ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية  

العودة   ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية > الحلَقات > حلقة العلوم الشرعية
الانضمام الوصايا محظورات الملتقى   المذاكرة مشاركات اليوم اجعل الحلَقات كافّة محضورة

منازعة
 
أدوات الحديث طرائق الاستماع إلى الحديث
  #1  
قديم 30-06-2011, 09:49 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي سلسلة الإسلام ميسرًا إلى فتيان الإسلام - للشيخ علي الحلبي

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الإسْلامُ مُيَسَّرًا
إلَى فِتْيانِ الإِسْلامِ


بِقَلَمِ: الشَّيخ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ عليٍّ الحَلَبِيِّ


تَقـدِيـمٌ

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِ المرسَلين، و على آلِه وصحبِه أجمعين.
أمَّا بعدُ:
أيُّها الفتى المسلمُ الحبيبُ:
هذه سِلسلةٌ عِلمِيَّةٌ تَعليمِيَّةٌ تتعرَّفُ فيها إلى دينِك الذي نَشَأتَ عليهِ، وتَرَبَّيتَ على أحْكامِه: «الإسلام»، ومِن خِلالِها تَتعلَّمُ أهَمَّ ما أوْجَبَهُ عليك خالقُك العظيم: «الله»، وتعرِفُ -أيضًا- سيرةَ وسُنةَ نبيِّك الكريمِ: «محمَّدٍ» -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وجميعَ ما يتَّصلُ بهذا كلِّه مِن عقائد، ومعامَلات، وعبادات، وأخلاق.
وتكمُن قيمةُ هذه السِّلسلةِ في جمعِها بين جَودة المعرفة، وسُهولة الأسلوب، مما يجعلكَ تفهمُها فهمًا جيدًا، دون أن تستعينَ بأحَدٍ مِنْ أهلِكَ وأقرِبائِكَ إلا في أقَلَّ القَليل.
وأخيرًا:
أسألُ اللهَ أنْ ينفعَكَ بها إنه سميعٌ مُجيبٌ.


________________
كنتُ قد نقلتُه قديمًا في بعض المنتديات ولم أكمِله، ثم أكملتُه قبل مدة في (كل السلفيين) -بعد مراجعة وزيادة ضبط وتعديل-. وأسأل الله أن ينفع به، ويجزي الشيخ عليًّا الحلبي خير الجزاء على جهوده العلميَّة ويبارك في عِلمِه وعُمُره. وللحصول على الكِتاب مُصوَّرًا: انقر هنـا.
منازعة مع اقتباس
  #2  
قديم 30-06-2011, 09:49 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-1-
اللـهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-
(1)
اعلمْ أنَّ معرفةَ اللهِ -سُبحانَهُ وتَعالَى-، والإيمانَ به، وعبادتَه، والتَّصديقَ بما جاء مِن عندهِ: هو أهَمُّ ما يَجبُ على المسلمِ أن يتعلَّمَه ويَعرِفَه ويفهمَه.
أمَّا مَن لم يعرفِ «اللهَ» الخالقَ له، ومالِكَه، والمتصرِّفَ به؛ فإنَّه يعيشُ في هذه الحياةِ الدُّنيا كالحيوانِ: يأكُل ويَشربُ، يَنامُ ويستيقظ ... وَهَكذا؛ فينتهي عُمُرُه على هذهِ الحالة، وهو لا يَعلمُ لماذا خُلِق؟ وكيف عاش؟
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى- في القُرآنِ العظيم:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ(1) وَالنَّارُ مَثْوًى(2) لَهُمْ [محمَّد: 12].
وهُم كذلك سيُفسِدون في الأرضِ بِأفعالِهم، ويُسيئون بأعمالِهم؛ لأنَّهم لا يَعرِفون الأعمالَ الصَّالحةَ، ولا يَعلَمون ما هي الأعمالُ الفاسِدةُ، ولا يَدرون ما الذي يُغضِبُ اللهَ، ولا يُفكِّرون فيما يُرضي الله؟!

(2)
إذًا:
لا يَستطيعُ أيُّ إنسانٍ أنْ يَعرفَ الطُّرُقَ الصَّالحةَ لاستخدامِ أيِّ شيءٍ إلا بإرشادٍ ممن هو أعرفُ منه، فكيف يستطيعُ الإنسانُ في هذهِ الحياةِ الدُّنيا أن يَقومَ بِدَوْرِه المطلوبِ منه دون تنفيذِ أوامرِ الله -سُبحانَه- وفرائضِه، وهو -سُبحانَهُ- خالقُ الإنسانِ وخالقُ الدنيا.
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

(3)
فالذي لا يعرفُ اللهَ خالقَه؛ يُفسدُ في أعمالِه، ويُسيءُ في تصرُّفاتِه؛ لأنَّه جهِل قدْرَ الهادي إلى طريقِ الرَّشادِ والفوزِ والنَّجاحِ، وهو اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-.
وليستْ هذه الأمراضُ المنتشرةُ في الأرضِ، وليس هذا الفسادُ الكبيرُ الموجودُ بين النَّاس إلا بِسببِ البُعدِ عن إرشاداتِ خالقِ المخلوقاتِ -سُبحانَه-، والابتِعادِ عن تنفيذِ أوامرِه.

(4)
ثُمَّ تَنْتَهي حَياةُ الَّذِينَ لا يَعرِفونَ رَبَّهُم وَخالِقَهم، وهم لَم يَدْرُوا لماذا بدَأتْ!! ويَخْرُجونَ مِنها، وهم لا يَعلَمونَ لِماذا دَخلوا إليْها!!

(5)
أمَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى-، وَآمَنَ به، وصَدَّقَ بما جاءَ مِنْ عِندِهِ، فَهُوَ الذي سيَنْصُرُهُ اللهُ -سُبحانَهُ-.
قال اللهُ في القرآنِ الكريمِ:
وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج: 40].

(6)
والإنسانُ: هذا المخلوقُ الَّذي له أعضاءٌ -كاليدِ والقَدَمِ والرَّأسِ وغيرِها-؛ يَجبُ عليهِ أنْ يَعْرِفَ الوظائفَ المطلوبةَ منهُ لإِشغالِ هذهِ الأعضاءِ، ولا يكونُ ذلك إلا بمعرفةِ الأوامرِ والفرائضِ التي فَرَضَها الله -سُبحانَهُ- على هذا الإِنسانِ.
ولكُلِّ إنسانٍ عَقْلٌ، ووظيفةُ العَقْلِ هي التَّفكيرُ، فإذا تعطَّلتْ هذه الوظيفةُ؛ فَسَدَ عمَلُ العَقْل، وعُطِّل مِن أهَمِّ وظائفهِ؛ وبالتَّالي: كان هذا سَبَبًا في الابتِعادِ عمَّا فيهِ الخير، والاقترابِ مِمَّا فيه الشَّر.

(7)
ولقد دعانا خالِقُنا اللهُ -سُبحانَهُ- في القُرآنِ الكريم إلى التَّفكير فيما نحنُ فيه؛ فقال:
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50].
وقال:
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ [الروم: 8].
واللهُ -سُبحانَهُ- حينَ دَعا خَلْقَه إلى التَّفكيرِ إنَّما جَعَلَ ذلك ضِمْنَ قُدْرةِ العقْلِ واستِطاعَتِه.
فَدَعانا -سُبحانَهُ- إلى النَّظَر فيما خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ في السَّماواتِ والأرض، وفي أنْفُسِنا، وفي البَشرِيَّة جميعًا، دعانا للنَّظَر في هذا العالَمِ الواسِع الذي كُلُّه مِن خَلْقِ اللهِ -سُبحانَهُ- وإيجادِه.

(8)
فإذا ما فكَّر الإنسانُ وتأمَّل؛ فإنَّه سَيخْرُجُ بنتيجةٍ حتْمِيَّةٍ؛ وهي: أنَّ لهذا الكونِ الواسعِ الكبيرِ العظيمِ خالِقًا عظيمًا، ومُوجِدًا كريمًا، وهو «اللهُ» ربُّنا -سُبحانَهُ وتَعالَى-.
خالِقُ الإِنسانِ والنَّباتِ والحيوانِ.
خالِقُ السَّماواتِ والأرضِ والبِحارِ.
خالِقُ كُلِّ ما نَراهُ في هذا العالَمِ الكبيرِ.

(9)
و«اللهُ» -سُبحانَهُ وتَعالَى- موصوفٌ بصِفاتٍ جليلةٍ وصَفَ بها نفسَه العظيمةَ في القرآنِ الكريم، ووصَفَه بها أعلمُ خَلْقِه به؛ ألاَ وهو آخِرُ أنبيائِه سيدُنا محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
فمِن هذه الصِّفاتِ:
· الرَّحمة.
· العِزَّة.
· المغفِرةُ.
· القَهْر.
وغيرُها كثيرٌ مِما وَردَ في القرآنِ الكريم، أو في أحاديثِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
والغَرَضُ الأساسيُّ مِن تَعريفِنا بهذه الصِّفاتِ: هو أنْ نعلَمَ عظمةَ اللهِ -سُبحانَهُ- وقُدرتَه، وأنْ نقفَ مِن أنفُسِنا على ضَعفِ أنفُسِنا وحاجَتِنا لهذا الإِلهِ العظيمِ -سُبحانَه-.


(10)
ولقد بَيَّن لنا ربُّنا -سُبحانَهُ- الغايةَ التي مِن أجلِها خَلَق الخلْقَ كُلَّه، وبيَّن لنا السبَبَ الذي مِن أجلِه أوْجَدَ هذه الحياةَ الدنيا بِكُلِّ ما فيها.
يقول اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذَّاريات: 56].

(11)
فالعبادةُ هي الغايةُ التي يجبُ علينا أنْ نُؤدِّيَها حقَّ أدائِها؛ طاعةً للهِ -سُبحانَهُ-، وشُكرًا له على ما أعطانا مِن نِعَمٍ كثيرةٍ وفوائدَ وَفِيرةٍ.
يقولُ اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَإِنْ تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا [النَّحل: 18].

(12)
إذا عرَفْنا ما تقدَّم بيانُه:
فيَجِبُ علينا أنْ نعبُدَ اللهَ -سُبحانَهُ- العبادةَ الصَّحيحةَ، وأنْ تكونَ هذه العبادةُ للهِ وحدهُ لا شَريكَ له.
فالدُّعاءُ له.
والخوفُ منه.
والاستِعانةُ به.
وهكذا .. فجميعُ العِبادات لا تكونُ إلا لهذا الإلهِ العظيمِ الخالِقِ الرَّازقِ، القويِّ العَزيز، الموصوفِ بالصِّفاتِ الجليلةِ العظيمةِ.




انتهى

_______________
(1) الحيوانات.
(2) مكانُهم ومصيرُهم.
منازعة مع اقتباس
  #3  
قديم 30-06-2011, 09:56 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-2-
الرَّسولُ محمَّدٌ
-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-
(1)



لِكي يُعرِّفنا اللهُ -سُبحانَهُ- بما يُريدُه منَّا، ولِكي يُبيِّن لنا ما ينفعُنا في حياتِنا:
أرسل اللهُ -سُبحانَهُ- بَعضًا مِن البَشرِ الَّذين لهم صفاتٌ كريمةٌ، وأخلاقٌ حَميدة؛ ليُبلِّغوا أوامرَهُ وأحكامَه لِبقيَّةِ البَشر مِن أقارِبهم، وأصدقائِهِم، وجِيرانِهم، ومَن حَولهم.
وهؤلاءِ الذينَ اختارَهم اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى- سمَّاهم رُسُلًا وأنبياءَ(1).
وآخِرُ هَؤلاءِ الرُّسُلِ والأنبياءِ: رسولُ اللهِ إلى خَلْقِه سيِّدُنا محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، الَّذي أرسله اللهُ -سُبحانَهُ- رحمةً للعالَمين، وهُم: الإنسُ والجنُّ(2).
فرِسالةُ النبيِّ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم- ليست لأمَّتِه وأهلِه فَقط؛ إنَّما هي للنَّاسِ جميعًا: يُبشِّرُهم ويُنذِرُهم.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107].


(2)

ولِكي نكونَ على بيِّنةٍ مِن أمرِنا؛ لا بُدَّ أن نعرفَ جانِبًا مِن حياةِ هذا النبيِّ الكريمِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
اسمُه: محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطَّلب بنِ هاشِمٍ، يَرجعُ أصلُه إلى قبيلةٍ كبيرةٍ مِن قبائلِ العَرب؛ وهي قبيلةُ «قُرَيش».
وُلِد في «مكَّةَ» بجزيرةِ العرَب، وهي مِن مُدُن المملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّة في عصرِنا الحاضِر.
نَشأ يَتيمًا -فقد ماتَ أبوهُ وهو لا يَزالُ في بَطنِ أمِّهِ-، وربَّتْهُ أمُّه آمنةُ بنتُ وهْب؛ فأحسنتْ تربِيتَه على وفقِ العاداتِ العربيَّةِ الأصيلةِ التي وَرِثوا كثيرًا مِنها مِن دينِ أبي الأنبياءِ إبراهيمَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.
ثمَّ ماتتْ أمُّه وعُمُرُه سِتُّ سنواتٍ؛ فتولَّاهُ وربَّاه جَدُّه عبدُ المطَّلب، وكان مِن زُعماءِ قُريشٍ قبلَ الإسلامِ، ثمَّ مات جَدُّه بعد سنَتَين؛ فتولَّاه بعدهُ عمُّه أبو طالِب.


(3)

وكانت نشأتُه منذ الطُّفولةِ نشأةً متميِّزةً بكلِّ خَير؛ فكان شُجاعًا، صادِقًا، فاضلَ الأخلاقِ؛ حتى لقَّبه قومُه بـ «الصَّادقِ الأمين».


(4)

وكان قد رَعَى الغَنمَ في صِباهُ؛ فزادَ هذا مِن صفاءِ قلبِه، ومِن حُسنِ توجُّهِهِ للخيرِ واجتنابِه للشَّر.
وفي شبابِه اشتغلَ مع خديجةَ بنتِ خُويلدٍ، وهي إِحدى نِساءِ قُريش، وكانتْ ذاتَ مالٍ كثيرٍ، فأرسلَتْهُ بِتجارةٍ إلى الشَّامِ؛ فرجَع إليها رابِحًا الرِّبحَ الوفير.
ولما بلغَ الخامسةَ والعِشرينَ مِن عُمرِه؛ زوَّجهُ عمُّه بِخديجةَ، وكانتْ تَزيدُ عليهِ في العُمُر بِخَمسَ عشرةَ سَنةً.


(5)

ولما بلغَ عُمرُه أربعينَ عامًا؛ هيَّأهُ اللهُ -سُبحانَهُ- للنُّبوَّة؛ وذلك بالرُّؤيا الصَّادقةِ في مَنامِه؛ فكان لا يَرى شيئًا في منامِه بالليلِ إلا تحقَّق صباحًا.
ثم حَبَّب اللهُ -سُبحانَهُ- إليهِ البقاءَ وحيدًا خاليًا يتفكَّرُ ويتدبَّر؛ فكان يَقضي شهرًا كامِلا مِن كلِّ عامٍ في غارٍ(3) قريبٍ من مكةَ اسمُه: «غارُ حِراء».


(6)

بعدَ ذلك بِفترةٍ زمنيَّةٍ ليست كبيرةً؛ بعثَ اللهُ -سُبحانَه- إليهِ ملَكًا(4) عظيمًا مِن ملائكتِه، اسمُه: «جِبريل»؛ فبلَّغهُ أوَّل آيةٍ مِن القُرآن الكريم، وهي:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1].
فعَلِم مِن ذلك أن اللهَ -سُبحانَهُ- اختارَه ليكونَ نبيَّ هذه الأمَّةِ ورسولَ ربِّها إليها.


(7)

فبدأ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يدعو النَّاسَ ممن حولَه إلى هذا الدِّينِ الجديد، وكانت دعوتُه سِرًّا؛ حَذرًا مِن الكفَّارِ الذين كانوا يَعبُدون الأصنامَ والحجارةَ!!
فكان مِن أوائلِ المُستَجيبينَ له: زوجتُه خَديجة، وابنُ عمِّه عليُّ بنُ أبي طالب، وصديقُه أبو بَكرٍ، وجماعةٌ قليلةٌ مِن قومِه.


(8)

ثم أمرَه اللهُ -سُبحانَهُ- بإعلانِ الدَّعوةِ إلى «الإسلامِ»؛ الذي هو دِينُ اللهِ -سُبحانَهُ- الذي ارتضاهُ ليكونَ آخرَ الأديانِ.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ [آل عِمران: 19].
وقال:
وَمَن يَّبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُّقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].
وكان هذا الدِّينُ مُخالِفًا لما عليهِ آباؤُه وأجدادُه، فدعا إلى عبادةِ اللهِ وحدَه، وإلى كَسرِ الأصنامِ وتحطيمِها؛ فهزَأتْ به قريشٌ وآذتْه؛ فصَبرَ صبرًا كبيرًا.
ولقد حَماهُ مِن أذَى قُريشٍ وبلائِهم عمُّه أبو طالبٍ، ودفعَ عنه شرَّهم. ومع ذلك؛ فلم يَقبلْ أبو طالبٍ الإسلامَ ومات كافرًا.


(9)

وبَدأ الإسلامُ بالانتِشارِ سريعًا، فآمَن به بعضُ أهلِ «يَثرِبَ»، وعادُوا إليها، ثم جاءَه منها اثنا عَشرَ رجلاً فآمَنُوا به، فبعثَ معهم بعضَ أصحابِه؛ ليعلِّمَهم أحكامَ الإسلامِ، وشرائعَ القُرآن، وبعدَ مُدَّةٍ وجيزةٍ انتشرَ الإسلامُ في «يَثرِبَ»؛ فجاءه منها جَمعٌ مِن أهلِها فدَعَوْه ومَن مَعه مِن أصحابِه إلى الهجرةِ إليهم مُعاهِدِين إيَّاه على الدِّفاعِ عنه ونُصرتِه.


(10)

استجاب النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دعوةَ أهلِ يَثرِب، فأمرَ أصحابَه بالخُروجِ مِن مكَّة، ثم لَحِقَهم، فلمَّا عَلِمتْ قريشٌ بِخبَرِ هِجرتِه؛ بعثتْ إليه مَن يَقتُله؛ فنجَّاه اللهُ -سُبحانَهُ- منهم.
فلما دخل «يَثربَ» -وقد سُمِّيتْ بعد ذلك «المدينةَ المنوَّرةَ»-؛ استقبلَه أهلُها، وبنَى فيها مَسجِدَه المشهورَ «المسجدَ النَّبَوي»، وجَهر بِنشرِ الإسلامِ والدَّعوةِ إليه.
وقد حاولتْ قريشٌ كثيرًا أن تَمنعَ دعوتَه مِن الانتِشار، واستَعملوا القوَّة في ذلك، لكنَّ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- كان يَنصرُهُ عليهم.


(11)

وكانتِ المعركةُ الأُولى بينه وبينَ قُريشٍ في «بدْرٍ» وهي موضِعٌ بِجانبِ المدينة، فنَصرَهُ اللهُ عليهم نصرًا كبيرًا.
وبدأتْ غَزْواتُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم- ومعارِكُه مع الكفَّارِ تزدادُ مع ازديادِ قوةِ الإسلام، فكانت «غزوةُ أُحُدٍ» و«غزوةُ الخندق» و«غزوةُ حُنَين» وغيرُها.


(12)

وفي سبيلِ نشرِ الإسلام؛ بعث النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- بعضَ أصحابِه إلى كِسرَى وقَيصر والنَّجاشيِّ وغيرِهم مِن عظماءِ الملوكِ يدعُوهم إلى الإسلام.


(13)

وفي السَّنةِ الثَّامنةِ للهجرةِ فتَحَ المسلمون «مكَّةَ» التي شهِدتْ أصلَ رسالةِ الإسلام، لكنَّ أهلَها حارَبوا نبيَّ الإسلام، وضايَقوه مُضايقةً كبيرة، وكانت حينئذٍ تُعَدُّ مِن أكبرِ أماكن تجمُّع المشركين والكفَّار مِن قريشٍ وغيرِهم.
وبفتحِ «مكَّةَ» أقبلتْ وفودُ العربِ على النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وهو بالمدينة، ودخل النَّاسُ في دينِ اللهِ أفواجًا(5).
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [سورة النَّصر].


(14)

وفي السَّنةِ العاشِرةِ حَجَّ حَجَّةَ الوداع، وخطبَ خُطبةً جليلةً تُعَدُّ مِن أطولِ خُطَبِهِ وأكثرِها استيعابًا لأمورِ الدِّينِ وأحكامِه وشرائِعِه.


(15)

وفي (12) ربيعٍ الأوَّل مِن السَّنةِ الحاديةَ عشرةَ للهجرة، تُوفِّي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بعد مَرضٍ أصابَه، ودُفن في بيتِه، وهو الآنَ يقعُ ضِمن تَوسيعاتِ المسجدِ النبويِّ الشَّريف.


(16)

ومِن حياتِه -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قولاً وفِعلاً، عِلمًا وعَملاً؛ وصَلَنا دينُ اللهِ -سُبحانَهُ- «الإسلامُ».
وبِطاعتِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ تكونُ الهِداية، ويكونُ الفوزُ والفَلاح.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النُّور: 54].


انتهى



_______________
(1) راجع «الإسلام مُيسَّرًا» (رقم7) بعنوان: (الرُّسل والأنبياء).
(2) هم مِن مخلوقات الله، لها قدرة أكبر من قدرة الإنسان، وهي لا تُرى.
(3) هو تجويفٌ يكونُ في الجِبالِ، يُشبِه البيتَ.
(4) راجع «الإسلام مُيسَّرًا» (رقم5) بعنوان: (الملائكة).
(5) جماعات.
منازعة مع اقتباس
  #4  
قديم 30-06-2011, 09:57 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-3-
الإِسـلامُ
(1)

عندما اختار اللهُ -سُبحانَهُ- نبيَّه محمَّدًا -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- ليكونَ خاتَمَ الأنبياء، كان دينُه -الذي هو الإسلامُ- الدِّينَ الذي ارتضاهُ اللهُ خاتمةً للأديان.
ففيهِ الهدايةُ.
وفيه الصَّفاءُ.
وفيه الخيرُ.
وفيه النَّجاةُ.

قال اللهُ -سُبحانَهُ-:

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19].
وقال:

وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].
(2)

وكلمةُ «الدِّين» تعني: «الطَّريقةُ والمنهَج».
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ [التَّوبة: 33].

فالدِّينُ: هو طريقةُ الحياةِ الإنسانيَّةِ العَمَليَّةُ، ومنهجُهمُ الفِكريُّ.


(3)
وربُّنا -سُبحانَهُ- هو خالِقُنا وعالِمُ حَقائقِنا.
فقال -سُبحانَهُ-:

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة: 255].
إذًا:

فاللهُ الخالقُ -سُبحانَهُ-: أعلمُ بما يُصلِحنا وما يَصلُحُ لنا، وأعلمُ بما يضرُّنا، وبما يُشقِينا.

(4)
فدِينُنا «الإسلامُ» هو الدِّينُ الذي اشتملَ على الهدَفِ العامِّ في هذه الحياةِ، وهو الدِّينُ الَّذي فيه تكريمُ الإنسانِ ووضعُهُ في منزلةٍ عاليةٍ كبيرة.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70].
وقال:

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التِّين: 4].
فالإنسانُ على هذه الأرضِ وفي حياتِه الدُّنيا: يُعَمِّرُ الأرضَ ويَبنِيها، ويتصرَّفُ بما خلقَ اللهُ فيها.
وهو في مُدَّةِ حياتِه يَقضِي فترةَ امتحانٍ، لمعرفةِ مَدَى التِزامِهِ بِطاعةِ ربِّهِ وتنفيذِ أوامِرِه.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ(1) أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف: 8].




(5)
وهذه الحياةُ التي نَحياها على هذه الأرضِ هي دارٌ نُقدِّمُ فيها أعمالاً افترضَها اللهُ علينا، ونَنْتَهي فيها عن أعمالٍ نَهانا اللهُ -سُبحانَهُ- عنها.
وبَعدَ انتهاءِ حياتِنا على هذه الأرض؛ تكونُ هناك حياةٌ أُخرى، فإمَّا إلى الجنَّةِ وإما إلى النَّار.
فمَن استجابَ لأوامرِ اللهِ وأطاعَه، وانتهى عمَّا نهاه اللهُ -سُبحانَهُ- عنه؛ فهُو مِن أهلِ الجنَّةِ.

ومَن عَصى أوامِرَ اللهِ، ولَم يَسْتَسلِمْ لِطاعتِه وأحكامِه؛ فهو مِن أهلِ النَّار.
(6)
ودِينُنا «الإسلامُ» شامِلٌ لكلِّ نواحي الحياة؛ فهو لم يُهمِلْ جانبَ الدُّنيا، بل جعلَ له نَصيبًا وافِرًا حَكَمَ فيه أحْكامًا فيها صلاحُ هذه الدُّنيا وصلاحُ أهلِها.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:

وَابْتَغِ(2) فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفسِدِينَ [القَصص: 77].

(7)
ولِديننا الإسلاميِّ العظيمِ خصائصُ ومَيِّزاتٌ جَعلتْ كثيرًا مِن الكفَّار والمشرِكين يَدخلون فيه، ويَلتزِمونَ بأحكامِه، فهو الدِّينُ القيِّم.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:

أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [يوسف: 40].
وهو -أيضًا- دِينُ الحياةِ الإنسانيَّةِ الرَّفيعة، فكم سَعِد النَّاسُ به طوال قُرونٍ(3) عديدةٍ وسَنواتٍ مَديدة(4)، وكم شَقِي أُناسٌ وتَعِسُوا لمخالفتِهم له، وتَرْكِهِم لأوامِرِه وأحكامِه.

ولقد كان المسلمونَ أرقى الأُمَمِ وأعزَّ الشعوبِ وأسعَدَها بِقَدْرِ ما كانوا مُتمسِّكين بِدِينِهم.




(8)
و«الإسلامُ»؛ يعني: الاستِسْلام؛ فالمسلمُ مُسْتَسْلِمٌ لأوامرِ الله، مُنفِّذ لأحكامِه.

(9)

ولقد أكرَم اللهُ -سُبحانَهُ- خَلْقَه جميعًا بهذا «الإسلام»؛ فهو الدِّينُ الكامِل، والمنهجُ الشامِلُ، فلا يستطيعُ أحدٌ مَهما أوتِيَ مِن علمٍ ومعرفةٍ أنْ يجدَ في هذا «الإسلامِ» العظيمِ نَقصًا؛ فَلَقد أتَمَّهُ اللهُ -سُبحانَهُ- كما قال في القُرآنِ الكريمِ:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].
فالحمدُ للهِ على نعمةِ الإسلامِ.


انتهى

_______________
(1) لنختَبِرَهُم ونَمتَحِنَهُم.
(2) واطلُب.
(3) القَرْنُ: مِئةُ سنة.
(4) طويلة.
منازعة مع اقتباس
  #5  
قديم 30-06-2011, 10:07 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-4-
العِبــادة

(1)
إذا عَرَفنا أننا لم نُوجَد في هذه الحياةِ عبثًا، وأنَّ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- هو خالِقُنا العظيم، وأنَّه أرسل نبيَّه محمَّدًا -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- إلى كلِّ الخَلقِ يدعوهم إلى دِينِ الإسلام؛ نَعلَمُ أنَّه واجبٌ علينا أنْ نعبُدَ هذا الرَّبَّ العظيمَ عبادةً يَرضَى بها عَنَّا؛ لِنفوزَ بالجنَّة، ونَبتعِدَ عن النار.

(2)
فالعِبادةُ: هي الاسْتِسْلامُ لأوامرِ الله، و القيامُ بما فَرَضَه اللهُ علينا، أو نَهانا عنهُ.
ومِن أنواعِ العبادةِ المفروضةِ علينا: الصلاةُ، و الصِّيامُ، وبِرُّ الوالدَيْن، والإحسانُ معَ النَّاس.
ونَهانا اللهُ -سُبحانَهُ- عن أشياءَ قبيحةٍ سيِّئةٍ؛ مِنها: السَّبُّ، وإغضابُ الوالِدَيْن، والسَّرِقةُ، والإساءةُ إلى الآخَرين.

(3)
وقد يَسألُ الواحدُ مِنَّا نفسَه:
لماذا نعبُدُ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- وَحدَهُ؟
فالجوابُ الوحيدُ:
لأنَّ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- هو الخالِقُ وَحدَهُ لِهذا الكونِ الذي نَراهُ؛ بأرضِه وسَمائِه، وجِبالِه وأنهارِه، وإِنْسِهِ، وحَيوانِه.
فهُو -سُبحانَهُ وتَعالَى- المالِكُ لِكلِّ مَخلوق، المُوجِدُ لكلِّ الأشياءِ والخلائقِ مِن العَدَمِ والفراغ.
وأيضًا:
فنحنُ نعبُدُ اللهَ وحدَه؛ لأنهُ أعْطانا -بعدَ أنْ خَلَقَنا- نِعَمًا كثيرة، وسخَّرَ(1)لنا جَميعَ ما أحلَّ لنا مما خَلَقَ في هذه الأرض.
فهُو الذي يَملِكُ كلَّ شيء؛ مِن أنفُسِنا، ومِمَّا نتمتَّعُ به.

(4)
انظُرْ إلى نفسِكَ:
هل تَملِكُ يدَيْكَ؟
هل تَمْلِكُ رِجلَيْكَ؟
هل تَمْلِكُ أيَّ جُزءٍ مِن أجزاءِ جِسمِكَ؟
الجوابُ الوَحيدُ: لا، لا أملِكُ شيئًا مِن هذا.

(5)
لماذا لا تَمْلِكُ شيئًا مِن أجزاءِ جِسمِك، وأنتَ إذا أردتَ أنْ تُمْسِكَ شيئًا أمْسَكْتَه بِيدَيْك!
أو أردتَ أنْ تذهبَ إلى مكانٍ تذهبُ على رِجْلَيْكَ!
أو أردتَ أنْ تنظُرَ إلى شيءٍ نَظَرتَ بِعيْنَيكَ!
لماذا هي لَكَ وأنتَ لا تَملِكُها؟

(6)
لأنكَ مخلوقٌ للهِ.
فاللهُ هو الذي خلَقَكَ: بِيَديْكَ، ورِجْلَيك، وعَيْنَيك، وكلِّ أعضاءِ جِسْمِك.
فأنتَ لم تَخلُقْ شيئًا مِن جِسمِكَ!
ولم تَخلُقْ شيئًا مِمَّا تَراهُ أمامَك!
وكلُّ النَّاسِ -أيضًا- لَم يَخلُقُوا أنفُسَهُم، أو شيئًا غَيرَهُم.
فالخالقُ هُو اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-.

(7)
فكلُّ ما تراهُ أمامَك؛ مِن إنسانٍ، أو حَيوانٍ، أو جَمادٍ، وكلُّ ما تتمتَّعُ به، أو تَعمَلُهُ؛ ليس مُلْكَكَ، إنَّما هُو مُلْكُ خالِقِه ورَبِّه.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: 189].
وقال:
وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [آل عمران: 109].
وقال:
إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ [التوبة: 116].

(8)
فالمالِكُ لنا، ولكلِّ شيءٍ في الوُجودِ هُو الذي تَجبُ علينا طاعَتُه، وفَرْضٌ علينا عِبادَتُه دون سِواه.
لِذلكَ نحنُ نَعبدُ اللهَ.
ونحن نَعبدُ اللهَ حُبًّا لهُ -سُبحانَه-.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ [آل عمران: 31].
ونحنُ نعبُدُ اللهَ -سُبحانَهُ- طَمَعًا في جَنَّتِه.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالمغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة: 221].
ونحنُ نعبُدُ اللهَ ابتِعادًا عن نارِهِ وخَوفًا مِنها.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران: 192].
فمَنْ هُو الفائزُ في هذهِ الدُّنيا؟
ومَن هُو الخاسِر؟

(9)
الفائِزُ هُو المُنَفِّذُ لأوامِرِ اللهِ وفَرائِضِه.
الفائزُ هُو الذي يَعبُدُ اللهَ -سُبحانَهُ- حَقَّ العِبادَةِ.
الفائزُ هُو الذي يَبتعِدُ عمَّا يُغضِبُ اللهَ مِمَّا نَهانا عنهُ.
والخاسِرُ هُو الذي يَعصي اللهَ، ويُخالِف أوامِرَه وفرائِضَه.
الخاسِرُ هُو الذي لا يقومُ بِعبادةِ اللهِ -سُبحانَه-.
الخاسرُ هُو الذي يرتكبُ المناهِيَ والمعاصِي، ويَفعلُ الأشياءَ التي نَهانا عنها ربُّنا وخالِقُنا -سُبحانه-.
هذا هُو الخاسِرُ الحقيقيُّ.
وذاكَ هُو الفائِزُ الحقيقيُّ.
يقولُ اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران: 185].

(10)
ومِن أنواعِ العبادةِ الْمُهمَّةِ التي يُخْطِئُ كثيرٌ مِن الناسِ فيها:
الدُّعاءُ.
قال اللهُ تَعالى:
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(2) [غافر: 60].
وقال النَّبيُّ محمدٌ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
«الدُّعاءُ هُو العِبادةُ ».
فأنتَ إذا أردتَ أنْ يُعطيَكَ اللهُ شيئًا؛ دَعَوْتَهُ، وقلتَ:
«يا رَبِّ أدخِلْني الجنَّةَ».
«يا رَبِّ نَجِّني مِن النَّارِ».
«يا رَبِّ اغفرْ لِوالِدَيَّ».
وهَكذا، في كلِّ الأمورِ مِن شُؤونِ الدُّنيا والآخِرَةِ.
فإنَّك عندما تدعُو اللهَ -سُبحانه-؛ تعتقدُ يَقينًا أنه وحدَهُ خالِقُكَ ومالِكُكَ، والقادِرُ على استجابةِ دُعائِكَ.
فَدُعاؤُك اللهَ -سُبحانَهُ- هُو خُلاصةُ عِبادتِك، وصِدقُ إيمانِك باللهِ -سُبحانه-.
لذلك فأنتَ تدعُو اللهَ وحدَهُ، لا تدعُو أحَدًا مِن خَلْقِه، ولا تَسألُ أحَدًا مِن خَلْقِه، ولا تَستَغيثُ بأحدٍ مِن خَلْقِه.


- تم بحمدِ اللهِ -


______________
(1) سخَّر: هيَّأ وذلَّل.
(2) داخِرينَ: أذِلاّء.
منازعة مع اقتباس
  #6  
قديم 30-06-2011, 10:09 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-5-
الـملائِكــة

(1)

ومِن أهمِّ أركانِ إيمانِنا باللهِ -سُبحانَه-: الإيمانُ بالملائِكة، والتعرُّفُ إلى حقيقَتِهم، وما كلَّفَهُم اللهُ -سُبحانَهُ- به.
فبِإيمانِنا بالملائكةِ نَعرفُ أُمورًا مُهمَّةً كثيرًا ما تَساءَلْنا عنها، وأحْبَبْنا الوُقوفَ على حَقيقَتِها.


(2)
والملائكةُ هُم: خلقٌ مِن خَلْقِ الله، غَيْبِيٌّ، غيرُ مَحسُوسٍ، ليس لَهُم وُجودٌ جِسمانيٌّ يُدرَكُ بالعُيونِ أو بالأيْدي.
وَقد طهَّرهُم اللهُ -سُبحانَهُ- مِن الخطأِ والانْحِراف، ونزَّهَهُم عن الخطايا والذُّنوب.
وهُم -أيضًا- ليسُوا كالنَّاسِ المُعتادِين، فَهُم لا يَأكُلون، ولا يَشرَبُون، ولا يَنامُون؛ إذْ هُم عالَمٌ آخَرُ مُختلِفٌ عن عالَمِ البَشرِ والنَّاسِ الَّذين نَراهُم.


(3)
وأهمُّ ما يُميِّزُ الملائكةَ عن النَّاسِ: كثرةُ عِبادَتِهِم لله؛ فَهُم دائمُو العِبادة، لا يَكْسَلون عنها.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].
وقال:
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ(1) [الأنبياء: 20].
فهُم مِن صَفْوَة خَلْقِ اللهِ -سُبحانَهُ وتَعالَى-؛ لِذا اختارهُم اللهُ لأشرفِ الوظائف.


(4)
وهل هُناكَ وظيفةٌ أشرفُ مِن تَبليغِ الشَّرائعِ للأنبياءِ والرُّسُل؛ لِيَدْعُوا بِها النَّاسَ إلى عبادةِ اللهِ وَحْدَه؟
فهذهِ الوظيفةُ الشَّريفةُ اختصَّ اللهُ -سُبحانَهُ- بها الملائكةَ.
قال اللهُ -سُبحانَه-:
الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ(2) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ المَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فاطر: 1].
ولَم تَكُنْ هذه الوظيفةُ لهُم لولا وُجودُ تلك الصِّفاتِ العظيمةِ المميِّزةِ لهم عن سائرِ خلقِ اللهِ -سُبحانَهُ-.

(5)
ومِن صفاتِ الملائكةِ الخَلْقِية التي أخبرنا اللهُ -سُبحانَهُ- بها في القُرآن العظيم؛ أنَّ لَها أجنحةً -كما في الآية السَّابقة-.
وهذه الأجنحةُ ذاتُ أعدادٍ مُختلفة، فمِنهم مَن له جَناحان، ومنهم مَن له ثلاثة، أو أربعة، بل إنَّ مِنهم مَن له أكثرُ مِن ذلك بِكثيرٍ؛ وهو جِبريلُ -عليه السَّلام-؛ فقد ورد عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- أنه رَأى جبريلَ لهُ سِتُّمائة جَناح.

(6)
ومِن صفاتِهم -أيضًا- أنهم قادِرون على الصُّعودِ والهبوط بين السَّماواتِ والأرضِ بِسُرعةٍ عظيمةٍ.
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
تَعْرُجُ(3) المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ(4) إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 4].
وسُرعةُ الملائكةِ لا تُقاسُ بِسُرعةِ البَشرِ أو مَقايِيسِهِم؛ فلا وَجْهَ للشَّبَهِ أو المقارنةِ بينهما.

(7)
ومِن صِفاتِهم -أيضًا-:
أنهم مَخلوقون مِن نُورٍ؛ كما ورد عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-.
ولهم قُدُراتٌ خارِقةٌ عجيبةٌ لا يَستطيعُها أعاظمُ الرجالِ مِن البَشَر؛ مِن ذلك أنَّ ثمانيةً منهم يَحمِلون عَرشَ الرحمنِ -سُبحانَهُ وتَعالَى-.
يقولُ اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة: 17].

(8)
ومِن الملائكةِ: ملائكةٌ كلَّفهمُ الله -سُبحانَهُ- بِقَبضِ أرواح النَّاس عند موتِهم.
وسيِّدُ هؤلاءِ الملائكةِ «مَلَكُ الموتِ»، وله أعوانٌ مِن الملائكة.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ المَوتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [السجدة: 11].
وقال -سُبحانهُ-:
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ [الأنعام: 61].

(9)
ومِن الملائكةِ: ملائكةٌ يُرسلهم اللهُ -سُبحانَهُ- لِنُصرةِ المؤمنين مِن البَشر.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال: 12].
فإيمانُنا بهذا النَّوعِ مِن الملائكةِ يَجعلُنا نَعملُ على أن نستحقَّ مِن اللهِ تثبيتَه لنا بالملائكة.

(10)
ومِن الملائكةِ: ملائكةٌ جعلهم الله مُلازِمِين لنا، يَكتُبون أعمالَنا، ويُحصُون ما نقوم بِه مِن خيرٍ أو شَرٍّ.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف: 80].
فإيمانُنا بهذا النَّوع من الملائكةِ الكاتِبين الملازِمين لنا؛ يجعلنا في يقظةٍ دائِمة، وانتِباهٍ مُستمِرٍّ؛ فنحذَرُ مِن الوُقوعِ في الشَّرِّ؛ حتى لا يُسجِّل الملائكةُ الكاتِبون ذلك علينا.
وهذا -أيضًا- يَجعلُنا في أملٍ دائمٍ ورغبةٍ وافِرةٍ لِفعلِ الخَيرات، وعمل الطَّاعات؛ فتكتُبُها الملائكة، ويُسجِّلها الكاتِبون.

(11)
وخلاصةُ القَول:
أنَّ الإيمانَ بالملائكةِ توسيعٌ لِمعارفِ الإنسانِ عن نِظامِ هذا الكونِ الذي خَلَقَه اللهُ -سُبحانَهُ- على صُوَرٍ مُتعددةٍ وأنواعٍ مُختلفة.
فيكونُ لدى المؤمن معرفةٌ صحيحة، وإدراكٌ سليمٌ لِكثيرٍ مِن حقائقِ الكونِ الغائبة، عَرَفها المؤمنُ بما علَّمه اللهُ إيَّاه . .
وهذا الإيمانُ نفسُه يُعرِّفُنا أنَّ الذين يَعصُون الله في هذا الكَون قليلون، لا نِسبةَ لهم تُذكَرُ مُقارنةً مع خَلْقِ الله -وإن كانوا كثيرِين في بَنِي البَشر-؛ فإنَّ البشرَ كلَّهم ليسُوا إلى جانبِ الملائكة وبقيةِ مخلوقاتِ اللهِ الطائعةِ إلا قليلاً.
والطَّائِعون -فقط- هُم الَّذين يَرضَى اللهُ عنهم ويُدخلُهم جَنَّتَه.




_______________
(1) يَفتُرون: يكسَلون.
(2) فاطِر: خالِق.
(3) تعرُج: تصعَدُ.
(4) الرُّوح: جِبريل.
منازعة مع اقتباس
  #7  
قديم 21-07-2011, 02:06 AM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

- 6 -
القُـرآن الكـريـمُ

(1)

القرآنُ الكريمُ هو الكتابُ الذي أنزلَه اللهُ -سُبحانَهُ- مِن السَّماءِ على نبيِّنا محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، وفيه الهدايةُ كلُّها، والنُّورُ كلُّه، إذْ هو يَحوي كلامَ اللهِ -سُبحانَهُ- المتضمِّنَ لصلاحِ الخَلْق، وخيرِ البشرِ والعالَم أجمعَ.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ [الإسراء: 9].


(2)

وكلمةُ (القُرآن) أصلُها مِن: (قرأَ، يَقرأ)، أي: أظهرَ وبيَّن؛ فالقُرآنُ بيانٌ عظيمٌ، وإظهارٌ جَلِيل، فيه صَفوةُ ثمراتِ الكُتبِ السَّابقةِ له؛ كالتَّوراةِ التي أنزلَها االلهُ على اليهود، أو الإنجيلِ الذي أنزلَه اللهُ على النَّصارى.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ(1) بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ(2) وَمُهَيْمِنًا(3) عَلَيْهِ [المائدة: 48].


(3)

والقُرآن الكريمُ هو كلامُ ربِّ العالمينَ -جلَّ وعَلا-، لكنَّ هذا الكلامَ ليس كَكَلام الخَلْق، لا؛ فكلامُ الخالقِ يختلفُ عن كلامِ الخلْقِ ولا يُشبِهُه.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11].
وقال:
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا(4) مِنْ خَشْيَةِ اللهِ [الحشر: 21].


(4)

والقرآنُ الكريمُ كتابُ هداية؛ فهو يَدْعونا إلى التَّفكُّر في آيات اللهِ -سُبحانَهُ-، والاعتبارِ بِخَلْقِه، والتَّأملِ في مَخلوقاتِه، والتَّعرُّفِ على الحلالِ والحرام؛ لفِعل الخيراتِ، واجتنابِ السيِّئات.
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ(5) الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24].
وقال:
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(6) [القمر: 17].


(5)
ولقد أنزلَ الله -سُبحانَهُ وتَعالَى- القرآنَ العظيمَ إلى السَّماء الدُّنيا في ليلةِ القَدْر، وهي ليلةٌ مِن ليالي شهرِ رمضانَ المبارَك، ثم -بعد ذلك- أرسل مَلَكَهُ العظيمَ جبريلَ ومعه آياتٌ كريمةٌ مِن القُرآنِ الكريمِ إلى رسولِنا محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، ثم تَتابع نزولُه عليه سنواتٍ كثيرةً.
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ - لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 1-3].


(6)

نعم، إنَّ هذه الليلةَ المباركةَ خيرٌ مِن ألفِ شهر؛ لأنَّها ليلةُ نزولِ الكتابِ الكريمِ، والذِّكر الحكيم، والنُّور الحقِّ، على رسولِ الخير و الهُدى، رسولِ ربِّ العالمين.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185].


(7)

ولقد استمرَّ نزولُ القرآنِ على النبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- أكثرَ مِن عشرين سنةً!
فما هو السَّببُ في ذلك؟!
إنَّ ذلك تكريمٌ وتشريفٌ للرَّسولِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-؛ فهو -بهذا- يشعرُ أنه مَحَلُّ العنايةِ الإلهيَّة والرِّعايةِ الرَّبَّانيَّة، وأن ربَّه ومولاه لا يَنساه، فهو خالِقُه ورازقُه وحامِيه.


(8)

والقُرآنُ العظيمُ فيه إعجازٌ للبَشر، وإعجازٌ للخَلْق؛ فهو كتابُ اللهِ الذي لا يَستطيعون أنْ يأتوا بِمِثلِه، أو يتكلَّموا بِما يُشبِهُه.
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ(7) مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: 23].
ولن يَستطيعوا إلى ذلك سبيلًا.
فهم أقَلُّ وأقلُّ مِن أن يَفعلوا ذلك، بالرُّغم مِن أنَّهم العربُ الفُصحاءُ الذين نَزَل القرآنُ الكريمُ بِلُغتِهم وما يَعرِفونه، لكنَّهم -مع ذلك- عَجزوا عن ذلك، ولم يَقدِروا عليه.
قال الله -سُبحانهُ-:
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت: 3].


(9)

والقرآنُ العظيمُ كتابُ هدايةٍ وإرشاد.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت: 44].
وهذه الهدايةُ القُرآنيَّةُ مشتملةٌ على أقسامٍ ثلاثةٍ عمَّتْ جميعَ ما يُصلِحُ النَّاسَ في شأنِ دُنياهم وأمورِ معاشِهم:
القسمُ الأول:
يتناولُ العقائدَ التي يجبُ على النَّاس معرفتُها، والإيمانُ بها؛ كالإيمانِ بالله، وملائكتِه، وكُتبِه، ورسُلِه، واليوم الآخِر.
القسمُ الثَّاني:
يتناول الأحكامَ الشَّرعيَّةَ التي مِن خلالِها يَعبُد النَّاسُ ربَّهم، ويعرفون ما إلى الله يُقرِّبُهم، وينتَهون عما عنه يُبعِدُهم.
القسمُ الثَّالثُ:
هو المعاملاتُ المهذِّبةُ للنَّاس فيما بينهم، فهي تُهذِّب النَّفسَ المؤمنةَ وتطهِّرها، وترفعُ مِن شأنِها، وتُقوِّي روابطَ
الإخاء، وتثبِّتُ مجالاتِ التعاونِ بين البَشَر.
ومِن هذه الأخلاقِ: الصِّدقُ، والصَّبر، والرَّحمة، وبِرُّ الوالِدَيْن، وغيرها.


(10)

فعلينا بالقرآنِ الكريم:
نقرؤُه.
ونتدبَّرُ آياتِه.
ونفهم أوامرَه وأحكامَه.
ونطبِّقُ شرائعَه وفرائضَه وواجباتِه.
وننتهي عما يُغضِبُه مما نَهانا عنه، ولم يرضَه لنا.


_________________
(1) الكِتاب: القُرآن.
(2) ما بين يديه من الكتاب: التوراة والإنجيل.
(3) مُهيمِنًا: مُسيطِرًا.
(4) مُتَصَدِّعًا: متشقِّقًا.
(5) يتدبَّرون: يتفكَّرون.
(6) مُدَّكِر: مُتَّعِظ ومعْتَبِر.
(7) رَيْب: شَكّ.
منازعة مع اقتباس
  #8  
قديم 21-07-2011, 02:07 AM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

- 7 -
الرُّسُل والأَنبياءُ

(1)
لما خَلَق اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى- خَلْقَه كلَّهم؛ استخلَصَ مِن الإنسِ بعضَ الرِّجال؛ ليُحمِّلَهم أمانةَ تبليغِ أوامرِه -سُبحانهُ-، وإعلامِ النَّاسِ بما يَطلبُه منهم ربُّهم، وبما يَفرِضُه عليهم، ويَنهاهُم عنه.
قال اللهُ -عزَّ شأنُه-:
إِنَّ اللهَ اصْطَفَى(1) آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران: 33].
وقال -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25].

(2)
فالغرضُ الأساسِيُّ الذي مِن أجلِه بعثَ اللهُ الرُّسُلَ وأرسلَ الأنبياءَ هو دَعوةُ النَّاسِ إلى عبادةِ اللهِ وإقامةِ دينِه.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ(2) [النحل: 36].
وليستْ إقامةُ الدِّين الصَّلاةَ والصِّيامَ فقط؛ بل هِي كلُّ ما أمَر اللهُ به عبادَهُ أن يُؤمِنوا به في قلوبِهم، أو يُنفِّذُوهُ في أفعالِهم وأعمالِهم.
فإقامةُ الدِّينِ تتطلَّبُ الإيمانَ بالله، وملائكتِه، وكتُبِه، ورُسُلِه، و اليومِ الآخِر، وتتطلبُ الأعمالَ الصالِحَة، والفرائضَ المطلوبة؛ كالصَّلاةِ، والصِّيام، ونحوِهما مما فَرضَه اللهُ على عِبادِه.

(3)
وهذه الفرائضُ والأوامرُ والتَّعاليمُ؛ لا يُمكِنُ للخلائقِ أنْ يَصِلُوا إليها بعقولِهم وحْدَها؛ دون إعلامٍ مِن اللهِ -سُبحانَهُ- لهم بِها، وإنَّما يتعلَّمونَها بِوَحْيِ اللهِ -سُبحانَهُ- إلى رُسُلِه، وبِتبليغِ رُسُلِ اللهِ إليهم أوامِرَ ربِّهم -عزَّ شأنُه-.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ(3) رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ(4) وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الجمعة: 2].
فمَنِ استجابَ لِرُسُلِ اللهِ وأنبِيائِه؛ فهو مِن الفائِزين، ومَن رَفَض قولَهُم، ولم يَقبَل دَعوتَهم؛ فهو مِن الخاسِرِين.

(4)
ولقد أوجَبَ اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى- على المسلمِ أنْ يُؤمِنَ بِجميعِ رسُلِ اللهِ وأنبيائِه، دون أنْ يُفرِّقَ بين واحدٍ وآخَر؛ فالكُلُّ مِن اللهِ مُرسَلون، ولِخَلْقِه مَبعوثُون.
قال ربُّنا -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 136].
وقال -سُبحانهُ-:
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 285].

(5)
أمَّا إذا آمَن واحِدٌ مِن الناسِ ببعضِ الرُّسُل، ولكنه لم يُؤمنْ ببقيَّتِهم؛ فهو مُفرِّق في الإيمانِ بهم؛ فهُو كافِر، لا يُدخِلُه اللهُ -سُبحانَهُ- الجنَّةَ؛ إنما يُعذِّبُه في نارِ جهنَّم -والعياذُ بالله-.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا - أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [النساء: 150-151].
فهذا الإيمانُ المفروضُ على المسلمِ يَجعلُه يَعرفُ أقدارَ الرُّسُلِ والأنبياءِ الذين سبقتْ رِسالاتُهم نُبوَّةَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، فيؤمنُ بهم جميعًا، ويعرفُ الرِّسالةَ والنُّبوَّةَ الخاتمةَ للرِّسالاتِ والنُّبوَّات، ألا وهي رسالةُ النبيِّ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-.

(6)
وهؤلاءِ الرُّسُل والأنبياءُ منهم مَن ذَكَرَهُ اللهُ -سُبحانَهُ- في القُرآنِ العظيمِ، ومنهم مَن لَم يَذكُرْه.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء: 164].
والذين قصَّهم اللهُ علينا في القرآنِ العظيمِ هُم:
إبراهيم، إسحاقُ، يَعقوب، نُوح، داوُد، سُليمان، أيُّوب، يوسُف، موسَى، هارُون، زكريَّا، يَحيى، عِيسَى، إِلْياس، إسْماعِيل، الْيَسَع، يونُس، لُوط، هُود، صالِح، شُعَيْب، إِدْرِيس، ذُو الكِفْل، آدمُ.
فهؤلاءِ أربعةٌ وعِشرون نبيًّا، قصَّهم اللهُ -سُبحانَهُ- علينا في القُرآنِ العظيم.

(7)
والخامسُ والعشرون منهم هو خاتَمُهم، وآخِرُهم، وسيِّدُهم، وهو رسولُ الإسلامِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-، المبعوثُ رحمةً للعالَمين، الذي قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى- فيه:
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40].
وقد قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- عن نفسِه:
«أنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدمَ وَلا فَخْرَ».

(8)
ويجبُ على المسلمِ أنْ يعلمَ أنه ما مِن أمَّة مِن الأمَمِ السَّابقةِ في جميعِ العُصورِ الماضيةِ إلا وقد أرسلَ اللهُ -سُبحانَهُ- إليها رَسولًا يَدعُوها إلى اللهِ ويُرشِدُها إلى الحق.
قال اللهُ -سُبحانهُ:
وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 24].
وقال -جلَّ شأنُه-:
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ [يونس: 47].
وقال:
تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ [النحل: 63].
وهؤلاء الرُّسُلُ جميعًا -وإنْ لم تُذكرْ أسماؤُهم في القُرآنِ العظيم-؛ فيجبُ الإيمانُ بهم إيمانًا مُجْمَلًا.

(9)
والرسولُ الذي يبعثُه اللهُ -سُبحانَهُ- إلى أمَّتِه هو بَشرٌ مِن جِنس الأمَّةِ نفسِها، لكنَّ فيه صفاتٍ جَليلةً، ومزايا كريمة، لا تتوفرُ إلا فيه مِن أمَّتِه.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا(5) وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج: 75].
وقال -سُبحانه-:
اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام: 124].
فالنُّبوَّةُ أو الرِّسالةُ مِنحةٌ غاليةٌ مِن اللهِ -سُبحانَهُ-، يَخُصُّ بِها بعضًا مِن عِبادِه، وهم -كما ذكرتُ- ذَوُو خصائصَ فاضِلة، وفضائلَ كامِلة؛ ليستَطيعوا القيامَ بواجباتِ الرِّسالة، ولِيَكونوا مثالًا كريمًا يُقتدَى به في أمورِ الدِّين والدُّنيا.

(10)
والرَّسولُ -لكونِه بَشرًا مخلوقًا لله- يتعرَّض لِمَا يتعرَّضُ له غيرهُ مِنَ الصِّحَّةِ والمرض، والقُوَّة والضَّعف، والحياةِ والموت.
قال الله -سُبحانهُ-:
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ(6) وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا [آل عمران: 144].

(11)
وأيُّ رسولٍ مِن الرُّسلِ السَّابقِ ذِكرُهُم -لِكونِه بَشرًا مَخلوقًا للهِ- لا يتصرَّفُ في الكَوْن، ولا يَملِكُ النفعَ أو الضُّر، ولا يؤثِّرُ في إرادةِ الله، ولا يعلمُ مِن الغَيبِ إلا ما علَّمَه اللهُ إيَّاه؛ كما قال -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188].

(12)
الأنبياءُ جميعًا -صلواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم- كانوا ذَوِي غايةٍ واحدة، وهدفٍ واحد؛ ألَا وهو: إنقاذُ النَّاسِ مِن الضَّلال، وإخراجُهُم مِن الظُّلماتِ إلى النُّور؛ فكانُوا -عليهم الصَّلاةُ والسَّلام- دعاةَ خَيرٍ، وأئِمةَ إصلاحٍ، كما وَصفَهُم ربُّنا -سُبحانَهُ- في القرآنِ:
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء: 73].
وكان كلُّ واحدٍ منهم يأتي بعدَ الآخَرِ ليُتَمِّمَ دَعْوَتَه، ويُكمِل طريقَه، حتى تَمَّمَ اللهُ دِينَه، وختمَ رُسُلَه وأنبياءَه بِخاتَمِهم وسيِّدِهم؛ رسولِ اللهِ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، فكان دينُه خُلاصةَ الأديانِ السَّابقة، وكانت دعوتُه هي الدعوةَ التامةَ الباقيةَ إلى قيامِ الساعة، كما قال -سُبحانَهُ وتَعالَى- في القرآنِ العظيم:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3].

-تم بحمد الله-

_____________
(1) اختار واستخلص.
(2) هو كُل ما يُعبَد مِن دونِ الله.
(3) وهم العرَب الذين أرسلَ اللهُ إليهم نبيَّهُ محمدًا .
(4) أي: يجعلُ قلوبَهم طاهِرةً وأعمالَهُم طَيِّبةً.
(5) لتبليغِ أوامِر الله إلى الإنسِ مِن الرسُل؛ ليقومَ هؤلاءِ بتبليغِ شرائِع اللهِ وأوامِره إلى بقيةِ الخلْق.
(6) أي: حَصلَ لكم ضَعفٌ وتَراجُع بسببِ ذلك.
منازعة مع اقتباس
  #9  
قديم 21-07-2011, 02:08 AM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

- 8 -
اليـومُ الآخِـرُ

(1)

الإيمانُ باليومِ الآخرِ ركنٌ أساسيٌّ مِن أركانِ الإيمان، وجزءٌ هامٌّ مِن أجزاءِ معرفةِ العبد بِربِّه.
كيف لا؛ وهو الذي يُحققُ للإنسانِ معرفةَ المصيرِ الذي سينتهي إليه هذا الوجود؛ بِبَرِّهِ وبَحْرِه، وسُهوله وجِباله، وإنْسِه وحيوانِه، والخلقِ كلِّه بِصُوَرِه كلِّها؟

(2)
فإذا عرف الإنسانُ ما سيصيرُ هو إليهِ بِمالِه وشبابِه، وبِدارِه وأبنائه؛ يُمكِنُ له -حينئذٍ- أن يعيشَ حياتَه كما يُريدُ اللهُ -سُبحانهُ- مِنهُ؛ مِن عبادةٍ وطاعةٍ وفَريضةٍ افترضها ربُّه عليهِ، ويُمكنُ له -أيضًا- أن يُحدِّد هدفَه مِن هذهِ الحياة، وأن يتَّخذَ مِن الوسائلِ والذَّرائع والأساليبِ ما يُوصِلُه إلى الهدَف، ويَبْلُغ به الغاية.
أمَّا الذي فقد هذه المعرفة، ولم يقفْ عليها، ولم يوقِن قَلبُه أنَّ لهذه الحياةِ يومًا آخِرًا، به تكون نهايتُها وخاتمتُها؛ فإنَّ حياتَه ستكونُ حياةً لا قيمةَ لها، ولا هدفَ لها، ولا غايةَ منها.

(3)
ولقد بيَّن لنا ربُّنا -سُبحانهُ وتَعالَى- في القُرآنِ العظيم أنَّه لم يَخلقْ خَلقَهُ مِن غير هدفٍ كبير، ولا غايةٍ سامية؛ بل خَلَقَهم لأسمى هدف، وأكملِ غاية.
وإن ربَّنا -سُبحانهُ- لما خلقَ الإنسانَ؛ سخَّر(1) له ما في السَّماوات وما في الأرض، وجعله سيِّدًا للأرضِ وما فيها، فهل هذا كلُّه كان دون غايةٍ أو غرض؟
هذا شيءٌ يتنزَّهُ اللهُ -سُبحانهُ- عنه.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ - فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون: 115-116].

(4)
يبدأ اليومُ الآخِرُ بفَناء عالَمِنا هذا، فيموت كلُّ مَن فيه مِن الأحياء، وتتبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض والسَّماوات.
ثم يُحيي اللهُ -سُبحانهُ وتَعالَى- مَن في القُبور مِن الأموات، ويَرُد إليهم الحياةَ مرةً أخرى.
قال الله -سُبحانهُ وتَعالَى-:
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى - أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً(2) مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى - ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً(3) فَخَلَقَ فَسَوَّى - فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى - أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة: 36-40].

(5)
وبعد هذه الحياةِ الأُخرى، يُحاسبُ اللهُ -سُبحانهُ- كلَّ فَردٍ من النَّاسِ على ما عمِل في حياتِه الدُّنيا مِن خيرٍ أو شرٍّ.
فمَن كان خيِّرًا في الدُّنيا: يعمل الخَير، ويقوم بالأعمالِ الصَّالحة؛ فيكافئهُ اللهُ على عَملِه هذا بالجنَّة.
ومَن كان سيِّئًا في الدُّنيا: يعمل الشَّرَّ، ولا يؤدِّي ما فرضه اللهُ عليه مِن الصَّالحات؛ فيَجزيهِ اللهُ جزاءَ ما قدَّمَ مِن سوءِ عملِه نارَ جهنَّم.

(6)
والإيمانُ باليوم الآخِر مُهمٌّ جِدًّا، وتظهرُ أهميتُه بصورةٍ واضحة عند قراءةِ الآياتِ القرآنيَّةِ التي ذَكَرَتْه:
قال الله -سُبحانهُ وتَعالَى-:
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ [البقرة: 177].
فأورد اللهُ ذِكرَ اليومِ الآخِر مع الإيمانِ به -سُبحانهُ-، وليس هذا إلا لأهمِّيَّتهِ الكُبرى ورُكْنِيَّتِه العُظمى.
والذي يقرأُ القرآنَ الكريمَ يَرى الآياتِ الكثيرةَ التي تَذكُره، وتتحدَّث عنه، فلا تكاد سورةٌ تخلو مِن الحديثِ عنه، مع تقريبِه إلى الأذهانِ والعُقول، مرَّةً بالحجَّة والبرهان، ومرةً بِضربِ الأمثال.

(7)
والقارئُ للآياتِ القُرآنيَّة يجدُ أنَّ لليومِ الآخِر أسماء عدَّة واردةً فيه، وكلُّ اسمٍ مِن هذه الأسماء يدلُّ على واقعةٍ أو حادثةٍ مما سيكونُ في ذلك اليوم العظيم؛ اليومِ الآخِر.
فهو «يومُ البَعْث»(4)؛ كما قال ربُّنا -سُبحانهُ-:
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [الروم: 56].
وهو «يومُ القِيامة»(5)؛ كما قال ربُّنا -سُبحانهُ-أيضًا-:
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر: 60].
وهو «السَّاعة»؛ كما قال ربُّنا -سُبحانهُ-:
إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج: 1].
وهو «يومُ الحِساب»؛ كما قال ربُّنا -سُبحانهُ-:
إِنِّي عُذْتُ(6) بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ [غافر: 27].
ولهذا اليوم الآخِر أسماءٌ أخرى كثيرة غيرُ هذه.

(8)
ولقد اهتمَّ القرآنُ هذا الاهتمامَ كلَّه باليومِ الآخِر لأسبابٍ عديدةٍ؛ أهمُّها:
أولًا: أنَّ المشركين مِن العرَب كانوا يُنكِرونه ولا يَقبَلونَه.
ثانيًا: أنَّ الإيمانَ باليوم الآخِر يَجعل للحياةِ قدْرًا، وغايةً، وهَدَفًا.
ثالثًا: أنَّ بعضَ أصحاب الدِّيانات الأخرى الباطلةِ كانوا يَظنُّون اليومَ الآخِرَ شيئًا آخَرَ مُغايرًا للحقِّ الذي يَجبُ قَبولُه.

(9)
ولقد دلَّت الآياتُ الكريمةُ والأحاديثُ النَّبويَّةُ أنَّ بدايةَ اليومِ الآخِرِ تكونُ بإحداثِ تغييراتٍ عامَّةٍ في هذه الدُّنيا التي نعيشُها بأرضِها وسمائِها:
فتتشقَّق السَّماء.
وتتناثَر النُّجوم.
وتتفتَّتُ الجِبال.
ويَخرَبُ كلُّ شيءٍ.
قال اللهُ -سُبحانهُ وتَعالَى-:
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا(7) للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم: 48].

(10)
والوقتُ الذي يكونُ به اليومُ الآخِرُ مما لا يعلَمُه إلا الله -سُبحانهُ وتَعالَى-، فلم يُطْلِعْ عليه أحدًا مِن خلْقِه؛ لا نبيًّا مُرسَلًا، ولا مَلَكًا مُقرَّبًا.
قال الله -سُبحانهُ-:
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت: 47].
وقد كان بعضُ الصَّحابةِ يَسألون عن وقتِ السَّاعة وزمنِها رسولَ الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، ويُكرِّرون السُّؤالَ، فأمرَهُ اللهُ -سُبحانهُ- أن يَرُدَّ إليه وحدَهُ عِلمَها ومعرفةَ وقتِها.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا(8) قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا(9) لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً(10) يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ(11) عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 187].

(11)
بعد أن يَردَّ اللهُ -سُبحانهُ- الحياةَ إلى النَّاسِ مِن جديد، ويُخرجُهم مِن قُبورِهم، يَحشُرُهم(12) إليه، ويجمعُهم لدَيْهِ؛ لِيُحاسِبَ كلَّ فرْدٍ منهم على ما قدَّم مِن عَمَل.
فتشهدُ الأرضُ بما حَدث عليها.
قال اللهُ -سُبحانهُ- وتَعالَى-:
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَها - وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا - وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا - يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا - بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا - يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ - فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [سورة الزلزلة].
وليس ذلك فقط؛ بل إنَّ الألْسِنَةَ لَتشهَد، والأيدي لَتتكلَّم، وأيضًا الأرجُل، والجُلود، حتى لا يَقدِرَ أحدٌ على الكَذبِ أو الفِرار.
قال الله -سُبحانهُ-:
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ المُبينُ [النور: 24-25].
وهكذا:
تتم حُجَّة اللهِ على العالَمين، فمَن قدَّم خيرًا من العمل؛ كانت الجنَّةُ مُستقرَّهُ، ومَن أساء لنفسِه، وعَصى ربَّه؛ جُوزِيَ بالنارِ وبِئس القَرار.


-تم بحمد الله-


_________________
(1) هيَّأ ويسَّر.
(2-3) مِن المراحِل التي يمرُّ بها الإنسانُ قبل أن يكتملَ خلقُه.
(4) إحياءُ الناسِ مِن قُبورِهم للحِساب.
(5) أي: عندما يقومُ الناسُ لربِّ العالَمين.
(6) لَجَأتُ.
(7) ظهرُوا.
(8) أي: متى موعِدُها؟ وما هو وقتُها؟
(9) أي: يُظهِر أمرَها.
(10) فجأةً.
(11) أي: عالِم بها.
(12) يجمعُهم.
منازعة مع اقتباس
  #10  
قديم 21-07-2011, 02:10 AM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-9-
الجنَّـة

(1)
الجنَّةُ: هي المكان الواسعُ العظيمُ الكبيرُ الذي أعدَّهُ اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى- لِعبادِه الذين أطاعُوهُ في حياتِهم الدُّنيا، والْتَزمُوا أمْرَه، جزاءً لهم على إيمانِهم الصَّادق، وعَمَلِهم الصَّالح.
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133].

(2)
وقد سماها اللهُ -سُبحانَهُ- في القرآنِ العظيم بعدةِ أسماء:
جنَّة المَأوَى.
دار الخُلود.
الفِردَوس.
دارُ السَّلام.
دارُ المُقامة.
المَقامُ الأمين.
وغير ذلك مِن أسماء.

(3)
ولا يدخُل الجنَّةَ إلا مَن قام بالأعمال الصَّالحة الجليلة، واتَّصف بالصِّفاتِ الكريمة، والمَزايا الحميدةِ الفاضلة.
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ(1) الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ [التوبة: 111-112].

(4)
ولقد وصف اللهُ -سُبحانَهُ- الجنَّةَ بأنَّ نعيمَها دائم، وسرورَها لا يَنتهي، وكُلُّ ما فيها بغيرِ حِساب، فأنْهارُها كثيرةٌ عظيمة مُتنوِّعة:
منها ما هو مِن ماءٍ طيِّب لذِيذ، لم تتغيَّرْ رائحتُه، ولم يتغيَّرْ طعمُه ومَذاقُه.
ومنها ما هو مِن لَبَنْ خالِص طيِّب.
ومنها ما هو مِن خَمرٍ لذَّةٍ للشَّارِبين، لا كخَمرِ الدُّنيا المحرَّمة، التي تُفسِدُ العُقول، وتُذهِبُ الألباب.
ومنها ما هو مِن عَسل مُصَفّى.
وغير ذلك مِن أنهارٍ تجري مِن تحت القصور.
وفيها الفواكهُ ولحمُ الطيور.

(5)
وإنَّ مِن عجائبِ ما يرزُقه اللهُ -سُبحانَهُ- لأهلِ الجنَّةِ تلك الثَّمراتِ اللذيذة، المتميِّزَةَ الطَّعْم، المختلفةَ المذاق، التي يُشبِهُ بعضُها بعضًا، فيظن أهلُ الجنَّة أنه طعامٌ واحدٌ قد طَعِموه مِن قبل، وليس هو كذلك.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 25].

(6)
وهذا الرِّزقُ الذي يُهيئُه لهم ربُّهم -سُبحانَه-، يُقدِّمُه لهم وِلدانٌ يَخدمونهم، ويُلبُّون طلباتِهم، ويُجيبون رغباتِهم.
وهؤلاء الوِلْدانُ يَحمِلون الأوانيَ والأكوابَ مِن الذَّهبِ الخالِص، وهم لِشدَّةِ جَمالِهم، وكمالِ حُسْنِهم، يُشبِهون اللُّؤلؤَ المتناثِر.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا [الإنسان: 19].
وقال:
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ(2)- يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ(3)مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف: 70-71].
(7)
ومِن نعيم الجنَّةِ الذي يُنَعِّمُ الله به عبادَه الصالِحين، وخَلقَه المؤمنين، فهو لَهم مِن دونِ الخلائِق، مُميَّزٌ بهم:
اللِّباسُ: فلِباسُ أهل الجنة مِن حريرٍ وسُندسٍ وإستبرق، ويتزيَّنونَ في مَلبَسِهم هذا بالذَّهب النقيِّ الخالِص.
ومساكِنُهم أيضًا: فهي طيِّبة، وترتبيُها عجيب؛ فهي غُرفٌ مِن فوقِها غُرف تجري مِن تحتها الأنهار.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ [الزمر: 20].

(8)
وليس في الجنَّةِ شيءٌ مما في الدُّنيا إلا الأسماء، ففيها ما لا عَينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سَمِعتْ، ولا خطَرَ على قلبِ بَشَر.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لـَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ(4) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17].

(9)
والجنَّة ليس فيها آثامٌ، وليس فيها لَغْوٌ(5).
إنَّما فيها تقديسُ اللهِ وإجلالُه.
وسلامُ اللهِ على المؤمنين.
وسلامُ الملائكةِ على المؤمنين.
وسلامُ المؤمنين بعضِهم على بعض.
قال اللهُ -سُبحانَه-:
وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ - سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: 23-24].
فأهلُ الجنة أهلُ سَلامٍ واطمِئنان، قد نَزعَ الله -سُبحانَهُ وتَعالَى- مِن قلوبِهم الحقدَ على النَّاس، فهُم جميعًا إخوةٌ أحْباب، لا يَمسُّهم في الجنَّةِ تعبٌ ولا مَرَض.

(10)
وأعلى نعيمٍ يَجِدُه المؤمنونَ في الجنةِ هو رؤيةُ ربِّهم -سُبحانَهُ وتَعالَى-، والفوزُ بِرِضاهُ.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(6)- إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22-23].
وقال:
وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ [التوبة: 72].
وهذا مِن تمامِ إنعامِ اللهِ على عباده وإكرامِه لهم.

(11)
والجنَّةُ خالِدةٌ لا تفنَى، باقيةٌ بقاءً أبديًّا، وكذلك أهلُها مُخلَّدون، لا يُدرِكُهم الموت، ولا يَلحقُهم الفناءُ والهلاك.
قال الله -سُبحانهُ-:
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ(7) [هود: 108].
وسِرُّ هذا الخلودِ لأهلِ الجنَّةِ في الجنَّة: أنَّ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- لَمَّا عَلِم مِن قلوبِهم إصرارًا على الإيمان، وإلحاحًا على الطاعة، مهما طالتْ بِهم الحياة، ومهما امتدَّ بهمُ العمُر؛ أراد -عزَّ شأنُه- أن يَجزيَهم على نِيَّتِهم وإرادَتِهم بما
هو أعظمُ منها وأبلغٌ درجةً، فكتب لهم مقابلَ ذلك الحرصِ والإصرارِ على الطاعةِ الخلودَ في الجنة، والبقاءَ فيها مُنعَّمين فَرِحين مَسرورِين.

-تم بحمدِ الله-


________________
(1) همُ الصَّائمون.
(2) سُعداء مَسرورون.
(3) هي الأواني التي يُوضَع فيها الطعام.
(4)أي: مِن أسبابِ السُّرور.
(5) هو الكلامُ الذي لا فائدةَ منه.
(6) أي: مُضيئةٌ مُشرِقةٌ.
(7) أي: دائِمٌ غير مقطوع.
منازعة مع اقتباس
  #11  
قديم 21-07-2011, 02:12 AM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-10-
النَّـار

(1)

مَن أطاع اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى-، وعَمِل الصَّالحات، واجتنبَ السَّيِّئات؛ كافأهُ اللهُ -سُبحانَهُ- بالجنَّة، وأعطاهُ النَّعيمَ الدَّائمَ المُقيم، خالدًا فيها لا يموتُ أبدًا.
وأما مَن عصى اللهَ -سُبحانَه-، وعمِل السَّيِّئات، وتركَ الصَّالِحات؛ فلا شكَّ أن اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- سَيُجازيهِ عِقابًا على ما قدَّمَ مِن سُوء العمَل، وسيُدخِلُه نارَ جهنَّم.
عافانا اللهُ وإياكم.


(2)

و(النَّارُ) لها أسماءٌ عدَّة:
فهي (السَّعيرُ).
و(لَظَى).
و(الهاوِيةُ).
و(سَقَرُ).
وكلُّ اسمٍ مِن هذه الأسماءِ يدلُّ على شِدَّةِ العذابِ، وعلى هَولِ العِقاب، وعلى صورةٍ مِن صُوَرِ المجازاةِ في النَّار.


(3)

ولقد وصف اللهُ -سُبحانَهُ- النَّارَ وصفًا دقيقًا يَشيبُ منه الشَّعرُ، وتتأثرُ به القُلوبُ؛ كي يرتدِع الضَّالُّونَ عن ضلالِهم، فذكرَ -سُبحانَهُ- أن وقودَها النَّاسُ والحِجارةُ.
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].
والنَّارُ -أيضًا- لا تكتَفي بِما يُلقَى فيها -لعظمَتِها وسَعَتِها-؛ بل تطلُبُ المزيدَ دائمًا، حتى لا يَبقَى فيها مكانٌ خالٍ.
قال اللهُ -سُبحانَه-:
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق: 30].


(4)

وأهلُ النَّارِ: يأكُلون، ويَشرَبون، ويَلبَسُون . . .
ولكنْ. . .
ماذا يَأكلونَ؟ وماذا يَشربون؟ وماذا يَلبَسون؟
يقولُ اللهُ -سُبحانَه-:
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا(1) أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ - إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ - إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ - طَلْعُهَا(2) كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ - فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ - ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا(3) مِنْ حَمِيمٍ [الصافات: 62-67].
فطعامُهم: الزَّقُّوم.
وهو شَجَر مِن أخبثِ أنواعِ الشجَر، مُرُّ الطعْم، مُنتِنُ الرائحة.
أما شَرابُهم؛ فقال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا(4) [الكهف: 29].
فهو: النُّحاسُ المُذابُ الذي أذابتْه النِّيران، فيُقَطِّعُ الأمعاء، ويَشوي الوُجوهَ.
أما ثِيابُهم:
فقال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ - يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالجُلُودُ - وَلهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج: 19-21].


(5)

فأهلُ النَّارِ هكذا حياتُهم . . .
عذابٌ وشَقاء.
بُؤسٌ وعِقاب.
فلا يموتونَ حتى يَستريحوا، ولا يَحيَوْن الحياةَ الهانِئَةَ حتى يُنَعَّموا.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى - الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى - ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا [الأعلى: 11-13].
وقال:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 56].


(6)

لو نظرتَ إلى نفسِك في بيتِك؛ هل تستطيعُ أنْ تمَسَّ النَّارَ أو تقتَرِبَ منها؟
لو فعلتَ ذلك؛ لاحترقَتْ يدُك.
ولذلك؛ فأنتَ تبتعدُ عنها، ولا تَقتَربُ منها.
وليستْ هذه النَّارُ التي أنتَ تَحذَرُها إلا شيئًا صغيرًا جدًّا.
فكيف لو رأيتَ حريقًا شبَّ في بعضِ المواضِع، ورأيتَ ألسِنةَ النِّيرانِ واللَّهبِ تنبعِثُ منه؟
ماذا أنت فاعل؟
لا شكَّ أن ابتعادَكَ عن هذه النَّار الضَّخمةِ سيكونُ أكبرَ مِن النَّار التي رأيتَها في بيتِك، وابتعدتَ عنها.
إذا عرفتَ هذا كلَّه؛ فاعلمْ أن أضخمَ وأكبرَ نارٍ توجَدُ في هذه الدُّنيا لا تكادُ تُساوي شيئًا بالنِّسبةِ لنارِ جهنَّم.
قال النبيُّ محمد -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-:
«نارُكُم هَذِهِ الَّتِي تُوقِدونَ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن حَرِّ جَهَنَّمَ».
فقال أصحابُ النبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-:
واللهِ إن كانتْ لكافيَةً(5) يا رسولَ الله!
فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-:
«فإنَّها فَضَلَتْ(6) بتِسعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا؛ كُلُّهُنَّ مِثلُ حَرِّها».


(7)

وأهلُ النَّارِ مُتفاوِتون في درجاتِ العذابِ فيها، فمنهم مَن يكونُ عذابُه شديدًا جدًّا، ومنهم مَن يكونُ أقلَّ مِن ذلك . . .
ولقد أخبرَنا النَّبي محمدٌ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- عن أهوَنِ أهلِ النَّارِ عذابًا، فما هو عذابُه؟ وكيف يكونُ موقِفُهُ وشُعورُه؟
قال النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-:
«أهْوَنُ النَّاسِ عذابًا مَن له نَعْلانِ(7) مِن نارٍ، يَغْلي منها دِماغُهُ كما يَغْلِي الْمِرجَلُ(8)، ما يَرَى أن أحدًا أشَدُّ مِنهُ عذابًا، وإنَّه لأهْوَنُهم عذابًا».


(8)

أما المؤمنون الصَّالِحون. . . الذين أطاعُوا ربَّهُم. . . واستجابوا لأوامِرِه. . . وانتَهَوا عن نواهيِهِ وزواجِره؛ فلا يُصيبُهم شيءٌ مِن ذلك.
ولكنْ. . .
قد يكونُ هناك بعضُ النَّاس مِن المسلمين؛ يُصَلُّون، ويَصومون. . . لكنهمْ وقَعوا في بعضِ المعاصي، وخالفوا بعضَ النَّواهي، وتركوا بعضَ الأوامِر. . .
فماذا يكون حالُهم؟ أفي الجنَّةِ أم في النَّار؟
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَنَضَعُ المَوَازِينَ الْقِسْطَ(9) لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ(10) أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47].
فاللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى- هو أحكمُ الحاكِمين، وأعدلُ العادِلين. . . فهو -سُبحانَهُ- يحاسِبُ مَن هكذا حالُه على عمَلِه، ويُوازِنُ بين أعمالِه الصَّالحةِ وبين معاصيهِ التي لم يَتُبْ منها. . . فإنْ كانتْ حسَناتُه أكثر؛ فهو في الجنَّة.
أما إذا كانتْ سيِّئاتُه أكثر؛ فإنه يدخلُ النَّار، ثم يُعذَّبُ فيها بقَدْرِ ما ارتكبَ مِن معاصٍ بعد أن يُوفِّيَه الله جزاءَه بمقتضى عدلِه وحِكمَتِه، ثم تكونُ نهايتُه بعد ذلك دخولَ الجنَّة.


(9)

والنَّارُ خالدةٌ لا تَفنى ولا تنتهي.
وأهل النَّارِ لا يُدرِكُهم الموتُ، ولا يلحَقُهم الفناء.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ - خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود: 106-107].
وسِرُّ بقاءِ أهلِ النَّارِ في النَّارِ وخُلودِهم فيها:
أنهم كانوا مُصِرِّينَ على ما هم عليه مِن شقاءٍ ومعصية. . . فجازاهُم اللهُ -سُبحانَهُ- على ما هُم أرادوهُ واختارُوه، فلو عاشوا مئاتِ السِّنين؛ لظلُّوا على كُفرِهم وعِصيانِهم وعِنادِهم.
بل إنَّهم بعدَ أن يُعذَّبوا في النَّار، ويرَوا ذلك واقِعًا لا شكَّ فيه، لو رَجعوا إلى الدُّنيا؛ لرجعوا إلى حالِهم نفسِه كُفرًا ومعصيةً. . .
قال الله -سُبحانهُ-:
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ - بَلْ بَدَا(11) لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام: 27-28].


-تم بحمد الله-



_______________
(1) ضِيافةً وعَطاءً.
(2) ثمرها.
(3) شرابًا.
(4) منزِلًا ومقامًا.
(5) أي: إنها تكفينا بالرغم من أنَّها جزء واحد.
(6) زادَتْ.
(7) حِذاءان.
(8) هو القِدرُ النُّحاسيُّ الكبير الذي يُغلَى فيه الماء ونحوه.
(9) العَدل.
(10) هي مقدارٌ صغير جدًّا كالذَّرَّة.
(11) ظَهَر.
منازعة مع اقتباس
  #12  
قديم 21-07-2011, 02:13 AM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-11-
الوُضـُـوءُ

(1)

إنَّ أهمَّ عبادةٍ عَمَليةٍ فرضَها اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى- على عِبادِه المؤمنين هي الصَّلاةُ.
وللصَّلاةِ شُروطٌ لا تَصِحُّ إلا بها.
أهمُّها: الوُضوء.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6].
فمَن أراد الصَّلاةَ؛ فلا بُد له مِن الوُضوء.
قال النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
«إنَّ اللهَ لا يَقبَلُ صلاةً بغيرِ طُهورٍ(1)».
وقال:
«لا صلاةَ لِمَنْ لا وُضوءَ له».


(2)

وللوُضوءِ فضل عميمٌ وأجرٌ عظيم.
قال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
«إذا توضَّأ العَبدُ المُسلمُ؛ خرجَتْ خَطاياهُ مِن سَمْعِه وبَصَرِه ويَدَيْهِ ورِجْليهِ، فإنْ قعَدَ؛ قعدَ مغْفورًا له».
وَقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
«مَن توضَّأ فأحْسَنَ الوُضوءَ؛ خَرَجَتْ خطاياهُ مِن جَسَدِه، حتَّى تَخرُجَ مِن تَحتِ أظفارِهِ».


(3)

وقبلَ أن نتعلَّمَ كيفيَّةَ الوُضوءِ؛ يجبُ أن نَعرِفَ شيئًا مُهمًّا نفعلُه في كثيرٍ مِن الأحيانِ قبلَ الوُضوء؛ وهو: «قضاءُ الحاجة» (2).
ولِقضاءِ الحاجةِ آدابٌ علَّمَنا إيَّاها النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
فمَن أراد أن يقضِيَ حاجتَه؛ فعَليه:
أوَّلًا: أنْ يدخُلَ مكانَ قضاءِ الحاجةِ بالرِّجْلِ اليُسرى قبل اليُمنى؛ قائلا: «اللَّهم إنِّي أعوذُ بكَ مِن الخُبُثِ والخبائِث».
ثانيا: أن يتجنَّبَ أنْ يكونَ معه شيءٌ معظَّم؛ كالمصحفِ -مثلًا-.
ثالثًا: أن يتجنَّبَ أن يمسَّ ثيابَه شيءٌ مِن بَوْلِه أو رَشاشِ بَوْلِه.
رابعًا: أن يتأكدَ عند فراغِه مِن حاجتِه مِن انقطاعِ البَول.
خامسًا: أن يُزيلَ النَّجاسةَ مِن بولٍ أو غائطٍ إمَّا بالماءِ أو بالورَقِ ونحوه.
سادسًا: إذا أراد إزالةَ النَّجاسَةِ بالوَرقِ يَجبُ أن يتأكَّدَ أن الورقَ ليس فيه كلماتٌ مُعظَّمةٌ أو بعضُ الآياتِ أو الأحاديث؛ فهذا حرامٌ لا يجوزُ؛ بل ينبغي أن يتجنَّب الورقَ المكتوبَ عليه.
سابعًا: أن يتأكَّدَ مِن أنَّ البولَ أو الغائطَ قد زالا تَمامًا.
ثامنًا: أن يتجنَّبَ استعمالَ يدِه اليُمنى عند إزالةِ النَّجاسات، إنَّما يَستعملُ يدَه اليُسرى، ولا بأسَ مِن استعمالِ اليُمنى لِصَبِّ الماءِ -مثلًا-. . .
تاسِعًا: عند انتهائِه مِن قضاءِ الحاجةِ يخرجُ مُقدِّمًا رِجلَه اليُمنى قائلا: «غُفرانَك».


(4)

فإذا فرغَ مِن قضاءِ حاجتِه، وأراد الوُضوءَ؛ فعَليه أن يتوضأَ كما يَلي:
أولًا: أن يَستحضرَ نيَّةَ الوضوءِ قي قلبِه، ولا يُحرِّكَ بها لسانَه، فالنَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول:
«إِنَّما الأَعمالُ بِالنِّيَّاتِ».
ثانيًا: أن يَبتدئَ وضوءَه بذِكرِ اللهِ -سُبحانَهُ- قائلا: «بِسمِ الله».
ثالثًا: أن يَغسِلَ كفَّيهِ ثلاثَ مرَّات.
رابعًا: أن يتمضمَض ثلاثَ مرَّاتٍ.
والمضمضمة: غسلُ الفم، وتحريكُ الماء فيه.
خامسًا: أن يستنشقَ ثلاث مرَّاتٍ بيده اليمنى.
والاستنشاقُ: إيصالُ الماء إلى داخل الأنف، وجذبُه بالنَّفَس.
سادسًا: بعد كل استنشاقَةٍ يَستنثرُ مرَّة. . . إلى المرَّاتِ الثَّلاثة.
والاستِنثارُ: إخراجُ الماءِ مِن الأنفِ بعد استِنشاقِه. . .
سابِعًا: أن يَغسِلَ وجهَه ثلاثَ مرَّات، ابتداءً مِن مَنْبَتِ شعرِ الرَّأس إلى أسفلِ الذَّقنِ إلى أن يصلَ إلى ما بين شَحمَتَيِ الأُذنين.
ثامنًا: أن يَغسلَ يدَيْه مِن رُؤوس أصابِعِه إلى مِرفَقيْه ثلاثَ مرَّات.
تاسِعًا: أن يَمسحَ جميعَ رأسِه بيديهِ معًا إلى الخلف، ثم يرجعَ بهما إلى الأمام.
عاشرًا: ثم يمسحُ أُذنَيه، فهما جُزء مِن الرَّأس.
حادي عشر: ثم يَغسلُ رِجليهِ مِن رؤوس أصابِعِهما إلى الكَعبَين.
فإذا أتْممتَ فِعلَ ذلك؛ فقد تمَّ وُضوؤك.

(5)


فإذا فرَغَ مِن وضوئِه؛ يُسَنُّ له أن يدعوَ بهذا الدُّعاء:
«أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورَسولُه، اللهمَّ! اجعلْنِي مِنَ التوَّابينَ واجْعلنِي مِنَ المُتَطهِّرين».
فلقد أخبر النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أنَّ:
«مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قال: (وذَكَرَ الدُّعاءَ)؛ فُتحَتْ لَهُ ثمانِيَةُ أبوابِ الجنَّةِ يَدْخُلُ مِن أَيِّها شَاءَ».



(6)



وَأنبِّهُ على أمورٍ مُهمَّةٍ:
أوَّلًا: يُسَنُّ للعبدِ أن يُثلِّثَ الماءَ في كلِّ عُضوٍ مِن أعضاءِ وُضوئِه، وإذا اقتصَر على اثنَتَينِ أو واحدة؛ جاز ذلك بِشرطِ أن يكونَ الماءُ قد وصلَ إلى جميعِ أجزاءِ العضوِ المغسول.
ثانيًا: يُستحبُّ للمُتوضِّئِ أن يَستعملَ السِّواك عند وُضوئِه.
قال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
«لَولا أنْ أشُقَّ على أُمَّتِي؛ لَأَمَرْتُهُم بِالسِّواكِ عندَ كُلِّ وُضوءٍ».
ثالثًا: لا يَجوزُ للمُتوضِّئِ أنْ يُكْثِرَ مِن الماءِ واستِعمالِه عند الوُضوءِ؛ فإن هذا إسرافٌ لا يجوزُ له.
رابِعًا: لم يصحَّ مَسحُ الرَّقبةِ في الوضوءِ كما يفعُله كثيرٌ مِن النَّاس.
خامسًا: لم يصحَّ أيُّ دُعاءٍ أثناءَ الوضوء؛ إلا ما سبقتِ الإشارة إليه بعدَ الفراغِ مِن الوُضوء.

(7)


ويَفسُدُ وُضوءُ المتوضِّئِ بما يلي:
1- إذا ذهبَ لقضاءِ الحاجة فأخرَج بولًا أو غائطًا.
2- إذا أخرج ريحًا.
3- إذا نام.
4- إذا أكلَ لحمَ الجمل.
قال النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
«مَن أكلَ لحمَ جَزورٍ(3)؛ فلْيتوضَّأ».
(تَنبيهٌ):
يَظنُّ بعضُ النَّاس أن نُزولَ الدَّمِ ينقضُ الوُضوء، وليس هذا صحيحًا، فنزولُ الدَّمِ ليس مِن نواقضِ الوُضوء.



(8)



أيُّها الفتى المسلمُ الحبيبُ!
بهذه الأمورِ تكونُ قد عرفتَ كيف تتوضأ.
وما هي الأشياءُ التي إذا فعلتَها فَسَد وضوؤُك؟
وكذلك -أيضًا- عَرفتَ الآدابَ الشرعيَّة التي علَّمنا إيَّاها النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عند قضاءِ الحاجةِ.
وهذه الأشياء كلُّها -كما تَرى- مهمَّةٌ جدًّا، عليك أن تتعلمَها بسرعة، وتُعلِّمَها مَن جَهِلها.
وفقك الله للخير؛ إنه سميع مُجيب.



-تم بحمد الله-






___________
(1) وُضوء.
(2) أي: الذهاب إلى »المِرحاض« أو »الحمَّام«.
(3) هو الجَمَل.
منازعة مع اقتباس
  #13  
قديم 21-07-2011, 02:14 AM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-12-
الصَّــلاةُ

(1)
تُعَد الصَّلاة أعظمَ الفرائضِ العَمَليَّةِ التي فَرَضها اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى- على عِبادِه.
قال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
«بينَ الكُفْرِ والإيمانِ تَركُ الصَّلاةِ».
وقد أُمِرَ المسلمونَ أنْ يُعَلِّموا أولادَهم الصَّلاة.
قال النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
«عَلِّموا أولادَكم الصَّلاةَ إِذا بَلَغُوا سَبْعًا، واضرِبُوهُم عليها(1) إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا. . .».


(2)
والصَّلاةُ المأمورُ بأدائِها صلاةٌ ذاتُ هَيئاتٍ مَعلومة، وكَلماتٍ معلومةِ، وأوقاتٍ معلومة.
قال اللهُ -تَباركَ وتَعالى-:
إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنينَ كِتابًا مَوقُوتًا [النساء: 103].
أي: فرضًا فرَضه اللهُ -سُبحانَهُ- على عبادِه المؤمنين في أوقاتٍ معلومةٍ محدودة، لا يجوزُ للمُسلمِ أن يتعدَّاها بالغفلةِ عن صلاةٍ حتى يخرُجَ وقتُها، ويدخلَ وقتُ الصَّلاة الأخرى التي بعدَها.
ولقد بيَّن لنا ربُّنا -سُبحانَهُ وتَعالَى- على لسانِ رسولِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أوقاتَ الصَّلاة، ابتداءً مِن صلاة الفجرِ، إلى صلاةِ العشاء.
ونعرفُها نحن بسماعِ صوتِ المؤذِّن يُنادي:
اللهُ أكبرُ، الله أكبر.
اللهُ أكبرُ، الله أكبر.
أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله.
أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله،
حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة.
حيَّ على الفلاحِ، حيَّ على الفلاحِ.
اللهُ أكبرُ، الله أكبر.
لا إلهَ إلا الله.
فإذا سمِعنا هذا «الأذانَ»(2)؛ فهذا يعني أنَّ وقتَ الصَّلاة قد حان.

(3)
أما عن هيئاتِ الصَّلاة والحركاتِ التي يقومُ بها المُصلِّي في صلاتِه؛ فنحنُ مأمورون بأخذِها مِن سُنَّةِ النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
قال النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
«صَلُّوا كَما رأيْتُموني أُصَلِّي. . .».
فَعَلَى العبدِ المسلمِ الطائِعِ لربِّه -سُبحانَهُ وتَعالَى- أنْ تكونَ صلاتُه مُوافِقةً لصَلاةِ رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- تمامَ المُوافقة، حتى يرضَى عنه ربُّه -سُبحانَهُ-، ويُثيبَه على عملِه الثَّوابَ الحسَن، والأجرَ الجزيل.

(4)
ولقد بيَّن لنا ربُّنا -سُبحانَهُ وتَعالَى- في عِدةِ آياتٍ مِن القرآنِ العظيمِ فضلَ الصَّلاة، وفضلَ المحافظةِ عليها، وإثمَ تارِكِها أو المتساهِلِ فيها.
قال اللهُ -تَعالى-:
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ - أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج: 34-35].
وقال:
وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ [العنكبوت: 45].
وقال:
أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1-2].
. . . ونحنُ لا نكونُ مُقيمين الصَّلاةَ حتى نؤدِّيَها بأحكامِها وشروطِها وأوقاتِها وآدابِها.

(5)
وشروطُ صحةِ الصَّلاة:
1- الوُضوء:
وقد شرحناه في الرِّسالةِ السَّابقة، فعلى مَن يريد الصَّلاة أن يتوضَّأ لها إذا لم يكنْ متوضِّئًا.
2- طهارةُ البدنِ والثَّوبِ والمكان:
فعلى المُصلِّي أن يتثبَّتَ مِن نظافةِ جِسمِه، وأنه ليس عليه أيّةُ نجاسات، وكذلك ثوبُه والمكانُ الذي يقفُ عليه ليؤدي صلاتَه.
3- التَّوجُّهُ إلى القِبلة:
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ(3) قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ(4) المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة: 144].
والقِبلةُ جِهَتُها معروفةٌ معلومةٌ.
4- دخولُ الوقتِ:
فلا تصحُّ صلاةٌ قبل دخولِ الوقتِ؛ كما لا تَصِح بعد خُروجه.
قال الله -سُبحانَه-:
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ - الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4-5].
أي: غافِلون عنها؛ يؤخِّرونَها عن وقتِها الشرعي دون عُذر.
5- سَترُ العورَة:
فلا يجوزُ أن يُصَلِّيَ المسلمُ عاريًا، تَظهرُ عورَتُه.
فأيُّ شرطٍ ينقُصُ مِن هذه الشروطِ يكونُ مُبطِلًا للصَّلاةِ إذا كان عن قصدٍ وتَعَمُّد، أما إذا كان عن نِسيان، أو خطأ، أو جهل؛ فيُعفَى عنه به، ولكنْ عليه أن يتعلَّمَ إذا جَهِل، ويرجِع إذا أخطأ.

(6)
فإذا توفرَتْ هذه الشروطُ، وتهيأَ االمسلمُ للصلاةِ؛ فَعَليهِ أن يؤدِّيَها كما يأتي:
1- يستحضِرُ النِّيَّةَ في قلبِه دون أنْ يتلفَّظَ بها؛ وذلك بِتحديدِ ركعاتِها، أو نوعِها؛ فرضًا كانت أم سُنةً.
2- ثم يرفعُ يديهِ إلى أذنَيْه، ويقولُ: «اللهُ أكبرُ».
3- ثم يضعُ يدَهُ اليُمنى على اليُسرى فوقَ صدرِه، ويبدأ صلاتَه بدعاءٍ، يحمدُ اللهَ -سُبحانَه-، ويُثني عليه؛
4- كمثل: «سُبحانكَ اللَّهمَّ! وبِحمدِك، وتبارَكَ اسمُك، وتَعالَى جَدُّكَ(5)، ولا إلهَ غيرُك».
5- ثم يَستعيذُ بالله مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، ويقرأ سورةَ الفاتِحةِ، ومعها آياتٌ أخرى؛ كسورةٍ مِن قِصارِ السُّوَر مثلًا.
6- فإذا فرغ مِن ذلك؛ رفع يديهِ إلى أُذُنَيْهِ وكبَّر، ثم يركَعُ واضِعًا يديْهِ على رُكبَتَيْه؛ قائلا: «سُبحانَ ربيَ العظيمِ» ثلاثَ مرات.
7- ثم يرفَعُ يديْهِ معتدِلًا، حتى يستويَ قائمًا، قائلا: «سمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ».
8- ثم يُكبِّر هاويًا إلى السُّجود، مُقدِّمًا يديهِ قبل رُكبَتَيْه، فإذا وصل الأرض؛ مكَّن منها جَبْهَتَه، وأنفَه، ورُكبتَيْه، ويَدَيْه، وكذا أصابِعَ رِجليْه؛ قائلا: «سُبحان ربيَ الأعلى» ثلاث مراتٍ.
ثم يرفَعُ رأسَه مِن السجدةِ الأولى؛ مُكبِّرًا، واضِعًا يديْه على طَرفِ فخِذَيْهِ ورُكْبَتَيْه، قائلًا «ربِّ اغفِرْ لي، وارحمْني، واهدِني، وعافِني، ورازُقني».
9- فإذا انتهى مِن سَجدتِه الأولى -كما سبق- سجدَ ثانيةً -كالأولى تمامًا-.
10- ثم إذا فرَغَ مِن السَّجدةِ الثانية، يرفَع رأسَه، ويجلسُ جلسةً خفيفةً على رِجلِه اليُسْرى مبسوطة، ناصِبًا أصابعَ رِجلِه اليُمنى.
11- فإذا أدَّى المسلمُ ما سبقَ مِن الأعمال؛ تكونُ الرَّكعةُ قد انتهتْ بأركانِها الثَّلاثةِ: القيام، والركوع، والسجود.
12- ثم في الرَّكعة الثَّانيةِ يُكرِّرُ ما فعلَهُ في الأولى، فإذا فرغ منها؛ جلس باسِطًا يدَه اليُسرى على رُكبَتِه، قابضًا أصابعَ كفِّ يدِه اليُمنى، رافعًا الأصبعَ السَّبَّابة، محرِّكًا لها، قائلًا:
«التَّحياتُ لله، والصَّلواتُ، والطَّيِّباتُ، السَّلام على النَّبيِّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصَّالِحين، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. اللَّهم صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّد، كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيم، وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّد، كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مَجيد»(6).
13- ثم يدعو اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- بما يشاءُ مِن خير الدُّنيا والآخِرة، مُبتدِئًا دعاءهُ بالاستِعاذةِ مِن الأربعِ التي استعاذ منها النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:
«اللَّهم إنِّي أعوذُ بكَ مِن عذابِ جهنَّم، ومِن عذابِ القبرِ، ومِنْ فتنةِ المَحيا والمماتِ، ومِن شرِّ فِتنةِ المسيحِ الدَّجَّال».
14- ثم يلتفتُ بِرأسِه إلى الجِهةِ اليُمنى قائلًا: «السَّلامُ عليكم ورحمةُ الله»، ثم إلى الجهةِ اليُسرى مِثلُ ذلك.
15- وبهذا تنتهي صلاتُه إنْ كانت ركعتيْن.
16- فإنْ كانت ثلاثًا أو أربعًا؛ يقومُ بعد انتهائِه مِن قراءةِ دعاءِ التَّشهُّدِ في الرَّكعةِ الثَّانية(7)؛ مُكبِّرًا، رافِعًا يديه، مُكَرِّرًا الركعةَ نفسَها؛ بقِيامِها، ورُكوعِها، وسُجودِها. . .
17- فإذا انتهى مِن ركعتِه الثَّالثةِ أو الرَّابعةِ؛ جلس وكرَّر الجلسةَ والقراءةَ التي فَعلها في نهايةِ الركعة الثانية، ثم يُسلِّم.

(7)
ومن آدابِ الصَّلاة:
1- أن ينظُرَ المصلِّي إلى الأرضِ عند موضِع سُجودِه، ولا يرفعَ عينيْه إلى السماء.
2- أن لا يُكثِرَ مِن الحركةِ في الصَّلاة.
3- أن يُحافِظَ على صلاةِ الجماعة في المسجد؛ فإنها أفضلُ مِن صلاتِه منفردًا بسبعٍ وعشرين مرَّةً.
4- أن يحافِظَ على الأذكارِ والدَّعواتِ بعد الصَّلاة؛ كالاستِغفار ثلاثًا، وقولِه: «اللَّهمَّ أنتَ السَّلام، ومنكَ السَّلام، تَبارَكْتَ يا ذا الجلالِ والإكرام».
5- إذا كان المُصلي مأمومًا؛ فلا يفعل فِعلًا مِن صلاتِه إلا إذا فَعَله الإمامُ قَبلَه، ولا يجوزُ له أن يُسابِقَه.
6- إذا سهوتَ في صلاتِك: فزِدتَ، أو أنقصتَ، أو شَكَكْتَ؛ فاجعلِ النُّقصانَ هو الأساس، ثم أكمِلْ ما هو مَطلوب منك.
مثلًا: شككتَ أنك صلَّيتَ ثلاثًا أو أربعًا، فاجعلْ الثَّلاثَ هي الأساس، ثم ائتِ بالرَّابعة، وبعد ختام دعاءِ التَّشهدِ الأخير تسجدُ سَجدتينِ قبل السَّلام. [وهذا يُسمَّى: سجود السَّهو].

(8)
ولكي تُحافظَ على الصَّلواتِ -فريضةً وسُنةً- يجبُ أن تعرفَ أعدادَها المفروضةَ والمسنونة:
صلاة الصبح: 2 سُنَّة / 2 فرض.
صلاةُ الظهر: 2 سُنة / 4 فرض / 2 سُنة.
صلاة العصر: 4 فرض.
صلاة المغرب: 3 فرض/ 2سُنة.
صلاة العِشاء: 4 فرض / 2 سُنة [و] 3 وِتر.

(9)
لا فرقَ بين هذه الصَّلواتِ سُنةً وفرضًا ووِترًا؛ إلا بالنِّيَّة، ومحلُّها القلبُ -كما تقدَّم-.
هذه هي الأحكامُ الْمُجْمَلةُ للصَّلاة، فعلى العبدِ المسلمِ أن يُحافظَ عليها، ويحرصَ على أدائِها، ويدعوَ الأخرين إليها.
فإن هو فعل ذلك؛ كان عبدًا صالِحا سَجَزيه ربُّه -سُبحانَهُ وتَعالَى- بالجنة، وسَيُنْجيهِ مِن النَّار.



-تم بحمد لله-


_______________
(1) أي: على تَركِها.
(2) وهو الإعلامُ بدخول وقتِ الصَّلاة، ويُسَنُّ لسامِع الأذانِ أنْ يُكرِّرَه خلفَه.
(3) أي: سنُوجِّهُك.
(4) أي: جِهةَ.
(5) عَظَمَتُك.
(6) وهذا يُسمَّى: دُعاء التشهُّد والصَّلاة الإبراهيميَّة.
(7) قبل أن يُسلِّم.
منازعة مع اقتباس
منازعة


الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1)
 
أدوات الحديث
طرائق الاستماع إلى الحديث

تعليمات المشاركة
لا يمكنك ابتداء أحاديث جديدة
لا يمكنك المنازعة على الأحاديث
لا يمكنك إرفاق ملفات
لا يمكنك إصلاح مشاركاتك

رمز [IMG] متاحة
رمز HTML معطلة

التحوّل إلى

الأحاديث المشابهة
الحديث مرسل الحديث الملتقى مشاركات آخر مشاركة
لامية شيخ الإسلام ابن تيمية أم محمد حلقة العلوم الشرعية 2 20-10-2017 05:05 PM
من مواعظ شيخ الإسلام : موعظة في الصبر أم محمد حلقة العلوم الشرعية 8 16-11-2011 10:51 AM
هل انتشر الإسلام بحد السيف ؟! عمر بن عبد المجيد حلقة العلوم الشرعية 5 16-01-2011 08:52 AM
اللغة العربية .. من شعائر الإسلام فريد البيدق حلقة فقه اللغة ومعانيها 2 04-09-2009 10:29 PM


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 08:56 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ