|
#1
|
|||
|
|||
إطلاقات العلماء .
أحمد الله وأشكره على جزيل نعمه وآلائه, وأسأله العون والسداد, إنه المأمول والمرجوّ. أما بعد, فهذه نُبَذٌ من عبارات الأفذاذ, وإطلاقات الجهابذة المحققين من الأيمة الذين خبروا العلم عن كثب, أنثرها بين أيديكم ليتأملّها من رام المعرفة, ولم أشأ التعليق عليها إن متفقا أو مختلفا. وسأبدأ بإذن الله ببعض عبارات الأزهري في تهذيبه, وأتبع هذه الحلقة أخرى وثالثة ورابعة إن نسأ الله في الأجل. ويقول عن كتاب (الياقوتة): «وَهُوَ كتابٌ حسن، وَفِيه غرائب جَمَّة، ونوادر عَجِيبَة، وَقد تصفّحته مرَارًا فَمَا رَأَيْت فِيهِ تصحيفاً». « وَلأبي حَاتِم كتاب كَبِير فِي (إصْلَاح المزال والمفسَد) ، وَقد قرأته فرأيته مُشْتَمِلًا على الْفَوَائِد الجمَّة، وَمَا رَأَيْت كتابا فِي هَذَا الْبَاب أنبل مِنْهُ وَلَا أكمل». «وَقد حُمِل إِلَيْنَا كتابٌ كَبِير فِي (الْأَلْفَاظ) مِقْدَار ثَلَاثِينَ جلدا ونُسِب إِلَى ابْن السّكيت، فَسَأَلت المنذريّ عَنهُ فَلم يَعرفْه، وَإِلَى الْيَوْم لم أَقف على مؤلف الْكتاب على الصحَّة. وقرأت هَذَا الكتابَ وأعلمتُ مِنْهُ على حُرُوف شككتُ فِيهَا وَلم أعرفْها، فجاريتُ فِيهَا رجلا من أهل الثَّبَت فعرفَ بعضَها وَأنكر بعضَها، ثمَّ وجدتُ أَكثر تِلْكَ الْحُرُوف فِي كتاب (الياقوتة) لأبي عُمر » . ويقول عن كتاب الجيم: «وَرَأَيْت أَنا من أوّل ذَلِك الْكتاب تفاريق أَجزَاء بِخَط مُحَمَّد بن قَسْورَة، فتصفَّحتُ أَبْوَابهَا فَوَجَدتهَا على غَايَة الْكَمَال. وَالله يغْفر لأبي عَمْرو ويتغمدُ زلته. والضنُّ بِالْعلمِ غير مَحْمُود وَلَا مبارَك فِيهِ ». « وَكَانَ أَبُو تُرَاب الَّذِي ألف كتاب (الاعتقاب) قدم هَرَاة مستفيداً من شِمْر، وَكتب عَنهُ شَيْئا كثيرا. وأملى بهراة من كتاب (الاعتقاب) أَجزَاء ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور وأملى بهَا باقيَ الْكتاب. وَقد قَرَأت كِتَابه فاستحسنته، وَلم أره مجازِفاً فِيمَا أودَعه، وَلَا مصحِّفاً فِي الَّذِي ألّفه». «وَقد قَرَأت كتاب (الْعين) غيرَ مرَّة، وتصفّحته تَارَة بعد تَارَة، وعُنيتُ بتتبُّع مَا صُحِّف وغُيِّر مِنْهُ، فَأَخْرَجته فِي مواقعه من الْكتاب وأخبرت بِوَجْه الصحَّة فِيهِ، وبيَّنت وَجه الْخَطَأ، ودللت على مَوْضع الصَّوَاب مِنْه فِي تضاعيف أَبْوَاب الْكتاب، وتحمد الله إِذا أنصفتَ على مَا أفيدك فِيهَا. وَالله الموفِّق للصَّوَاب، وَلَا قوَّةَ إلاّ بِهِ». «وَمَتى مَا رأيتَني ذكرت من كِتَابه حرفا وَقلت: إِنِّي لم أَجِدهُ لغيره فَاعْلَم أنَّه مُريب، وكنْ مِنْهُ على حذر وافحصْ عَنهُ؛ فَإِن وجدتَه لإِمَام من الثِّقَات الَّذين ذكرتُهم فِي الطَّبَقَات فقد زَالَت الشُّبَه، وإلاّ وقفتَ فِيهِ إِلَى أَن يَضِحَ أمرُه ». «وممَّن تكلم فِي لُغَات الْعَرَب بِمَا حضر لسانَه وروى عَن الْأَئِمَّة فِي كَلَام الْعَرَب مَا لَيْسَ من كَلَامهم: عَمْرو بن بَحر الْمَعْرُوف بالجاحظ: وَكَانَ أوتيَ بسطةً فِي لِسَانه، وبياناً عذباً فِي خطابه، ومجالاً وَاسِعًا فِي فنونه، غير أَن أهل الْمعرفَة بلغات الْعَرَب ذمُّوه، وَعَن الصِّدق دفَعوه. وأخبرَ أَبُو عُمر الزَّاهِد أَنه جرى ذكره فِي مجْلِس أَحْمد بن يحيى فَقَالَ: اعذِبوا عَن ذكر الجاحظ فَإِنَّهُ غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون». وَيقول في كتب ابن قتيبة (مُشكل الْقُرْآن وغريبه)، و(غَرِيب الحَدِيث)، و(الأنواء)، و(الميسر)، (آدَاب الكتَبة)، و(إصْلَاح الْغَلَط): «وَقد تصفَّحتها كلهَا، ووقفت على الْحُرُوف الَّتِي غلِط فِيهَا وعَلى الْأَكْثَر الَّذِي أصَاب فِيهِ, فأمَّا الْحُرُوف الَّتِي غَلِط فِيهَا فإنّي أثبتُّها فِي موقعها من كتابي، ودللت على مَوضِع الصَّوَاب فِيمَا غلط فِيهِ». وقال في البشتي: «قد اعترَف البُشتي بِأَنَّهُ لَا سماعَ لَهُ فِي شَيْء من هَذِه الْكتب، وَأَنه نَقل مَا نقل إِلَى كِتَابه من صُحفهم، واعتلَّ بِأَنَّهُ لَا يُزْري ذَلِك بِمن عرف الغثَّ من السمين, وَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ اعترفَ بِأَنَّهُ صُحُفيّ والصُّحُفي إِذا كَانَ رَأس مَاله صُحفاً قَرَأَهَا فإنّه يصحّف فيكثِر، وَذَلِكَ أَنه يُخبر عَن كتبٍ لم يَسمعْها، ودفاتر لَا يدْرِي أصحيحٌ مَا كُتب فِيهَا أم لَا, وإنّ أَكثر مَا قَرَأنَا من الصُّحُف الَّتِي لم تُضبَط بالنقْط الصَّحِيح، وَلم يتولَّ تصحيحَها أهل الْمعرفَة لسقيمةٌ لَا يعتمدها إلاّ جَاهِل». وقال في تفسير «العنّة» للبشتي: «وَلست أَدْرِي عَمَّن أَخذ مَا قَالَه فِي العُنّة أَنه الْحَبل الْمَمْدُود, ومدّ الْحَبل من فِعل الْحَاضِرَة, وَلَعَلَّ قَائِله رأى فُقَرَاء الحَرَم يمدون الحبال بمنى فيلقون عَلَيْهَا لُحُوم الهَدْي وَالْأَضَاحِي الَّتِي يُعطَوْنَها، ففسر قَول الْأَعْشَى بِمَا رأى. وَلَو شَاهد العربَ فِي باديتها لعلم أنّ الْعنَّة هِيَ الحِظار من الشّجر». وقال في خاتمة حديثه عن البشتي: «وَقد ذكرت لَك هَذِه الأحرف الَّتِي أَخطَأ فِيهَا والتقطتها من أوراق قَليلَة، لتستدلّ بهَا على أنّ الرجل لم يَفِ بِدَعْوَاهُ, وَذَلِكَ أَنه ادّعَى معرفَة وحفظاً يُمَيّز بهَا الغثَّ من السمين، وَالصَّحِيح من السقيم، بعد اعترافه أَنه استنبط كِتَابه من صحف قَرَأَهَا، فقد أقرَّ أَنه صحفيٌّ لَا رِوَايَة لَهُ وَلَا مُشَاهدَة، ودلّ تصحيفه وخطؤه على أَنه لَا معرفَة لَهُ وَلَا حفظ, فَالْوَاجِب على طلبة هَذَا الْعلم ألاّ يغترُّوا بِمَا أودع كِتَابه، فإنّ فِيهِ مَنَاكِير جَمّةً لَو استقصيتُ تهذيبَها اجْتمعت مِنْهَا دفاترُ كَثِيرَة, وَالله يُعيذنا من أَن نقُول مَا لَا نعلمهُ، أَو ندَّعي مَا لَا نُحسنه، أَو نتكثَّرَ بِمَا لم نُؤْتَه. وفقنا الله للصوابِ، وأداءِ النُّصح فِيمَا قصدناه، وَلَا حَرَمنا مَا أمّلناه من الثَّوَاب». وقال: «وَلم أر خلافًا بَين اللغويين أَن التأسيس الْمُجْمل فِي أوّل كتاب (الْعين) ، لأبي عبد الرَّحْمَن الْخَلِيل بن أَحْمد، وَأَن ابْن المظفَّر أكملَ الكتابَ عَلَيْهِ بعد تلقُّفه إِيَّاه عَن فِيهِ. وعلمتُ أَنه لَا يتقدَّم أحدٌ الْخَلِيل فِيمَا أسّسه ورسمَه». وقال في تفسير الهعخع بأنه الشجرة: «وَأَرْجُو أَن يكون صَحِيحا؛ فإنّ ابْن شُميل لَا يَقُول إلاّ مَا أتقنَه». وينقل قول الْفراء: «اجْتمع المفسِّرون على أَن معنى عسعس أدبَر». «أجمع المفسّرون على أنّ تَأْوِيل قَوْله (ثمَّ ليقطَعْ) : ثمَّ ليختنق. وَهُوَ محتاجٌ إِلَى شرحٍ يزِيد فِي بَيَانه». « وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: أجمعَ أهلُ النَّحْو على أنّ البعضَ شيءٌ من أَشْيَاء، أَو شَيْء من شَيْء، إلاّ هشاماً، فَإِنَّهُ زعم أَن قَول لبيد: أَو يعتلقْ بعضَ النُّفوسِ حِمَامُها فادّعى وَأَخْطَأ أنّ الْبَعْض هَاهُنَا جمع. وَلم يكن هَذَا من عمله، وإنّما أَرَادَ لبيد بِبَعْض النُّفُوس نَفسه».«وَكسر النُّون فِي (مُطْلِعُونِ) شَاذ عِنْد النحويّين أَجْمَعِينَ، وَوَجهه ضَعِيف». «اتّفق الْقُرَّاء أَجْمَعُونَ على فتح السِّين من قَوْله عَسَيْتُمْ إلاّ مَا جَاءَ عَن نَافِع أَنه كَانَ يقْرَأ: (فَهَل عسيتم) بِكَسْر السِّين. وَكَانَ يقْرَأ: عَدُوَّكُمْ (الأعرَاف: 129) ، فَدلَّ مُوَافَقَته الْقُرَّاء على عَسى على أَن الصَّوَاب قَوْله عَسَيْتُمْ فتح السِّين». «وَأجْمع القُرَّاء على الْإِظْهَار فِي قَوْله: يُحْىِ وَيُمِيتُ (الْأَعْرَاف: 158)». ونقل عن بعضهم قوله: «وَأجْمع النحويّون أَن ريحَان فِي اللُّغَة من ذَوَات الْوَاو، وَالْأَصْل رَيْوَحَان فقلبت الواوُ يَاء وأدغمتْ فِيهَا الياءُ الأولى فَصَارَت الرّيحان، ثمَّ خفّفت، كَمَا قَالُوا ميت وميْت، وَلَا يجوز فِي ريحَان التشديدُ إِلَّا على بُعد لأنّه قد زيد فِيهِ ألِف وَنون، فَخُفف بِحَذْف الْيَاء وأُلْزِم التخفيفَ». « وَقد أجمع كثير من أهل اللُّغَة أَن الكَرْه والكُرْهَ لُغَتَانِ فَبِأَي لُغَة قرىء فَجَائِز إِلَّا الفَرَّاء فَإِنَّهُ زعم أَن الكُرْه مَا أكرهتَ نفسَك عَلَيْهِ، والكَرْه ما أكرهكَ غيرُكَ عَلَيْهِ، جئْتُك كُرهاً وأدخلتني كَرْهاً، وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله: وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ (البَقَرَة: 216) يُقَال كرهت الشَّيْء كَرْهاً وكُرْهاً وَكَرَاهَة وكراهية. وَقَالَ: وكلُّ مَا فِي كتاب الله من الكَرْه بِالْفَتْح (فالضمُّ) فِيهِ جائزٌ إِلَّا هَذَا الحرفَ الَّذِي فِي هَذِه الْآيَة، فإنَّ أَبَا عبيدٍ ذكر أنَّ القرَّاء مجمعون على ضمِّه ». |
الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1) | |
أدوات الحديث | |
طرائق الاستماع إلى الحديث | |
|
|
الأحاديث المشابهة | ||||
الحديث | مرسل الحديث | الملتقى | مشاركات | آخر مشاركة |
نماذج من تواضع العلماء | ابو عبد الأكرم | حلقة العلوم الشرعية | 1 | 10-03-2014 01:06 PM |
موعظة العلماء بالشعر | أم محمد | حلقة العلوم الشرعية | 5 | 12-09-2012 10:35 PM |
ما زلتُ مرتحلا إلى العلماء | أحمد بن حسنين المصري | حلقة الأدب والأخبار | 20 | 09-09-2012 10:49 PM |
هل أفعال العلماء حجة على الشريعة ؟ | تألق | حلقة العلوم الشرعية | 0 | 05-02-2012 02:22 PM |
الفرق بين العلماء والوعاظ | أم محمد | حلقة العلوم الشرعية | 1 | 26-01-2012 02:56 PM |