ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية  

العودة   ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية > الحلَقات > حلقة العلوم الشرعية
الانضمام الوصايا محظورات الملتقى   المذاكرة مشاركات اليوم اجعل الحلَقات كافّة محضورة

منازعة
 
أدوات الحديث طرائق الاستماع إلى الحديث
  #1  
قديم 07-09-2008, 09:40 AM
العرابلي العرابلي غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Jul 2008
السُّكنى في: الأردن
العمر: 68
التخصص : باحث في علوم القرآن واللغة والفلك
النوع : ذكر
المشاركات: 93
افتراضي سر التاءات التي بسطت في القرآن في حزمة كاملة

بسم الله الرحمن الرحيم


سر التاءات التي بسطت في القرآن في حزمة كاملة


سأركز في هذه الحزمة على التاءات المبسوطة حتى أنتهي منها، وهي ليست بالكثيرة، لننتقل بعدها إلى موضوع آخر ... وأرجو أن تكون هذه الطريقة في النشر فيها اكتمال المواضيع الفرعية من سلسلة علم معاني الرسم القرآني تساعد أهل القرآن؛ دارسين ومدرسين في تعلمها، وتعليمها.

القاعدة في بسط وقبض التاء؛ أن التاء المقبوضة يدل قبضها على أن الشيء مجهول كله أو بعضه، ورسمها كان كالكيس المربوط، إن عرفت بعض ما فيه، فلا تعرف كل ما فيه.


والتاء المبسوطة يدل بسطها على أن الشيء معلوم وبين واضح غير مجهول، ورسمها كان كالصحن المكشوف لا يخفي ما يوضع فيه.


ولنا مع كل تاء بسطت في الرسم القرآني -المشهور بالرسم العثماني- موقف وحديث .... والله أعلم


أبو مُسْلم / عبد المجيد العَرَابْلي




بسم الله الرحمن الرحيم


(1) - خير الجنات جنت الواقعة


خير ما يسأل المؤمن ربه ويتمناه جنة الواقعة؛ (جنت نعيم) المكتوبة بالتاء المبسوطة0
قال : (فأما إن كان من المقربين(88) فروح وريحان وجنت نعيم (89 الواقعة،
تكرر ذكر جنة، والجنة، عشرات المرات في القرآن الكريم (67 مرة) وكلها كتبت بالتاء المقبوضة (المربوطة) إلا واحدة؛ هي جنت الواقعة.
ويعود السر في بسط تاء جنة الواقعة إلى فرق الدلالة ما بين التاء المقبوضة والمبسوطة؛ التاء المقبوضة من طريقة رسمها كالصرة المربوطة، إن لم يكن ما بداخلها مجهولاً بالكلية فبعضه مجهول أو جوانب منه.
وليس كل من يدخل الجنة يطّلع على كل ما فيها من نعيم، فمن كان نصيبه في الجنة أن يكون في المنزلة العاشرة مثلاً -والجنة فيها مائة منزلة- فعندما يؤذن له بدخول الجنة يدخلها من أسفلها -ولا يكون الدخول إلا من أسفل الجنة بعد تجاوز النار- إلى أن يصل منزلته، فيجد في أول منازلها؛ ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وتكون فرحته وسروره عظيمًا، وعندما يرقى إلى المنزلة التالية يجدها أفضل من الأولى، وفيها زيادة ليست في الأولى، إلى أن يصل إلى المنزلة المكتوبة له، فيجدها خيرًا من كل المنازل التي مر عليها، وفيها زيادات لا توجد في
المنازل التي مر عليها.
لكن ما ذا يوجد من زيادات في المنازل التي أعلى من منزلته؟ سيبقى يجهل تلك الزيادات من النعيم، مع انه في داخل الجنة.
أما إن كان من المقربين، فهو في أعلى منزلة في الجنة (في الفردوس الأعلى)، وليس هناك منزلة أعلى من منزلة المقربين، فأصحاب هذه المنزلة قد مروا على كل منازل الجنة واطلعوا على ما فيها من نعيم، وعندهم مثل هذا النعيم، وأفضل منه، وزيادات لا توجد في كل المنازل اللواتي من دونها.
فأصحاب هذه المنزلة قد عرفوا كل نعيم الجنة، ولم يبق من نعيم الجنة شيء يجهلونه، فجنة هؤلاء فقط هم الذين كتبت تاء جنتهم مبسوطة، ونسأل الله أن يجعلنا منهم وفيهم، والضعيف العاجز من تكون همته في طلب منزلة في الجنة دون هذه المنزلة التي اجتمع فيها كل أنواع نعيم الجنة.
هذا مسألة واحدة من آلاف المسائل التي تميز بها الرسم العثماني، وكل مسألة كتبت فيها الكلمة مخالفة للرسم الاصطلاحي وراءها سر يكشف صورة الواقع الذي صورته هذه الكلمة، وكشفت أيضًا عن سر كتابتها بالرسم الاصطلاحي المقابل لها، ولكن الأمة عبر قرونها الطويلة أعرضت عن البحث في هذا العلم للكشف عن هذه الأسرار ولطائفها فحرمت هذه الأجيال من هذا العلم الجليل ....

أبو مُسْلم/ عبد المجيد العَرَابْلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(2) - شجرةالزقوم ... وشجرتالزقوم


سيرًا على القاعدة العامة في رسم التاء المقبوضة، والتاء المبسوطة، فإن تاء الشجرة إذا كانت مقبوضة فهي شجرة نكرة مجهولة، غير محددة، ولم يسبق الاطلاع عليها، ومعرفة حقيقتها، وإذا كانت تاء الشجرة مبسوطة؛ كانت هذه الشجرة معلومة لمن اطلع عليها، وعرفها، وأكل منها
والحديث عن شجرة الزقوم اختلف من موضع إلى آخر من آيات الله؛
ففي سورة الواقعة يتوعد الله الكافرين الضالين في الحياة الدنيا بأكلهم من شجر الزقوم يوم الدين، (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52) فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) الواقعة، وفي هذه السورة جاء ذكر شجر الزقوم بالجمع وليس بالإفراد
وفي سورة الصافات بعد الحديث عما آل إليه قرين السوء، المكذب للبعث من عذاب في وسط جهنم، وما آل إليه المصدق بالبعث، ولم يضعف أمام كفر قرينه، ولم يستجب له، فدخل الجنة وتنعم بنعيمها؛ (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (61) الصافات
ثم يذكر هذا النعيم خير أم شجرة الزقوم ويذكر هذا الشجر بأبشع ما يصوره كاره لشيء ويخافه، ليحذر من يخاف الله أن يكون ممن يأكل منها، وهو يتلظى في نار جهنم؛ (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْشَجَرَةُ الزَّقُّومِ(62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَاشَجَرَةٌتَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) الصافات
وهذه الشجرة لا يعلم قبحها أحد من هؤلاء الضالين في الحياة الدنيا، حتى يدخلوا النار ويأكلوا منها، فيعلمون شر ما توعدهم الله به ... وفي حديث عن الرسول يذكر فيه أنه لو نزلت قطرة من الزقوم لأفسد ماء الأرض، فاتقوا الله فكيف بمن يكون الزقوم طعامه، لذلك كتب تاؤها مقبوضة لجهل الجميع بمدى مرارة وقبح هذه الشجرة
أما الحديث عن شجرة الزقوم في سورة الدخان فهو الحديث عن شجرة قد عرفت للآثمين: (إِنَّشَجَرَتَ الزَّقُّومِ(43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)، .... ثم يقال بعد أكلهم منها ... (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ (50) الدخان
يتبين لنا من ذلك؛ أنه لما كان الحديث عن شجرة الزقوم، وهذه الشجرة من شجر النار في الآخرة، والمخاطبين عنها في الآيات هم من أهل الحياة الدنيا، كانت الشجرة مجهولة لديهم، فكتبت التاء مقبوضة، وقد غر أبي جهل اسم الزقوم، وظن أنه هو التمر الذي يغمس في الزبد قبل تزقمه، وهو من طعام أهل اليمن، فقال ساخرًا: هذا الذي يتوعدنا به محمد؟! ... يا غلام ... ائتنا بتمر وزبد نتزقمه، فأنزل الله مبينًا صفتها، فقال: (إِنَّهَاشَجَرَةٌتَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات
ولما تحدث ما يحدث لأهل النار في سورة الدخان وقد أكلوا من هذه الشجرة الملعونة، ثم أُخذ الآكل منها، فعُتِل، فألقي في وسط الجحيم، أصبحت الشجرة معروفة لديهم غير مجهولة فبسطت تاؤها في الرسم لاختلاف حالها في الآخرة عن حالها في الدنيا عند هؤلاء
هذا سر من أسرار الرسم العثماني الذي هاجمه جهال وأصحاب فتن لمن جهلوا ما وراء هذا الرسم من أسرار

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(3)- (قرة) أعين منتظرة ..... و(قرت) عين ممتلكة

ذكرت "قرة" المقبوضة التاء في موضعين في القرآن الكريم، وهم قرتان لم تتحققا بعد، وزمن تحققها علمه عند الله ؛
قال : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)الفرقان. فهذا دعاء لما لم يحدث، والاستجابة راجعة إلى الله سبحانه و، وزمن تحققه إن وقع يكون في المستقبل، لذلك حال القرة مقفل وقت دعوة الداعي، وزمن تحققها هو في علم الغيب عند الله .
وقال : (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)السجدة.
وهذه أيضًا حالها في الدنيا مجهولة، ولا تتحقق إلا في الآخرة لمن أنعم الله عليه بالجنة، فيبصر معاينة ما فيها من قرة أعين
فتاء قرة في الموضعين السابقين رسمت مقبوضة مطابقة مع الحال في كل منهما، وتنبيهًا له.
أما الموضع الثالث فاختلف عن الموضعين السابقين؛
قال : (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)القصص.
ذكر أن امرأة فرعون كانت عقيمة؛ أي ليس لها ولد، ومُنى كل امرأة وقرة عينها أن يكون لها ولد، فها هي الآن يتبدل حالها، ويصبح بين يديها ولد ليس له أهل ينازعونها عليه، فهذا الغلام الحاضر بين يديها قرت عين قد تحققت لها، وليس قرة عين موعودة بها، فبسطت تاء قرت؛ مطابقة مع الواقع الذي حصل، فخالف رسمها في هذه الحال عن رسمها في الحالين السابقين.د


أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(4)- (امرأة) نكرة ... و(امرأت) معرفة

كل امرأة معرفة تكتب بالتاء المبسوطة، وكل امرأة نكرة تكتب بالتاء المقبوضة.
وتعريف المرأة يكون بالإضافة إلى زوجها بضمير متصل يدل عليه أو إلى اسمه مصرحًا به؛
أما إذا أضيفت إلى ضمير متصل فبسط التاء يكون وجوبًا، ولا صورة أخرى لها غير البسط، ولا تكون المرأة في هذه الحال إلا معرفة.
ومثالاً على ذلك قوله : (رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ .. (40)آلعمران.
قال : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)الذاريات.
والمرأة جاء اسمها من مادة "مَرَأَ"، التي من المروءة، والمروءة أن يكون فعل المرء من نفسه، لا يريد ممن فعل له الفعل أجرًا ولا شكورًا، وذكر المرأة في القرآن كان في المواضع التي كان فعلها من نفسها، فاستقلت به عن زوجها وانفصلت بهذا الاستقلال عنه؛
- فاستقلال زوجة زكريا عليه السلام عن زوجها كان بعقمها؛ فلم تستطع أن تعطيه الولد الذي يربط بينهما، ومثلها زوجة إبراهيم عليه السلام؛.... فهذين المثالين الذَين كانا لزوجين مؤمنين.
- وحالة ثانية في استقلال المرأة عن زوجها وانفصالها: استقلالها بالسوء عن زوجها، ومثاله قوله : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)المسد، فقامت بأفعال لم يفعلها زوجها، وقد يستعظم على نفسه فعلها، كرمي القاذورات والأشواك على طريق الرسول ، لكنه كان يصد الناس ويصرفهم عنه، فكان إيذاؤها خاصًا بها، وأم جميل دافعة لزوجها أبي لهب لقطع صلة رحمه بابن أخيه.
- وحالة ثالثة: خيانة زوجها في نفسها، فتطلب تحقيق رغبتها عند رجل آخر غير زوجها؛ ومثاله امرأة العزيز التي أرادت ذلك مع فتاها يوسف عليه السلام، قال : (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (30)يوسف.
وحالة رابعة: أن يكون الزوج مؤمنًا والزوجة كافرة؛ ومثاله امرأة نوح، وامرأة لوط؛
قال : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَاِمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)التحريم.
وحالة خامسة: أن تكون هي مؤمنة وهو كافر؛ ومثاله امرأة فرعون؛ قال : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)آل عمران.
وحالة سادسة: أن تستقل في رغبتها في أمر ما عن زوجها؛ ومثاله نذر امرأت عمران ما في بطنها دون زوجها؛ قال : (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)آل عمران، فقالت نذرت، ولم تقل نذرنا، وقالت تقبل مني، ولم تقل تقبل منا، وقيل إن عمران مات قبل ولادتها، أو قبل تنفيذ نذرها.
وحالة سابعة: أن يكون بين الزوجين خلافًا؛ ومثاله قوله : (إِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ ... (128)البقرة، وهنا رسمت تاؤها مقبوضة لأنها نكرة غير معرفة.
وحالة ثامنة: أن تزوج المرأة نفسها بدون إذن وليها، ومثاله قوله : (.. وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ .. (50)الأحزاب، وهذه رسمت تاؤها مقبوضة لأنها نكرة غير معرفة.
وتسمية الأنثى بالمرأة جاءت من تأنيث امرئ، وهي من المروءة، وهي تدل على أن الفعل كان من إقدام النفس عليه بغير سبب ..... وتسمية الأنثى بالمرأة يطلق على المتزوجة، وعلى غير المتزوجة؛ فليس الزواج هو السبب في هذه التسمية.
ولفظ المرأة يثنى ولا يجمع، والسر في ذلك؛ أن النفس تستقل بفعلها وهي منفردة لوحدها، ولا تتأثر كثيرًا عند اجتماعها بثانٍ غيرها، فليس هناك تبعية من إحداهما للأخرى ... أما عندما يكون الفرد مع جمع، فسينقاد الجمع خلف أحد منهم يقودهم ويكونون هم تبعًا له ... وهنا تنتفي الصفة عن موصوفها، وتخرج التسمية عن مضمونها، فلا يظل الفعل صادر من نفس صاحبه وبقرار منه، وهذا هو السر في عدم جمع المرأة بلفظ من جنسها. ولا امرئ كذلك.
ولما كانت البنت محدودة التصرف في بيت والدها، ومطْلَقَة اليد في بيت زوجها؛ تتصرف فيه في أمور كثيرة كما تشاء من نفسها وبكامل إرادتها، غلب استعمال لفظ المرأة للمتزوجة دون البنت والأيم من النساء.
ووصفت بنتا الرجل الصالح من مدين بالمرأتين؛ لأنهما نابتا عن أبيها في رعاية الغنم، وليس هذا العمل من أعمال النساء، وانفردتا بنفسيهما مبتعدتين عن الرعاء في مكان السقي؛ قال : (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)القصص.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(5) - (ابنت) اشتهرت ... و(ابنة) لم تذكر

"ابنة" لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة، وهي معرفة بالإضافة إلى عمران، بل إن ابنة عمران أكثر امرأة نالت شهرة في الأرض، فكان حقها أن ترسم تاؤها مبسوطة، وكذلك رسمت؛
قال : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)التحريم.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(6) - بسط تاء لعنت

لعنت : وردت كلمة لعنة في القرآن (14) مرة؛ قبضت تاؤها في (12) موضعًا، وبسطت مرتان فقط.
جاء ذكر اللعنة التي قبضت تاؤها في (7) آيات لأولئك الذين ماتوا على الكفر فكانوا من أصحاب النار ...
كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(161) البقرة.
وجاء ذكر اللعنة المقبوضة التاء في (3) آيات لمن لعنوا في الدنيا وفي الآخرة ...
كقوله : (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ(99) هود.
وآيتان متعلقة بلعن إبليس إلى يوم القيامة ومن هلك ملعونًا بعث ملعونًا؛
كقوله : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ(35) الحجر.
فهذه المواضع الاثنا عشر؛ قبضت فيها التاء؛ لأن الذين لعنوا دخلوا في اللعنة، وهي محيطة بهم، ولا مخرج لهم منها، فقبضت تاؤها على الصورة التي عليها الملعونين... نعوذ بالله من كل ذلك.
أما الموضعان التي بسطت فيهما التاء فهما لأناس لم يلعنوا بعد، حتى يقدموا على عمل هم مخيرين فيه، فإن فعلوا فإن اللعنة تفتح لهم للدخول فيها ... فإن دخلوا فيها فلن يكون لهم مخرجًا منها بعد ذلك.
الموضع الأول كان في الابتهال؛ قال : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ .... فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61) آل عمران.
وأما الموضع الثاني؛ فكان في حديث اللعان بين الزوجين ... فإذا شهد الزوج المتهم لزوجه، أربع شهادات بالله إنه من الصادقين، وهو كاذب، ثم طلب في الخامسة اللعنة عليه إن كان من الكاذبين، فتحت له اللعنة ليدخل فيها لأنه ارتضاها لنفسه؛
قال : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ(7) النور.
اللعنة في الآتيتين موجبة، وإذا وجبت فقد فتحت، ولا يخرجه منها استغفار بعد ذلك، ولا توبة، لعلم الملعون بنتائج عمله قبل طلب اللعنة لنفسه، وهو يعلم أنه كاذب، ومستحق لها، فيقدم على طلبها مستهينًا بها، غير مرتدع عن الاعتراف بكذبه وجرمه.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(7) - بسط تاء معصيت


معصيت : لم ترد إلا مرتين فقط، وبسطت في كلتيهما؛

قال : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ(8) المجادلة.
وقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(9)المجادلة.
بسطت تاء معصيت الرسول لأنه جاء في الآيتين تحذير من الله من دعوة بعضهم بعضًا سرًا وفي تناجيهم للدخول في معصيت الرسول .. فهم خارجين عنها، وغير مقترفين لها، ولم يدخلوا فيها، وليس لأحد عصمة في الدخول في معصيت الرسول ، فكان هذا التحذير ليحرص من الوقوع فيه بعلمه أو جهلا منه، وقد يجد من يبسط له الدخول فيها من قرناء السوء، فقد دخلها من قبل فاسقين، وكافرين، ومشركين، ومنافقين، وضالين، ومن أهل الكتاب، وما زال الباب مفتوحًا لم يغلق من يوم إرساله ، ومعصيته عليه الصلاة والسلام مفتاح لمعصية الله في كل أمور الدين والدنيا.... ومعصيت الرسول معلومة لله مهما تستر عليها العاصي وأخفاها، ويكشفها الله للناس كما كشف أقوال وأفعال المنافقين الذين أظهروا خلاف ما في قلوبهم... واجتب الصحابة معصية الرسول لإيمانهم بالله ورسوله التي أوجبت عليهم الطاعة المطلقة لهما.
ولم ترد معصية مقبوضة في القرآن؛ فليس هناك معصية في الواقع لم يدخل فيها الناس؛ من أعظمها إلى أدناها، أي من الشرك بالله إلى اللمم من الذنوب.
لقد تكلمنا في أمثلة الحلقات السابقة على أن التاء المبسوطة هي علامة للمعلوم المعروف البين، وأن التاء المقبوضة علامة للشيء المجهول بعضه أو كله.
وبينا في هذين المثالين صورة أخرى لدلالة التاء المقبوضة والمبسوطة؛ صورة من هو في الداخل ومقفل عليه الخروج، أو من هو في الخارج ومقفل أيضًا عليه الدخول ....فكان في رسم التاء المقبوضة صورة لهذا الحال.
وصورة من هو في الخارج، وفتح وبسط له الطريق للدخول والولوج إلى الداخل، مما فيه غضب الله وسخطه.... فكان في رسم التاء المبسوطة صورة لهذا الحال..... والله أعلم.
.............تابع معنا بقية الأمثلة في الأيام المقبلة إن شاء الله .

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(8) - بسط تاء رحمت

رحمت : بسطت تاء رحمت في (7) مواضع فقط، وقبضت في أكثر من (70) موضعًا، واستعمال مادة "رحم" هو في التواصل والاستمرار، ويكون بسبب العطاء الرباني، فالله سبحانه و هو الرحمن؛ ورحمته في الدنيا للجميع، بعطائه للناس من أنواع الرزق، وأسبابه كالمطر ، فتتواصل حياة الناس، وبإعطائه الذرية تتواصل الأجيال، وهو الرحيم للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وعطاؤه في الآخرة يكون خاصًا بهم فقط.
والرحم في المرأة هو سبب استمرار البشرية بنشأة الذرية فيه، وهو يمد هذه الذرية بالعطاء والنمو حتى يكتمل جسمه، ثم يولد ويخرج للحياة وهو قادر على تناول غذائه عن طريق الفم.
والرحم من النساء؛ كالبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخوات، وبنات الإخوان، هن سبب التواصل بين الأسر والعائلات، وتوسيع دائرة العلاقات بينهم، فتنشأ المجتمعات القادرة على الدفاع عن نفسها، وبسبب حرمة الزواج من الأقارب الأدنين لهن، وزواجهن من رجال أغراب عليهن يجعل الأسر المختلفة تمد بعضها بعضًا بالجينات الوراثية التي تساعد على استمرار البشرية بذراري سليمة لئلا تضوى، هذه الأسر بعد أجيال عديدة.
والناس تفهم الرحمة على أنها عطف وشفقة ... والعطف يكون على الضعيف غير القادر، والشفقة تكون للضعيف الذي أثقله الفقر أو المرض أو المصائب ... والله يرحم الناس ليستمروا إلى الأجل الذي حدده لهم، ويرحمهم على طاعتهم له، أو ليقوموا بالعبادة له... وهذا خلاف الشفقة والعطف....
والمواضع التي بسطت فيها تاء "رحمت" كان لرحمة قد بسطت بعد قبضها؛ فبعد مرور السنين الطويلة، وتعدي الزوجة للسنين التي تستطيع أن تحمل وتلد، وتعطي الذرية فيها؛
- تأتي البشرى لإبراهيم عليه السلام وزوجه، قال : ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتَ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ(73) هود.
- وتأتي كذلك استجابة لدعاء زكريا عليه السلام؛ قال : (ذِكْرُ رَحْمَتَ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا(2) مريم، ثم يفصل بعدها قصة وهب يحي لزكريا عليهما السلام.
ففتحت هذه الرحمة لهما بعد قبضها زمنًا طويلاً.
- وبعد قبض المطر عن النزول وموت الأرض، يأتي الغيث وتستمر الحياة بهذه الرحمة التي بسطت؛ قال : (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتَ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(50) الروم.
- والله يطلب من الناس أن يدعوه خوفًا من عقابه الذي فيه قطع لرحمته عنهم، أو طمعًا بما عنده، فرحمته قد بسطت لهم ولم تقفل في وجوههم؛ قال : (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ(56) الأعراف.
- وها هي رحمت الله قد بسطت باختيار محمد ومبعثه نبيًا فيهم، وبسطت رحمته بمعرفة أسباب نيل الرحمة؛ بالأحكام التي أنزلت على نبيه، فبها تجنا الحسنات، وتمحا السيئات؛ قال : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ورَحْمَتَ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(32) الزخرف، وجاءت هذه الآية بعد قوله : (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) الزخرف.
- وها هم المؤمنون يطلبون لهذا الدين الثبات والاستمرار، والامتداد في الأرض بالإيمان والعمل الصالح، والهجرة، والجهاد؛ قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(218) البقرة. فبسطت لذلك فيها تاء رحمت....
أما العابد القانت الساجد آناء الليل ويحذر الآخرة فهو يرجوا رحمة ربه في الآخرة؛ ألا وهي الجنة .. التي هي مقفلة دونه في الحياة الدنيا .. وستفتح له يوم القيامة؛ قال : (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(9) الزمر.
والوقوف على كل رحمة وردت في القرآن قبضت تاؤها أمر يطول، ويكفي أن يقال فيها أنها كتبت على القاعدة في رسمها، والالتباس يكون في معرفة سر بسطها أكثر من معرفة سر قبضها.
فبعض الرحمة التي قبضت تاؤها؛ هي رحمة مرجوة لم تفتح للسائل بعد، كما في قوله : (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) آل عمران.
أو هي رحمة موعود بها، كما في قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) النساء.
أو هي رحمة هم فيها لم يخرجوا منها، بل لن يخرجوا منها؛ كما في قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) آل عمران.
وأترك بقية الأمثلة للقراء والدارسين، لتعليلها بأنفسهم، مستفيدين مما قرؤوه، ففي تدبر الآيات خير كثير، وأجر عظيم، فإن شق على أحدهم مثال فليسأل عنه ...... ونسأل الله لنا ولهم التوفيق.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(9) - بسط تاء نعمت

ذكر لفظ النعمة غير مضافة لضمير متصل في القرآن الكريم في (36) موضعًا، منها (25) موضعًا قبضت فيها التاء، وبسطت التاء في (11) موضعًا.
- نعم الله على الإنسان كثيرة، ولا تحصى، فلا يمكن حصرها، وقد لا نستطيع أن نحصر النعم التي فتحت علينا، والتي نعلمها لكثرتها، سوى النعم الكثيرة التي لا نعلمها حتى نفقدها، أو يظهر لنا خلافها؛
كما في قوله : (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ(34) إبراهيم.
فوصف للإنسان بأنه ظلوم كفار؛ يدل على أنه النعمة معروفة، وقد بسطت لهم؛ لأن الظلم يدل على حصول النقصان، وصرف ما أخذ لغير صاحبه، ومن هو أهل له، والكفر يفيد إنكار النعمة التي قد نالها وتنعم بها، فبسطت لذلك تاء نعمة، وهي نعم قد سألوها... فكيف لهم أن يجهلوها؟!
وأما قوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(18) النحل.
فوصف الله لنفسه أنه غفور رحيم، دل على أنهم ما زالوا في تلك النعمة، متواصلين بها، ولم يخرجوا منها، ولو لم يغفر ويرحم ، لحرمهم من النعمة، وأخرجهم منها.
- ومن ذلك كفر النعمة التي سبق لهم التمتع بها، فبسطت تاؤها؛ قال : (وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ(72) النحل.
- ومثلها النعمة التي عُرفت وأُنكرت وكُفر بها في قوله : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ(83) النحل.
- ومثلها النعمة التي بدلت في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ(28) إبراهيم. فبسطت تاؤها، ولا يبدل إلا كل معلوم.
- ومن النعمة التي بسطت تاؤها: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(114) النحل. فالشكر لا يكون إلا على النعمة التي بسطت لهم، فعرفت، وتم التمتع بها.
- ومن النعم التي بسطت تاؤها النعم التي عرفت كالرزق؛ قال : (يَـأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ(3) فاطر.
- وكالريح المرسلة التي تجري الفلك في البحر في منفعة الناس: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(31) لقمان.
- وكنعمة القرآن والإسلام الذي أنزل على محمد وأظهرها وبلغها للناس، وذكر بها: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ(29) الطور.
وأما قبض التاء في قوله : (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2) القلم.
ففي هذه الآية وما يليها من سورة القلم مدح ومواساة للرسول بسبب دعوة الإسلام المتلبس بها تطبيقًا وخلقًا؛ قال بعدها: (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) القلم ... فهو محاط بنعمة لا يخرج منها.
وأما قوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ(11) الضحى... فآيات سورة الضحى هي مواساة ودعم للرسول أيضًا .. فكيف كان حاله من قبل، يتيم بفقد الوالدين، وضال عنهم؛ أي منفصل عن قومه، ومنفرد عنهم، وفي ذلك فقدان اتصالهم به فيما هو عليه، ثم العيلة التي كان فيها، وفقدانه المال الذي يغنيه عن الناس، وكيف أصبح حاله بنعمة الله عليه، فهو محاط بهذه النعمة ومحفوظ فيها، وما زال الدعم الإلهي له كبيرًا.. وإحاطة النعمة بصاحبها من أسباب رسم تائها مقبوضة، تصويرًا لحاله معها.
- ومن النعم التي بسطت تاؤها النعم التي يذكِّر الله بها المؤمنين؛ كما في قوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(231) البقرة. فالكتاب لم يكن عندهم ولا الحكمة كانت لهم، فبسطت لهم هذه النعمة بعد نزول القرآن عليهم.
- ونعمة الإسلام التي بسطت لهم ليخرجوا من العداوة التي كانت بينهم، والشرك المهلك لهم، ليدخلوا في الإيمان وتؤلف قلوبهم عليه، ويسلموا من الشرك وتبعاته؛ قال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103) آل عمران.
وأما قبض تاء النعمة في تذكير موسى عليه السلام لقومه؛ فذلك لأن الحديث فيه كان عن نعمة بعث أنبياء من بينهم، وجعل ملوك فيهم، وليس من غيرهم، فحكموا أنفسهم بأنفسهم، وبشرع نزل على بعضهم: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ(20) المائدة.
- وبسطت تاء نعمة الخروج بالسلامة والعودة بها، بعد كف أيدي الفتك والأذى عنهم في قوله : (يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(11) المائدة.
وأما قوله : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(174) آل عمران.
فقد انقلبوا راجعين بالنعمة التي خرجوا بها، فظلوا فيها ولم يخرجوا منها.
وأما قبض تاء نعمة في قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا(9) الأحزاب.
فقد ظلوا في نعمة السلامة، ولم تتمكن الأحزاب الدخول عليهم في المدينة والبطش بهم، وإخراجهم من هذه النعمة.
وأما قبض التاء في قوله : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ(6) إبراهيم.
فقد كان التذكير بنعمة النجاة والأمن الذي هم فيه، بعيدًا عن فرعون وبطشه، بعد طول عذاب وحرمان، وقتل واستعباد.
فهذه أربع صور مختلفة لنعمة النجاة التي تحدثت الآيات الأربع عنها؛ وقد بسطت في واحدة منها، وقبضت في الثلاث الباقية؛ نجاة بالسلامة من العدو، والعودة سالمين إلى مقرهم، وكان المتوقع غير ذلك، فبسطت لذلك تاؤها، وحديث عن الانقلاب بنفس نعمة السلامة التي كانت لهم قبل الذهاب للعدو؛ فقضت تاؤها، وحديث عن نعمة النجاة بالثبات في موطنهم، وانصراف العدو عنهم؛ فقبضت ذلك تاؤها، ونعمة النجاة من عدو والدخول في مأمن بعيدًا عنه؛ فقبضت كذلك تاؤها.
ونوع آخر من النعمة التي قبضة تاؤها؛ نعمة لم يتم فتحها وبسطها بعد؛ قال : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ(171) آل عمران.
والأمثلة كثيرة، وفيما ذكرناه فيه البيان والكفاية إن شاء الله لكلا الحالين الذَين تم رسم تاء النعمة فيهما ... وسياق الآية، والموضوع الذي تتحدث عنه، وملابساته؛ هي التي تحدد بسط تاء النعمة، أو قبضها ...والله أعلم.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(10)- بسط تاء سنت

سنت : بسطت سنت في خمس مواضع، وقبضت في المواضع الثمانية الأخرى.
والملاحظ أن السُنَّة التي بسطت تاؤها يراد بها العذاب المهلك الذي يسلطه الله على الكفار عقابًا لهم، فتختم به حياتهم في الدنيا، ويمتد عليهم في الآخر.
وأما السُنَّة المقبوضة التاء؛ فيراد بها التزام الكفار بكفرهم، وتمسكهم به، لا يخرجون منه، ولا يفارقونه، استجابة لنداء الإيمان.
- قال : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْسُنَّتُالْأَوَّلِينَ(38) الأنفال.
سنة الأولين التي مضت كانت إصرارهم على الكفر مع علمهم بأن الهلاك الذي تنتهي به حياتهم قادم، فإذا انفتح عليهم العذاب، فاتتهم المغفرة، واتصل عليهم عذاب الدنيا بعذاب الآخرة.
- وقال : (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتُالْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لسُنَّتُاللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَلسُنَّتُاللَّهِ تَحْوِيلًا(43) فاطر.
فهل ينظرون غير ما حل بالأولين من العقوبة في الدنيا، ليستمر عليهم في الآخرة، عاقبة لهم على مكرهم السيئ، ولا يقفل بتبديله بنعمة، أو بصرفه عنهم.
- وقال : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتُاللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ(85) غافر.
سنة الله أنه لا يقبل من الكفار إيمان يرفع عنهم العذاب، إذا رأوا عقوبة الله قد نزل بهم.
في هذه المواضع الخمسة ربطت السنة بالهلاك، وأن ما كانوا عليه من الكفر لم يحفظهم، ولم يحصنهم من عقوبة الله الذي كان تنفتح عليهم منهية حياتهم الدنيا، وأن عقوبة الله لا يردها شيء يحول من وصولها إلى مستحقيها، لذلك رسمت تاؤها مبسوطة، وسميت عقوبة الله بالسنة لأنها أصبحت عادة من الله في عقاب أهل الكفر المصرين عليه، تتكرر كلما وجود من يكفر بالله ورسله.
وأما تاء السنة المقبوضة فقد جاءت في الآيات التالية؛
- قال : (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ(12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْسُنَّةُالْأَوَّلِينَ(13) الحجر.
خلت سنة الأولين في تكذيبهم واستهزائهم برسلهم، وتمسكهم بكفرهم الذي تمكن في قلوبهم، لا يخرجون منه إلى الإيمان، ولم يأت ذكر للهلاك كما في الآيات السابقة، وإن كانت العقوبة تنتظرهم.
قال : (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنْ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا(76)سُنَّةَمَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا(77) الإسراء.
سنة دامت بتكذيب أقوام الرسل لهم، ومحاولة استفزازهم من الأرض ليخرجوهم منها؛ بالتهديد لهم والوعيد بالرجم وغيره، وكان الهلاك للكفار يقع في حياة الأنبياء، وفي هذه الآية هو تهديد لهم، وأنه لا يبقيهم الله من بعده، فالهلاك لم يقع عليهم .. وقد تحول الذين نزلت فيهم هذه الآيات بفضل الله بعد ذلك إلى الإيمان والإسلام وخاصة بعد فتح مكة.
قال : (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُالْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ قُبُلًا(55) الكهف.
سنة الأولين في التكذيب بالرسل والصد عن سبيل الله، وبقائهم مصرين على كفرهم، وقوله بعدها "أو يأتيهم العذاب قبلاً" دل على أن السنة لم يرد بها العذاب بل التقوقع في الكفر، وعدم الخروج منه استجابة لدعوة الإيمان.
قال : (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُسُنَّةَاللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا(38) الأحزاب.
سنة الله أن يرفع الحرج عن أنبيائه؛ فبيان الأحكام الخاصة بهم يقطع على المنافقين، ومرضى القلوب، الكلام والطعن في فعله عليه الصلاة، وأمر الله ينفذه النبي ولو كان مستغربًا أو مستنكرًا من قومه؛ كالزواج من مطلقة الابن الدعي الذي ليس من صلبه، والزواج ممن تهب نفسها للنبي إن رغب النبي فيها، لأن رفض ولي أمرها للزواج من النبي خير هذه الأمة، هو كفر ونفاق يهلك صاحبه، فرفعت ولايته عنها للزواج من النبي عليه الصلاة والسلام فقط، رحمة بالمؤمنين، وقطع سبيل التقليل من شأن النبي وتفضيل غيره عليه.
قال : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا(60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا(61)سُنَّةَاللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِاللَّهِ تَبْدِيلًا(62) الأحزاب.
سنة وحكم من الله مكتوب على أمثالهم بحصرهم باللعن والأخذ والقتل، ولن ينجوا منه، ولا تبديل لسنة الله في ترك أهل النفاق على ما هم عليه، ولم يكن للمنافقين بعدها دعوة ظاهرة غير إخفاء نفاقهم، والتعلل بالعلل الكاذبة في معصية الرسول .
قال : (وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(22)سُنَّةَاللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِاللَّهِ تَبْدِيلًا(23) الفتح.
سنة الله ألا يخرج أهل الكفر عن طوقهم، ولو خرجوا للقتال لولوا مدبرين لا يجدون وليًا ولا نصيرًا يثبتهم أمام المسلمين، ما دام المؤمنون ملتزمين بإيمانهم، ومتمسكين به، وسنة الله أن يدحر الكفار منهزمين.
في هذه المواضع السبعة تحدثت الآيات عن سنة الأولين؛ وهي بقاء أهل الكفر متقوقعين في كفرهم، ومحصورين فيه، وليس الحديث عن هلاكهم، فقبضت التاء في توافق مع الواقع الذي عليه أهل الكفر، وكذلك سنة الله في حفظ أنبيائه، أو حصر الكفار وأخذهم بالعقاب.
وسمي أيضًا طريق الكفر الذي ساروا عليه بالسنة؛ لأنهم أحدثوه، فكل فئة منهم جاءت من ذرية فئة مؤمنة نجت من قبل بعد هلاك أمثالهم في الكفر ممن سبقهم.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
منازعة مع اقتباس
  #2  
قديم 07-09-2008, 09:41 AM
العرابلي العرابلي غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Jul 2008
السُّكنى في: الأردن
العمر: 68
التخصص : باحث في علوم القرآن واللغة والفلك
النوع : ذكر
المشاركات: 93
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


(11) - بسط تاء بقيت


بقيت : قبضت تاء بقية في موضعين من الثلاثة مواضع، وبسطت في الثالثة.

قال : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْوَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(248) البقرة.
قبضت تاء بقية في هذا الموضع لأن هذه البقية هي مما تركه آل موسى، وآل هارون عليهما السلام، وقد حفظت من الاندثار والضياع، وأحضرت في التابوت الذي حفظت فيه.
وقبضت تاء بقية في الموضع التالي لعدم وجود أولوا بقية؛ أي جماعة عاملة، وليس أفراد متفرقين، تحافظ على دينها وتنهى عن الفساد في الأرض.
قال : (فَلَوْلَا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوابَقِيَّةٍيَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ(116) هود.
أما بسط تاء بقية في الموضع الثالث؛ فلأن بقية الله في هذه الآية، هو ما بسط لهم من أبواب الكسب الحلال، ومباركة الله لهم فيه، وكان فيه كفايتهم، وما يغنيهم ... فليحذروا من غلقه والحرمان منه؛ بإفساد المكيال والميزان، بالنقص وعدم الوفاء بهما؛ في بيعهم وشرائهم.
قال : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ(84)وَيَقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِين َ(85)بَقِيَّتُاللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ(86) هود.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(12) - بسط تاء فطرت


فطرت : لم ترد إلا مرة واحدة وكانت تاؤها مبسوطة.

قال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًافِطْرَتَاللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (3) الروم.
فطرت الله التي خلق الناس عليها؛ هي قبول الدين الحنيف القيم، لذلك فتحت تاء فطرت لانفتاح النفس للدين، وقبولها له، والرضا به، ولو لم يخلقهم الله على ذلك؛ لكان لهم عذرًا في رفع العقاب عنهم، وعدم محاسبتهم على كفرهم.
ومادة "فطر" هي في الانفتاح بعد طول انقباض، ومن ذلك سمي أخذ الطعام في الصباح بعد امتناع عن تناوله طوال الليل، أو بعد صيام النهار فطورًا، ومن ذلك تفطر القدمين أي تشققهما من طول القيام.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(13) - بسط تاء كلمت

وردت "كلمة" بصيغة المفرد في (26) موضعًا غير مضافة إلى ضمير متصل؛ قبضت تاء كلمة في (21) موضعًا منها، وبسطت في (5) مواضع فقط، ومن الخمسة أربعة قرأت بالإفراد وبالجمع.
- وقال : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الأعراف.
جاءت هذه الآية بعد آية سابقة في نفس السورة؛ (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(128) الأعراف... فقد تم وتحقق لهم من الله ما وعدهم به موسى عليه السلام من قبل، وهذا الموضع الوحيد الذي قرأت فيه "كلمت" المبسوطة التاء بالإفراد فقط، والباقي بالإفراد والجمع فرسم التاء مبسوطة يصلح للقراءتين.
- قال : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ(114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(115) الأنعام.
لقد تمت كلمة الله التي وعدها لأهل الكتاب بإرسال محمد ، الذي يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، وتبين لهم صدق هذه الكلمة بعد إرسال الرسول إليهم، وقد بينت آية الأعراف ما كان من قبل في التوراة والإنجيل؛
قال : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(157) الأعراف.
والكلمة قد يراد بها لفظ واحد، وقد تكون من جملة، وقد تكون من قول طويل أو قصير، لذلك صلحت "كلمت" أو تقرأ بالإفراد والجمع لأن ما تحقق لهم أكثر من شيء وأكثر من أمر، ومثلها في الآية التالية فقد أقروا بأكثر من أمر، فكلها معًا كلمة، وفي التفصيل كلمات؛
- وقال : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ(31) فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ (32)كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(33) يونس.
بعد إقرارهم بكل الذي ينجيهم إذا عملوا به، فسقوا وخرجوا من دائرة الإيمان، ودخلوا مع زمرة الذين حقت عليهم كلمة الله بأن يملأ بهم جهنم من الجنة والناس أجمعين، وكان بإمكانهم أن يظلوا خارجًا عنها.
- وقال : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ(96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ(97) يونس.
كل الآيات لن تحول بينهم وبين اتباع من حقت عليهم كلمة الله بملء جهنم بهم، والدخول معهم، حتى يروا العذاب الأليم فيموتوا على كفرهم، وكذلك صلحت "كلمت" أن تقرأ بالإفراد والجمع لأن المذكور أكثر من آية، والتكذيب بواحدة منها أو بكلها يجعل أصحابها من أصحاب النار.
- (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ(5)وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ(6) غافر.
ختمت حياة الأحزاب بالعقاب والهلاك، فكانوا أصحاب الجحيم، وبذلك حقت كلمة الله عليهم بأنهم ممن يملأ الله بهم النار،
والله جعل للإنسان الخيرة في الحياة الدنيا بين الإيمان والكفر، فمن شاء منهم خرج من زمرة الذين حقت عليهم كلمة الله بالعذاب، ومن شاء دخل في زمرتهم، والطريق مفتوح لكلا الطرفين بالدخول أو الخروج، لذلك بسطت تاء كلمة في المواضع الثلاثة الأخيرة لدخول الداخلين، وكذلك صلحت قراءة "كلمت" بالإفراد والجمع؛ لأن أفعالهم: التكذيب، والهم بالقتل للرسل، والجدال بالباطل؛ كلها مجتمعة أو منفردة تدخل أصحابها في النار.
وقبضت تاء كلمة في واحد وعشرين موضعًا لأسباب عدة، ولزم المرور عليها لخفاء أسباب قبضها؛
فمن المواضع التي قبضت فيها تاء كلمة؛ المواضع التي تدل فيها على أن الله حبس عنهم العذاب في الدنيا، وأخره ليوم القيامة، ولا مفر لهم منه يوم يأتيهم؛
- قال : (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(19) يونس.
- وقال : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ(110) هود، (45) فصلت.
- وقال : (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ(14) الشورى.
- وقال : (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى(129) طه.
- وقال : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) الشورى.
وقبضت تاء كلمة في المواضع التي تدل على أن هناك من يصر على كفره، واختلافه على أهل الإيمان، فحصر نفسه بفعله في زمرة الذين سيملأ الله بهم جهنم، لا يريد أن يخرج نفسه منهم؛
- قال : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) هود.
- وقال : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ(19) الزمر.
- وقال : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ(71) الزمر.
وقبضت تاء كلمة في المواضع التي يطلب فيها الأخذ بالكلمة وعدم الخروج عنها؛
- قال : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(64) آل عمران.
- وقال : (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(28) الزخرف.
- وقال : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ - وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(26) الفتح.
والكلمة من مادة "كلم" وهي مادة للأثر الثابت، فالكلمة هي قول ثابت لا يتغير، ومن ذلك الكلم للجرح؛ لأن أثره يبقى ثابتًا خلاف الضرب بالعصا أو السوط، وكلمة الله في علوها دائمة وثابتة، وكلمة الذين كفروا في منزلة سفلى دائمة وثابتة، والقبض من علامات الثبات، فلا خارج منها ولا داخل فيها؛ ومن قال كلمة الكفر أو الكذب مبلغًا بها عما في نفسه فقد لزمه ما قال، ولا يكون قائلها بين بين؛
- قال : (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40) التوبة.
- وقال : (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) التوبة.
- وقال : (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا(5) الكهف.
والكلمة الطيبة لها صفة الطيب الثابت، والكلمة الخبيثة لها صفة الخبث الدائم، ويلزم القائل بإحداهما عواقب ما يقول من خير أو شر؛ فتثق ميزانه، أو يطيش بها؛
- قال : (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24) إبراهيم.
- وقال : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ(26) إبراهيم.
وقبضت تاء كلمة المحتضر فهي لا تفتح لهم مخرجًا ولا نجاة من العذاب؛
- قال : (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) المؤمنون.
وكلمة الله عيسى عليه السلام محفوظ من الله ، لم يستطع أحد الدخول عليه، والنيل منه، فتوفاه الله ، ورفعه إليه، دون أن ينالوا منه بالقتل والصلب، وبعد نزوله يقتل المسيح الدجال الذي لاقى منه الناس أشد المحن والابتلاء؛
- قال : (إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(45) آل عمران.
- قال : (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ(39) آل عمران.
وأما بسط التاء في كل جمع مؤنث سالم؛ فلأن الفرد قد يختفي أثره بين الجمع، أو تذهب خصوصيته بانتمائه له، أما الجمع فيبقى لكثرته معلومًا مكشوفًا لا يُخفى بغيره.... والله أعلم.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(14) - بسط تاء بينت

1- بينت: وردت بينة (19) مرة، واحدة منها فقط بالتاء المبسوطة، والباقي على الأصل مقبوضة.
- قال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا(40) فاطر.
قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ، وحمزة ، وخلف العاشر على الإفراد بغير ألف.
وقراء الباقون من القراء العشرة بإثبات الألف على الجمع.
ووقف عليها حفص ، وحمزة ، وخلف العاشر بالتاء، والباقون بالهاء.
ومرسومة في كل المصاحف بالتاء المبسوطة بلا خلاف.
فمن اختار قراءتها "بينات" بالجمع؛ فحجته أنه مرسومة في المصحف بالتاء المبسوطة.
ومن اختار قراءتها "بينة" بالإفراد؛ فعلى معنى البصيرة، وحجته أنه لها مثيل في قوله : (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) الأنعام.
وفي قوله : (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (17) هود. راجع حجة القراءات لابن زنجلة ص: 594
والبينة إما أن تكون من حجة واحدة، وإما أن تكون من مجموعة حجج؛ فصلاح قراءتها بالإفراد لجملة الحجج، وأن مجموعها يعطي البينة، وصلاح قراءتها بالجمع على تفصيل الحجج المكونة منها، وأن كل واحدة منها تعطي للأخريات قوة ووضوحًا وجلاء للبينة.
وفي كلا الأمرين؛ بالإفراد والجمع، تعرف الحقيقة، وبسط التاء هو الأنسب في رسمها، والآية قد أشارت إلى أنهم قد أشركوا بالله شركاء؛ أي أكثر من شريك، والكتاب فيه إما بينة على جميع الشركاء، وإما بينات على عدد الشركاء؛ أي لكل شريك بينة عليه ... لهذا جاء في تعدد القراءات تفصيل الأمر، وفي الواقع ليس لديهم كتاب فيه بينة، ولا فيه بينات... وإنما يأت القرآن بهذا الأسلوب؛ دفعًا للمشركين ليأصلوا عقائدهم بالأدلة والسلطان والحجج والبراهين؛ فإن أقدموا على الأخذ بهذا المنهج، توصلوا أنهم ليسوا على شيء.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(15) - بسط تاء آيت

آيت : وردت "آية" في القرآن في (86) موضعًا، كلها كتبت بالتاء المقبوضة إلا في موضعين فقط، بسطت التاء فيهما، وبسط التاء وافق قراء غير حفص، لذلك نحن نقرأهما في المشرق بالجمع، ولا يلاحظ ذلك غير المطلع على القراءات.... لذلك وجب بحثها من حيث صلاح الرسم للإفراد والجمع.
قال : (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَـتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7) يوسف.
قرأ ابن كثير آية بالإفراد، وقرأ الباقون آيات بالجمع، ومنهم حفص.
أما صلاح قراءتها بالإفراد في آية يوسف فلأن حياة يوسف عليه السلام، كلها بلا استثناء عبرة؛ من أول حياته إلى آخرها، وأما صلاحها بالجمع فلأن حياة يوسف عليه السلام فيها تفاصيل كثيرة، مع أبيه، ومع أخوته، ومع السيارة، ومع العزيز وامرأته، ومع السجن وأهله، ومع الملك والوزارة له، وفي كل حال من أحواله آية، فصلحت أن تقرأ بالجمع على اختيار حفص، ومن معه.
وقال : (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَــــتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَـتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) العنكبوت.
قرأن ابن كثير، وشعبة، وحمزة، والكسائي، خلف، آية بالإفراد، ووقفوا عليها بالتاء وفقًا للرسم، وقرأ الباقون، ومنهم حفص آيات على الجمع.
أما صلاح قراءتها آية بالإفراد؛ فإن طلب أحدهم آية تنزل على النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى مسمع من الجميع، وموافقتهم له في طلبه، ما يشير إلى أن المراد آية واحدة في مجلس واحد، وبلفظ واحد لأحدهم نائبًا عنهم، فكأن القائل جمعًا، وليس فردًا واحدًا.
وأما صلاحها بالقراءة بالجمع فلأن المشركين طلبوا أكثر من آية، وتفصيل ذلك موجود في سورة الإسراء، فدل على أن المراد بآيات وليس آية، وجاء الرسم صالحًا للقراءتين، وفي القراءتين تفصيلاً وبيانًا لاختلاف المواقف وإرادة السائلين، والآية والآيات المطلوبة شرطها أن تشاهد أمام أعين السائلين، فبسط التاء في كل الأحوال هو الأنسب.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(16) - بسط تاء جمالت

- جمالت: وردة مرة واحدة فقط.
قال : (كَأَنَّهُ جِمَـلَتٌ صُفْرٌ (33) المرسلات.
قرأ حفص وحمزة والكسائي وخلف: جُمالة؛ بالإفراد.
وقرأ رويس: جُمالات؛ بالجمع وضم الجيم.
وقرأ الباقون: جِمالات؛ بالجمع وكسر الجيم.
جمالة جمع جمل ،والجمالات جمع الجمع.
وجاءت القراءتين بالجمعين معًا.
فمن رأى النار رأى الشرر يتطاير منها كأنه جمالة صفر.
ولما كانت النار من السعة بحيث لا يحصرها الناظر بنظره، فإن الناظر أو المعذب فيها؛ يرى بعضًا من الشرر الذي ترميه النار لا كله، وما يراه هو كثير، وما يخفى عنه أعظم، لذلك جاءت القراءتين في بيان عظم ما ترمي به النار من شرر، مما يراه الناظر له، ومما لا يراه من نفس الموضع الذي ينظر منه.
واختيار تشبيه الشرر بالجمالة بسبب ضخامة حجمها، وأن الجمل سبب تسميته هو تكدس الدهن في سنامه، والتجمل هو مسح الوجه والجلد عند العرب بالدهن، وهو مأخوذ من الجمال، والدهن من الوقود الشديد الاحتراق والحرارة، ويقفز بشدة من موضعه إذا اشتدت الحرارة عليه، أو إذا أصابه بعض الماء.
وأما اختيار التشبيه باللون الأصفر فلأن هذا اللون من الألوان الفاقعة الصارخة، فهو أجلب للنظر، وأرهب للنفس، وعلامة من علامات المرض، وموت النبات ويبسه وخلوه من الماء والرطوبة، ومن ذلك سمي شهر صفر لخلو مكة المكرمة من الحجاج والزوار بعد أشهر الحج ومحرم، والصفير يحصل من مرور الهواء بشدة في المكان المحصور الفارغ أو الخالي...فبسط التاء هو الأنسب مع القراءتين، وهما جمع، والجمع من حقه أن تبسط تاؤه.. والله هو الأعلم.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(17) - بسط تاء ثمرت

ثمرات: وردت ثمرات (15) مرة بالجمع، واحدة منها فقط، قرأت بالإفراد في سورة فصلت.
قال : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ(47) فصلت.
قرأ نافع، وابن عامر، وحفص، وأبو جعفر: ثمرات؛ بألف بعد الراء على الجمع.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، ويعقوب: ثمرة؛ بالإفراد ووقف عليها بالهاء.
وقرأ شعبة، وحمزة، وخلف العاشر: ثمرت؛ بالإفراد ووقف عليها بالتاء.
"ثمرة" في هذا الموضع هي اسم جنس؛ لأنه أتي قبلها "من" التي هي للتبعيض؛ فدل على أن المقصود أكثر من ثمرة، وبهذا الأسلوب يلغي لفظ المفرد عن وجود فوارق في مكونات الجمع، فيشمل بذلك كل الجنس؛ فهي إذن دالة أيضًا على الجمع كدلالة ثمرات، وجاء بعدها في نفس الآية "من أنثى" على نفس التفسير، وهي شاملة لكل أنثى يحصل لها حمل، والحمل يحصل للأكثر الإناث، ويحصل مع الأنثى الواحدة مرات عديدة.
أما مجيء "من" مع ثمرات؛ فليس كل الثمر يخرج من أكمام، وخاصة النبات الذي يتكون ثمره في بطن الأرض، وقال: من أكمامها ردًا على المفرد ولم يقل: من أكمامهن ردًا على الجمع؛ لأن الأكمام تسقط مع سقوط الثمر، ولا يتكرر منها إخراج الثمار، ومن الكم الواحد لا يخرج إلا ثمرة واحدة.
وبسط التاء ليس لصلاح القراءتين فقط، ولكن لدلالة المراد بالثمرة أنها اسم جنس؛ فهي جمع، ومن حق الجمع أن تبسط تاؤه؛ لأنه ظاهر لا يخفى بغيره، خلاف المفرد الذي يخفى بين الجمع من أقرانه.
وكذلك فإن حمل الأنثى يكون في باطنها غير ظاهر، والثمر يتكون من الأكمام، ويكون ظاهرًا بينًا، فبسط التاء هو الأنسب لتمثيل الحالة التي يشاهد عليها الثمار.
وثمرة: وردت مرة واحدة في البقرة بالإفراد، وهي مفردة عند الجميع؛
قال : (كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ...(25) البقرة، وأما قبض تائها مع أنها اسم جنس يفيد الجمع؛ فلأن ثمر الآخرة موقوف لأصحاب الجنة فقط، وثمر الدنيا مبسوط لكل الناس؛ مؤمنهم وكافرهم، ويوم القيامة ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة أن يفيضوا عليهم من الماء أو مما رزقهم الله، والثمر من الرزق، ومجيء القول بلفظ المفرد "ثمرة" اسمًا للجنس؛ ليدل على أن كل الثمر هو رزقًا لهم في الآخرة، بينما الثمر في الدنيا رزقًا للإنس والطير، والدواب، وللمؤمن وللكافر.... فما أعظم هذه الرزق؟! وما أكثره؟!

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(18) - بسط تاء غرفت


غرفـات: وردت مرة واحدة في سورة سبأ

قال : (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَــتِ آَمِنُونَ (37) سبأ.
قرأ حمزة: الغرفة؛ بالإفراد.
وقرأ البقية: الغرفات؛ بالجمع.
في الجنة غرفات فلكل مؤمن نصيب منها، وهي مخصصة له، والغرفة إنما تسمى بهذا الاسم إذا خصصت لشخص، أو شيء ما؛ للطعام مثلاً، أو للنوم، أو لجلوس، ومن ذلك فعل الغرف من الإناء؛ فما يغرف يخصص لأحد الآكلين ... لذلك جاء اللفظ بالجمع عند الجميع ما عدا حمزة.
أما القراءة بالإفراد فهي لحال آخر؛ فالآية ذكرت الأولاد، وقبلها جاء ذكر كثرت الأولاد، والله يكرم أصحاب الجنة بأن يلحق بهم من ذريتهم من اتبعه على الإيمان، ومن كمال السعادة أن يجتمع له ذريته معه، ويأتونه إلى غرفته، فهم آمنون في الغرفات، وآمنون في الغرفة؛ لذلك جاءت القراءتان لبيان الحالين معًا، فصلحت الغرفات أن تقرأ بالإفراد وبالجمع.
وأما فتحها لو لم توجد قراءة بالجمع؛ فلأن وجود جمع في غرفة يدل على انفتاحها لهم ليدخلوا فيها على من خصصت الغرفة له.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



بسم الله الرحمن الرحيم


(19) - بسط تاء غيابت


غيابت: وردت مرتين في سورة يوسف فقط.

قال : (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَــبَــتِالْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10) يوسف.
وقال : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَــبَــتِالْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) يوسف.
قرأ نافع وأبو جعفر: غيابات؛ بالجمع.
وقرأ الباقون: غيابة؛ بالإفراد.
الفرق بين البئر والجب؛ أن البئر ضيق من أسفل وواسع من أعلى، والجب واسع في وسطه، فلو قيل أنه أُلقي في البئر؛ لأفاد القول أنه ألقي في الماء، وليس له مكان في البئر يقف فيه إلا الماء، الذي قد يغرقه ويقتله، وأما الجب فإن جوانبه واسعة فيحتمي من برد الماء بهذه الجوانب، ويغيب عن الناظر، والناظر في الجب لا يحيط بما فيه بنظرة واحدة كما هو الحال في البئر، فالناظر من أعلاه بما فيه يحتاج إلى تقليب النظر في كل جوانبه؛ لذلك أصبحت الغيابة غيابات، وبكلا القراءتين قرأت "غيـبت الجب"، فهي غيابة لبئر واحد فقط، وهذه الغيابة غيابات موزعة على جوانب البئر في وسطه، ومحيطة بعينه.
والجب من مادة "جبب" مستعملة كلها في القطع، والجب جاء اسمه من القطع في الأرض أو الصخر، وتناسبت تسمية البئر بالجب مع فعل أخوة يوسف لقطع الصلة بين يوسف وأبيه يعقوب عليهما السلام.
وبسط تاء "غيابت" كائن ولو لم تكن هناك قراءة أخرى بالجمع، لأن أخوة يوسف عليه السلام لا يريدون من حبسه في الغيابة الإغلاق عليه، بل اختاروا له مكان يكون فيه سلامته من الغرق، ومن الحيوانات، وأن يكون له سبيل في النجاة بمرور السيارة عليه، ليأخذوه بعيدًا عن والدهم، وعن أرضهم، فيخلوا لهم وجه أبيهم من بعده.... والله هو الأعلم.
بهذه الحلقة في هذه السلسلة نختتم جميع التاءات المبسوطة التي وردت في القرآن الكريم على الرسم القرآني، وليس على الرسم الاصطلاحي أو الإملائي ... سائلين الله أن يبلغ ما في هذه المواضيع أكبر عدد من المسلمين ليزداد الذين آمنوا إيمانًا بأن هذا القرآن هو من عند الله، بلفظه ورسمه، وهو الذي تكفل سبحانه و بحفظه رحمة منه بنا، وحجة على العالمين.

أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



الدال على الخير كفاعله


أدع إخوانك ومن يهمك أمرهم للدخول على هذه السلسلة


لجعل أكبر عدد من الناس يتفاعل مع هذا العلم
منازعة مع اقتباس
  #3  
قديم 20-02-2009, 04:42 PM
المعقل العراقي المعقل العراقي غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
التخصص : باحث
النوع : ذكر
المشاركات: 178
افتراضي

رائع يا أخي ولكن هل هذا كل في الجعبة هنا...
منازعة مع اقتباس
  #4  
قديم 20-02-2009, 10:44 PM
العرابلي العرابلي غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Jul 2008
السُّكنى في: الأردن
العمر: 68
التخصص : باحث في علوم القرآن واللغة والفلك
النوع : ذكر
المشاركات: 93
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل المعقل العراقي مشاهدة المشاركة
رائع يا أخي ولكن هل هذا كل في الجعبة هنا...
بارك الله فيك يا أخي الكريم
وزادك الله من علمه وفضله
لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها
هذه عشرات من الأبحاث نشرتها في هذا الموقع وتكملتها في مدونتي
والآن أعد المقطوع والموصول في الرسم القرآني وفيه 36 بحثًا
أسأل الله الإعانة على إنجازه وإخراجه قريبًا لتعم الناس منفعته
وجزاك الله بكل خير
__________________
مدونتي معجزات وأسرار
منازعة مع اقتباس
  #5  
قديم 20-02-2009, 11:01 PM
المعقل العراقي المعقل العراقي غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
التخصص : باحث
النوع : ذكر
المشاركات: 178
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل العرابلي مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك يا أخي الكريم
وزادك الله من علمه وفضله
لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها
هذه عشرات من الأبحاث نشرتها في هذا الموقع وتكملتها في مدونتي
والآن أعد المقطوع والموصول في الرسم القرآني وفيه 36 بحثًا
أسأل الله الإعانة على إنجازه وإخراجه قريبًا لتعم الناس منفعته
وجزاك الله بكل خير
بوركت أياديك وسددك الرحمن لكل خير وفضل..
منازعة مع اقتباس
  #6  
قديم 21-02-2009, 08:00 AM
العرابلي العرابلي غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Jul 2008
السُّكنى في: الأردن
العمر: 68
التخصص : باحث في علوم القرآن واللغة والفلك
النوع : ذكر
المشاركات: 93
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل المعقل العراقي مشاهدة المشاركة
بوركت أياديك وسددك الرحمن لكل خير وفضل..
أحسن الله إليكم بكل خير وفضل
__________________
مدونتي معجزات وأسرار
منازعة مع اقتباس
منازعة


الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1)
 
أدوات الحديث
طرائق الاستماع إلى الحديث

تعليمات المشاركة
لا يمكنك ابتداء أحاديث جديدة
لا يمكنك المنازعة على الأحاديث
لا يمكنك إرفاق ملفات
لا يمكنك إصلاح مشاركاتك

رمز [IMG] متاحة
رمز HTML معطلة

التحوّل إلى

الأحاديث المشابهة
الحديث مرسل الحديث الملتقى مشاركات آخر مشاركة
أسماء الجلساء التي غُيّرت ( مهمّ ) ملتقى أهل اللغة مُضطجَع أهل اللغة 20 18-12-2008 11:14 AM
طبق في سر الهمزات التي كتب على الوصل لا الوقف العرابلي حلقة العلوم الشرعية 3 16-12-2008 07:40 PM
كيف أستطيع قراءة وتصفح الكتب التي بصيغة ( بي دي إف ) ؟ سلسبيل أخبار الكتب وطبعاتها 1 12-10-2008 11:07 AM
سؤال : ما إعراب ( إلا ) التي بمعنى ( غير ) ؟ صلوا على النبي المختار حلقة النحو والتصريف وأصولهما 6 29-07-2008 07:16 PM


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 08:37 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ