يقول السخاوي في كتابه (المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي) ـ بعد أن ذكر نص رسالة النووي إلى نائب السلطنة بدمشق يطلب منه جمع الناس للاستسقاء ـ
ولما وصلت الرسالة لولّي الأمر " وفّقه الله
" أمر محتسب البلد فنادى ساعته في الناس بصيام ثلاثة أيام، أولها يوم الاثنين، الثاني عشر من جمادى الأولى المذكور، وبالصدقة والمعروف ومصالحة الأعداء، وغير ذلك مما هو من آداب الاستسقاء. ثم خرج ولّي والناس يوم الخميس، الخامس عشر من الشهر المذكور، واستسقوا، ثم سقوا بعد ذلك بتسعة أيام سقيا عامة، وترادفت أمطار كثيرة، بعد أن حصل لكثير من الناس قنوط. فلله الحمد على نعمه والتوفيق لإظهار شعائر دينه، ومتابعة رسوله
، والاعتناء بسنّته، ومسارعة المسلمين إليها.
وكتب وليّ الأمر إلى نوابه في البلدان يأمرهم بالاستسقاء في اليوم الذي يستسقي فيه أهل دمشق، فامتثلوا أمره في ذلك، فسقوا كلهم في بلدانهم في الوقت المذكور، ثم وقعت في البلدان ثلوج كثيرة لم ير في تلك السنين مثلها،
وأبطل تضمين الحانات والخمور، وأريقت على كل من وجدت عنده، في دمشق وسائر بلاد الشام،
ورفعت المنكرات " ولله الحمد " رفعا تاما، بعد أن كانت شائعة أفحش الشياع وذلك في ربيع الآخر من السنة،
ثم جعل الله الكريم في الغلات أنواع البركات، وأخصبت الغلات في جميع بلاد الشام إلى حد لم يعهد مثله من نحو ثلاثين سنة.ثم أعقب ذلك رخص " لكثرة الغلات " لم يعهد مثله من نحو خمس عشر سنة، حتى بيعت غرارة القمح بثلاثين درهما وبأربعين وما بينهما، والشعير بأربعة عشر درهماً، وقلت رغبة الناس في الغلات، لكثرتها، والله الحمد والمنة.
وهذا كله لفظ الشيخ، وأردفه بفضل في صفة الاستسقاء وآدابه، وقرأ جميع ذلك عليه تلميذه ابن العطار، في يوم السبت خامس عشر ربيع الآخر سنة خمس وسبعين وستمائة بالرواحية بدمشق، ثم حدّث بن البرهان أبو إسحاق إبراهيم بن الضياء أحمد بن إبراهيم بن فلاح بن محمد الإسكندري، عن العلاء ابن العطار، إجازة إن لم يكن سماعا، وأنبأني به العز أبو محمد الحنفي، عن أبي إسحاق المذكور انتهى.