|
|
الانضمام | الوصايا | محظورات الملتقى | المذاكرة | مشاركات اليوم | اجعل الحلَقات كافّة محضورة |
|
أدوات الحديث | طرائق الاستماع إلى الحديث |
#31
|
|||
|
|||
(28) قال الخطيب القزويني في تقسيم الاستعارة: "وأما باعتبار الثلاثة، أعني الطرفين والجامع فستة أقسام: استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي، أو بوجه عقلي، أو بما بعضه حسي وبعضه عقلي، واستعارة معقول لمعقول، واستعارة محسوس لمعقول، واستعارة معقول لمحسوس، كل ذلك بوجه عقلي، لما مر، أما استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي فكقوله : فَأخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ [طه: 88 ] فإن المستعار منه ولد البقرة، والمستعار له الحيوان الذي خلقه الله من حلي القبط التي سَبكتها نار السامري عند إلقائه فيها التربة التي أخذها من موطئ حيزوم فرس جبريل عليه السلام ، والجامع لهما الشكل، والجميع حسي" [1]. التعليق: قوله: "الحيوان الذي خلقه الله من حلي القبط" قول باطل؛ فما العجل الذي صنعه السامري بحيوان، بل هو جماد لم يخرج بالصنعة عن كونه جماداً، لكنه تمثال شُبه بالعجل في شكله وصوته، وقوله: ( خلقه الله ) يشعر بعدم تأثير الصنعة فيه، وهذا يرجع إلى مذهب الأشاعرة في علاقة السبب بالمسبَّب، وهي عندهم – كما أومأت إليه فيما سلف – علاقة اقتران لا تأثير، ومعلوم أن الله خالق الأسباب والمسبَّبات، ولا يمنع ذلك من أن يكون للسبب تأثير في المسبَّب بإذن الله . والله أعلم [2]. ـــــــــــــــــ [1] الإيضاح ( 426، 427 ) . [2] انظر ص ( 483 ) = ( المسألة الخامسة) . |
#32
|
|||
|
|||
(29) قال الخطيب القزويني: "وأما المجاز المركب فهو اللفظ المركب المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل، للمبالغة في التشبيه، أي تشبيه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور بالأخرى، ثم تدخل المشبهة في جنس المشبه بها، مبالغة في التشبيه فتذكر بلفظها من غير تغيير بوجه من الوجوه، كما كتب به الوليد بن يزيد لما بويع إلى مروان بن محمد وقد بلغه أنه متوقف في البيعة له: أما بعد؛ فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت. والسلام – إلى أن قال: - وكذلك قوله : وَالأرضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَومَ القيامةِ [ الزمر: 67 ] إذ المعنى والله أعلم - أن مثل الأرض في تصرفها تحت أمر الله وقدرته مثل الشيء يكون في قبضة الآخذ له منا، والجامع يده عليه، وكذا قوله : وَ السَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيمينهِ [ الزمر: 67 ] أي يخلق فيها صفة الطي حتى تُرى كالكتاب المطوي بيمين الواحد منا، وخَص اليمين ليكون أعلى وأفخم للمثل، لأنهما أشرف اليدين وأقواهما، والتي لا غناء للأخرى دونها، فلا يهش إنسان لشيء إلا بدأ بيمينه، فهيأها لنيله، ومتى قُصد جَعْلُ الشيء في جهة العناية جُعل في اليد اليمنى، ومتى قصد خلاف ذلك جُعل في اليسرى، كما قال ابن ميادة: ألم تك في يمنى يديك جعلتني فلا تجعلني بعدها في شمالكا ..." [1]. التعليق: إيراد المؤلف آية الزمر في باب المجاز المركب أو الاستعارة التمثيلية وحديثه هذا عنها صريح في أن الله لا يقبض الأرض بيده، ولا السموات بيمينه، بل المراد عنده بقبض الأرض وطي السموات بيمينه هو تصرفه سبحانه في الأرض بقدرته وجعله السماء مطوية، وأن التعبير عن ذلك بالقبض الذي يكون باليد، وطي السموات باليمين = محضُ تمثيل، فلذلك عدَّ هذا التعبير من قبيل المجاز، وهذا باطل؛ لأنه مبني على نفي حقيقة اليدين عن الله، ونفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته سبحانه، وهذا من مذهب الأشاعرة الذي تبعوا فيه الجهمية . ومذهب أهل السنة والجماعة أن لله يدين حقيقة يفعل بهما ما شاء، وقد خلق آدم بيديه، وخصّه بذلك من بين سائر المخلوقات، وأخبر النبي أن الله يأخذ سمواته وأَرَضيه بيديه، فيقول: "أنا الله، أنا الملك" وجعل النبي يقبض أصابعه ويبسطها "[2]. وهذا الحديث يفسر هذه الآية، ويبين أن المراد بها أخذه سبحانه للسموات والأرض بيديه. وفي حديث أبي هريرة مرفوعاً: "يقبض الله تبارك و الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه"[3]. وهذا كله دال على بطلان التأويل الذي ذكره المؤلف وبطلان الأصل الذي بني عليه. قال ابن القيم : "ورد لفظ ( اليد ) في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مئة موضع وروداً متنوعاً متصرَّفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطي والقبض والبسط ... والخلق باليدين، وأنه يطوي السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يطوي الأرض بيده الأخرى "[4] إلى آخر كلامه . وبهذا كله يتبين – إن شاء الله – أن الآية ليست من شواهد المجاز المركب أو الاستعارة التمثيلية، بل هي من باب الحقيقة، والله أعلم . ــــــــــــــ [1]الإيضاح ( 438، 439 ) " مبحث المجاز المركب ". [2] رواه مسلم ( 4/ 2148 ) رقم ( 2787 ) عن ابن عمر ما . [3] رواه البخاري ( 4 / 1812 ) رقم ( 4534 ) ومسلم ( 4/ 2148 ) رقم ( 2787 ) عن أبي هريرة . [4] مختصر الصواعق المرسلة ( 384 ) . |
#33
|
|||
|
|||
(30) قال الخطيب القزويني – في ضمن سياقه لشواهد الاستعارة التمثيلية - : "وكذا ما روى أبو هريرة عن النبي أنه قال: "إن أحدكم إذا تصدّق بالتمرة من الطيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – جعل الله ذلك في كفه فيريبها كما يربي أحدكم فُلُوَّه، حتى يبلغ بالتمرة مثل أحد" [1]، والمعنى فيهما على انتزاع الشبه من المجموع، وكل هذا يسمى التمثيل على سبيل الاستعارة، وقد يسمى التمثيل مطلقاً" [2]. التعليق: ما في هذا الحديث من ذكر الأخذ للصدقة بيمينه سبحانه، أو جعلها في كفه وتربيتها إنما هو عبارة عن القبول ومضاعفة الثواب، وذكر الكف واليمين فيه مزيد تحقيق لذلك. ويزيد الأمر تحقيقاً وتوضيحاً قوله : "كما يربي أحدكم فُلُوَّه". يدل على ذلك أن من المعلوم بالضرورة أن الصدقة بالتمرة فصاعداً إنما تقع في يد الفقير، وأما الذي عند الله – فيربيه حتى تكون التمرة مثل الجبل – فهو الثواب يضاعفه الله أضعافاً كثيرة لا يعلم عدد هذا التضعيف إلا الله، والله واسع عليم . ومع ذلك فإن هذا الحديث مما يستدل به أهل السنة على إثبات اليدين لله، وإثبات الكف واليمين، وعلى هذا فمن جعل في الحديث استعارة بناءً على نفي حقيقة اليدين عن الله فهو معطِّل مجانب للصواب، وهذا ما درج عليه المؤلف كما ترى في كلامه. ومن جعل التعبير عن القبول والمضاعفة بالأخذ باليمين والتربية استعارة مع إثباته لحقيقة اليمين والكف فلقوله وجه، والله أعلم . ــــــــــــــــــ [1] أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة ، ولفظ البخاري ( 2/ 511 ) رقم ( 1344 ) : "من تصدق بعَدْل تمرة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فُلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل " ورواية مسلم ( 2/ 702 ) رقم ( 1014 ) : " ما تصدق أحد بصدقة من طيِّب – ولا يقبل الله إلا الطيب – إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله " ولفظ مسلم الآخر: " لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه، فيربيها كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو قَلوصه ( القَلوص: الناقة الفتية ) حتى تكون مثل الجبل، أو أعظم" والرواية التي ساقها الخطيب القزويني هي بنصها في " أسرار البلاغة " ( 365 ) ، وهي مخرجة بنحوها في "مسند الدارمي" ( 1042 ) برقم ( 1717 ) قال الدارمي: "أخبرنا سعيد بن المغيرة عن عيسى بن يونس عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ما تصدق امرؤ بصدقة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا طيباً – إلا وضعها حين يضعها في كف الرحمن، وإن الله ليربي لأحدكم التمرة كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل أحد" قال محقق المسند: "إسناد صحيح" . [2] الإيضاح ( 441 ) . |
#34
|
|||
|
|||
جزاک الله خيراً.
هل يجوز الاستشهاد بالاحاديث الضعيفة في البلاغة والنحو؟ وهل يجوز الاستشهاد بالشعر الجاهلی المخالف للشرع کلخمر واللغو؟ |
#35
|
|||
|
|||
وجزاكَ الله خيرًا، أما أسئلتُكَ فلا تحضُرني إجابةٌ شافيةٌ حولَها مع أهميتِها، ولعلَّكَ تكتبُ حديثًا مستقِلاًّ، وستجدُ ما يسرُّكَ، إن شاءَ الله .
وأذكرُ أنَّ كتاباً للدكتور/ عبد المحسن العسكر، عنوانه "شعر الغزل ونظرة سواء"، وإن كانَ بعيدًا عن سؤالِكَ، لكن لعلَّهُ ذكرَ شيئًا مما تُريدُ، وللأسفِ لم أطلعْ عليهِ بعد. وفقكَ الله . |
#36
|
|||
|
|||
جزاک الله الف خير.
|
#37
|
|||
|
|||
(31) قال الخطيب القزويني: "فصل واعلم أن الكلمة كما توصف بالمجاز لنقلها عن معناها الأصلي – كما مضى – توصف به أيضاً لنقلها عن إعرابها الأصلي إلى غيره، لحذف لفظ أو زيادة لفظ، أما الحذف فكقوله : وجَاءَ رَبُّكَ [ الفجر: 22 ] أي أمر ربك " [1]. التعليق: هذا من تأويلات المؤلف التي جرى فيها على طريقة الأشاعرة النفاة، والصواب إبقاء الآية على ظاهرها، دون ادعاء الحذف فيها لعدم القرينة الدالة على الحذف. ولتوافر النصوص من الكتاب والسنة على إثبات صفة المجيء لله تبارك و، وأنه سبحانه يأتي يوم القيامة حقيقة كيف شاء، أي هو يجيء نفسه لفصل القضاء بين عباده، وهذا هو مذهب السلف الصالح م، قال : هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أن يأتِيَهُمُ الله في ظُلَلٍ مِنْ الغَمَامِ والملائكةُ وَقُضيَ الأمرُ [ البقرة: 210 ] وقال سبحانه: هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن تأتِيَهُمُ الملائكةُ أو يأتـِيَ ربُّكَ أو يأتـِيَ بَعْضُ آياتِ ربِّكَ [ الأنعام : 158 ] وقال تبارك و : وَجَاءَ ربُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صفًّا [ الفجر: 22 ] . قال أبو الحسن الأشعري: "وأجمعوا على أنه يجيء يوم القيامة والملك صفًّا، لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها " [2]. ـــــــــــــ [1]الإيضاح ( 454 ) "مبحث المجاز بالحذف والزيادة". [2] رسالة إلى أهل الثغر ( 227 ) . |
#38
|
|||
|
|||
(32) قال الخطيب القزويني: "والكناية البعيدة ما ينتقل منها إلى المطلوب بها بواسطة، كقولهم – كناية عن الأبله- :عريض الوسادة، فإنه ينتقل من عرض الوسادة إلى عرض القفا، ومنه إلى المقصود" [1]. التعليق: إن قول المصنف ( عريض الوسادة ) يشير به إلى ما قاله النبي لعدي بن حاتم : "إنك لعريض الوسادة " [2]، كما صرح به البلاغيون من الشراح وغيرهم كالعلوي [3] والسبكي [4] والبابرتي [5] والمفتي [6] وجماعة من المعاصرين [7] . والحق أن قول الرسول هذا ليس من قبيل الكناية، بل من الكلام الذي هو على ظاهره، على تقدير أن وساد عدي غطى الخيطين الأسود والأبيض؛ الليل والنهار، لأنهما المرادان من الخيطين في الآية، وهي قول الله : وكُلُوا واشْربُوا حتَّى يتبَيَّنَ لَكُمُ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ مِنَ الفَجْرِ [ البقرة: 187 ] ويؤيد ذلك أمران : الأول: أن الرسول قال لعدي – كما في إحدى روايتي البخاري - : "إن وسادك إذن لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك" لقوله: إني جعلت تحت وسادتي عقالين. الثاني: أن حمل قوله : "إن وسادك لعريض" على الكناية عن الغفلة والبلاهة على ما هو معروف عند البلاغيين = مما لا يليق بالنبي في تعليمه مَنْ أخطأ في فهم القرآن، و هو مجتهد في معرفة حكم الله والعمل بشرعه، كيف وظاهر اللفظ معه؟ ولهذا أنزل الله زيادةً في البيان قوله: مِنَ الفَجْرِ [8] ، ويؤيد عذر عدي في ذلك الفهم والاجتهاد أن النبي لم يأمره بقضاء صوم الأيام التي أكل فيها إلى أن تبين له العقال الأبيض من الأسود، وهذا ما درج عليه المحققون في شرح الحديث. وعلى ذلك فاستشهاد البلاغيين بهذا الحديث في باب الكناية غلط منهم، ولم يوافقهم عليه أحد من العلماء. قال أبو العباس القرطبي:" قوله "إن وسادك لعريض" حمله بعض الناس على الذم له على ذلك الفهم، وكأنه فهم منه أن النبي نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه. وربما عضدوا هذا بما روي أنه قال: "إنك لعريض القفا" [9] وليس الأمر كذلك، فإنه حَمَل اللفظ على حقيقته اللسانية، إذ هي الأصل، إذ لم يتبين له دليل التجوز، ومن تمسك بهذا الطريق لم يستحق ذماً، ولا ينسب إلى جهل، وإنما عنى بذلك النبي – والله أعلم – أن وسادك إن غطّى الخيطين اللذين أراد الله، اللذين هما الليل والنهار، فهو إذن وساد عريض واسع، إذ قد شملهما وعلاهما، ألا تراه قد قال على إثر ذلك: "إنما هو سواد الليل وبياض النهار" فكأنه قال: فكيف يدخلان تحت وساد؟ وإلى هذا يرجع قوله: "إنك لعريض القفا" لأن هذا الوساد الذي قد غطّى الليل والنهار بعرضه لا يرقد عليه ولا يتوسده إلا قفاً عريض، حتى يناسب عرضُه عرضَه، وهذا عندي أشبه ما قيل فيه وأليق" [10] .وبنحو ذلك قال القاضي عياض [11]. ــــــــــــــــــــــ [1] الإيضاح ( 458 ) " مبحث الكناية ". [2] رواه البخاري ( 4/ 1640 ) رقم ( 4239، 4240 ) ومسلم ( 2/ 766 ) رقم ( 1090 ) عن عدي بن حاتم . [3] الطراز ( 1/ 429 ) . [4] عروس الأفراح ( 4/ 257 ) " شروح التلخيص ". [5] شرح التلخيص ( 603 ) . [6] خلاصة المعاني ( 398 ) . [7] ينظر: تفسير التحير والتنوير ( 2/ 185 ) الأسلوب الكنائي لمحمود شيخون ( 72 ) . [8] أخرج البخاري ( 4/ 1640 ) رقم ( 4241 ) ومسلم ( 2/ 767 ) رقم ( 1091 ) عن سهل بن سعد قال: أنزلت: وكُلُوا واشْربُوا حتَّى يتبَيَّنَ لَكُمُ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ مِنَ الفَجْرِ ولم ينزل مِنَ الفَجْرِ وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعده مِنَ الفَجْرِ فعلموا أنما يعني الليل من النهار" هذا لفظ البخاري . [9] صحيح البخاري ( 4/ 1640 ) رقم ( 4240 ) . [10] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ( 3/ 148 ) . [11] إكمال المعلم بفوائد مسلم ( 4/ 26 ) . |
#39
|
|||
|
|||
(33) قال الخطيب القزويني في مبحث الكناية: "وكقولهم : ( مثلك لا يبخل ) قال الزمخشري: "نفوا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية، لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده وعمّن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه، ونظير قولك للعربي: العرب لا تخفر الذمم، فإنه أبلغ من قولك: أنت لا تخفر، ومنه قولهم: أيفعتْ لداته، وبلَغت أترابه، يريدون إيفاعه وبلوغه" [1] وعليه قوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ [ الشورى: 11 ] – على أحد الوجهين وهو أن لا تجعل الكاف زائدة – قيل: وهذا غاية لنفي التشبيه، إذ لو كان له مثل، لكان لمثله شيء وهو ذاته ، فلما قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ دل على أنه ليس له مثل. وأورد أنه يلزم منه نفيه لأنه مثل مثَله، ورُد بمنع أنه مثل مثله، لأن صدق ذلك موقوف على ثبوت مثله، عن ذلك" [2]. التعليق: جَعْل الآية من قبيل الكناية اعتماداً على قول العرب ( مثلك لا يبخل ) لا يستقيم؛ لأن الآية سيقت لنفي المثل عمّن لا مثل له، ولا يجوز أن يكون له مثل، وقولهم: ( مثلك لا يبخل ) جارٍ على من له مثل أو يجوز أن يكون له مثل، ولهذا أوهم هذا الوجه إثبات المثل لله ، وهو ضد ما سيقت الآية لتقريره، وهو تنزيه الله عن أن يكون له مثل سبحانه و. بيد أن أسلم الوجوه البيانية وأبعدها عن الإيهام والإشكال في معنى اجتماع الكاف و ( مثل ) في الآية أن يقال: إن الكاف جاءت زائدة لتأكيد نفي المماثلة، فإن الزيادة في الحروف مألوفة، ولا يتوهم أن معنى وصفها بالزائدة: خلوها من الفائدة، فالزيادة في المبنى زيادة في المعنى، وتلك تسمية اصطلاحية، ثم إن فَهْمَ المقصود من الآية على هذا الوجه سهل، وهو ما ذهب إليه أكثر المفسرين وعلماء العربية [3]. قال أبو الفتح عثمان بن جني: "اعلم أن هذه الكاف التي هي حرف جر، كما كانت غير زائدة فيما قدَّمنا ذكره فقد تكون زائدة مؤكِّدة بمنزلة الباء في خبر ( ليس ) و ( ما ) و ( من )، وغير ذلك من حروف الجر، وذلك نحو قوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وتقديره – والله أعلم - : ليس مثَله شيء، فلابد من زيادة الكاف ليصح المعنى، لأنك إن لم تعتقد ذلك أثبت له عز اسمه مثلا، فزعمت أنه ليس كالذي هو مثله شيء. فيفسد هذا من وجهين: أحدهما: ما فيه من إثبات المثل له عز اسمه علواً عظيماً. والآخر: أن الشيء إذا أثبت له مثلا فهو مِثْلُ مِثله؛ لأن الشيء إذا ماثله شيء فهو أيضاً مماثل لما ماثله. ولو كان ذلك كذلك – على فساد اعتقاد معتقده – لما جاز أن يقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ لأنه مثل مثله، وهو شيء. لأنه تبارك و قد سمّى نفسه شيئاً بقوله : قُلْ أيُّ شَيءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله ُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [ الأنعام: 19 ]وذلك أن ( أيّاً ) إذا كانت استفهاماً فلا يجوز أن يكون جوابها إلا من جنس ما أضيفت إليه، ألا ترى أنك لو قال لك قائل: أي الطعام أحب إليك؟ لم يجز أن تقول له: الركوب ولا المشي، ولا نحو ذلك مما ليس من جنس الطعام، فهذا كله يؤكد عندك أن الكاف في ( كمثله ) لابد أن تكون زائدة " [4]. ـــــــــــــــ [1] هنا ينتهي كلام الزمخشري، وهو في الكشاف ( 3/ 462 ) . [2] الإيضاح ( 464، 465 ) . [3] ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج ( 4/ 395 ) المحرر الوجيز لابن عطية ( 14/ 207 ) التبيان في إعراب القرآن للعكبري ( 2/ 131 ) مغني اللبيب لابن هشام ( 237 ) الدر المصون للسمين ( 6/ 76 ) التحرير والتنوير ( 25/ 47 ) . [4] سر صناعة الإعراب: ( 291 ) . |
#40
|
|||
|
|||
(34) قال الخطيب القزويني: "تنبيه أطبق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وأن الاستعارة أبلغ من التصريح بالتشبيه، وأن التمثيل على سبيل الاستعارة أبلغ من التمثيل لا على سبيل الاستعارة، وأن الكناية أبلغ من الإفصاح بالذكر"[1]. التعليق: كنت أتمنى على المؤلف لو قال: أطبق البلغاء على أن المجاز أكثر مبالغة من الحقيقة ... إلخ. أو لو بيّن – على الأقل- أنه يريد بالأبلغية هنا المبالغة، فإنه قد يتبادر من العبارة للقارئ أن ( أبلغ ) من البلاغة، كما وقع ذلك لبعض المصنفين [2] وإن كان الخطيب قد تلقف هذه العبارة من عبد القاهر[3] والسكاكي [4]. وذلك لأن ( أبلغ ) اسم تفضيل، وإنما يشتق من الثلاثي، كما هو مذهب جمهور النحويين، فلا غرو أن تحمل ( أبلغ ) على ( بَلُغ ) لا ( بالغ )، هذا شيء، وشيء آخر، وهو أن ( أبلغ ) في عرف أصحاب هذا الفن من البلاغة لا من المبالغة، كما إذا قالوا: هذا التعبير أبلغ من ذاك، وقد يعطفون عليها ( أفصح ) تأكيداً لمعنى البلاغة، كقول أبي هلال العسكري: "قوله عز اسمه: وَإِذَا غَرَبَتْ تقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [ الكهف: 17 ] ليس في جميع القرآن أبلغ ولا أفصح منه "[5]. وأيَّا ما كان؛ فإن المؤلف قصد بالأبلغية هنا المبالغة فحسب، لأن في هذه الأساليب ( المجاز والاستعارة والكناية ) إفادة المعنى بدليله. وأما حمل ( أبلغ ) على البلاغة ففيه نظر ظاهر، ذلك لأن لكل من هذه الأساليب ( الحقيقة، المجاز، الاستعارة... إلخ ) موقعه اللائق به، ولا يمكن أن يحكم لبعضها بأنه أبلغ من غيره بإطلاق، فإن المقام إذا كان يتطلب المجاز فيكون المجاز حينئذ أبلغ من الحقيقة، والعكس بالعكس، وهكذا يقال في الأساليب الأخرى حين التفاضل، وإلا فما معنى قولهم: (البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال) بيد أنك تجد القرآن وفي كلام النبي الحقيقة والتصريح بالتشبيه، والتمثيل لا على سبيل الاستعارة، ومحال أن تقول: إن هذه الأساليب غير بليغة ولو جاء ضدها من المجاز والاستعارة لكان الكلام أبلغ! ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لا يلجأ إلى المجاز إلا لتحقيق غاية في صناعة الكلام، فإذا لم يحقق المجاز غاية، ولم يكن له أثر في تقويم اللفظ أو تحسين المعنى، فلا ينبغي العدول عن لفظ الحقيقة إلى لفظ المجاز، لأن الأصل الحقيقة. ولا يعدل عن الأصل إلى الفرع إلا لفائدة. ــــــــــــــــــــــ [1] الإيضاح ( 468 ) . [2] انظر على سبيل المثال: المثل السائر ( 1/ 88 )، الطراز ( 2/ 8 )، الصور البيانية بين النظرية والتطبيق لحفني شرف ( 222 ) البحث البلاغي عند ابن قتيبة لمحمد الصامل ( 219 ) . [3] دلائل الإعجاز ( 70 ) . [4] مفتاح العلوم ( 523 ) . [5] الصناعتين ( 282 ) . |
#41
|
|||
|
|||
(35) قال الخطيب القزويني: "ثم قال [أي السكاكي ] : وإذ قد وقفتَ على البلاغة والفصاحة المعنوية واللفظية، فأنا أذكر على سبيل الأنموذج آية أكشف لك فيها عن وجوه البلاغة والفصاحتين ما عسى يسترها عنها، وذكر ما أورده الزمخشري في تفسير قوله : وَقِيلَ يا أرضُ ابْلَعِي ماءَكِ ويا سماءُ أقلعِي وَغِيضَ الماءُ وَ قُضِيَ الأمْرُ واسْتَوَتْ عَلَلى الجُودِي وقِيلَ بُعْدًا للقَومِ الظَّالمينَ [ هود: 44 ] ...إلخ " [1]. التعليق: أطال المؤلف جداً في تحليل الآية بما نقله عن السكاكي – الذي أخذ عن الزمخشري – ثم ما أضافه الخطيب من عند نفسه، بيد أنه ترك التنبيه على أشياء مهمة لا يصح للبلاغي ولا لمن يتعاطى التفسير إغفالها، فأقول متمماً لمقاله، وبالله التوفيق: في هذه الآية أربعة أفعال مبنية لما لم يسم فاعله، فأما الثاني والثالث وهما غِيضَ و قُضِي فالفاعل لهما الله، فهو سبحانه الذي غاض الماء، أي نقَصَه حتى ذهب عن وجه الأرض، وهو الذي قضى الأمر، أمرَ إهلاك المكذبين، أي أتمه، فنفذ فيهم حكمه الذي سبق به قدره. وأما الأول والرابع، وهما قِيلَ في أول الآية وآخرها فيحتمل أن يكون الفاعل عاما لكل من يتأتى منه القول، ويكون ما في هذا القول من النداء للأرض والسماء وارداً على جهة التمني، وهو يصوّر مبلغ الهول وشدة الخوف، وعلى هذا الوجه فقوله: وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَومِ الظالمِينَ دلالة على بغض كل شيء للظالمين، فلذلك يدعو عليهم بالبعد غير مأسوف عليهم. ويحتمل أن يكون فاعل القول في الموضعين هو الله [2] والنداء في الأرض والسماء خطاب من الله لهما بما أَمَرهما به، والأمر يحتمل أن يكون أمر تكوين محض، فلا إرادة للسماء والأرض في الفعل المضاف إليهما، ويحتمل أن يكون أمر تكليف فيكون الفعل من الأرض و السماء واقعاً بإرادة منهما طاعة لله ، وهذا أظهر كما قال سبحانه: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ ائتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أتَيْنَا طَائِعِينَ [ فصلت: 11 ] . ولا يمتنع أن يكون للأرض والسماء من الإدراك والإرادة ما يؤهلهما للخطاب. وعلى هذا الوجه فقوله: وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَومِ الظالمِينَ حكم من الله ببعد الظالمين من رحمته، وهذا يتضمن لعنة من الله عليهم. وأما الإقلاع والبلع مضافين إلى السماء والأرض، فيحتمل أن يكون ذلك استعارة أو مجازاً عقلياً على تقدير أن لا إرادة لهما، وأما على تقدير أن لهما إرادة فالفعل منهما حقيقة، إلا إذا قيل إن البلع مختص بالحيوان، فالتعبير بالبلع عن دخول الماء في جوف الأرض استعارة تصريحية. والراجح من الوجهين في فاعل قِيلَ في أول الآية وآخرها هو الثاني، وهو أن فاعل القول هو الله، وذلك لأمور: أولها: لتتحد الأفعال الأربعة في فاعلها ويطرد التقدير. ثانيها: أنه لا أحد يملك أمر السماء بالإقلاع والأرض ببلع الماء إلا خالقها ومدبرها، وهو الله سبحانه و. ثالثها: أن الحكم من الله ببعد الظالمين وطردهم من رحمته أعظم في الوعيد والذم من دعاء الخلق عليهم. والله أعلم . ـــــــــــــــــــ [1] الإيضاح ( 470 - 474 ) "خاتمة مبحث البيان ". [2] ينظر: معارج الصعود إلى تفسير سورة هود للشنقيطي ( 122 ) . |
#42
|
|||
|
|||
(36) قال الخطيب القزويني: "ومن مراعاة النظير ما يسميه بعضهم تشابه الأطراف وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى، كقوله : لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللََّطِيفُ الخَبِيرُ [ الأنعام: 103 ] فإن اللطف يناسب ما لا يدرك بالبصر"[1]. التعليق: إن هذا الكلام يفهم منه أن المصنف يفسر ( اللطيف ) بالخفي وهو غلط ظاهر، وقد وفد إليه هذا القول أو التفسير من الزمخشري، وهاك عبارته: " اللَّطِيف يلطف عن أنْ تدركه الأبصار " [2]. ومعلوم أن المعتزلة ينكرون أن الله يُرى، بل يرون أن ذلك مستحيل على الله، كما يستحيل عليه النوم والموت ونحو ذلك من النقائص [3]. والذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله يُرى في الآخرة، يراه المؤمنون بأبصارهم كما يرون الشمس ليس دونها حجاب، والقمر ليس دونه سحاب. والصحيح في تفسير اللَّطِيف في الآية أن يقال: اللطيف الذي يدرك الأشياء الخفية – فهو صيغة مبالغة من لَطَف -بفتح الطاء- فهو سبحانه من أحاط علماً بالسرائر والخفايا، وأدرك الخبايا والبواطن والأمور الدقيقة [4] و الخَبِيرُ في الآية تأكيد لما تضمنه اللَّطِيف من معنى، وهذه الآية تشبه في مبناها آية لقمان: يا بُنيَّ إنَّها إن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ إلى قوله - : إنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ [ لقمان : 16 ] وعلى هذا فيكون الاسمان الكريمان اللَّطِيفُ الخَبِيرُ اللذان ذيلت بهما الآية كلاهما راجع إلى قوله: وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ لا كما قال المؤلف . وأحسب أنه بعد هذا قد تجلّى لك أن ادعاء تشابه الأطراف في الآية بعيد، اللهم إلا أن يكون تشابهاً نسبياً، والله أعلم. تنبيه – جاء اسم الله اللَّطِيف في القرآن على نوعين لا ثالث لهما ألبتة: الأول: أنه الذي لا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت، أي هو لطيف العلم، وهو ما شرحناه لك فيما مضى في سورة الأنعام التي استشهد بها القزويني. الثاني: الرؤوف بعباده الذي يلطف ويرفق بهم من حيث لا يعلمون، يرزقهم من حيث لا يحتسبون، ويحسن إليهم من حيث لا يشعرون. فهذا المعنيان هما اللذان يفسر بهما – فقط – كل ما ورد من اسم الله ( اللَّطِيف أما مجيء اللَّطِيف بمعنى الخفي فلا يوجد في القرآن. قال ابن القيم : وهو اللطـيف بعبده ولعبده واللطف في أوصـافه نوعان إدراك أسرار الأمور بخبرة واللطـف عند مواقع الإحسان فيريك عزته ويبدي لطفه والعبد في الغفلات عن ذا الشان [5] ـــــــــــــــــــ [1] الإيضاح ( 490 ) "مبحث المحسنات المعنوية ". [2] الكشاف ( 2/ 41 ) . [3] ينظر: المغني في أبواب التوحيد والعدل ( 4/ 139 ) متشابه القرآن ( 1/ 291 ) كلاهما لعبد الجبار. [4] تيسير الكريم الرحمن ( 268 ) . [5] نونية ابن القيم " مع شرح ابن عيسى " ( 2/ 228 ) وينظر النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى ( 1/ 241 ) . |
#43
|
|||
|
|||
(37) قال الخطيب القزويني: "ومما يلحق بالتناسب نحو قوله : الشَّمْسُ وَ القَمَرُ بِحُسْبَانٍ والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [ الرحمن : 5، 6 ] ، ويسمى: إيهام التناسب " [1]. التعليق: القزويني يفسر النجم في الآية بأنه النبات الذي ينبسط على وجه الأرض ولا ساق له، وهذا تفسير ابن عباس وغيره، واختاره ابن جرير [2] ، فيكون في ذكر النجم – بهذا المعنى – عقِب ذكر الشمس والقمر إيهام تناسب، ولنا هنا مأخذان: الأول: لو سمى المؤلف هذا المحسن البديعي ( التناسب اللفظي ) لكان أولى [3] ، فرارا من إطلاق لفظ ( إيهام ) على القرآن، فهذا غير لائق، لأن الله قد وصف كتابه بأنه بيان وتبيان وهدى ورحمة، فقال سبحانه و : هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ للمُتَّقِينَ [ آل عمران: 138 ] وقال : وَنزَّلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ تِبْيانًا لكلِّ شيءٍ وَهُدًى وَرَحمةً وَ بُشْرَى لِلمسْلِمِينَ [ النحل: 89 ]، والإيهام ينافي كمال البيان . الثاني: ذهب جماعة من المفسرين منهم مجاهد والحسن البصري وقتادة [4] إلى أن النجم في الآية هو الذي في السماء، واستظهره الحافظ ابن كثير [5] والشنقيطي [6] ، واستدل عليه بأن الله صرح في سورة الحج بسجود نجوم السماء والشجر، ولم يذكر في آية من كتابه سجود ما ليس له ساق من النبات بخصوصه، قال : أَلَمْ ترَ أنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن في السَّمواتِ وَمَن في الأرْضِ وَ الشَّمسُ وَ القَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الجِبَالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوابُّ الآية [ الحج: 18 ] فدلت هذه الآية على أن الساجد من الشجر في آية الرحمن هو النجوم السماوية المذكورة في سورة الحج، وخير ما يفسر به القرآن القرآن. وعلى هذا الوجه في تفسير ( النجم ) في سورة الرحمن يكون في الآيتين تناسب صريح في ذكر الشمس والقمر والنجم، لا إيهام تناسب كما يقول القزويني وغيره. ـــــــــــــــ [1] الإيضاح ( 491 ) " مبحث المحسنات المعنوية ". [2] جامع البيان ( 27/ 116 ) الدر المنثور ( 7/ 692 ) . [3] وأقترح أن يسمى التناسب الصريح تمييزاً له عن الذي قبله ( وهو التناسب اللفظي والمعنوي ) . [4] جامع البيان ( 27/ 117 ) تفسير القرآن العظيم ( 4/ 421 ) . [5] تفسير القرآن العظيم ( 4/ 421 ) . [6] أضواء البيان ( 7/ 727 ) . |
#44
|
|||
|
|||
(38) قال الخطيب القزويني: "ومنه [ أي البديع المعنوي ] المشاكلة، وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقاً أو تقريراً، أما الأول فكقوله: قالوا اقترح شيئًا نُجِدْ لك طبخه قلت اطبخوا لي جُبَّة وقميصا كأنه قال: خيطوا لي. وعليه قوله : تَعْلَمُ مَا في نَفْسِي ولا أَعلَمُ مَا في نَفْسِكَ [ المائدة: 116 ] " [1]. التعليق: الصواب أنه ليس في الآية مشاكلة؛ فإن النفس في الموضعين معناها الذات، لكنْ نفسُ الخالق تليق به ونفس المخلوق تليق به، فليس النفس كالنفس وإن كان بينهما قدر مشترك وهو معنى النفس عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة، ومما يؤيد عدم المشاكلة في هذه الآية ورود النفس مضافة إلى الله من غير أن تقترن بذكر النفس مضافة إلى المخلوق كما في قوله سبحانه: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحمَةِ [ الأنعام: 54 ] وقوله : وَ يُحذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ في موضعين من [ آل عمران: 28، 30 ] وقوله سبحانه في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " [2]. وقول ابن يعقوب المغربي: إن النفس مخصوصة في اللغة بالحيوان أو بالحادث الحي مطلقاً؛ [3] لا دليل عليه، ولعل ابن يعقوب ذهب إلى أن المراد بالنفس ( الروح ) التي بها حياة المخلوق فأوجب له ذلك نفي النفس حقيقة عن الله، والنفس بمعنى الروح ليست المرادة هنا، بل المراد بالنفس الذات كما تقدم، ومنه: جاء عبد الله نفسه. وأما تفسير النفس في حق الله بالعلم كما هو اختيار الدسوقي [4] فلا يصح، لأمرين: الأول: أنه تفسير لا أصل له في اللغة. الثاني: أنه يرد عليه ما ورد على من قبله، وهو قوله : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ إذ يلزم على هذا القول أن يكون المعنى: كتب ربكم على علمه الرحمة، وهذا ظاهر الفساد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ساق بعض النصوص التي فيها ذكر النفس لله : "فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء لله نفسه، التي هي ذاته المتصفة بصفاته" [5]. ـــــــــــــــ [1] الإيضاح ( 493 ) . [2] رواه مسلم ( 4/ 1994 ) رقم ( 2577 ) عن أبي ذر . [3] مواهب الفتاح ( 4/ 312 ) "ضمن شروح التلخيص". [4] حاشية الدسوقي ( 4/ 312 ) "ضمن شروح التلخيص ". [5] مجموع الفتاوى ( 9/ 292، 293 ) . |
#45
|
|||
|
|||
(39) قال الخطيب القزويني: "وأما الثاني [ أي النوع الثاني من المشاكلة وهي المشاكلة التقديرية ] فكقوله : صِبْغَةَ اللهِ [ البقرة: 138 ] وهو مصدر مؤكد منتصب عن قوله: آمنَّا بِاللهِ [ البقرة: 136 ] والمعنى: تطهير الله، لأن الإيمان يطهر النفوس، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية، ويقولون: هو تطهير لهم، فأمر المسلمون أن يقولوا لهم: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وصَبَغنا الله بالإيمان صبغة ولم يصبغ صبغتكم، وجيء بلفظ الصبغة للمشاكلة وإن لم يكن قد تقدم لفظ الصبغ، لأن قرينة الحال – التي هي سبب النزول من غمس النصارى أولادهم في الماء الأصفر – دلَّت على ذلك، كما تقول لمن يغرس الأشجار: اغرس كما يغرس فلان، تريد رجلا يصطنع الكرام" [1]. التعليق: لايصح ربط تفسير الآية بما عُرِفَ عن النصارى مما يسمونه المعمودية [2] إذ لم يقل بذلك أحد من السلف، ولا يجوز ربط تفسير الآيات بمعان لا علاقة لها بها لوجود قدر من الاشتراك اللفظي، كما لا يجوز تفسيرها بخلاف الظاهر دون دليل. إن المنقول عن السلف في تفسير (صبغة الله) في الآية أنه دين الله، وبذلك قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو العالية والربيع بن أنس والسدي وغيرهم [3]. وجاء عن مجاهد أيضاً أن ( صبغة الله ) هي فطرته التي فطر الناس عليها [4] ، والله سبحانه قد فطر الناس على الدين القيّم كما قال ابن جرير [5] ، فيؤول هذا إلى التفسير السابق. قال ابن فارس: "الفاء والطاء والراء أصل صحيح يدل على فتح شيء وإبرازه، من ذلك الفطر من الصوم يقال: أفطر إفطاراً، وقوم فِطْر أي مفطورون، ومنه الفَطْر، بفتح الفاء، وهو مصدر فطَرْتُ الشاةَ فَطْرا، إذا حلبتَها. ويقولون: الفَطْر يكون الحلبَ بإصبعين. والفِطْرة: الخِلْقة" [6]. وإذا كان هذا هو أصل الكلمة في اللغة فيكون إطلاق ( الصبغة ) على الدين استعارة [7] على معنى أن الدين يصبغ صاحبه بآثاره؛ حسنة أو قبيحة. ودين الله يصبغ المتدين به بآثاره الحميدة من حسن الخلق وزكاء النفس بتحقيق العبودية. وبهذا التفسير للصبغة تخرج الآية عن كونها من المشاكلة، والله أعلم . ــــــــــــــــ [1] الإيضاح ( 495 ) "مبحث المشاكلة ". [2] وإن قال بعض المفسرين. ينظر: الكشاف ( 1/ 316 ) التفسير الكبير للرازي ( 4/ 98 ) روح المعاني ( 1/ 397 ) . [3] ينظر: جامع البيان ( 1/ 570 ) النكت والعيون ( 1/ 195 ) الدر المنثور ( 1/ 340 ) . [4] المراجع السابقة في الهامش السابق. [5] جامع البيان ( 1/ 570 ) . [6] معجم مقاييس اللغة ( 4/ 510 ) . [7] ينظر: المحرر الوجيز ( 1/ 370 ) الجامع لأحكام القرآن ( 2/ 132 ) . |
الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1) | |
أدوات الحديث | |
طرائق الاستماع إلى الحديث | |
|
|
الأحاديث المشابهة | ||||
الحديث | مرسل الحديث | الملتقى | مشاركات | آخر مشاركة |
الآيات القرآنية في كتاب الإيضاح للقزويني | س احمد | حلقة البلاغة والنقد | 3 | 22-01-2010 12:04 AM |