلا في ضرورةِ الشِّعرِ . ويشهدُ له أيضًا أنهم فتَحوا الهمزةَ . ولو كانت همزةَ وصلٍ ، لكانَ القياسُ كسرَها . ثمَّ ليس ببدعٍ أن يَّخفف اللفظُ لكثرةِ استعمالِهِ ؛ ألا تراهم حذفوا نونَ ( لم يكن ) ، وياء ( لا أدري ) ، ونونَ ( مِن ) في لغةٍ ؛ فلأن يحذفوا الهمزةَ وهي حرفٌ واحدٌ ، في الوصلِ فقط أهونُ عليهم ، وأيسرُ .

أمَّا كتابةُ بعض المتأخرينَ ( البتة ) هكذا ( ألبتة ) ، وزعمُهم أنَّ الوجهَ فيها القطعُ = فخطأ محضٌ ، ناشئ عن وهمٍ . وليس لِما يدَّعون شاهِدٌ من السَّماعِ ، ولا عاضدٌ من القياسِ ؛ بل القياسُ يَنفيه أشدَّ النفيِ . كما إنه لا يعرفه السابقونَ الأوَّلونَ من العلماءِ . ولو عرفوه ، لذكرَه ولو واحدٌ منهم . ولعلَّ سببَ هذا الوهم أنَّ الذي أذاعَه قرأ في صحيفةٍ : ( البتة : القطع ) [ وهذا معناها اللُّغويُّ ] ؛ فتوهَّمها هكذا : ( البتة : بالقطع ) أي : بهمزة القطعِ .

الثاني : كلمة ( ايمُن ) في القسمِ ، وفرعُها ( ايم ) بحذف النونِ . وذلك أنَّ أصلَ ( ايمن ) أنها جمع ( يمين ) وِفاقًا للكوفيِّين ؛ فلمَّا كثرَت في كلامِهم خفَّفوها ، كما خفَّفوا ( أل ) التعريفِ ؛ غيرَ أنَّ الأصلَ هنا مستعمَل ؛ فيجوز لكَ أن تقطعَ الهمزةَ ؛ فتقول : ( أيمُن ) ، و ( أيم ) . وجوازُ قطعِ الهمزةِ شاهِدٌ على أنها جمعُ ( يمينٍ ) . وشاهدٌ آخرُ ؛ وهو فتحُ الهمزةِ . وممَّا يدلّك على كثرة دوَران القسمِ في كلامِهم التماسُهم التصرُّفَ ، والتخفيفَ فيهِ ؛ فقد حذفوا فعلَه ، واستغنوا عنه بأكثر من حرفٍ ؛ وهي الباء ، والواو ، والتاء ، واللام ، وحذفوا خبرَه في نحو : ( لعمركَ لأفعلنَّ ) ، ولم يعتدّوا بالقسم فاصِلاً في الإضافةِ ، وبعد ( إذًا ) الناصبةِ ، وغيرها. فلأن يحذفوا حرفًا واحدًا من جملةِ القسمِ في الوصلِ فقط أهونُ ، وأيسرُ .

وللحديثِ بقيَّة نوردُها في الدرس القادم بإذن الله تعالَى .
ومعذرةً إنْ كان من نَقصٍ ، أو خللٍ ، أو تأخيرٍ . ولعلَّ عذري أني أكتبُ هذه الدروسَ على غيرِ مثالٍ سابقٍ .
__________________
(ليس شيءٌ أضرَّ على الأممِ وأسرعَ لسقوطِها من خِذلان أبنائها للسانها وإقبالهم على ألسنةِ أعدائها)
منازعة مع اقتباس
  #2  
قديم 05-11-2008, 09:12 PM
أبو سفيان أبو سفيان غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: May 2008
التخصص : حاسب آلي
النوع : ذكر
المشاركات: 22
افتراضي

جزاك الله خيراً أخي أبا قصي ،
منازعة مع اقتباس
  #3  
قديم 09-11-2008, 07:03 PM
أبو الفضل أبو الفضل غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Jun 2008
السُّكنى في: نزيل أبو ظبي
التخصص : بكالوريوس علوم شرعية
النوع : ذكر
المشاركات: 124
افتراضي

شيء مدهش ايها الشيخ الفاضل و لغة متينة لم أرها في شيء من المنتديات
و اشكالات تطرحها و تجيب عنها بألمعية ...زادك الله توفيقا ورزقك الله الجنة
منازعة مع اقتباس
  #4  
قديم 09-11-2008, 10:05 PM
فيصل المنصور فيصل المنصور غير شاهد حالياً
مؤسس الملتقى
 
تاريخ الانضمام: May 2008
التخصص : علوم العربية
النوع : ذكر
المشاركات: 719
افتراضي

شكرًا لكما .

ولن تبلغَ هذه الدروسُ ما أؤمِّلُ إلا بتوجيهاتِكم ، وتصويباتِكم .
__________________
(ليس شيءٌ أضرَّ على الأممِ وأسرعَ لسقوطِها من خِذلان أبنائها للسانها وإقبالهم على ألسنةِ أعدائها)
منازعة مع اقتباس
  #5  
قديم 17-11-2008, 06:50 PM
القمطرة القمطرة غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: May 2008
السُّكنى في: نجد
التخصص : حِكَم
النوع : ذكر
المشاركات: 57
افتراضي

متى تُكتب (اثنان ، اثنتان) همزة قطع؟

القِمطرة
منازعة مع اقتباس
  #6  
قديم 25-12-2008, 06:40 PM
فيصل المنصور فيصل المنصور غير شاهد حالياً
مؤسس الملتقى
 
تاريخ الانضمام: May 2008
التخصص : علوم العربية
النوع : ذكر
المشاركات: 719
افتراضي

لا تُكتب همزةَ قطع البتةَ . وقد تكلمت عليها في الدرس الخامس .
__________________
(ليس شيءٌ أضرَّ على الأممِ وأسرعَ لسقوطِها من خِذلان أبنائها للسانها وإقبالهم على ألسنةِ أعدائها)
منازعة مع اقتباس
منازعة


الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1)
 
أدوات الحديث
طرائق الاستماع إلى الحديث

تعليمات المشاركة
لا يمكنك ابتداء أحاديث جديدة
لا يمكنك المنازعة على الأحاديث
لا يمكنك إرفاق ملفات
لا يمكنك إصلاح مشاركاتك

BB code is متاحة
رمز [IMG] متاحة
رمز HTML معطلة

التحوّل إلى

الأحاديث المشابهة
الحديث مرسل الحديث الملتقى مشاركات آخر مشاركة
الدرس الثالث : الهمزة في أول الكلمة فيصل المنصور حلقة العروض والإملاء 9 23-10-2015 08:36 AM
الدرس الثاني : ما ليس له رسم ثابت من الحروف 1- الهمزة ( مقدمة ) فيصل المنصور حلقة العروض والإملاء 23 22-10-2015 11:57 PM
الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم زاهر حلقة فقه اللغة ومعانيها 19 03-04-2010 02:01 AM
الدرس الرابع: فصل في الألقاب - الجزء الثاني عصام البشير حلقة العروض والإملاء 15 23-11-2008 02:05 AM


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 03:12 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ