ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية  

العودة   ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية > الحلَقات > حلقة العلوم الشرعية
الانضمام الوصايا محظورات الملتقى   المذاكرة مشاركات اليوم اجعل الحلَقات كافّة محضورة

 
 
أدوات الحديث طرائق الاستماع إلى الحديث
  #1  
قديم 07-11-2008, 11:40 PM
العرابلي العرابلي غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Jul 2008
السُّكنى في: الأردن
العمر: 67
التخصص : باحث في علوم القرآن واللغة والفلك
النوع : ذكر
المشاركات: 93
افتراضي طبق في سر الهمزات التي كتب على الوصل لا الوقف

بسم الله الرحمن الرحيم


طبق في سر الهمزة التي كتب على الوصل لا الوقف في الرسم القرآني

من خصائص الرسم العثماني أنه يراعي المعاني في رسم الكلمات؛ فراعى الوصل لا الوقف في كتابة بعض الكلمات.
والقاعدة الإملائية في كتابة الكلمات؛ تسكين أواخر الكلمات، وكتابة الحرف الأخير حسب الوقف عليه.
أما الوقف على الهمزة فيكون تبعًا لحركة الحرف الذي قبلها؛
فإن كان ما قبلها مفتوحًا؛ كتبت الهمزة على ألف؛ مثل: (امْرَأَ - اقْرَأْيُنَبَّأْ
وإن كان ما قبلها مكسورًا؛ كتبت على نبرة بصورة الياء؛ مثل: (امْرِئٍقُرِئَوَتُبْرِئُ
وإن كان ما قبلها مضمومًا؛ كتبت على الواو؛ مثل: (امْرُؤٌا- لُؤْلُؤٌ
أما إذا كان ما قبلها ساكنًا سكونًا حيًا؛ كتبت على السطر؛ مثل: (الْخَبْءَدِفْءٌ- مِلْءُ
أو سكونًا ميتًا وهي حروف المد الساكنة؛ مثل: (السَّمَاءِشَيْءٍالسُّوءُ
فعند الوقف على الهمزة لا تظهر حركتها، وما قبلها ساكن لا حركة له، ولما لم يكن لها صورة مستقلة بذاتها، لذلك لم يوجد في الرسم ما يشير إليها، حتى جاء الفراهيدي ، فجعل لها صورة تكتب على السطر، وفوق حروف المد التي جعلت صورة لها.
والهمزة التي قبلها سكون أو حرف مد، ثم صورت واوًا؛ هي موضع بحثنا، وهي التي قد خرجت في كتابتها عن القاعدة، وكتبت وفق حركتها هي، وهذه الحركة لا تعرف إلا إذا واصلنا القراءة، ولذلك قلنا بأنها كتبت على الوصل لا الوقف.
الكلمات التي كتبت على الوصل ثمان عشرة كلمة؛ تسعة أسماء وتسعة أفعال، منها ما كرر، ومنها لم يكرر، ومنها ما كتبت على الطريقتين؛ أي مرة على الوقف، ومرة على الوصل، ومنها لم يكن له مثال آخر فكتبت على الوصل فقط.
وسنذكر هذه الكلمات التي كتبت على الوصل؛ مبينين سر كتابتها،
وسنذكر ما كتب على الوقف من مثيلاتها للمقارنة بينها.


القسم الأول همزات الأسماء



الهمزة الأولى : الضُّعَفَـاـؤُا

وردت الضعفاء أربع مرات؛ مرتان كتبت على أصل الوقف، ومرتان كتبت على الوصل.
ويعود السر في اختلاف الرسم لاختلاف الضعف؛ فهناك من الضعف ما ينتهي في حياة الإنسان عند الكثير؛ كالضعف بسبب الصغر، أو المرض، أو الفقر.
ومنه ما ينتهي مع نهاية الدنيا، وكالضعف الذي يكون عن كبر في السن؛ ثم يبعث يوم القيامة في كمال شبابه وقوته.
وقد ذكر مثل هذا الضعف المنقطع في آيتين:
قال : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَـاـرُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَـاـتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(266) البقرة
وقال : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(91) التوبة
ففي آية البقرة "ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ"؛ فيهم ضعف مؤقت يزول ببلوغ سن الرجال، فكتبت الكلمة على أصل الوقف؛ أي على تسكين آخر الكلمة، والسكون انقطاع، لأن مصير ضعف هؤلاء الذرية الضعفاء إلى الانقطاع؛ وذلك عند الخروج من الصغر، وبلوغ مبلغ الرجال.
وفي آية التوبة "الضعفاء" ؛ فيهم ضعف من سنة الله في عباده عند بلوغ الكبر؛ وهذا الضعف مرتبط بالحياة الحياة الدنيا، ويوم القيامة يبعثون على سن واحد، والآية تتحدث عمن أعذر عن الجهاد بسبب ضعفه، وذكر معهم المرضى والفقراء، مما يدل على أن ضعفهم ليس بسبب المرض أو الفقر، إنما هو بسبب كبر السن، وهذا الضعف مصيره الانقطاع، لذلك كتبت الهمزة على أصل الوقف: أي السكون الذي يفيد الانقطاع.
لكن هناك ضعفًا لا ينقطع بانتهاء الدنيا فكتبت فيه همزة (الضُّعَفَـاـؤُا) على الوصل لا الوقف في آيتين:
قال : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَـاـؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَـاـنَا اللَّهُ لَهَدَيْنَـاـكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ(21) إبراهيم.
وقال : (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَـاـؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنْ النَّارِ(47) غافر
تتحدث هاتان الآتان عما يجري بين أصحاب النار؛ محاججة في النار بين المستكبرين والضعفاء الذين تبعوهم؛ باعتبار ما كانوا عليه في الحياة الدنيا.
وضعف هؤلاء الضعفاء كان في الدنيا، ولضعفهم فيها اتبعوا المستكبرين على ما كانوا عليه من الكفر والشرك، وذلوا لهم، وتواصل ضعفهم واستمر في الآخرة؛ فليس في جهنم قوي، فهذا الضعف لا نهاية له ولا انقطاع، ولا خروج منه، فكتبت همزة الضعفاء على الواو مراعاة للوصل والاستمرار، لا الوقف والانقطاع؛ مبينة الواقع الذي هم عليه؛ ضعف لم ينته بنهاية الحياة الدنيا واستمر في الآخرة، والواو تشير دائمًا إلى الداخل والباطن؛ فهم في ضعف عند رب العالمين، ونار لا خروج لهم منهما.
فكان اختلاف رسم الكلمات مبنيًا على الواقع الذي تصور هذه الكلمات.


الهمزة الثانية : همزة العُلَمَـاـؤُا (المعرفة بالألف واللام)

قال : (وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَـاـمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـاـؤُا إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) فاطر


الهمزة الثالثة : همزة عُلَمَـاـؤُا (المعرفة بالإضافة)

قال : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَـاـؤُا بَنِي إِسْرَاءِيلَ(197) الشعراء
العلماء في الآية الأولى لم يحددوا بقوم ولا بعلم خاص، ولم يحددوا بزمن معين؛ والعلم جاء لهم من التعلم؛ أي أن هناك من تعلموا منه العلم، وورثهم إياه؛ فالعالم ينقل العلم من علماء سبقوه، وقد يزيد على علمهم، ويورث هذا العلم لمن يأتي بعده فيصبحوا علماء مثله، أو أكثر منه علمًا... وهكذا يستمر تناقل العلم، وبروز العلماء بالعلم الذي تعلموه وما زادوا عليه مما علمهم الله، وفتح لهم من أبواب العلم .. وكان أول من ورث العلم هو آدم عليه السلام، وبعث الله الأنبياء والرسل ليزيدوا الناس علمًا، وحتى زادوهم بعض الصناعات؛ فقد كان إدريس عليه السلام حائك ثياب، ونوح عليه السلام نجارًا، وقد صنع السفينة بمن معه، وكان داود حدادًا، ...........
وفي الآية الثانية كان تخصيص العلماء بعلماء بني إسرائيل؛ وعلمهم هو مما ورثوه من العلماء قبلهم، في تسلسل امتد في بني إسرائيل من نزول التوراة إلى مبعث محمد ، فكانوا على علم واحد بهذا الأمر؛ أي بنبوة محمد .
فكتابة همزة (الْعُلَمَـاـؤُا) على الوصل لا الوقف؛ لتدل على استمرار العلم، وأن المقصودين بالعلماء؛ هم الذين لم يخرجوا من هذا العلم بتوارثهم له بدلالة رسم الواو؛ (المشيرة للباطن والداخل)، المضافة كصورة للهمزة.


الهمزة الرابعة : همزة شُرَكَـاـؤُا

أما الموضع الأول؛ فكان في استفهام استنكاري للذين ادعوا أن لله شركاء دائمين معه، وآمنوا بذلك، والملك لله وحده يوم القيامة؛ فأين ذهب هؤلاء الشركاء يوم القيامة؟! فكتبت لذلك (شُرَكـاـؤُا) على الوصل لا الوقف، على ما كان يعتقده المخاطبين في الآية.
قال : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَـاـكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَـاـكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَـاـؤُا ..(94) الأنعام
وأما الموضع الثاني؛ فكان في استفهام عن شركاء شرعوا لهم دينًا، ومن يشرع شرعًا لا يشرعه لسنوات معدودة، بل ليكون دائمًا، تعمل به أجيال عديدة، ولذلك لا بد من أن يكون الشريك قادرًا على محاسبة من يخرج عن الدين، ويكافئ من عمل به، وأن يستمر معهم وليس لجيل واحد أو زمن محدود؛ لذلك كتبت (شُرَكَـاـؤُا) على الوصل لا الوقف، مراعاة للسؤال عن شركاء في اعتقادهم لهم صفة الاستمرار والتواصل مع الناس، وأنهم ما زالوا في الشراكة ولم يخرجوا منها. الله عما يصفون.
وقال : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَـاـؤُا شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ... (21) الشورى.
كتبت شركاء على الوصل لا الوقف في موضعين فقط؛
وما ذكر غير ذلك من شركاء كان في شراكة منقطعة؛ لذلك كتبت على أصل الوقف الذي يفيد السكون والانقطاع.
فمن ذلك في توزيع الإرث؛ (فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ(12) النساء، وفي اقتسام الجاهليين الميتة؛ (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ(139) الأنعام، وفي اقتسامهم الاستعباد؛ (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَـاـكِسُونَ(29) الزمر، وفي تحديهم بإثبات ما لا وجود له؛ (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَـاـدِقِينَ(41) القلم،
وغير ذلك وردت منصوبة بالفتح


الهمزة الخامسة : همزة بُرَءَاؤُا

قال : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَابِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (4) الممتحنة.
لم يكن قول إبراهيم عليه السلام ومن معه لقومهم؛ هو إخبار لهم بأنهم برآء؛ بل هم مستمرون على البراءة منهم، بلا انقطاع ولا تراجع؛ إلى أن يؤمنوا بالله وحده، ولذلك كتبت الكلمة على الوصل والاستمرار لا الوقف والانقطاع، وصورت الهمزة واوًا لضمتها، وأنهم داخلون في هذا الذي يفرقهم عن قومهم، ويعزلهم عنهم ولا يخرجون منه؛ وهو البراءة منهم بسبب شركهم.


الهمزة السادسة : همزة أَنْبَـاـؤُا (بالجمع)

ورد لفظ (أَنْبَـاـؤُا) المضموم الهمزة في القرآن مرتين، وقد كتبت فيهما الهمزة على الوصل والاستمرار، لا الوقف والانقطاع.
قال : (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَـاـؤُا مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون(5) الأنعام.
وقال : (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَـاـؤُا مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون(6) الشعراء.
لما يبين الله أن هذه الأنباء في طريق وصولها إليهم؛ فكتبت الهمزة لذلك على أصل الوصل والاستمرار، لا الوقف والانقطاع، وصورت بسبب ضمها واوًا... والأنباء التي ستأتيهم هي ما توعدهم الله به من العذاب، وإدخالهم جنهم خالدين فيها، ولا خروج لهم منها؛ فكانت الواو التي تستعمل في الإشارة إلى الباطن والداخل، واستمرار إشارتها تلك، لأنها آخر الحروف في الكلمة؛ فكانت تصويرًا لما يؤول إليه حالهم.
ووردت الأنباء معرفة بأل التعريف، ومضمومة الآخر في موضع واحد؛ كتبت فيه على أصل الوقف والانقطاع:
قال : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ(66) القصص
فقوله "فعميت عليهم" دالة على أن "الأنباء" لم تصلهم ومقطوعة عنهم، فكتبت الكلمة لذلك على القاعدة؛ أي على الوقف والتسكين.
ووردت "أنباء" في مواضع أخرى مجرورة، ومكتوبة على الوقف والتسكين، وليست محل بحثنا.


الهمزة السابعة : همزة نَبَؤُا (بالإفراد)

كتبت همزة نَبؤُا على أصل الوصل؛ أي على واو، حيث هي مضمومة وما قبلها مفتوح، والضمة أقوى من الفتحة في الأمثلة التالية :
قال : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ (9)إبراهيم
قال : (وَهَلْ أَتَـاـكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ(21) ص
قال : (قُلْ هُوَ نَبَؤُا عَظِيمٌ(67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ(68) ص
قال : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(5) التغابن
والسر في كتابة الهمزة على الوصل؛ أي على الواو هو أن الكلمة كانت صورة لواقع النبأ.
فالأنباء على نوعين: منها ما توقف تداوله بين الناس، وانتهى أمره إلى النسيان عند الكل أو عند طائفة منهم ، ونوع من الأنباء استمر تناقله بين الناس فاستمر العلم به.
والسؤال عن النبأ هو سؤال عن نبأ استمر بين الناس وتواصلت المعرفة به، والسؤال له أو لهم بصيغة المخاطب؛ هل وصل النبأ أم لم يصل؟
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ(9) إبراهيم؟ ،
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ (5) التغابن؟
(وَهَلْ أَتَـاـكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ(21) ص؟.
أو يكون الحديث عن نبأ أعرضوا عنه بعد وصولهم إليه؛ (قُلْ هُوَ نَبَؤٌا عَظِيمٌ(67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ(68) ص.
ففي هذه الأمثلة كتبت نبأ على أصل الوصل للدلالة على أن النبأ استمر وتواصل واشتهر وتناقله الناس.
وأما الأمثلة التي كتبت فيها كلمة النبأ على أصل الوقف، فقد كان الحديث فيها عن نبأ لم يصل القوم والمطلوب تبليغهم هذا النبأ وتوصيله إليهم؛
قال : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) الشعراء
وقال : (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَـاـبِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَـاـتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَـاـتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(70) التوبة
وأما هذا الذي في سورة التوبة (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فهو استفهام عن إتيان نبأ لغائب، وليس لمخاطب كما في الأمثلة الأولى؛ ففيه تعجب لبيان شدة قبح إعراضهم وكفرهم، وكأن نبأ الذين من قبلهم لم يصلهم فلم يتعظوا مما حل بهم ... فكتبت الهمزة على الوقف عليها، وكان ما قبلها مفتوحًا فكانت الألف صورة لها.
وهذا غير الذي ذكر في آيات إبراهيم والتغابن وصاد؛ فالاستفهام فيهما كان موجهًا لمخاطب قد سمع نبأ هلاك السابقين، ويقر بوصوله إليه، ولم يكن الاستفهام لطلب العلم من قبلهم.


الهمزة الثامنة : همزة جَزَاؤُا:

كتبت "جَزَاؤُا" على الوصل لا الوقف في أربعة مواضع، وكلها كانت في العقاب، ولم تأت على الوصل في الجزاء الحسن مع أنه مستمر لئلا يفهم من كتابتها على الوصل أن غيرها ينقطع.
أما في العذاب فمنه ما يستمر، ومنه ما لا يستمر وينقطع؛
قال : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَـاـبِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاؤُا الظَّـاـلِمِينَ(29) المائدة
احتكم ابنا آدم عليه السلام إلى الله بتقديم كل منهما قربانًا، لم يقبل أحدهما بحكم الله فقتل أخاه، فكان جزاؤه جزاء دائمًا ومستمرًا لا يرفع عنه فكتبت على الوصل لا الوقف.
وقال : (إِنَّمَا جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَـاـفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) المائدة.
من حارب الله ورسوله فلا بد من أن يعاقب بإحدى العقوبات التي ذكرت في الآية؛ وأعلاها القتل، وأدناها النفي من الأرض، فلا يتركون دون عقاب؛ فالجزاء يطلبهم ويلاحقهم؛ فكتبت الهمزة على الاستمرار لا القطع.
وقال : (فَكَانَ عَـاـقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَـاـلِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاؤُا الظَّـاـلِمِينَ (17) الحشر
الحديث عن اثنين أحدهما الشيطان، وجزاء الشيطان في النار جزاء مستمرًا لا يرد ولا ينقطع، وضم مع الشيطان من كفر، في حديث واحد، مما يدل على أنه جزاء لهما لا انقطاع له ولا تحول، فكتبت لذلك الهمزة على الوصل والاستمرار لا الوقف والانقطاع.
وقال : (وجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّـاـلِمِينَ (40)الشورى
"وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها" حكم دائم ومستمر من الله ؛ للعدل بين الناس في القصاص الذي يكون بينهم، لا يجوز قطعه بالتجاوز فوق العقاب، بمعاقبة أكبر من المثل، أو بنقض الصلح بعد وقوعه وأخذ العوض، بالرد على السيئة بأخرى؛ ولهذا الجزاء امتداد بحساب آخر من الله لهم يوم القيامة على السيئة وجزاء السيئة، لذلك كتبت همزة جزاء على الوصل لا الوقف والقطع لما يريده الله بهذا الحكم.
أما قوله : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا (27) يونس.
فهذه سيئات يحاسب الله عليها الناس، وليس الناس هم الذين يطلبون حساب الناس عليها، كما في آية الشورى، والجزاء مقطوع فيها، والحساب حساب خاتم، والحساب قائم على التقدير، أما التنفيذ بالعقوبة على الحساب فأمر آخر. لذلك كتبت الهمزة على الوقف والقطع لا الوصل والاستمرار.
وغير ذلك لم ترسم همزة جزاء المضمومة واوًا؛
فإذا كان الجزاء جزاءً حسنًا، من النعيم المفتوح لهم في الجنة؛
(فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّـاـتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَـاـرُ خَـاـلِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ(85) المائدة.
(جَنّـاـتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَـاـرُ خَـاـلِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى(76) طه
(إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَـاـلِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَـاـتِ آمِنُونَ(37) سبأ
(لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ(34) الزمر
(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَـاـنِ إِلَّا الْإِحْسَـاـنُ(60) الرحمن
وإذا كان الجزاء لا يستمر مع الجميع؛ فمن فعل عُوقب، ومن تراجع سلم؛
كما في قوله عن محاربة المشركين في مكة :
(فَإِنْ قَـاـتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَـاـفِرِينَ(191) البقرة،
فلم يقتل إلا القليل، والباقي دخل في الإسلام.
ومثل ذلك يوم حنين، فقتل القليل ودخل البقية بعد ذلك في الإسلام.
(وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَـاـفِرِينَ(26) التوبة.
وفي كفار قريش الذين قالوا: (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) ...
(ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ (28) فصلت
وكذلك سجن يوسف عليه السلام الذي لم يستمر، وكذلك لم يعذب؛
(قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(25) يوسف.
وكذلك إذا كان الجزاء مشروطًا؛ فلا يقع الجزاء إلا على الفاعل لموجب العقاب، ومن لم يفعل يسلم؛
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَـاـبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَـاـفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(85) البقرة
ومثله في المشروط في كفارة صيد المحرم:
(وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (95) المائدة.


الهمزة التاسعة : همزةالمَلَؤُا

كتبت همزة الملأ في أربعة مواضع فقط على الوصل والاستمرار، وفي بقية المواضع كتبت على الوقف والقطع.
(قَالَتْ يَـاـأَيُّهَا المَلَؤا إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَـاـبٌ كَرِيمٌ(29) النمل.
(قَالَتْ يَـاـأَيُّهَا المَلَؤا أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ(32) النمل.
(قَالَ يَـاـأَيُّهَا المَلَؤا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ(38) النمل.
في المواضع الثلاثة السابقة كان فيها اللجوء إلى ملأ عاملين وفاعلين، لا استغناء لملوكهم عنهم؛ فكتبت فيها الهمزة على الوصل والاستمرار، لا على الوقف والانقطاع.
أما لجوء ملك مصر للملأ في قوله : (يَـاـأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيـاـي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ(43) يوسف؛ فقد كان لجوءً فيه تخيير، وهو شاك في قدرتهم، ولم يكن العرض عليهم ليحكموا عليها.
أما في قوله : (فَقَالَ الْمَلَؤا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلَـاـئِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَـاـئِنَا الْأَوَّلِينَ(24) المؤمنون. فهؤلاء الملأ يريدون بقاء الأفضلية لهم على قومهم واستمرارها، وعدم تفضل نوح عليه السلام عليهم.
وغير ذلك فإن الملأ ينظرون إلى أنبيائهم نظرات دونية متنوعة،
فمنها عدم تميزهم عليهم في الأكل والشرب؛ (وَقَالَ الْمَلأُ ... مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ(33) المؤمنون
وضعف أتباعهم وعدم تفضلهم عليهم؛
(فَقَالَ الْمَلأُ ..وَمَا نَرَـاـكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَـاـذِبِينَ(27) هود
وتكذيبهم، وتهديدهم، وتوعدهم بالإخراج من أرضهم؛ (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَـاـشُعَيْبُ و ... َ(88) الأعراف
واتهامهم بالضلال؛ (قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَـاـكَ فِي ضَلَـاـلٍ مُبِينٍ(60) الأعراف.
وبالسفاهة؛ (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَـاـكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَـاـذِبِينَ(66) الأعراف.
وبالسحر؛ (قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَـاـحِرٌ عَلِيمٌ(109) الأعراف
والتحريض عليهم؛ (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ (127) الأعراف
والتنفير منهم وصد قومهم عنهم؛ (وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنْ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَـاـسِرُونَ(90) الأعراف
والطلب من أتباعهم الثبات على كفرهم؛ (وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ(6) ص
هكذا تنوعت أساليبهم في جعل أقوامهم يقفون في عداء أنبيائهم، والكفر بهم، والابتعادعنهم، وقطع الصلة بهم، ولم يكن للملأ حكم على أقوامهم يلزمهم بما يرونه؛ لذلك كتبتالهمزة على الوقف والانقطاع، وليس على الوصل والاستمرار.
منازعة مع اقتباس
 


الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1)
 
أدوات الحديث
طرائق الاستماع إلى الحديث

تعليمات المشاركة
لا يمكنك ابتداء أحاديث جديدة
لا يمكنك المنازعة على الأحاديث
لا يمكنك إرفاق ملفات
لا يمكنك إصلاح مشاركاتك

BB code is متاحة
رمز [IMG] متاحة
رمز HTML معطلة

التحوّل إلى

الأحاديث المشابهة
الحديث مرسل الحديث الملتقى مشاركات آخر مشاركة
سر التاءات التي بسطت في القرآن في حزمة كاملة العرابلي حلقة العلوم الشرعية 5 21-02-2009 08:00 AM
أسماء الجلساء التي غُيّرت ( مهمّ ) ملتقى أهل اللغة مُضطجَع أهل اللغة 20 18-12-2008 11:14 AM
كيف أستطيع قراءة وتصفح الكتب التي بصيغة ( بي دي إف ) ؟ سلسبيل أخبار الكتب وطبعاتها 1 12-10-2008 11:07 AM
سؤال : ما إعراب ( إلا ) التي بمعنى ( غير ) ؟ صلوا على النبي المختار حلقة النحو والتصريف وأصولهما 6 29-07-2008 07:16 PM


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 06:13 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ